إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مشروع تنقيح قانون الشيك دون رصيد ومحاذير النيل من قيم الوفاء واحترام العهود(2/2)

بقلم نوفل سلامة

-صعوبات استخلاص الديون رافد من روافد ارتفاع الأسعار

صعوبات استخلاص الديون البنكية رافد من روافد ارتفاع الفوائض

فبسبب حجم القروض والديون البنكية غير المستخلصة تلتجئ البنوك الى تعويض خسارتها بالترفيع في نسب الفوائض .

ففي احدى الملتقيات العلمية التي نظمتها محكمة الاستئناف بسوسة سنة 1998 جاء في محاضرة مدير البنوك بالبنك المركزي ان حجم القروض غير المستخلصة يبلغ 12000 مليون ديناروأمام الصدى الذي أخذه تصريحه في الصحف اضطر البنك المركزي الى تنظيم ملتقى ثان مع وزارة العدل أعلن فيه ان حجم هذه القروض غير المستخلصة يبلغ 5000 مليون دينارا فقط بعد ان أحدثوا شركات استخلاص الديون لكل بنك وأحالوا لها القروض والديون الميتة والتي والتي تقدر ب 7000 مليون دينارا .

للتذكير فقط انه قبل صدور قانون إصلاح طرق التنفيذ بفرنسا في 9/7/1991 كان الفائض يساوي 8,7 % و بعد دخول الإصلاح حيز التنفيذ وما ادخله من سرعة وفعالية واختصار وتقليص مجالات التحايل على التنفيذ نزل الفائض القانوني الى 2,8 % في اقل من 3 سنوات .

صعوبات استخلاص الديون رافد من روافد ارتفاع الأسعار

ان أي تاجر تتراكم لديه المبيعات غير المستخلصة لا يبقى له الا الترفيع في الأسعار لتعويض ما خسره من شيكات وكمبيالات غير مستخلصة . ولا يجب ان ننظر بعين العطف لمصدر الشيك فقط بل والى المستفيد به فلاحا كان او صناعيا او مقاولا او تاجرا فكثير من الفلاحين ورجال الأعمال '' رؤوسهم تعرت '' بعد ان يذهب الشيك دون رصيد بصابة عام بأكملها بمصاريفها وربحها وهذا سبب أساسي يحول دون التوسع في الاستثمار بل وإفلاس عديد الفلاحين ورجال الأعمال فاذا اضفنا لها رفع المضلة الجزائية لحماية المستفيدين بالشيك فان الأمر يضحى في قمة الخطورة على بنيان العدالة الموكول له ان يجعل ظاهرة عدم الوفاء بالالتزام استثناء في دنيا المعاملات ويجعل من الجريمة أيضا استثناء في حياة المجتمعات اذ لا وجود لقاض او ضابط امن يستطيع العمل في ظل حالة وبائية .

فالمعايير الدولية تقدر ان نزاعات الاستخلاص Le contentieux de recouvrement يجب ان لا تتجاوز نسبة 10 % او 15 % من رقم المعاملات Le chiffre d’affaire والا فان نظام العدالة غير سليم .

صعوبات استخلاص الديون العامة والخاصة حاضنة من حواضن الفساد

أكثرنا الحديث عن الفساد كما لو كان علاجه في قمعه فقط والحال ان مكافحته أساسا في منع وقوعه والوقاية منه وتنقية المناخات التي تشجع عليه .

فالمقترض لن يدفع أية رشوة للبنك الا اذا كان يعتقد ان طرق التنفيذ لن تصل الى محاصرته وجبره على الوفاء بالتزامه .

بل ان بعض التشريعات البنكية فرضت تخفيض نسب الفائدة لكل شخص او مؤسسة لم يعرف عنه سابقا التوقف عن خلاص ديونه وذلك بغاية تخليق الحياة الاقتصادية .

ولا يكفي في تونس ان يحدث البنك المركزي سجلا لحالات عدم خلاص القروض لوقاية البنوك وشركات الإيجار المالي فقط من التورط في قروض او عقود إيجار مع أشخاص مثقلين بالديون Surendetté في فرنسا نجد ان سجلات حوادث عدم الخلاص les registres des incidents de non payement تشمل الجميع وينتفع الجميع بالاطلاع عليها واستقاء المعلومة منها وهذا هو الطريق الموصل للرخاء.

القاضي لا يخاطب المتهم فقط بل المجتمع بتمامه وكماله

ان توقيع القاضي للعقوبات التي جاء بها القانون في جرائم الشيك دون رصيد هي الضمان لبقاء الــ 96 % من الشيكات في تداول آمن وسليم ذلك ان بوصلة أي قاض جزائي هو تقليص الظاهرة الإجرامية والظاهرة التنازعية في المجتمع '' ولكم في القصاص حياة يا أولى الالباب .''

فلو أصبحت جريمة إصدار شيك دون رصيد دون عقاب فالخشية ان تلتحق الــ 96 % من الشيكات السليمة بالشيكات دون رصيد في ظل غياب أي رادع للظاهرة وهو ما يعبر عنه في علم الجرائم بــ '' الحالة الاجرامية L’état de Criminalité '' مع ما يترتب عن ذلك من نزول للمتضررين لأخذ حقوقهم بأيديهم وبالتالي انتشار العنف وغير ذلك فالطبيعة تأبى الفراغ .

الحل في المعالجة الشاملة وليست في تخفيض العقوبات

ان الحل يكمن أساسا في المعالجة الشاملة بإصلاح النصوص القانونية المتعلقة بطرق التنفيذ والاستخلاص ونظام الالتزامات سواء كانت إجرائية او مدنية او جزائية وملائمتها مع المحيط التشريعي العالمي ومحاصرة كل مظاهر التفصي من تنفيذ الالتزامات والتحايل عليها قبل تنقيح نصوص جريمة الشيك دون رصيد . فعلى سبيل المثال فقد أخذنا جنحة تنظيم الاعسار و إخفاء المكاسب عن القانون الفرنسي منذ سن المجلة الجنائية سنة 1913 ( الفصول 288 و 289 délit d’organisation d’insolvabilité )

الا ان ما حال دون فعالية هذه النصوص في حماية طرق التنفيذ هو ان التجريم يقتصر على التجار فقط والحال ان المشرع الفرنسي قد نقح القانون سنة 1983 بحذف عبارة تاجر فأصبح التجريم منتفعا به من الديون الفلاحية والديون الاجتماعية وديون المؤسسات العمومية وديون الدولة ولا عبرة بصفة المتهم أكان تاجرا او غير تاجر .

فالقانون الجزائي يختلف عن علم الإجرام الذي يعنى بمعالجة سبل تقليص الظاهرة الإجرامية أولا .

وقد كنت شاهدا على محاولات بعض وزراء العدل قبل الثورة لفتح ملف إصلاح طرق التنفيذ بعقد الندوة الدورية للقضاة وتخصيصها للتنفيذ لكن في اول اجتماع للجنة طلب وزير العدل تقريرا حول وضع القانون المقارن في التنفيذ ولم تكن لمصالح الوزارة وقتها إمكانية الإجابة ومركز الدراسات في بدايته مازال يشتغل بـ3 قضاة فقط .

اما تنقيح مجلة المرافعات لسنة 2002 فقد أجهض وجاء دون ما اقترحته اللجنة الموسعة وقتها والتي ترأسها الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وذلك بسبب نفور الرئيس بن علي من التنفيذ الجبري وقد خرجت وقتها بخلاصة ان عملية الإصلاح تقتضي الإجابة عن سؤال سياسي استراتيجي هل نريد دولة قانون ومؤسسات ام لا ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مشروع تنقيح قانون الشيك دون رصيد  ومحاذير النيل من قيم الوفاء واحترام العهود(2/2)

بقلم نوفل سلامة

-صعوبات استخلاص الديون رافد من روافد ارتفاع الأسعار

صعوبات استخلاص الديون البنكية رافد من روافد ارتفاع الفوائض

فبسبب حجم القروض والديون البنكية غير المستخلصة تلتجئ البنوك الى تعويض خسارتها بالترفيع في نسب الفوائض .

ففي احدى الملتقيات العلمية التي نظمتها محكمة الاستئناف بسوسة سنة 1998 جاء في محاضرة مدير البنوك بالبنك المركزي ان حجم القروض غير المستخلصة يبلغ 12000 مليون ديناروأمام الصدى الذي أخذه تصريحه في الصحف اضطر البنك المركزي الى تنظيم ملتقى ثان مع وزارة العدل أعلن فيه ان حجم هذه القروض غير المستخلصة يبلغ 5000 مليون دينارا فقط بعد ان أحدثوا شركات استخلاص الديون لكل بنك وأحالوا لها القروض والديون الميتة والتي والتي تقدر ب 7000 مليون دينارا .

للتذكير فقط انه قبل صدور قانون إصلاح طرق التنفيذ بفرنسا في 9/7/1991 كان الفائض يساوي 8,7 % و بعد دخول الإصلاح حيز التنفيذ وما ادخله من سرعة وفعالية واختصار وتقليص مجالات التحايل على التنفيذ نزل الفائض القانوني الى 2,8 % في اقل من 3 سنوات .

صعوبات استخلاص الديون رافد من روافد ارتفاع الأسعار

ان أي تاجر تتراكم لديه المبيعات غير المستخلصة لا يبقى له الا الترفيع في الأسعار لتعويض ما خسره من شيكات وكمبيالات غير مستخلصة . ولا يجب ان ننظر بعين العطف لمصدر الشيك فقط بل والى المستفيد به فلاحا كان او صناعيا او مقاولا او تاجرا فكثير من الفلاحين ورجال الأعمال '' رؤوسهم تعرت '' بعد ان يذهب الشيك دون رصيد بصابة عام بأكملها بمصاريفها وربحها وهذا سبب أساسي يحول دون التوسع في الاستثمار بل وإفلاس عديد الفلاحين ورجال الأعمال فاذا اضفنا لها رفع المضلة الجزائية لحماية المستفيدين بالشيك فان الأمر يضحى في قمة الخطورة على بنيان العدالة الموكول له ان يجعل ظاهرة عدم الوفاء بالالتزام استثناء في دنيا المعاملات ويجعل من الجريمة أيضا استثناء في حياة المجتمعات اذ لا وجود لقاض او ضابط امن يستطيع العمل في ظل حالة وبائية .

فالمعايير الدولية تقدر ان نزاعات الاستخلاص Le contentieux de recouvrement يجب ان لا تتجاوز نسبة 10 % او 15 % من رقم المعاملات Le chiffre d’affaire والا فان نظام العدالة غير سليم .

صعوبات استخلاص الديون العامة والخاصة حاضنة من حواضن الفساد

أكثرنا الحديث عن الفساد كما لو كان علاجه في قمعه فقط والحال ان مكافحته أساسا في منع وقوعه والوقاية منه وتنقية المناخات التي تشجع عليه .

فالمقترض لن يدفع أية رشوة للبنك الا اذا كان يعتقد ان طرق التنفيذ لن تصل الى محاصرته وجبره على الوفاء بالتزامه .

بل ان بعض التشريعات البنكية فرضت تخفيض نسب الفائدة لكل شخص او مؤسسة لم يعرف عنه سابقا التوقف عن خلاص ديونه وذلك بغاية تخليق الحياة الاقتصادية .

ولا يكفي في تونس ان يحدث البنك المركزي سجلا لحالات عدم خلاص القروض لوقاية البنوك وشركات الإيجار المالي فقط من التورط في قروض او عقود إيجار مع أشخاص مثقلين بالديون Surendetté في فرنسا نجد ان سجلات حوادث عدم الخلاص les registres des incidents de non payement تشمل الجميع وينتفع الجميع بالاطلاع عليها واستقاء المعلومة منها وهذا هو الطريق الموصل للرخاء.

القاضي لا يخاطب المتهم فقط بل المجتمع بتمامه وكماله

ان توقيع القاضي للعقوبات التي جاء بها القانون في جرائم الشيك دون رصيد هي الضمان لبقاء الــ 96 % من الشيكات في تداول آمن وسليم ذلك ان بوصلة أي قاض جزائي هو تقليص الظاهرة الإجرامية والظاهرة التنازعية في المجتمع '' ولكم في القصاص حياة يا أولى الالباب .''

فلو أصبحت جريمة إصدار شيك دون رصيد دون عقاب فالخشية ان تلتحق الــ 96 % من الشيكات السليمة بالشيكات دون رصيد في ظل غياب أي رادع للظاهرة وهو ما يعبر عنه في علم الجرائم بــ '' الحالة الاجرامية L’état de Criminalité '' مع ما يترتب عن ذلك من نزول للمتضررين لأخذ حقوقهم بأيديهم وبالتالي انتشار العنف وغير ذلك فالطبيعة تأبى الفراغ .

الحل في المعالجة الشاملة وليست في تخفيض العقوبات

ان الحل يكمن أساسا في المعالجة الشاملة بإصلاح النصوص القانونية المتعلقة بطرق التنفيذ والاستخلاص ونظام الالتزامات سواء كانت إجرائية او مدنية او جزائية وملائمتها مع المحيط التشريعي العالمي ومحاصرة كل مظاهر التفصي من تنفيذ الالتزامات والتحايل عليها قبل تنقيح نصوص جريمة الشيك دون رصيد . فعلى سبيل المثال فقد أخذنا جنحة تنظيم الاعسار و إخفاء المكاسب عن القانون الفرنسي منذ سن المجلة الجنائية سنة 1913 ( الفصول 288 و 289 délit d’organisation d’insolvabilité )

الا ان ما حال دون فعالية هذه النصوص في حماية طرق التنفيذ هو ان التجريم يقتصر على التجار فقط والحال ان المشرع الفرنسي قد نقح القانون سنة 1983 بحذف عبارة تاجر فأصبح التجريم منتفعا به من الديون الفلاحية والديون الاجتماعية وديون المؤسسات العمومية وديون الدولة ولا عبرة بصفة المتهم أكان تاجرا او غير تاجر .

فالقانون الجزائي يختلف عن علم الإجرام الذي يعنى بمعالجة سبل تقليص الظاهرة الإجرامية أولا .

وقد كنت شاهدا على محاولات بعض وزراء العدل قبل الثورة لفتح ملف إصلاح طرق التنفيذ بعقد الندوة الدورية للقضاة وتخصيصها للتنفيذ لكن في اول اجتماع للجنة طلب وزير العدل تقريرا حول وضع القانون المقارن في التنفيذ ولم تكن لمصالح الوزارة وقتها إمكانية الإجابة ومركز الدراسات في بدايته مازال يشتغل بـ3 قضاة فقط .

اما تنقيح مجلة المرافعات لسنة 2002 فقد أجهض وجاء دون ما اقترحته اللجنة الموسعة وقتها والتي ترأسها الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وذلك بسبب نفور الرئيس بن علي من التنفيذ الجبري وقد خرجت وقتها بخلاصة ان عملية الإصلاح تقتضي الإجابة عن سؤال سياسي استراتيجي هل نريد دولة قانون ومؤسسات ام لا ؟