محمّد طه اللَّغماني
ماذا أقول إذا كان السّؤال
إذا أُقْعِدْت على الكرسيّ
وقيل: هات!
هات ما عندك
ماذا كنت تقدّم زمن الجهاد؟
أيّام كانت السماءُ
تُمْطِر غزّةَ نارا
ماذا أقول إذا قام الحساب؟
أقول
كنت بين الزّفْرة والحسرة
أُعايش المأساة
أحبس العبرة
وأُلْحِد الآهات
فإذا الجواب على حصير الهُونِ يطرحني
ويزيد على دثرة الهَوانِ عارا
ورأيتني أستلْهِم مرتبكا
ألتمس على قُبحِها الأعذارا
... أقول
كنت أزجر القول تعفّفًا
وأُعْرِضُ عن الكلمات
أصون جاهِدًا ما تيسّر
من إرث العرق والآباء
ألْتحِف عباءة الصّمت علّها
تَخِفُّ وطأةُ الآفات
ثم أُحاسب نفسي فأستدرك:
هل ثمّة للإيمان سبل
دون أضعف الإيمان؟
فلأرفعْ صوتا بالحقّ صادعا
يجْبُر وهني وانكساري
ولأطلقْ للمقال لسانَ صدق
يكفّرِ الْبعضَ من آثامي
أدين لشهداء غزّة
مدين أنا
مدين لبكاء الأمّهات
يُعصِّرْن أعينهنّ دموعًا لتغْسيل جثث الرّضّع
ما زال رغاء اللّبن عالقًا بشفاه الرّضّع
جامدًا من أثر الجوع وغرْغرة الحناجر
من أين ستنبع عيون مياه تغسيل الموتى
وأديمُ الأرض يُصاب كل ليلة بعدوى الطين المدنّسة
وأفواه بني صهيون العفنةَ تنفث سمومها
في بساتينِ غزّة
مدين أنا
مدين لعضام الشهداء
مدين للجماجم المبعثرة كُرْهًا فوق الأجداث
تُقْتَلَع من جوف الأرض
يُزَجُّ بها فوق الرُّكام
يُجْتَثّ النّعاسُ من مْقْلتيها
فتفيض أحْداقها ترابا أسود
تُطارَد ثانية
ويُحْشَر بها حين رجْفةِ اللّيل من مضاجعها
لئلاّ يغادرها الفزع
لئلاّ تطمئنّ في سكَن اللّحد
أنادي
أين الأمّة؟
من يدلّني؟
أين الأمّة أسألها
بلطف
دون الغلظة في القول
إنْ أولئك النّسوة البواكي
هنّ من نساء الأمّة ؟
ورجال غزّة ؟
هل هم من أصْلابنا
وأبناء أحياء اليُتْم
هل أولئك الأطفال
هم من أطفالنا؟
أسأل الأمّة إن كانت تجد في أحشائها
من الأمومة بقيّةً باقية
ثم هل أكون أنا…
كما كنت أحسبني من هذه الأمّة ؟
ممّن أنا ؟
أيّة أرض أنْبتتني؟
ما الّذي ما زلت أفقه؟
اليوم لا أكاد أفقه شيَّا
لا أطيق
كيف أطيق
أَنَّى لي أن أنهض بدَيْن ثقُلت أعباؤه
على أمّة غبرت
أمّة لا يُسْمع لها دبيب ولا همس
لا أجد لها مقرًّا ولا مأوى
ثقل الدَّيْن
أرهقني الدَّيْن
وكتفيَّ الهزيلتان خَرَّتا أسفل صدري
من هول الخجل
يا لهول الخجل
وسخ العار يلوّث الجباه
ويسْكُب عليها سائل الدّناءة
قطرانَا
لا أجد من دونه حجابًا ولا سترَا
أَنَّى لي؟
كيف؟
وبم ؟
بم أتحجَّج لغزّة؟
ما جادلت المتشدّقين بزائف الخطب
ولا المتباهين
اللّاويين ألسِنتَهم بعَوْجِ الْكَلِم
مكابرينَ
ولا شاطرْت القاسيةَ قلوبُهُمْ
منَ الْأحضان حجْرَا
ما سجدت إلى قبلة النّفاق
مع السّاجدين
الْعارضين أمّهاتهم على خشبات الْبيْع بغير ثمَنٍ
تودّدًا
للْمجرمين
ما كنت أساير زُمَرَ الخيانة والمكر
وهأنذا
على أرذل رفوف العُمْر
ضجيعَ الْحَزَن
مَرْمِيّا
على عَتَبَة اللّئام حيّا
24 جويلية 2024