إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خطوة متقدمة نحو تكريس الدولة الاجتماعية في تونس

تونس – الصباح

رغم اختلاف السياقات السياسية والدستورية والقانونية، فإن قرار رئاسة الجمهورية بتعيين كمال المدوري منذ يوم 7 من الشهر الجاري رئيسا للحكومة خلفا لأحمد الحشاني، الذي تمت إقالته بعد عام وثمانية أيام من تعيينه ومباشرته لمهامه بقصر الحكومة بالقصبة، يعد التعيين الخامس لرئيس حكومة في عهدة رئاسة قيس سعيد للجمهورية التي انطلقت منذ أكتوبر 2019 وقبل أقل من شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية التي يعد سعيد أحد المترشحين لخوضها. لذلك فإن تعيين المدوري على رأس الحكومة قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية ورغم غياب أي خلفية سياسية له، فإنه يحمل في أبعاده عدة رسائل وقراءات كان سعيد قد أكدها في مناسبة سابقة أن رهان المرحلة هو العمل لا غير الأمر الذي يجعل رئيس الحكومة الجديد أمام تحديات كبيرة.

والمدوري الذي كان يشغل منصب وزير للشؤون الاجتماعية منذ 26 ماي 2024 هو رئيس الحكومة الثالث في حكومة ما بعد 25 جويلية 2021. باعتبار أن أول رئيسة حكومة في هذه المرحلة كانت نجلاء بودن التي باشرت مهامها على رأس حكومة الرئيس منذ 11 أكتوبر 2021 وتمت إقالتها يوم غرة أوت 2023. فيما كان إلياس الفخفاخ أول رئيس حكومة في المرحلة الأولى من عهدة رئاسة قيس سعيد للجمهورية في إطار نظام حكم مختلط شبه برلماني. وقد قدم استقالة حكومته يوم 15 جويلية 2020 بعد أن كانت حكومته مهددة بسحب الثقة من أغلبية الكتل البرلمانية والحزبية في البرلمان أي بعد ستة أشهر وستة أيام من مباشرة مهامها، ليكون هشام المشيشي خلفا له في نفس المهمة من 2 سبتمبر من نفس السنة إلى غاية 25 جويلية 2021 بعد قرار رئيس الجمهورية إقالته وحكومته وذلك في إطار تغيير الوضع السياسي وبموجب الفصل 80 من الدستور.

وبقطع النظر عن الخوض في أسباب إقالة الحشاني نظرا لغياب التقييم ثم أن الدستور الجديد ينص على أن رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء يضطلع بمهمة تسيير أعمال الحكومة التي يختارها رئيس الجمهورية لمساعدته في ممارسة السلطة التنفيذية، ويكون هو وكامل أعضاء الحكومة مسؤولين عن أعمالهم أمام رئيس الجمهورية دون سواه. فيما نص الفصل 101 من نفس الدستور على أن "يعيّن رئيس الجمهوريّة رئيس الحكومة، كما يعيّن بقيّة أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها". ولم يسبق أن كشف رئيس الجمهورية عن أسباب إقالة أي من رؤساء الحكومات الذين تمت إقالتهم سابقا. والشأن نفسه بالنسبة للوزراء المقالين في حكومة ما بعد المسار تحديدا.

 ملفات وانتظارات

لئن قدمت رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن برنامج عمل حكومتها وقدمت أولوياتها التي تهدف لضمان تحقيق الأمل الاقتصادي والاجتماعي من خلال العمل على استعادة الثقة في الدولة واستعادة ثقة الشباب في نفسه واستعادة ثقة المواطن في الإدارة وفي المرفق العمومي واستعادة ثقة الأطراف الأجنبية في تونس، إلا أن أحمد الحشاني لم يسبق أن تحدث عن برامج أو وعود، رغم أن تعيينه كان بعد وضع دستور جديد وانطلاق المؤسسة التشريعية الجديدة في مباشرة مهامها. وقد سجلت فترة حكمه إقالة أكبر عدد من الوزراء. وذلك بعد إقالة سمير سعيد، وزير الاقتصاد والتخطيط في أكتوبر الماضي وتعيين فريال الورغي حرم السبعي خلفا له على رأس نفس الوزارة بعد شغور لمدة أكثر من نصف سنة. إضافة لإقالة وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي في 4 ماي الماضي وتعيين فاطمة ثابت حرم شيبوب خلفا لها وتعيين سمير عبد الحفيظ، كاتب دولة لدى وزيرة الاقتصاد والتخطيط مكلفاً بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة ووائل شوشان، كاتب دولة لدى وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة مكلفاً بالانتقال الطاقي. وسجلت فترة حكم الحشاني أيضا إقالة وزير التربية محمد علي البوغديري في غرة أفريل الماضي وتعيين سلوى العباسي على رأس نفس الوزارة وإقالة كل من وزير الداخلية كمال الفقيه ومالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية في 25 ماي الماضي وتعيين كل من خالد النوري خلفا للأول وكمال المدوري خلفا للثاني.

فيما لا تزال عدة وزارات تشكو شغورات إلى غاية هذه المرحلة. فوزارة الشؤون الثقافية يتولى إدارتها بالنيابة منصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي وذلك منذ إقالة حياة قطاط القرمازي في مارس الماضي. والأمر نفسه بالنسبة لوزارة النقل بعد تم تكليف سارة الزنزري الزعفراني وزيرة التجهيز والإسكان بتسييرها مؤقتا منذ إقالة ربيع المجيدي. ولا تزال وزارة الشؤون الدينية دون وزير منذ إقالة إبراهيم الشائبي في جوان الماضي.

في المقابل سجلت نفس الفترة سد الشغور الحاصل على رأس وزارة التشغيل والتكوين المهني وذلك بتعيين لطفي ذياب وزيرا ورياض شَوِد، كاتب دولة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني مكلفاً بالشركات الأهلية باعتبار أن إقالة نصر الدين النصيبي جرت في فيفري 2023.

وطفت على سطح الأحداث في الأشهر الماضية ما يبين تأزم العلاقة بين بعض نواب البرلمان ورئاسة الحكومة بعد أن حمل النواب مسؤولية التراخي وعدم الحسم في بعض مشاريع القوانين لاسيما منها الحارقة، إلى الحكومة على اعتبار تراخيها ودورها أحيانا في تعطيل بعض مشاريع القوانين.

كما شكلت بعض الملفات التي اعتبرها رئيس الجمهورية من أولويات السلطة التنفيذية وعنوانا لمشروعه السياسي خاصة منها الملفات الاجتماعية بالأساس، هاجسا لرئيس الجمهورية على غرار القضاء على المناولة وملف الشهائد المزورة والفضاء على التهميش وتكريس العدالة بين الجهات والتشغيل على الاحتكار واللوبيات وأزمة قطع الماء وغيرها من المسائل التي لطالما شكلت محور لقاء سعيد برئيس الحكومة السابق وغيره من وزراء حكومته بهدف تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية.

فضلا عن الانتقادات الواسعة من الطبقة السياسية بشقيها الدعم للمسار أو المعارض له لأداء الحكومة وعدم انسجامها في بعض قراراتها وبرامج عملها مع سياسة رئيس الجمهورية وتوجهاته لتكريس الدولة الاجتماعية.

 شغورات بالجملة

لم تقتصر الشغورات على رأس بعض الوزارات والمؤسسات الكبرى في الدولة فقط وإنما لا تزال عدة ولايات دون ولاة ويتولى إدارتها معتمدين بصفة مؤقتة، على غرار تونس وأريانة وصفاقس وباجة وقابس والقيروان والمنستير والمهدية والكاف. والأمر نفسه بالنسبة للشغور في المعتمدين في بعض المناطق.

وقد اعتبر عدد من المتابعين للشأن الوطني تداعيات مثل هذه الشغورات سلبيا على عدة مستويات لاسيما في ظل تزامنها مع المرحلة الانتخابية وتواصل أزمات نقص الماء وقطع الكهرباء والماء في حر الصيف في عدة جهات، كما أن المشاكل الاجتماعية التي تفاقم بعضها يجعل الملاحظين يراهنون أن الملفات الاجتماعية هي التي عجلت بإقالة احمد الحشاني وحسمت في أمر اختيار وزير الشؤون الاجتماعية الذي خبر المجال الاجتماعي جيدا حتى من قبل تعيينه على رأس الوزارة، رئيسا جديدا لحكومة البلاد قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية الجديدة المنتظرة.

حياة السايب

 

 

 

 

 

خطوة متقدمة نحو تكريس الدولة الاجتماعية في تونس

تونس – الصباح

رغم اختلاف السياقات السياسية والدستورية والقانونية، فإن قرار رئاسة الجمهورية بتعيين كمال المدوري منذ يوم 7 من الشهر الجاري رئيسا للحكومة خلفا لأحمد الحشاني، الذي تمت إقالته بعد عام وثمانية أيام من تعيينه ومباشرته لمهامه بقصر الحكومة بالقصبة، يعد التعيين الخامس لرئيس حكومة في عهدة رئاسة قيس سعيد للجمهورية التي انطلقت منذ أكتوبر 2019 وقبل أقل من شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية التي يعد سعيد أحد المترشحين لخوضها. لذلك فإن تعيين المدوري على رأس الحكومة قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية ورغم غياب أي خلفية سياسية له، فإنه يحمل في أبعاده عدة رسائل وقراءات كان سعيد قد أكدها في مناسبة سابقة أن رهان المرحلة هو العمل لا غير الأمر الذي يجعل رئيس الحكومة الجديد أمام تحديات كبيرة.

والمدوري الذي كان يشغل منصب وزير للشؤون الاجتماعية منذ 26 ماي 2024 هو رئيس الحكومة الثالث في حكومة ما بعد 25 جويلية 2021. باعتبار أن أول رئيسة حكومة في هذه المرحلة كانت نجلاء بودن التي باشرت مهامها على رأس حكومة الرئيس منذ 11 أكتوبر 2021 وتمت إقالتها يوم غرة أوت 2023. فيما كان إلياس الفخفاخ أول رئيس حكومة في المرحلة الأولى من عهدة رئاسة قيس سعيد للجمهورية في إطار نظام حكم مختلط شبه برلماني. وقد قدم استقالة حكومته يوم 15 جويلية 2020 بعد أن كانت حكومته مهددة بسحب الثقة من أغلبية الكتل البرلمانية والحزبية في البرلمان أي بعد ستة أشهر وستة أيام من مباشرة مهامها، ليكون هشام المشيشي خلفا له في نفس المهمة من 2 سبتمبر من نفس السنة إلى غاية 25 جويلية 2021 بعد قرار رئيس الجمهورية إقالته وحكومته وذلك في إطار تغيير الوضع السياسي وبموجب الفصل 80 من الدستور.

وبقطع النظر عن الخوض في أسباب إقالة الحشاني نظرا لغياب التقييم ثم أن الدستور الجديد ينص على أن رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء يضطلع بمهمة تسيير أعمال الحكومة التي يختارها رئيس الجمهورية لمساعدته في ممارسة السلطة التنفيذية، ويكون هو وكامل أعضاء الحكومة مسؤولين عن أعمالهم أمام رئيس الجمهورية دون سواه. فيما نص الفصل 101 من نفس الدستور على أن "يعيّن رئيس الجمهوريّة رئيس الحكومة، كما يعيّن بقيّة أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها". ولم يسبق أن كشف رئيس الجمهورية عن أسباب إقالة أي من رؤساء الحكومات الذين تمت إقالتهم سابقا. والشأن نفسه بالنسبة للوزراء المقالين في حكومة ما بعد المسار تحديدا.

 ملفات وانتظارات

لئن قدمت رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن برنامج عمل حكومتها وقدمت أولوياتها التي تهدف لضمان تحقيق الأمل الاقتصادي والاجتماعي من خلال العمل على استعادة الثقة في الدولة واستعادة ثقة الشباب في نفسه واستعادة ثقة المواطن في الإدارة وفي المرفق العمومي واستعادة ثقة الأطراف الأجنبية في تونس، إلا أن أحمد الحشاني لم يسبق أن تحدث عن برامج أو وعود، رغم أن تعيينه كان بعد وضع دستور جديد وانطلاق المؤسسة التشريعية الجديدة في مباشرة مهامها. وقد سجلت فترة حكمه إقالة أكبر عدد من الوزراء. وذلك بعد إقالة سمير سعيد، وزير الاقتصاد والتخطيط في أكتوبر الماضي وتعيين فريال الورغي حرم السبعي خلفا له على رأس نفس الوزارة بعد شغور لمدة أكثر من نصف سنة. إضافة لإقالة وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي في 4 ماي الماضي وتعيين فاطمة ثابت حرم شيبوب خلفا لها وتعيين سمير عبد الحفيظ، كاتب دولة لدى وزيرة الاقتصاد والتخطيط مكلفاً بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة ووائل شوشان، كاتب دولة لدى وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة مكلفاً بالانتقال الطاقي. وسجلت فترة حكم الحشاني أيضا إقالة وزير التربية محمد علي البوغديري في غرة أفريل الماضي وتعيين سلوى العباسي على رأس نفس الوزارة وإقالة كل من وزير الداخلية كمال الفقيه ومالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية في 25 ماي الماضي وتعيين كل من خالد النوري خلفا للأول وكمال المدوري خلفا للثاني.

فيما لا تزال عدة وزارات تشكو شغورات إلى غاية هذه المرحلة. فوزارة الشؤون الثقافية يتولى إدارتها بالنيابة منصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي وذلك منذ إقالة حياة قطاط القرمازي في مارس الماضي. والأمر نفسه بالنسبة لوزارة النقل بعد تم تكليف سارة الزنزري الزعفراني وزيرة التجهيز والإسكان بتسييرها مؤقتا منذ إقالة ربيع المجيدي. ولا تزال وزارة الشؤون الدينية دون وزير منذ إقالة إبراهيم الشائبي في جوان الماضي.

في المقابل سجلت نفس الفترة سد الشغور الحاصل على رأس وزارة التشغيل والتكوين المهني وذلك بتعيين لطفي ذياب وزيرا ورياض شَوِد، كاتب دولة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني مكلفاً بالشركات الأهلية باعتبار أن إقالة نصر الدين النصيبي جرت في فيفري 2023.

وطفت على سطح الأحداث في الأشهر الماضية ما يبين تأزم العلاقة بين بعض نواب البرلمان ورئاسة الحكومة بعد أن حمل النواب مسؤولية التراخي وعدم الحسم في بعض مشاريع القوانين لاسيما منها الحارقة، إلى الحكومة على اعتبار تراخيها ودورها أحيانا في تعطيل بعض مشاريع القوانين.

كما شكلت بعض الملفات التي اعتبرها رئيس الجمهورية من أولويات السلطة التنفيذية وعنوانا لمشروعه السياسي خاصة منها الملفات الاجتماعية بالأساس، هاجسا لرئيس الجمهورية على غرار القضاء على المناولة وملف الشهائد المزورة والفضاء على التهميش وتكريس العدالة بين الجهات والتشغيل على الاحتكار واللوبيات وأزمة قطع الماء وغيرها من المسائل التي لطالما شكلت محور لقاء سعيد برئيس الحكومة السابق وغيره من وزراء حكومته بهدف تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية.

فضلا عن الانتقادات الواسعة من الطبقة السياسية بشقيها الدعم للمسار أو المعارض له لأداء الحكومة وعدم انسجامها في بعض قراراتها وبرامج عملها مع سياسة رئيس الجمهورية وتوجهاته لتكريس الدولة الاجتماعية.

 شغورات بالجملة

لم تقتصر الشغورات على رأس بعض الوزارات والمؤسسات الكبرى في الدولة فقط وإنما لا تزال عدة ولايات دون ولاة ويتولى إدارتها معتمدين بصفة مؤقتة، على غرار تونس وأريانة وصفاقس وباجة وقابس والقيروان والمنستير والمهدية والكاف. والأمر نفسه بالنسبة للشغور في المعتمدين في بعض المناطق.

وقد اعتبر عدد من المتابعين للشأن الوطني تداعيات مثل هذه الشغورات سلبيا على عدة مستويات لاسيما في ظل تزامنها مع المرحلة الانتخابية وتواصل أزمات نقص الماء وقطع الكهرباء والماء في حر الصيف في عدة جهات، كما أن المشاكل الاجتماعية التي تفاقم بعضها يجعل الملاحظين يراهنون أن الملفات الاجتماعية هي التي عجلت بإقالة احمد الحشاني وحسمت في أمر اختيار وزير الشؤون الاجتماعية الذي خبر المجال الاجتماعي جيدا حتى من قبل تعيينه على رأس الوزارة، رئيسا جديدا لحكومة البلاد قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية الجديدة المنتظرة.

حياة السايب