إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. لماذا غدامس؟

 

بقلم: نزار مقني

لطالما كانت مدينة غدامس طوال سنوات ما بعد "الثورة الليبية" على نظام العقيد معمر القذافي بمثابة "واحة للسلام" على الأطراف الشمالية للصحراء الإفريقية الكبرى، حيث أن معظم الفرقاء الليبيين كانوا يختارونها كمدينة للتباحث والتفاوض في عدة مسارات كمسار التقارب بين نواب مجلس النواب، أو مسار تشكيل الحكومات والمجالس الرئاسية منذ بداية الحرب بين الشرق والغرب بعيد انتخابات المجلس النيابي سنة 2014.

إلا أنه بالرغم من أن هذه الرمزية التي تمتعت بها مدينة غدامس، إلا أن موقعها الجغرافي يشكل "تقدما" استراتيجيا لكل من يسيطر عليها من الفرقاء الليبيين، خصوصا وأن تتموقع في مستوى مثلث حدودي بين تونس والجزائر، وهي بذلك تمثل بوابة بين البلدين.

ولعل هذه الخصائص الجغراسياسية التي تتمتع بها غدامس، إضافة إلى أنها مدينة تحتضن مطارا دوليا، وبوابات عبور للدول المجاورة وخاصة الجزائر، تمثل في البعد العسكري ورقة جوكر لكل من يسيطر عليها، وذلك على مستويين: مستوى عسكري، حيث أنها من الممكن أن تمثل نقطة ارتكاز لوجستي للإمداد العسكري أو حتى للمناورة العسكرية، ومستوى سياسي حيث أن من يسيطر عليها يمكنه أن يكون بعيدا عن العزلة الإقليمية، وهذا ما تستفيد منه حكومة الوحدة الوقتية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة وحلفاؤه في غرب ليبيا.

ولنفس هذه الأسباب يبدو أن تحرك قوات "المشير" خليفة حفتر تجاه أقصى الحدود الغربية لليبيا مع الجزائر، اعتبر حسب المسؤولين في طرابلس على أنه توجه للسيطرة على غدامس التي تعتبر من آخر النقاط التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة في الشريط الحدودي الغربي باعتبار السيطرة الكبيرة لقوات حفتر وحلفائه من الميليشيات على جزء كبير من الجنوب الغربي انطلاقا سبها.

ويبدو أن التحركات الأخيرة لقوات حفتر بقيادة ابنه صدام الذي عين قائدا للقوات البرية، تسبب في كثير من الاضطرابات، حيث أن التحشيد في هذه المنطقة أدى إلى زيادة التحشيد من المليشيات المناوئة له في الجنوب، خوفا من تحرك مفاجئ من هذه القوى في اتجاه الشمال أي المناطق التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة، وهذا ما تسبب في بداية "تشققات" للسلم الهش القائم بمقتضى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه سنة 2020، والذي يمكن أن يسقط في أي لحظة إذا ما هاجمت قوات حفتر غدامس.

ويبدو أن حفتر لم ينس خروج قواته المذل من قاعدة الوطية التي كان يسيطر عليها في المنطقة الغربية وغير بعيد من الحدود التونسية، والتي تم تسليمها فيما بعد إلى الجيش التركي بمقتضى بروتوكول عسكري تم إمضاؤه بين الطرفين في أكتوبر سنة 2022، وخصوصا وأن هذه القاعدة كانت تتيح له ميزة إستراتيجية عسكرية وخاصة من حيث الإمدادات من شرق ليبيا حيث مناطق السيطرة لقوات حفتر، وهي نفس الميزة التي يبدو أنه يبحث عنها في سيطرته على غدامس ومطارها.

كذلك فإن سيطرة حفتر على هذه المدينة ستمكنه من منع أي تحرك لحلفاء الدبيبة نحو الجنوب، وعزله عن العمق الجزائري، وبالتالي عن أي اتجاه للدبيبة لتطوير العلاقات السياسية مع الجزائر وتونس.

ولا يبدو أن الاتجاه نحو غدامس لا يخلو من رهانات على مستوى الصراع الدولي، خصوصا مع الامتداد الروسي في الدول الجنوبية المجاورة لليبيا كالنيجر ومالي وبوركينا فاسو والتشاد، فكل هذه الدول فكت ارتباطها بالغرب، واتجهت إلى أحضان موسكو ومن ورائها الصين، في وقت تسيطر فيه قوات حفتر، المتحالفة عسكريا واستراتيجيا مع روسيا (حضور قوات فاغنر في ليبيا وقتالها معه في الحرب الأخيرة)، والتي يبدو أنها تعمل على زيادة مد نفوذها أكثر نحو الشمال، وخصوصا نحو المناطق التي تعتبر موطئ قدم بالنسبة للأتراك والأمريكيين وتمثل حضورا بالنسبة لحلف الشمال الأطلسي وهذا ما تمثله المنطقة الغربية التي تسيطر عليها طرابلس والتي قامت بتطبيع العلاقات مع تركيا عسكريا وأصبح الوجود التركي العسكري أمرا واقعا إما في الوطية أو في القواعد البحرية والجوية الممتدة من الزاوية شمالا نحو مصراتة شرق العاصمة الليبية.

ولعل مثل هذا الرهان يعتبر من بين الأسباب التي تحرك الآلة الديبلوماسية الأمريكية في ليبيا لحسم الصراع الليبي سياسيا، ضمن "خطة المسارات الثلاث" (الاقتصادي والسياسي ولعسكري) والتي حققت نجاحات في بعضها إلا أن بعضها الآخر فشل في التقدم ولو قيد أنملة وأبرزها المسار العسكري.

 

 

 

بالبنط العريض..   لماذا غدامس؟

 

بقلم: نزار مقني

لطالما كانت مدينة غدامس طوال سنوات ما بعد "الثورة الليبية" على نظام العقيد معمر القذافي بمثابة "واحة للسلام" على الأطراف الشمالية للصحراء الإفريقية الكبرى، حيث أن معظم الفرقاء الليبيين كانوا يختارونها كمدينة للتباحث والتفاوض في عدة مسارات كمسار التقارب بين نواب مجلس النواب، أو مسار تشكيل الحكومات والمجالس الرئاسية منذ بداية الحرب بين الشرق والغرب بعيد انتخابات المجلس النيابي سنة 2014.

إلا أنه بالرغم من أن هذه الرمزية التي تمتعت بها مدينة غدامس، إلا أن موقعها الجغرافي يشكل "تقدما" استراتيجيا لكل من يسيطر عليها من الفرقاء الليبيين، خصوصا وأن تتموقع في مستوى مثلث حدودي بين تونس والجزائر، وهي بذلك تمثل بوابة بين البلدين.

ولعل هذه الخصائص الجغراسياسية التي تتمتع بها غدامس، إضافة إلى أنها مدينة تحتضن مطارا دوليا، وبوابات عبور للدول المجاورة وخاصة الجزائر، تمثل في البعد العسكري ورقة جوكر لكل من يسيطر عليها، وذلك على مستويين: مستوى عسكري، حيث أنها من الممكن أن تمثل نقطة ارتكاز لوجستي للإمداد العسكري أو حتى للمناورة العسكرية، ومستوى سياسي حيث أن من يسيطر عليها يمكنه أن يكون بعيدا عن العزلة الإقليمية، وهذا ما تستفيد منه حكومة الوحدة الوقتية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة وحلفاؤه في غرب ليبيا.

ولنفس هذه الأسباب يبدو أن تحرك قوات "المشير" خليفة حفتر تجاه أقصى الحدود الغربية لليبيا مع الجزائر، اعتبر حسب المسؤولين في طرابلس على أنه توجه للسيطرة على غدامس التي تعتبر من آخر النقاط التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة في الشريط الحدودي الغربي باعتبار السيطرة الكبيرة لقوات حفتر وحلفائه من الميليشيات على جزء كبير من الجنوب الغربي انطلاقا سبها.

ويبدو أن التحركات الأخيرة لقوات حفتر بقيادة ابنه صدام الذي عين قائدا للقوات البرية، تسبب في كثير من الاضطرابات، حيث أن التحشيد في هذه المنطقة أدى إلى زيادة التحشيد من المليشيات المناوئة له في الجنوب، خوفا من تحرك مفاجئ من هذه القوى في اتجاه الشمال أي المناطق التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة، وهذا ما تسبب في بداية "تشققات" للسلم الهش القائم بمقتضى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه سنة 2020، والذي يمكن أن يسقط في أي لحظة إذا ما هاجمت قوات حفتر غدامس.

ويبدو أن حفتر لم ينس خروج قواته المذل من قاعدة الوطية التي كان يسيطر عليها في المنطقة الغربية وغير بعيد من الحدود التونسية، والتي تم تسليمها فيما بعد إلى الجيش التركي بمقتضى بروتوكول عسكري تم إمضاؤه بين الطرفين في أكتوبر سنة 2022، وخصوصا وأن هذه القاعدة كانت تتيح له ميزة إستراتيجية عسكرية وخاصة من حيث الإمدادات من شرق ليبيا حيث مناطق السيطرة لقوات حفتر، وهي نفس الميزة التي يبدو أنه يبحث عنها في سيطرته على غدامس ومطارها.

كذلك فإن سيطرة حفتر على هذه المدينة ستمكنه من منع أي تحرك لحلفاء الدبيبة نحو الجنوب، وعزله عن العمق الجزائري، وبالتالي عن أي اتجاه للدبيبة لتطوير العلاقات السياسية مع الجزائر وتونس.

ولا يبدو أن الاتجاه نحو غدامس لا يخلو من رهانات على مستوى الصراع الدولي، خصوصا مع الامتداد الروسي في الدول الجنوبية المجاورة لليبيا كالنيجر ومالي وبوركينا فاسو والتشاد، فكل هذه الدول فكت ارتباطها بالغرب، واتجهت إلى أحضان موسكو ومن ورائها الصين، في وقت تسيطر فيه قوات حفتر، المتحالفة عسكريا واستراتيجيا مع روسيا (حضور قوات فاغنر في ليبيا وقتالها معه في الحرب الأخيرة)، والتي يبدو أنها تعمل على زيادة مد نفوذها أكثر نحو الشمال، وخصوصا نحو المناطق التي تعتبر موطئ قدم بالنسبة للأتراك والأمريكيين وتمثل حضورا بالنسبة لحلف الشمال الأطلسي وهذا ما تمثله المنطقة الغربية التي تسيطر عليها طرابلس والتي قامت بتطبيع العلاقات مع تركيا عسكريا وأصبح الوجود التركي العسكري أمرا واقعا إما في الوطية أو في القواعد البحرية والجوية الممتدة من الزاوية شمالا نحو مصراتة شرق العاصمة الليبية.

ولعل مثل هذا الرهان يعتبر من بين الأسباب التي تحرك الآلة الديبلوماسية الأمريكية في ليبيا لحسم الصراع الليبي سياسيا، ضمن "خطة المسارات الثلاث" (الاقتصادي والسياسي ولعسكري) والتي حققت نجاحات في بعضها إلا أن بعضها الآخر فشل في التقدم ولو قيد أنملة وأبرزها المسار العسكري.