إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نوايا الترشح للانتخابات الرئاسية الأعلى منذ الثورة.. ضعف الأحزاب يقلص الحضور الجدي.. تغيب المنافسة عن البرامج يفسح المجال أمام الحالات النفسية وتضخم الذوات..

تونس الصباح

انتهى  مسار تقديم الترشحات للرئاسية أول أمس الثلاثاء، بإيداع 17 ملفا لمترشحين محتملين وهو ما يمثل 12% فقط من مجموع الأشخاص الذين قاموا بسحب وثيقة التزكيات والبالغ عددهم 114.

ومن المرجح أن تتقلص نسبة المترشحين بعد التثبت والبت في الترشحات باعتبار أن 4 فقط من بين الملفات المودعة لدى هيئة الانتخابات صنفت بـ"الكاملة"، أما البقية، ففضلا عن أن اثنين منهما تعلقت بهما أحكام بالحرمان من الترشح مدى الحياة صدرت عن الدائرة الجناحية الصيفية، تشكو بقية الملفات من نقص إما في عدد التزكيات أو من البطاقة عدد 3. 

ورغم أن نوايا الترشح كانت الأعلى هذه المرة فعلى الأغلب سيكون عدد المترشحين هو الأقل بالمقارنة مع المحطات الانتخابية السابقة للرئاسية، باعتبار أن القائمة النهائية للانتخابات الرئاسية المبكرة التي انتظمت يوم 15 سبتمبر 2019 قد احتوت على 26 مترشحا، وجاء ذلك بعد رفض هيئة الانتخابات لـ71 طلبا للترشح من أصل 97 تم تقديمها للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في حين قدمت 70 شخصية ملفات ترشحها في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، قبلت منها هيئة الانتخابات 27 ورفضت 41 مع تسجيل انسحابين اثنين.

نوايا ترشح بأرقام غابت عنها عقلية مراكمة التجربة أو النضج المفترض أن تكتسبه مثل هذه المحطات الانتخابية الفارقة في تاريخ البلاد.

ويصرح ماهر حنين الكاتب والباحث والمحلل السياسي، أن ما نعيشه اليوم يمثل مفارقة حقيقية، فمن ناحية نسجل تطور عدد الراغبين في الترشح للرئاسية في مقابل تراجع للمناخ السياسي، الذي غاب عنه النقاش الحر والتعددي، وبقدر ما تتجه الظاهرة السياسية نحو السطحية والارتجال وعدم الجدية نسجل ارتفاعا في عدد الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية. وهو حسب رأيه دليل على أننا لسنا بصدد البناء في مؤسسات أو ثقافة ديمقراطية وليس هناك وعي حقيقي وجدي لمعنى الترشح لرئاسة الدولة ورئاسة الجمهورية.

ويضيف حنين، أنه بقطع النظر على المناخ السياسي وبصلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي مقارنة بالدستور القديم، فان ارتفاع عدد المترشحين يدل على أنها مبنية على نوايا ذاتية تريد منها الشخصية البروز والظهور خلال الثلاثة أسابيع الحالية، أو هناك نوع من الهذيان الشخصي لدى عدد آخر من الراغبين في الترشح والذين يعتقدون أنهم قادرون على الفوز والانتصار ويستسهلون ذلك، وهي حالة نفسية أكثر منها موضوعية. هذا بالإضافة إلى سبب أساسي وهو غياب الأحزاب، فاليوم نرى أن قائمة المرشحين بمرجعيات حزبية أو كمرشح حزبي ضعيفة العدد مقارنة بـ2014، و2019، حتى أنها دون ثلث الملفات المودعة لدى هيئة الانتخابات.

ويقول في نفس السياق:"إن تفكك الأحزاب ساهم في ضعف الترشيح النابع من مؤسسات، يضاف إليه غياب البرامج السياسية وضعف التموقع السياسي والاجتماعي وحتى الطبقي والثقافي للمترشحين"، وهو ما خلق حسب رأيه نوعا من التهكم والسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي على الترشح والمترشحين وعدد الترشحات. 

وحسب تقديره، يرى ماهر حنين أن شكل هذه الترشحات وعددها  أكيد سيكون له تأثير واضح على كامل المسار وعلى المناخ العام، فالشباب الذين يتحركون أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، يرون أنها عملية غير جدية، في حين أن الديمقراطيين والسياسيين الحريصين على الموعد الانتخابي، سواء كموعد للمشاركة للتغيير الديمقراطي عن طريق الصندوق أو كموعد للمقاطعة واثبات عدم توفر شروط المشاركة، يعتبرون أن المناخ السياسي التنافسي والتعددي غير متوفر، وهذا بطبيعة الحال سينتج ضعفا في التعبئة والمشاركة، التي إما تكون طوعية إرادية، وهو أمر يمكن أن نصل إليه طبقا لتطورات الأمور في الأسابيع القادمة، أو تأتي من النقاش المجتمعي الحزبي التعددي والمجتمع المدني والإعلامي الذي يقوم بتحسيس الناخبين بأهمية المشاركة في المسار الانتخابي، وتكون ناتجة عن مستوى الاستقرار وطبيعة المناخ العام في البلاد، وهي عوامل ثلاث يمكن أن نستنتج أنها مفقودة انطلاقا من عدد نوايا الترشح الـ 114.

وأضاف المحلل السياسي والباحث ماهر حنين، أن الموعد الانتخابي هو موعد لمقارعة برامج وللتعبئة ولحشد مواطنين حول المترشح، غير أننا اليوم نجد أن كل المترشحين دون استثناء وسيلة التواصل الوحيدة بينهم وبين الناخبين هي "الفايسبوك"، وليس هناك اجتماعات أو لقاءات بالمواطنين أو فرق عمل حول البرامج. بل كلها تعلقت بجمع التزكيات والفرق القانونية وتقديم الشكايات بخطاب في جله متشابه، إنقاذ تونس والدفاع عنها وعلى شعارات الثورة، ونقاط التميز ضعيفة بين المترشحين.

وأفاد  أن  تحديد الموعد وانطلاق تقديم الترشحات والشروط القانونية، لا تؤشر بأننا يمكن أن نعيش يوم 6 أكتوبر نقلة نوعية قادمة نحو ترسيخ ثقافة المشاركة في الحياة السياسية أو التعددية أو عمق وجدية البرامج أو تكوين مواقف واضحة مما يعيشه العالم من مفارقات وأزمة مناخية واقتصادية وصعود كبير لليمين المتطرف حولنا.. ونجد جل أن الترشحات هي عبارة عن خليط من النرجسيات والذاتيات المتورمة وبعض الأشخاص الذين يرون أن مشاركتهم قد تفتح أفقا.

ريم سوودي 

نوايا الترشح للانتخابات الرئاسية الأعلى منذ الثورة.. ضعف الأحزاب يقلص الحضور الجدي.. تغيب المنافسة عن البرامج يفسح المجال أمام الحالات النفسية وتضخم الذوات..

تونس الصباح

انتهى  مسار تقديم الترشحات للرئاسية أول أمس الثلاثاء، بإيداع 17 ملفا لمترشحين محتملين وهو ما يمثل 12% فقط من مجموع الأشخاص الذين قاموا بسحب وثيقة التزكيات والبالغ عددهم 114.

ومن المرجح أن تتقلص نسبة المترشحين بعد التثبت والبت في الترشحات باعتبار أن 4 فقط من بين الملفات المودعة لدى هيئة الانتخابات صنفت بـ"الكاملة"، أما البقية، ففضلا عن أن اثنين منهما تعلقت بهما أحكام بالحرمان من الترشح مدى الحياة صدرت عن الدائرة الجناحية الصيفية، تشكو بقية الملفات من نقص إما في عدد التزكيات أو من البطاقة عدد 3. 

ورغم أن نوايا الترشح كانت الأعلى هذه المرة فعلى الأغلب سيكون عدد المترشحين هو الأقل بالمقارنة مع المحطات الانتخابية السابقة للرئاسية، باعتبار أن القائمة النهائية للانتخابات الرئاسية المبكرة التي انتظمت يوم 15 سبتمبر 2019 قد احتوت على 26 مترشحا، وجاء ذلك بعد رفض هيئة الانتخابات لـ71 طلبا للترشح من أصل 97 تم تقديمها للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في حين قدمت 70 شخصية ملفات ترشحها في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، قبلت منها هيئة الانتخابات 27 ورفضت 41 مع تسجيل انسحابين اثنين.

نوايا ترشح بأرقام غابت عنها عقلية مراكمة التجربة أو النضج المفترض أن تكتسبه مثل هذه المحطات الانتخابية الفارقة في تاريخ البلاد.

ويصرح ماهر حنين الكاتب والباحث والمحلل السياسي، أن ما نعيشه اليوم يمثل مفارقة حقيقية، فمن ناحية نسجل تطور عدد الراغبين في الترشح للرئاسية في مقابل تراجع للمناخ السياسي، الذي غاب عنه النقاش الحر والتعددي، وبقدر ما تتجه الظاهرة السياسية نحو السطحية والارتجال وعدم الجدية نسجل ارتفاعا في عدد الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية. وهو حسب رأيه دليل على أننا لسنا بصدد البناء في مؤسسات أو ثقافة ديمقراطية وليس هناك وعي حقيقي وجدي لمعنى الترشح لرئاسة الدولة ورئاسة الجمهورية.

ويضيف حنين، أنه بقطع النظر على المناخ السياسي وبصلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي مقارنة بالدستور القديم، فان ارتفاع عدد المترشحين يدل على أنها مبنية على نوايا ذاتية تريد منها الشخصية البروز والظهور خلال الثلاثة أسابيع الحالية، أو هناك نوع من الهذيان الشخصي لدى عدد آخر من الراغبين في الترشح والذين يعتقدون أنهم قادرون على الفوز والانتصار ويستسهلون ذلك، وهي حالة نفسية أكثر منها موضوعية. هذا بالإضافة إلى سبب أساسي وهو غياب الأحزاب، فاليوم نرى أن قائمة المرشحين بمرجعيات حزبية أو كمرشح حزبي ضعيفة العدد مقارنة بـ2014، و2019، حتى أنها دون ثلث الملفات المودعة لدى هيئة الانتخابات.

ويقول في نفس السياق:"إن تفكك الأحزاب ساهم في ضعف الترشيح النابع من مؤسسات، يضاف إليه غياب البرامج السياسية وضعف التموقع السياسي والاجتماعي وحتى الطبقي والثقافي للمترشحين"، وهو ما خلق حسب رأيه نوعا من التهكم والسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي على الترشح والمترشحين وعدد الترشحات. 

وحسب تقديره، يرى ماهر حنين أن شكل هذه الترشحات وعددها  أكيد سيكون له تأثير واضح على كامل المسار وعلى المناخ العام، فالشباب الذين يتحركون أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، يرون أنها عملية غير جدية، في حين أن الديمقراطيين والسياسيين الحريصين على الموعد الانتخابي، سواء كموعد للمشاركة للتغيير الديمقراطي عن طريق الصندوق أو كموعد للمقاطعة واثبات عدم توفر شروط المشاركة، يعتبرون أن المناخ السياسي التنافسي والتعددي غير متوفر، وهذا بطبيعة الحال سينتج ضعفا في التعبئة والمشاركة، التي إما تكون طوعية إرادية، وهو أمر يمكن أن نصل إليه طبقا لتطورات الأمور في الأسابيع القادمة، أو تأتي من النقاش المجتمعي الحزبي التعددي والمجتمع المدني والإعلامي الذي يقوم بتحسيس الناخبين بأهمية المشاركة في المسار الانتخابي، وتكون ناتجة عن مستوى الاستقرار وطبيعة المناخ العام في البلاد، وهي عوامل ثلاث يمكن أن نستنتج أنها مفقودة انطلاقا من عدد نوايا الترشح الـ 114.

وأضاف المحلل السياسي والباحث ماهر حنين، أن الموعد الانتخابي هو موعد لمقارعة برامج وللتعبئة ولحشد مواطنين حول المترشح، غير أننا اليوم نجد أن كل المترشحين دون استثناء وسيلة التواصل الوحيدة بينهم وبين الناخبين هي "الفايسبوك"، وليس هناك اجتماعات أو لقاءات بالمواطنين أو فرق عمل حول البرامج. بل كلها تعلقت بجمع التزكيات والفرق القانونية وتقديم الشكايات بخطاب في جله متشابه، إنقاذ تونس والدفاع عنها وعلى شعارات الثورة، ونقاط التميز ضعيفة بين المترشحين.

وأفاد  أن  تحديد الموعد وانطلاق تقديم الترشحات والشروط القانونية، لا تؤشر بأننا يمكن أن نعيش يوم 6 أكتوبر نقلة نوعية قادمة نحو ترسيخ ثقافة المشاركة في الحياة السياسية أو التعددية أو عمق وجدية البرامج أو تكوين مواقف واضحة مما يعيشه العالم من مفارقات وأزمة مناخية واقتصادية وصعود كبير لليمين المتطرف حولنا.. ونجد جل أن الترشحات هي عبارة عن خليط من النرجسيات والذاتيات المتورمة وبعض الأشخاص الذين يرون أن مشاركتهم قد تفتح أفقا.

ريم سوودي