أفادت البيانات اليومية من البنك المركزي التونسي (BCT) بأن مبلغ النقد المتداول في السوق تجاوز حاجز 22.5 مليار دينار لأول مرة في 7 أوت 2024، مما يمثل زيادة بأكثر من 2 مليار دينار مقارنة بنفس التاريخ من العام الماضي. واستمرت هذه الزيادة خلال الأشهر الأخيرة، خاصة خلال فترة رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الزيادة تعود إلى ارتفاع النشاط الاقتصادي والاستهلاك خلال الأعياد، بالإضافة إلى تأثير معدلات التضخم التي دفعت الكثيرين إلى تفضيل الاحتفاظ بالنقد بدلاً من إيداعه في البنوك. كما أن هناك قلقًا من أن هذه الزيادة في السيولة قد تؤدي إلى ضغوط تضخمية إذا لم يتم امتصاصها بشكل مناسب.
تدابير البنك المركزي
واستجابة لهذه الزيادة، اتخذ البنك المركزي التونسي عدة تدابير، منها رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض تدريجيًا، وزيادة نسبة الاحتياطي النقدي المطلوب من البنوك. كما أصدر البنك سندات وأذونات خزانة بأسعار فائدة جذابة لامتصاص السيولة.
ويخشى بعض الخبراء من أن ارتفاع النقد المتداول قد يسبب انخفاضًا في قيمة الدينار ويعزز الاقتصاد غير الرسمي، مما يزيد من صعوبة تنفيذ الأفراد والشركات لالتزاماتهم الضريبية.
وليست هذه المرة الأولى التي يسجل فيها، ارتفاع ملحوظ في حجم الكتلة النقدية المتداولة داخل البلاد خلال الفترة الأخيرة، ففي وقت سابق بلغ حجم الأوراق النقدية والمسكوكات المتداولة 21.8 مليار دينار تونسي، وكان حجم الأموال المتداولة قد وصل إلى 18.5 مليار دينار في الفترة المماثلة من العام السابق، بزيادة قدرها 2.8 مليار دينار.
وأرجع الخبير الاقتصادي، معز حديدان، في تصريح سابق لـ"الصباح" هذا الارتفاع إلى نمو الكتلة النقدية التي يضخها البنك المركزي بمعدل 8% خلال السنوات الثماني الأخيرة، مقارنة بنمو بنحو 1% فقط في الفترات السابقة. ويشير هذا إلى معدل تضخم مالي في حدود 7%، الأمر الذي قد يُثير القلق، خاصة مع الجهود الرامية للسيطرة على التضخم في البلاد.
وأضاف حديدان أن هذا الارتفاع اللافت في حجم الكتلة النقدية المتداولة يعود أيضًا إلى خروج مبالغ مالية كبيرة من الاقتصاد الرسمي إلى الاقتصاد الموازي، الأمر الذي قد يؤثر سلبيًا على النشاط الاقتصادي في تونس، ويتسبب في نقص السيولة النقدية. ودعا الخبير إلى ضرورة قيام البنك المركزي بضخ المزيد من الأموال في القطاع البنكي لتفادي هذا النقص في السيولة خلال الفترة القادمة، وهو الأمر الذي نلمسه اليوم من خلال الزيادة الأخيرة في حجم الأموال المتداولة.
تعزيز الدفع الرقمي
ودعا الخبراء إلى تعزيز الدفع الرقمي كوسيلة للحد من التضخم النقدي. وأكدوا على أهمية تشديد السياسة النقدية عبر زيادة أسعار الفائدة، وتشجيع استخدام أدوات الدفع الإلكترونية بدلاً من النقد، بالإضافة إلى مكافحة الاقتصاد غير الرسمي.
وتتعدد التأثيرات السلبية لارتفاع النقد المتداول على الاقتصاد التونسي. أولاً، يمكن أن تؤدي زيادة السيولة إلى ضغوط تضخمية، مما يعني ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. كما أن هذه الزيادة تعرقل جهود الحكومة في التحول نحو نظام المدفوعات الرقمية، وهو أحد أهداف السياسة النقدية.
علاوة على ذلك، فإن ارتفاع النقد المتداول قد يزيد من تعقيد إدارة السيولة بالنسبة للبنك المركزي، حيث يتطلب الأمر اتخاذ تدابير فعالة للحد من المخاطر المرتبطة بزيادة النقد، مثل انخفاض قيمة الدينار وضعف الاقتصاد الرسمي.
طرق معالجة ارتفاع النقد المتداول
لمواجهة هذه التحديات، اقترح الخبراء عدة استراتيجيات، منها رفع أسعار الفائدة، حيث يُعتبر رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض طريقة فعالة لتشجيع الادخار وتقليل الاستهلاك، من خلال زيادة تكلفة الاقتراض، ويمكن للبنك المركزي تقليل كمية النقد المتداول في السوق، كما يمكن للبنك المركزي رفع نسبة الاحتياطي النقدي التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها. هذه الخطوة ستحجم من قدرة البنوك على إقراض الأموال، مما يساعد في تقليل السيولة المتاحة في السوق.
والى جانب ذلك يقترح بعض الخبراء، تشجيع استخدام الوسائل الرقمية للدفع والتي تعد من الحلول الهامة، من خلال تعزيز الشمول المالي، ويمكن تقليل الاعتماد على النقد، مما يساعد في التحكم في السيولة.
كما يجب على الحكومة والبنك المركزي إطلاق حملات توعية تهدف إلى تشجيع المواطنين على الادخار في البنوك وشرح فوائد استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، فضلا عن مراقبة الاقتصاد غير الرسمي، والذي يعتبر أحد التحديات الكبرى، حيث يساهم في تقليص الإيرادات الضريبية، لذا، يجب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الأنشطة غير الرسمية وتعزيز التزام الشركات بالضرائب.
وإجمالا، يستدعي ارتفاع النقد المتداول في تونس استجابة فعالة وشاملة من قبل البنك المركزي والحكومة، لضمان استقرار الاقتصاد وتقليل الضغوط التضخمية، من خلال تبني استراتيجيات مناسبة وتعزيز الشمول المالي، حيث يمكن لتونس أن تتجاوز هذه التحديات وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
أفادت البيانات اليومية من البنك المركزي التونسي (BCT) بأن مبلغ النقد المتداول في السوق تجاوز حاجز 22.5 مليار دينار لأول مرة في 7 أوت 2024، مما يمثل زيادة بأكثر من 2 مليار دينار مقارنة بنفس التاريخ من العام الماضي. واستمرت هذه الزيادة خلال الأشهر الأخيرة، خاصة خلال فترة رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الزيادة تعود إلى ارتفاع النشاط الاقتصادي والاستهلاك خلال الأعياد، بالإضافة إلى تأثير معدلات التضخم التي دفعت الكثيرين إلى تفضيل الاحتفاظ بالنقد بدلاً من إيداعه في البنوك. كما أن هناك قلقًا من أن هذه الزيادة في السيولة قد تؤدي إلى ضغوط تضخمية إذا لم يتم امتصاصها بشكل مناسب.
تدابير البنك المركزي
واستجابة لهذه الزيادة، اتخذ البنك المركزي التونسي عدة تدابير، منها رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض تدريجيًا، وزيادة نسبة الاحتياطي النقدي المطلوب من البنوك. كما أصدر البنك سندات وأذونات خزانة بأسعار فائدة جذابة لامتصاص السيولة.
ويخشى بعض الخبراء من أن ارتفاع النقد المتداول قد يسبب انخفاضًا في قيمة الدينار ويعزز الاقتصاد غير الرسمي، مما يزيد من صعوبة تنفيذ الأفراد والشركات لالتزاماتهم الضريبية.
وليست هذه المرة الأولى التي يسجل فيها، ارتفاع ملحوظ في حجم الكتلة النقدية المتداولة داخل البلاد خلال الفترة الأخيرة، ففي وقت سابق بلغ حجم الأوراق النقدية والمسكوكات المتداولة 21.8 مليار دينار تونسي، وكان حجم الأموال المتداولة قد وصل إلى 18.5 مليار دينار في الفترة المماثلة من العام السابق، بزيادة قدرها 2.8 مليار دينار.
وأرجع الخبير الاقتصادي، معز حديدان، في تصريح سابق لـ"الصباح" هذا الارتفاع إلى نمو الكتلة النقدية التي يضخها البنك المركزي بمعدل 8% خلال السنوات الثماني الأخيرة، مقارنة بنمو بنحو 1% فقط في الفترات السابقة. ويشير هذا إلى معدل تضخم مالي في حدود 7%، الأمر الذي قد يُثير القلق، خاصة مع الجهود الرامية للسيطرة على التضخم في البلاد.
وأضاف حديدان أن هذا الارتفاع اللافت في حجم الكتلة النقدية المتداولة يعود أيضًا إلى خروج مبالغ مالية كبيرة من الاقتصاد الرسمي إلى الاقتصاد الموازي، الأمر الذي قد يؤثر سلبيًا على النشاط الاقتصادي في تونس، ويتسبب في نقص السيولة النقدية. ودعا الخبير إلى ضرورة قيام البنك المركزي بضخ المزيد من الأموال في القطاع البنكي لتفادي هذا النقص في السيولة خلال الفترة القادمة، وهو الأمر الذي نلمسه اليوم من خلال الزيادة الأخيرة في حجم الأموال المتداولة.
تعزيز الدفع الرقمي
ودعا الخبراء إلى تعزيز الدفع الرقمي كوسيلة للحد من التضخم النقدي. وأكدوا على أهمية تشديد السياسة النقدية عبر زيادة أسعار الفائدة، وتشجيع استخدام أدوات الدفع الإلكترونية بدلاً من النقد، بالإضافة إلى مكافحة الاقتصاد غير الرسمي.
وتتعدد التأثيرات السلبية لارتفاع النقد المتداول على الاقتصاد التونسي. أولاً، يمكن أن تؤدي زيادة السيولة إلى ضغوط تضخمية، مما يعني ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. كما أن هذه الزيادة تعرقل جهود الحكومة في التحول نحو نظام المدفوعات الرقمية، وهو أحد أهداف السياسة النقدية.
علاوة على ذلك، فإن ارتفاع النقد المتداول قد يزيد من تعقيد إدارة السيولة بالنسبة للبنك المركزي، حيث يتطلب الأمر اتخاذ تدابير فعالة للحد من المخاطر المرتبطة بزيادة النقد، مثل انخفاض قيمة الدينار وضعف الاقتصاد الرسمي.
طرق معالجة ارتفاع النقد المتداول
لمواجهة هذه التحديات، اقترح الخبراء عدة استراتيجيات، منها رفع أسعار الفائدة، حيث يُعتبر رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض طريقة فعالة لتشجيع الادخار وتقليل الاستهلاك، من خلال زيادة تكلفة الاقتراض، ويمكن للبنك المركزي تقليل كمية النقد المتداول في السوق، كما يمكن للبنك المركزي رفع نسبة الاحتياطي النقدي التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها. هذه الخطوة ستحجم من قدرة البنوك على إقراض الأموال، مما يساعد في تقليل السيولة المتاحة في السوق.
والى جانب ذلك يقترح بعض الخبراء، تشجيع استخدام الوسائل الرقمية للدفع والتي تعد من الحلول الهامة، من خلال تعزيز الشمول المالي، ويمكن تقليل الاعتماد على النقد، مما يساعد في التحكم في السيولة.
كما يجب على الحكومة والبنك المركزي إطلاق حملات توعية تهدف إلى تشجيع المواطنين على الادخار في البنوك وشرح فوائد استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، فضلا عن مراقبة الاقتصاد غير الرسمي، والذي يعتبر أحد التحديات الكبرى، حيث يساهم في تقليص الإيرادات الضريبية، لذا، يجب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الأنشطة غير الرسمية وتعزيز التزام الشركات بالضرائب.
وإجمالا، يستدعي ارتفاع النقد المتداول في تونس استجابة فعالة وشاملة من قبل البنك المركزي والحكومة، لضمان استقرار الاقتصاد وتقليل الضغوط التضخمية، من خلال تبني استراتيجيات مناسبة وتعزيز الشمول المالي، حيث يمكن لتونس أن تتجاوز هذه التحديات وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا.