إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالمناسبة.. مع الاعتذار لبشاعة الصورة

 

وجه عدد من كبار العلماء في العالم من الحائزين على جوائز نوبل رسالة إلى رجال الدين نقلتها عدة وسائل إعلام فرنسية، رجوهم فيها أن يقوموا بإطلاق نداء خلال الألعاب الأولمبية بالعاصمة باريس (تنطلق يوم 26 جويلية) لإيقاف الحرب في كل من غزة وأوكرانيا فورا، ووضع حد لكل النزاعات المسلحة في العالم.

وقال هؤلاء إن الحرب الأوكرانية -الروسية مثلا، لا يقتصر تأثيرها على المحيط القريب وإنما تؤثر سلبا على العديد من دول العالم فهي مثلا تتسبب في استفحال المجاعة في عدة مناطق بإفريقيا وتضاعف أزمة الهجرة غير النظامية في أوروبا، وهي، وهذا ربما أخطر شيء في القضية، تتسبب في تلوث المياه والأغذية التي يتزود بها سكان جميع قارات العالم. وفسر العلماء ذلك بأن كل عملية قصف تخلف مواد سامة تتسرب إلى المياه والحليب والأغذية، وأن الخطر يهدد كل سكان العالم.

وذهب أصحاب الرسالة ابعد من ذلك عندما قالوا إن ما نراه مستحيلا يمكن أن يتحول إلى حقيقة وان المجاعة التي تفتك بالأرواح في عدة جهات بالعالم يمكن التخلص، منها مشددين على أن البشرية يمكنها أن لا تترك ولو صغيرا واحدا تحت براثن الجوع في أي مكان من الكرة الأرضية. كل ذلك ممكن بشرط واحد وهو التخلي عن سياسة التسابق من اجل التسلح في العالم.

طبعا لا يمكن أن لا نتفاعل مع هذه النوعية من الرسائل التي تحمل مضمونا إنسانيا نبيلا وتهتم لمصير البشر الذين يتهددهم الجوع والعطش وتطرف المناخ وتزيد الحروب في استفحال الوضع، لكن نخشى أن يضيع صدى الرسالة في زحمة الحروب التي يتحدث عنها العلماء.

فمع احترامنا لجهود العلماء ولعلمهم النبيل، فإن السؤال، كيف يمكن لمن فقد الإحساس بالإنسانية أن ينصت لصوت الضمير، وكيف يمكن لمن تجرد من الرحمة وتجاهل المنطق إلا منطق الربح والخسارة، أن يقتطع من وقته ليستمع لصوت العقل؟؟

السؤال بصيغة أخرى، هل يعول على من رأى عذاب أطفال غزة على المباشر أمام عدسات الكاميرا وعلى شبكة الانترنيت، أطفال غزة الذين أصابهم الرعب والجوع وقتل منهم الآلاف وهجرت عائلاتهم وهناك من بينهم من فقد كل أفراد عائلته في القصف الصهيوني وبقي وحيدا يواجه قدره في ظرف صعب وقاهر، وظل صامتا؟ هل يعول على من لم يعتبر مما يحدث لأطفال غزة ولم يحرك ضميره ما يعيشونه من مظالم على أرضهم المسلوبة؟ هل من تعامى على عذابات أطفال غزة، وعن جوعهم وعطشهم ورعبهم، يمكن أن يتأثر برسالة يتحدث فيها أصحابها عن تلوث المناخ والطبيعة والسموم المتسربة للمياه والحليب والأغذية؟

إن أطفال غزة يعيشون كل ألوان القهر حتى أن كثيرين شابوا قبل وقتهم بكثير لكثرة ما دمرت أعصابهم لهول ما رأوه في حرب ربما لم يشهد التاريخ مثلها خاصة في مستوى فظاعتها واستهداف الأطفال بشكل مباشر ولم يكن ذلك كافيا كي يتحرك الفاعلون في العالم لإيقاف هذا العدوان، لا، بل يتمادى الكيان الصهيوني الذي يشن عدوانه ضد قطاع غزة بفلسطين منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، في عربدته ويواصل ارتكاب جرائمه وجلها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في استهانة كاملة بالبشرية غير آبه بقوانينها. فلا يسري بالنسبة للكيان الصهيوني غير قانون القوة التي يستمدها من دعم القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي يتسابق فيها الرئيس المتخلي "جو بايدن" وخصمه "دونالد ترامب" الطامح للعودة إلى البيت الأبيض، على دم الفلسطينيين. هكذا هي الحقيقة مع اعتذارنا عن بشاعة الصورة.

ربما لأصحاب المبادرة أسبابهم عندما وجهوا رسالتهم إلى رجال الدين، لكن لا نعتقد أن هؤلاء وأي كانت النيات طيبة بقادرين على إيقاف الحروب. هم غير قادرون ونعتقد أيضا أن نسبة منهم غير راغبين والدليل على ذلك أن كثيرا من مشاهير رجال الدين المسلمين ممن اعتادت الجماهير على خطبهم الحماسية على مواقع التواصل الاجتماعي حول مواضيع أخرى ربما اقل فداحة، التزموا الصمت حول ما يحدث من جرائم صهيونية في غزة.

إن الحروب تعلن بقرار ومادامت مصلحة أصحاب القرار مع استمرار هذه الحروب، فإنها ستتواصل ولن ينصتوا لأصوات المستغيثين ولو فنيت الملايين ولو استغاثت البحار والجبال والحيوانات وجفت الينابيع ولو هلك الحرث والنسل، مع الاعتذار مجددا عن بشاعة الصورة. فالحرب تعلن بقرار وتوقف بقرار من الفاعلين. يمكنها أن تنتهي اليوم ويمكنها أن تستمر عقودا أخرى وأكثر، كله بقرار.

 حياة السايب

 

بالمناسبة..   مع الاعتذار لبشاعة الصورة

 

وجه عدد من كبار العلماء في العالم من الحائزين على جوائز نوبل رسالة إلى رجال الدين نقلتها عدة وسائل إعلام فرنسية، رجوهم فيها أن يقوموا بإطلاق نداء خلال الألعاب الأولمبية بالعاصمة باريس (تنطلق يوم 26 جويلية) لإيقاف الحرب في كل من غزة وأوكرانيا فورا، ووضع حد لكل النزاعات المسلحة في العالم.

وقال هؤلاء إن الحرب الأوكرانية -الروسية مثلا، لا يقتصر تأثيرها على المحيط القريب وإنما تؤثر سلبا على العديد من دول العالم فهي مثلا تتسبب في استفحال المجاعة في عدة مناطق بإفريقيا وتضاعف أزمة الهجرة غير النظامية في أوروبا، وهي، وهذا ربما أخطر شيء في القضية، تتسبب في تلوث المياه والأغذية التي يتزود بها سكان جميع قارات العالم. وفسر العلماء ذلك بأن كل عملية قصف تخلف مواد سامة تتسرب إلى المياه والحليب والأغذية، وأن الخطر يهدد كل سكان العالم.

وذهب أصحاب الرسالة ابعد من ذلك عندما قالوا إن ما نراه مستحيلا يمكن أن يتحول إلى حقيقة وان المجاعة التي تفتك بالأرواح في عدة جهات بالعالم يمكن التخلص، منها مشددين على أن البشرية يمكنها أن لا تترك ولو صغيرا واحدا تحت براثن الجوع في أي مكان من الكرة الأرضية. كل ذلك ممكن بشرط واحد وهو التخلي عن سياسة التسابق من اجل التسلح في العالم.

طبعا لا يمكن أن لا نتفاعل مع هذه النوعية من الرسائل التي تحمل مضمونا إنسانيا نبيلا وتهتم لمصير البشر الذين يتهددهم الجوع والعطش وتطرف المناخ وتزيد الحروب في استفحال الوضع، لكن نخشى أن يضيع صدى الرسالة في زحمة الحروب التي يتحدث عنها العلماء.

فمع احترامنا لجهود العلماء ولعلمهم النبيل، فإن السؤال، كيف يمكن لمن فقد الإحساس بالإنسانية أن ينصت لصوت الضمير، وكيف يمكن لمن تجرد من الرحمة وتجاهل المنطق إلا منطق الربح والخسارة، أن يقتطع من وقته ليستمع لصوت العقل؟؟

السؤال بصيغة أخرى، هل يعول على من رأى عذاب أطفال غزة على المباشر أمام عدسات الكاميرا وعلى شبكة الانترنيت، أطفال غزة الذين أصابهم الرعب والجوع وقتل منهم الآلاف وهجرت عائلاتهم وهناك من بينهم من فقد كل أفراد عائلته في القصف الصهيوني وبقي وحيدا يواجه قدره في ظرف صعب وقاهر، وظل صامتا؟ هل يعول على من لم يعتبر مما يحدث لأطفال غزة ولم يحرك ضميره ما يعيشونه من مظالم على أرضهم المسلوبة؟ هل من تعامى على عذابات أطفال غزة، وعن جوعهم وعطشهم ورعبهم، يمكن أن يتأثر برسالة يتحدث فيها أصحابها عن تلوث المناخ والطبيعة والسموم المتسربة للمياه والحليب والأغذية؟

إن أطفال غزة يعيشون كل ألوان القهر حتى أن كثيرين شابوا قبل وقتهم بكثير لكثرة ما دمرت أعصابهم لهول ما رأوه في حرب ربما لم يشهد التاريخ مثلها خاصة في مستوى فظاعتها واستهداف الأطفال بشكل مباشر ولم يكن ذلك كافيا كي يتحرك الفاعلون في العالم لإيقاف هذا العدوان، لا، بل يتمادى الكيان الصهيوني الذي يشن عدوانه ضد قطاع غزة بفلسطين منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، في عربدته ويواصل ارتكاب جرائمه وجلها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في استهانة كاملة بالبشرية غير آبه بقوانينها. فلا يسري بالنسبة للكيان الصهيوني غير قانون القوة التي يستمدها من دعم القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي يتسابق فيها الرئيس المتخلي "جو بايدن" وخصمه "دونالد ترامب" الطامح للعودة إلى البيت الأبيض، على دم الفلسطينيين. هكذا هي الحقيقة مع اعتذارنا عن بشاعة الصورة.

ربما لأصحاب المبادرة أسبابهم عندما وجهوا رسالتهم إلى رجال الدين، لكن لا نعتقد أن هؤلاء وأي كانت النيات طيبة بقادرين على إيقاف الحروب. هم غير قادرون ونعتقد أيضا أن نسبة منهم غير راغبين والدليل على ذلك أن كثيرا من مشاهير رجال الدين المسلمين ممن اعتادت الجماهير على خطبهم الحماسية على مواقع التواصل الاجتماعي حول مواضيع أخرى ربما اقل فداحة، التزموا الصمت حول ما يحدث من جرائم صهيونية في غزة.

إن الحروب تعلن بقرار ومادامت مصلحة أصحاب القرار مع استمرار هذه الحروب، فإنها ستتواصل ولن ينصتوا لأصوات المستغيثين ولو فنيت الملايين ولو استغاثت البحار والجبال والحيوانات وجفت الينابيع ولو هلك الحرث والنسل، مع الاعتذار مجددا عن بشاعة الصورة. فالحرب تعلن بقرار وتوقف بقرار من الفاعلين. يمكنها أن تنتهي اليوم ويمكنها أن تستمر عقودا أخرى وأكثر، كله بقرار.

 حياة السايب