ساعة كاملة هي المدة التي تولى خلالها رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام قراءة نص القرار الكامل الصادر عن خمسة عشرة قاضيا من مختلف أنحاء العالم حول الوضعية القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة والإقرار علنا ودون تردد أمام العالم أن ما يحدث على أرض فلسطين من احتلال واستيطان مناقض للعدالة الدولية وانتهاك للقانون الدولي وأن إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها في فلسطين المحتلة وهو ما يمكن اعتباره صفعة إضافية للاحتلال وشهادة موثقة يمكن أن تكون ضمن المستندات القانونية الكثيرة التي سيتعين على الجنائية الدولية اعتمادها لملاحقة مجرمي الحرب في كيان الاحتلال..
طبعا الأمر لن يتغير غدا والاحتلال لن ينسحب طواعية وقرار العدل الدولية سيجد الصد والرفض من حكومة ناتنياهو ومن سيأتي بعدها..
سيعتبر الكثيرون أن القرار كعدمه وسيسأل آخرون عن جدوى قرارات العدل الدولية والأمم المتحدة والجنائية الدولية إذا لم يكن بالإمكان فرضها على كيان الاحتلال.. وهي كلها قراءات منطقية وتساؤلات مشروعة فقد كانت التجربة تضعنا ولاتزال أمام كيان أرعن متمرد على كل القوانين الدولية بل وعلى كل الإنسانية ولا يتوانى في الدوس على كل ما يمكن أن يهدد أو يمس وجوده..
نعم نحن إزاء رأي استشاري ما في ذلك شك سبق وطلبته الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية وسيعود القرار إلى الجمعية العامة لطرحه أمام 194 بلدا عضوا أعلن 142 منها حتى الآن اعترافه بالدولة الفلسطينية رغم كل المساعي التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي لمنع ذلك ورغم "الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن لإحباط هذه الخطوة..
لقد أظهرت التجربة مرارا وعلى مدى عقود أنه لا معنى لمثل هذه القرارات عندما يتعلق الأمر بكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي ومن مهازل الدهر أنه مدين في وجوده لقرار أممي منحه بطاقة العبور قسرا إلى العالم باحتلال أرض الغير والترويج بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهي كذبة أطلقتها عصابات "الشترن" و"الهاغاناه" وصدقتها ويواصل الاحتلال اعتمادها لمزيد التوسع والاستيطان، ولا نبالغ إذا اعتبرنا أن قرار العدل الدولية قد لا يبدو له معنى أو وزن أو قيمة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية التي لا تجد لها رادعا، وقد يعتبر الكثيرون أن القرار لن يجد له منفذا على أرض الواقع وأن مآله رفوف الأرشيف كما حدث ويحدث لعشرات القرارات الأممية التي يدوس عليها الاحتلال..
والواقع أن هذا أيضا ما يريد الاحتلال للعالم أن يعتقده بما في ذلك أصحاب القضية الفلسطينيون أنفسهم وتعزيز القناعة لديهم أن المعارك القانونية قضايا خاسرة ومضيعة للوقت وللقضية ولا يمكن أن تعيد لأجيال متعاقبة من ضحايا الاحتلال الحق المسلوب.. وكل هذا سيكون صحيحا في حالة واحدة وهي الانسياق وراء ما يريد الاحتلال الترويج والتخلي عن المعركة القضائية ومعها المعركة الإعلامية التي لا يقل شأنها عن المعركة الميدانية والمعركة السياسية..
الأكيد اليوم أن صورة الاحتلال تهتز لدى الحلفاء قبل الأعداء، ولم يعد بإمكان كل ما يحظى به من دعم عسكري من القوى الكبرى أن يخفي الغضب والاستياء الشعبي أو يمنع الاحتجاجات الطلابية والمظاهرات في مختلف عواصم العالم بعد سقوط الرواية الصهيونية الزائفة وانهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر بعد غرقه في مستنقع دماء وأشلاء أطفال غزة وأهلها الذين يقصفون بأسلحة محرمة دوليا.. ولهذا السبب وغيره أيضا من الأسباب يجب أن يحظى قرار العدل الدولية بالاهتمام ويتحول إلى موضوع للاستثمار والترويج إعلاميا وسياسيا وقانونيا عبر كل المنتديات والمؤتمرات والفضائيات والمؤسسات الإقليمية والدولية بما يعني أيضا أنه سيتعين على رجال السياسة كما رجال القضاء رغم قتامة المشهد ورغم ثقل الحصيلة ورغم شلال الدم الذي يأبى أن يتوقف في غزة التي تصر على الصمود والبقاء في وجه تتار العصر وما يستعرضه من توحش على مدار الساعة، ورغم صرخات ومعاناة الأطفال والنساء والمرضى والمصابين في هذه الرقعة من الأرض التي يصح وصفها بالجحيم المفتوح، هناك مؤشرات ورسائل تخرج من بين الركام والأنقاض ولا يمكن للنخب الفلسطينية بكل مكوناتها ولا للعالم أن يتجاهلها أو يدير عنها الأنظار وكأنها لم تكن لأن ذلك يعني وبكل بساطة تعميق جراح غزة والإصرار على غرس الخنجر في الجسم الفلسطيني وفي قطاع غزة.. وحتى لا نتيه في خضم الأحداث المتسارعة سيتعين التوقف عند حدث مهم ارتبط بقرار محكمة العدل الدولية التي وجهت صفعة للاحتلال وأقرت أن الأراضي الفلسطينية المحتلة أمر غير قانوني وهو ما يعني أيضا أنه سيتعين على مختلف مكونات المشهد السياسي الفلسطيني وكل الحركات والفصائل الخروج من دائرة الترحيب والتهليل بمثل هذه القرارات وتدرك أهمية هذا السلاح القانوني الذي بين يديها وكيفية الاستثمار في كل المجالات المفتوحة لإحراج الأنظمة والحكومات الحليفة لهذا الكيان ونقصد بذلك الأنظمة التي تقوم على مؤسسات ديموقراطية عريقة وتحسب حسابا لشعوبها وناخبيها ولا نقصد الدول التي تعتبر نفسها وصية على شعوبها وتتعامل مع مواطنيها كرعايا، وذلك بهدف فضح ما تقوم به من دعم وتسليح لكيان إجرامي على حساب أمن وازدهار ورقي مواطنيها ولكن أيضا ما تقوم به من تواطؤ ومشاركة لهذا الكيان في جرائم القتل اليومي والتهجير والتدمير والتجويع.. وعلى النخب الفلسطينية قبل غيرها ألا تستهين بالمعركة القانونية ولا تؤجلها بدعوى انتظار نهاية الحرب فلا شيء يمنعها من أن تلتقط اللحظة وأن تنتصر للشهداء والضحايا في غزة..
اسيا العتروس
ساعة كاملة هي المدة التي تولى خلالها رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام قراءة نص القرار الكامل الصادر عن خمسة عشرة قاضيا من مختلف أنحاء العالم حول الوضعية القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة والإقرار علنا ودون تردد أمام العالم أن ما يحدث على أرض فلسطين من احتلال واستيطان مناقض للعدالة الدولية وانتهاك للقانون الدولي وأن إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها في فلسطين المحتلة وهو ما يمكن اعتباره صفعة إضافية للاحتلال وشهادة موثقة يمكن أن تكون ضمن المستندات القانونية الكثيرة التي سيتعين على الجنائية الدولية اعتمادها لملاحقة مجرمي الحرب في كيان الاحتلال..
طبعا الأمر لن يتغير غدا والاحتلال لن ينسحب طواعية وقرار العدل الدولية سيجد الصد والرفض من حكومة ناتنياهو ومن سيأتي بعدها..
سيعتبر الكثيرون أن القرار كعدمه وسيسأل آخرون عن جدوى قرارات العدل الدولية والأمم المتحدة والجنائية الدولية إذا لم يكن بالإمكان فرضها على كيان الاحتلال.. وهي كلها قراءات منطقية وتساؤلات مشروعة فقد كانت التجربة تضعنا ولاتزال أمام كيان أرعن متمرد على كل القوانين الدولية بل وعلى كل الإنسانية ولا يتوانى في الدوس على كل ما يمكن أن يهدد أو يمس وجوده..
نعم نحن إزاء رأي استشاري ما في ذلك شك سبق وطلبته الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية وسيعود القرار إلى الجمعية العامة لطرحه أمام 194 بلدا عضوا أعلن 142 منها حتى الآن اعترافه بالدولة الفلسطينية رغم كل المساعي التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي لمنع ذلك ورغم "الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن لإحباط هذه الخطوة..
لقد أظهرت التجربة مرارا وعلى مدى عقود أنه لا معنى لمثل هذه القرارات عندما يتعلق الأمر بكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي ومن مهازل الدهر أنه مدين في وجوده لقرار أممي منحه بطاقة العبور قسرا إلى العالم باحتلال أرض الغير والترويج بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهي كذبة أطلقتها عصابات "الشترن" و"الهاغاناه" وصدقتها ويواصل الاحتلال اعتمادها لمزيد التوسع والاستيطان، ولا نبالغ إذا اعتبرنا أن قرار العدل الدولية قد لا يبدو له معنى أو وزن أو قيمة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية التي لا تجد لها رادعا، وقد يعتبر الكثيرون أن القرار لن يجد له منفذا على أرض الواقع وأن مآله رفوف الأرشيف كما حدث ويحدث لعشرات القرارات الأممية التي يدوس عليها الاحتلال..
والواقع أن هذا أيضا ما يريد الاحتلال للعالم أن يعتقده بما في ذلك أصحاب القضية الفلسطينيون أنفسهم وتعزيز القناعة لديهم أن المعارك القانونية قضايا خاسرة ومضيعة للوقت وللقضية ولا يمكن أن تعيد لأجيال متعاقبة من ضحايا الاحتلال الحق المسلوب.. وكل هذا سيكون صحيحا في حالة واحدة وهي الانسياق وراء ما يريد الاحتلال الترويج والتخلي عن المعركة القضائية ومعها المعركة الإعلامية التي لا يقل شأنها عن المعركة الميدانية والمعركة السياسية..
الأكيد اليوم أن صورة الاحتلال تهتز لدى الحلفاء قبل الأعداء، ولم يعد بإمكان كل ما يحظى به من دعم عسكري من القوى الكبرى أن يخفي الغضب والاستياء الشعبي أو يمنع الاحتجاجات الطلابية والمظاهرات في مختلف عواصم العالم بعد سقوط الرواية الصهيونية الزائفة وانهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر بعد غرقه في مستنقع دماء وأشلاء أطفال غزة وأهلها الذين يقصفون بأسلحة محرمة دوليا.. ولهذا السبب وغيره أيضا من الأسباب يجب أن يحظى قرار العدل الدولية بالاهتمام ويتحول إلى موضوع للاستثمار والترويج إعلاميا وسياسيا وقانونيا عبر كل المنتديات والمؤتمرات والفضائيات والمؤسسات الإقليمية والدولية بما يعني أيضا أنه سيتعين على رجال السياسة كما رجال القضاء رغم قتامة المشهد ورغم ثقل الحصيلة ورغم شلال الدم الذي يأبى أن يتوقف في غزة التي تصر على الصمود والبقاء في وجه تتار العصر وما يستعرضه من توحش على مدار الساعة، ورغم صرخات ومعاناة الأطفال والنساء والمرضى والمصابين في هذه الرقعة من الأرض التي يصح وصفها بالجحيم المفتوح، هناك مؤشرات ورسائل تخرج من بين الركام والأنقاض ولا يمكن للنخب الفلسطينية بكل مكوناتها ولا للعالم أن يتجاهلها أو يدير عنها الأنظار وكأنها لم تكن لأن ذلك يعني وبكل بساطة تعميق جراح غزة والإصرار على غرس الخنجر في الجسم الفلسطيني وفي قطاع غزة.. وحتى لا نتيه في خضم الأحداث المتسارعة سيتعين التوقف عند حدث مهم ارتبط بقرار محكمة العدل الدولية التي وجهت صفعة للاحتلال وأقرت أن الأراضي الفلسطينية المحتلة أمر غير قانوني وهو ما يعني أيضا أنه سيتعين على مختلف مكونات المشهد السياسي الفلسطيني وكل الحركات والفصائل الخروج من دائرة الترحيب والتهليل بمثل هذه القرارات وتدرك أهمية هذا السلاح القانوني الذي بين يديها وكيفية الاستثمار في كل المجالات المفتوحة لإحراج الأنظمة والحكومات الحليفة لهذا الكيان ونقصد بذلك الأنظمة التي تقوم على مؤسسات ديموقراطية عريقة وتحسب حسابا لشعوبها وناخبيها ولا نقصد الدول التي تعتبر نفسها وصية على شعوبها وتتعامل مع مواطنيها كرعايا، وذلك بهدف فضح ما تقوم به من دعم وتسليح لكيان إجرامي على حساب أمن وازدهار ورقي مواطنيها ولكن أيضا ما تقوم به من تواطؤ ومشاركة لهذا الكيان في جرائم القتل اليومي والتهجير والتدمير والتجويع.. وعلى النخب الفلسطينية قبل غيرها ألا تستهين بالمعركة القانونية ولا تؤجلها بدعوى انتظار نهاية الحرب فلا شيء يمنعها من أن تلتقط اللحظة وأن تنتصر للشهداء والضحايا في غزة..