ـ مراجعة الأحكام.. وملاءمة السياسة الجزائية مع المعاملات بالشيك
تونس: الصباح
بعد اعتراض أغلب نوابها في الثالث من جوان الماضي على مضامين مشروع القانون عدد 51 لسنة 2024 المتعلق بتنقيح أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية ورفضهم طلب رئاسة الجمهورية استعجال النظر فيه، توصلت لجنة التشريع العام التي يرأسها النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي ياسر القوراري أمس بمشروع قانون جديد يتعلق بتنقيح الفصول 410 و411 و412 من نفس المجلة تم تقديمه هو الآخر من قبل رئاسة الجمهورية.
ويندرج هذا المشروع الذي تضمن ستة فصول في اتجاه مراجعة التشريعات المتعلقة بدعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني وتحسين مناخ الأعمال وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات الاقتصادية، ويهدف إلى تعزيز أمان وموثوقية التعامل بالشيك، وتحسين الممارسات المصرفية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية من خلال تدعيم واجبات المصرف وتكريس مسؤوليته، وتشجيع استخدام آليات الدفع والحلول الالكترونية البديلة، وتحسين أداء المؤسسات البنكية والمالية.
كما يهدف إلى تسوية وضعية من صدرت ضده أحكام قضائية باتة أو من كان محل تتبعات قضائية جارية من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك دون رصيد بما يساهم في تحقيق توازن بين حرية المدين وحماية الحقوق المالية للدائن.
وجاء في وثيقة شرح أسباب المشروع الجديد أن الاقتصاد التونسي شهد خلال السنوات الأخيرة صعوبات تعلقت أساسا بالأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كورونا خلال سنتي 2020 و2021 واندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية خلال سنة 2022 التي أثرت سلبا بصفة غير مباشرة على الأسواق العالمية وأدت إلى صعوبات مالية للمؤسسات الاقتصادية خاصة الصغرى منها والمتوسطة حيث عجزت معها عن الوفاء بالتزاماتها وتسديد ديونها مما اضطر أصحابها إلى إصدار شيكات رغم عدم توفر الرصيد والانحراف بوظيفة الشيكات من وسيلة دفع إلى وسيلة اقتراض وتمويل.
مساجين الشيكات دون رصيد
واستندت رئاسة الجمهورية في مشروعها إلى معطيات إحصائية فبالإطلاع على إحصائيات البنك المركزي التونسي المتعلقة بالقيم التي تقع معالجتها عبر نظام المقاصة الالكترونية اتضح لها أن الشيك يحظى بمكانة هامة في الدفوعات إذ يمثل 35 بالمائة من العدد الجملي للدفوعات، ويستأثر بنسبة 55 بالمائة من إجمالي مبلغ الدفوعات بعنوان سنة 2022. أما إحصائيات مصالح وزارة العدل وخاصة الهيئة العامة للسجون والإصلاح إلى حدود 2 جويلية 2024 فتشير إلى أن العدد الجملي للمودعين بالسجون من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك دون رصيد بلغ 538 مودعا منهم 320 محكوما و218 موقوفا.
وتبعا لما بينته دراسة واقع المعاملات بالشيك في تونس والإحصائيات المتعلقة بقضايا الشيك دون رصيد تضمن مشروع القانون المعروض على أنظار لجنة التشريع العام مراجعة شاملة لأحكام المجلة التجارية المتعلقة بالشيك كما تضمن أحكاما لتسوية وضعية المحكوم عليهم ومن كانوا محل تتبع قضائي من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد. وتتمثل أهم الإصلاحات التي جاء بها مشروع القانون الجديد الذي أحاله مكتب مجلس نواب الشعب خلال اجتماعه المنعقد أول أمس إلى لجنة التشريع العام في تعزيز واجبات المصرف ومسؤوليته وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات بالشيك وتحسين الممارسات المصرفية وتدعيم الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات البنكية وتسوية وضعية المحكوم عليه أو من كان محل تتبعات قضائية من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد.
واجبات المصرف ومسؤوليته
ففي ما يتعلق بواجبات المصرف ومسؤوليته تجدر الإشارة إلى أن المشروع نص على آليات جديدة لتفادي إصدار شيكات دون رصيد حيث تم إلزام المصرف بوجوب التعمق في دراسة الوضعية المالية لطالب دفتر الشيكات وتقييم قدرته على تغطية الدفوعات بالشيك خلال مدة معينة ومراقبة التصرفات ذات المخاطر والتدفقات النقدية بحسابه الجاري التي تتجاوز قدرته على الخلاص كدعم حلول الدفع البديلة التي يمكن أن تجعل المعاملات المالية أكثر أمانا على غرار التحويل البنكي أو الشيك الالكتروني أو وسائل الدفع الالكتروني الأخرى. كما أرسى المشروع منصة الكترونية خاصة بالمعاملات بالشيك تحت إشراف البنك المركزي ينخرط فيها جميع المصارف عبر الترابط البيني، وتوفير خدمات الكترونية تخول للحريف النفاذ الميسر والمجاني إلى المعلومات المتعلقة بحساباته المالية، كما تمكن المستفيد من الشيك من التثبت الفوري والمجاني من وجود رصيد كاف له أو من وجود اعتراض على خلاصه بسبب السرقة أو الضياع أو تحاجير على ساحبه أو قفل الحساب المسحوب عليه مع الحفاظ على السر البنكي والمعطيات الشخصية للمتعاملين الاقتصاديين. وأن الآليات الأخرى إرساء صيغة جديدة للشيك للحد من التصرفات ذات المخاطر بالنسبة للساحب وتتمثل في تحديد سقف عام لقيمة كل دفتر شيكات، ويتم تقسيمه على عدد أوراق دفتر الشيكات لتحديد السقف الخاص بكل ورقة دون أن يتجاوز في كل الحالات مبلغا قدره 30 ألف دينار وذلك بهدف ملاءمة القدرة المالية للحريف على الخلاص مع إبراز الديون المتبعة من قبله على اعتبار أن الشيك وسيلة خلاص وليس وسيلة قرض.
وجاء المشروع أيضا لإرساء نظام جديد لتسوية الشيك الراجع دون خلاص حيث يقع إشعار المصرف الساحب بتسجيل دخول شيك دون رصيد عبر المنصة الالكترونية عوضا عن الإشعار بواسطة التلغرام كدعوة لتسوية وضعيته في أجل سبعة أيام، وتحرير شهادة في عدم الدفع عند انقضاء الأجل المذكور وإعلامه بها بواسطة المنصة الالكترونية وبذلك تم القطع مع توظيف المصاريف المتعلقة بالإعلام المسبق ومحضر التنبيه التي كان يتحملها الساحب عند تسوية وضعيته.
شيكات دون 5 آلاف دينار
ملاءمة للسياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات بالشيك، اتجه مشروع القانون عدد 60 لسنة 2024 المتعلق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، الوارد على مجلس نواب الشعب يوم 11 جويلية 2024 والمحال إلى لجنة التشريع العام نحو رفع التجريم عن إصدار شيك دون رصيد تساوي قيمته أو تقل عن خمسة آلاف دينار مع اعتبار المصرف المسحوب عليه مدينا بالمبلغ المضمن به ويتعين عليه دفعه بعد انقضاء مدة لا تتجاوز 7 أيام عمل ابتداء من تاريخ تقديم الشيك، ولا تنطبق هذه المسؤولية على المصرف الذي يتولى إرساء وتفعيل المنصة الالكترونية للمعاملات بالشيك باعتبار أن الدائن يمكنه في حال توفر المنصة الإطلاع على مدى توفر الرصيد وتخصيصه لفائدته قبل قبول الخلاص بالشيك.
أما بالنسبة إلى الشيك الذي يتضمن مبلغا يتجاوز خمسة آلاف دينار وأقل من ثلاثين ألف دينار فتم بموجب مشروع القانون الإبقاء على تجريم إصدار شيك دون رصيد مع تعديل إجراءات التتبع الجزائي حيث لم يعد التتبع بصفة آلية وإنما لا يمكن إثارة الدعوى العمومية إلا بناء على شكاية من المتضرر، وإضافة إلى ذلك تم إدراج الصلح بالواسطة بهدف حث المدين على الخلاص وتعزيز ضمانات الدائن بإقرار إمكانية تحجير السفر على الساحب وإكساء محضر أو اتفاق الصلح بالقوة التنفيذية المباشرة.
تحويل وجهة الشيك
لتلافي تحول الشيك من وسيلة خلاص حينية إلى وسيلة تمويل للأفراد وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، تضمن مشروع القانون تدابير تتمثل في إحداث خطوط تمويل صغرى وقصيرة المدى لا تتجاوز سنتين بشروط ميسرة دون فوائض وضمانات سواء كانت في شكل قروض أو فتح اعتمادات أو تسهيلات دفع وبهذه الكيفية تتم الاستعاضة عن اعتماد الشيك كوسيلة تمويل أو اقتراض وتوفير مصدر تمويل قانوني بتأطير من المؤسسة البنكية.
كما تضمن المشروع تنصيصا على وجوب قفل الحساب الجاري غير محدد المدة بعد انقضاء ستة أشهر من تاريخ آخر عملية تشابك إذ كان الحساب مدينا ولا يتولى صاحبه خلال الأجل المذكور انجاز أي عملية إيداع أو سحب أو تقديم طلب في مواصلة العمل بالحساب مع وجوب سحب صيغ الشيكات المتعلقة به من التداول..
شروط التسوية وإجراءاتها
إضافة إلى الأحكام سالفة الذكر تضمن مشروع القانون الجديد بعض الحلول الرامية إلى تسوية وضعية المحكوم عليه أو من كان محل تتبعات قضائية من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد، وفقا لشروط وإجراءات مضبوطة تتمثل في إبرام اتفاق مع المستفيد يتضمن التزاما بدفع كامل مبلغ الشيك أو ما تبقى منه في أجل لا يقل عن 9 أشهر ويمكن أن يكون ممضى من الساحب أو وكيله أو كفيله أو المشترط لمصلحة الساحب، وفي صورة تعذر إبرام اتفاق مع المستفيد يمكن للساحب خلاص ثلث مبلغ الشيك على الأقل وتقديم التزام كتابي أحادي الجانب بخلاص باقي المبلغ في أجل أقصاه سنة إذا كان المبلغ لا يتجاوز خمسة آلاف دينار أو في أجل أقصاه سنتين إذا كان المبلغ أكبر من ذلك، ويمكن أن يقع إمضاء الالتزام الأحادي من الساحب أو وكيله أو كفيله أو المشترك لمصلحة الساحب، وفي الحالتين يتعين على الساحب إيداع أصل الالتزام أو الاتفاق بكتابة المحكمة المختصة وإعلام المستفيد بذلك مع إرفاق محضر الإعلام بنظير من السند المذكور.. ولمراقبة توفر الشروط القانونية ومتابعة وضعية المحكوم عليه أو من كان محل تتبعات قضائية جارية أوكل مشروع القانون إلى ممثل النيابة العمومية مهمة التحقق من استفاء الشروط القانونية بالسندات المدلى بها ومراقبة صحة إجراءات التبليغ للمستفيد، وفي صورة توفر الشروط المطلوبة وإذا كان الساحب موضوع محاكمة يقدم ممثل النيابة العمومية طلبا للمحكمة لإضافة نسخ من الالتزام أو الاتفاق إلى ملف القضية مما يمكن المحكمة من إيقاف المحاكمة مؤقتا والإفراج عن الساحب إن كان موقوفا وإذا كان الساحب محكوما عليه يقرر ممثل النيابة العمومية إيقاف تنفيذ العقوبة مؤقتا والأفراح عنه إن كان مودعا بالسجن..
ويشار أيضا إلى أنه بهدف ضمان خلاص الدائن، نص المشروع على أن الاتفاق أو الالتزام الأحادي سالف الذكر، يتبع بالقوة التنفيذية عند استيفاء الشروط القانونية وفي صورة عدم إيفاء المدين لالتزاماته في الأجل المحدد تستأنف المحاكمة أو تنفيذ العقاب المحكوم به بناء على شكاية ممن له مصلحة. وتقدم الشكاية إلى ممثل النيابة العمومية لدى المحكمة.
عقوبات للمتحيلين
ولتلافي إمكانية تحيّل المدين تم من خلال مشروع القانون التنصيص على تسليط عقوبات جزائية عليه في صورة إخفاء مكاسبه المنقولة أو العقارية أو التفريط فيها بغاية منع أعمال التنفيذ سواء كان ذلك في شكل تفويت بالهبة أو البيع الصوري أو إسقاط دين له دون موجب أو خلاص دين أو التزامات صورية، ففي حال ثبوت هذه الأفعال تقضي المحكمة بإبطال العقود أو العمليات المتعلقة بها.
أما في صورة التنفيذ الكلي لاتفاق الصلح أو الالتزام الأحادي يسلم ممثل النيابة العمومية بالمحكمة المتعهدة بالملف إلى الساحب شهادة في التسوية. ويترتب عن خلاص الشيك انقضاء الدعوى العمومية بالنسبة لمن كان محل محاكمة أو إيقاف تنفيذ العقوبة السجنية لمن صدر ضده حكم بات، وفي جميع الأحوال يسترجع الساحب حق استعمال صيغ الشيكات ويرفع عنه تحجير السفر.
ماذا تغير
مقارنة بمشروع القانون عدد 51 لسنة 2024 الذي كان محل اعتراض أغلب نواب لجنة التشريع العام، يمكن الإشارة إلى أن المشروع الجديد جاء ليستجيب في جانب كبير منه للتوصيات التي قدمها نواب اللجنة خلال الجلسات العديدة التي تم تخصيصها منذ الصائفة الماضية لدراسة أحكام الشيك دون رصيد بالمجلة التجارية.
وللتذكير تضن مشروع القانون عدد 51 المثير للجدل فصلا وحيدا نص على ما يلي:" تلغى أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية وتعوض بما يلي: الفصل 411 (جديد) يُعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية تساوي عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته: كل من أصدر شيكا وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك، أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه، ولم يكن معولا على اعتماد سابق فتحه له المصرف المسحوب عليه أو على تسهيلات دفع تعود منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يقع الرجوع فيهما بصفة قانونية، كل من اعترض على خلاص الشيك لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة، كل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبينة بالفقرتين السابقتين مع علمه بذلك، كل من تسلم شيكا على وجه الضمان، كل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها.
ويعاقب بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل مصرف يرفض أداء شيك عول صاحبه على اعتماد فتحه له هذا المصرف ولم يرجع فيه بصفة قانونية، أو على تسهيلات دفع تعود هذا المصرف منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب برجوعه فيه.
للمحكمة، إن اقتضت ظروف الفعل ذلك وتبين أن الساحب غير عائد أن تقضي باستبدال العقوبة السجنية المحكوم بها بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة. وإذا تعهدت المحكمة بأكثر من قضية ضد نفس الساحب من أجل ارتكابه الجريمة إصدار شيك دون رصيد وقضت في حقه بعقوبة سجنية في كل واحدة منها، فلها أن تقرر ضم العقوبات بعضها لبعض وفقا لأحكام الفصل 56 وما يليه من المجلة الجزائية".
وتتطلع لجنة التشريع العام التي وضعت منذ تركيزها مراجعة أحكام الشيك دون رصيد ضمن أولوياتها التشريعية إلى تمرير مشروع القانون إلى الجلسة العامة قبل نهاية الدورة النيابية الحالية.
سعيدة بوهلال
ـ مراجعة الأحكام.. وملاءمة السياسة الجزائية مع المعاملات بالشيك
تونس: الصباح
بعد اعتراض أغلب نوابها في الثالث من جوان الماضي على مضامين مشروع القانون عدد 51 لسنة 2024 المتعلق بتنقيح أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية ورفضهم طلب رئاسة الجمهورية استعجال النظر فيه، توصلت لجنة التشريع العام التي يرأسها النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي ياسر القوراري أمس بمشروع قانون جديد يتعلق بتنقيح الفصول 410 و411 و412 من نفس المجلة تم تقديمه هو الآخر من قبل رئاسة الجمهورية.
ويندرج هذا المشروع الذي تضمن ستة فصول في اتجاه مراجعة التشريعات المتعلقة بدعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني وتحسين مناخ الأعمال وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات الاقتصادية، ويهدف إلى تعزيز أمان وموثوقية التعامل بالشيك، وتحسين الممارسات المصرفية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية من خلال تدعيم واجبات المصرف وتكريس مسؤوليته، وتشجيع استخدام آليات الدفع والحلول الالكترونية البديلة، وتحسين أداء المؤسسات البنكية والمالية.
كما يهدف إلى تسوية وضعية من صدرت ضده أحكام قضائية باتة أو من كان محل تتبعات قضائية جارية من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك دون رصيد بما يساهم في تحقيق توازن بين حرية المدين وحماية الحقوق المالية للدائن.
وجاء في وثيقة شرح أسباب المشروع الجديد أن الاقتصاد التونسي شهد خلال السنوات الأخيرة صعوبات تعلقت أساسا بالأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كورونا خلال سنتي 2020 و2021 واندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية خلال سنة 2022 التي أثرت سلبا بصفة غير مباشرة على الأسواق العالمية وأدت إلى صعوبات مالية للمؤسسات الاقتصادية خاصة الصغرى منها والمتوسطة حيث عجزت معها عن الوفاء بالتزاماتها وتسديد ديونها مما اضطر أصحابها إلى إصدار شيكات رغم عدم توفر الرصيد والانحراف بوظيفة الشيكات من وسيلة دفع إلى وسيلة اقتراض وتمويل.
مساجين الشيكات دون رصيد
واستندت رئاسة الجمهورية في مشروعها إلى معطيات إحصائية فبالإطلاع على إحصائيات البنك المركزي التونسي المتعلقة بالقيم التي تقع معالجتها عبر نظام المقاصة الالكترونية اتضح لها أن الشيك يحظى بمكانة هامة في الدفوعات إذ يمثل 35 بالمائة من العدد الجملي للدفوعات، ويستأثر بنسبة 55 بالمائة من إجمالي مبلغ الدفوعات بعنوان سنة 2022. أما إحصائيات مصالح وزارة العدل وخاصة الهيئة العامة للسجون والإصلاح إلى حدود 2 جويلية 2024 فتشير إلى أن العدد الجملي للمودعين بالسجون من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك دون رصيد بلغ 538 مودعا منهم 320 محكوما و218 موقوفا.
وتبعا لما بينته دراسة واقع المعاملات بالشيك في تونس والإحصائيات المتعلقة بقضايا الشيك دون رصيد تضمن مشروع القانون المعروض على أنظار لجنة التشريع العام مراجعة شاملة لأحكام المجلة التجارية المتعلقة بالشيك كما تضمن أحكاما لتسوية وضعية المحكوم عليهم ومن كانوا محل تتبع قضائي من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد. وتتمثل أهم الإصلاحات التي جاء بها مشروع القانون الجديد الذي أحاله مكتب مجلس نواب الشعب خلال اجتماعه المنعقد أول أمس إلى لجنة التشريع العام في تعزيز واجبات المصرف ومسؤوليته وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات بالشيك وتحسين الممارسات المصرفية وتدعيم الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات البنكية وتسوية وضعية المحكوم عليه أو من كان محل تتبعات قضائية من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد.
واجبات المصرف ومسؤوليته
ففي ما يتعلق بواجبات المصرف ومسؤوليته تجدر الإشارة إلى أن المشروع نص على آليات جديدة لتفادي إصدار شيكات دون رصيد حيث تم إلزام المصرف بوجوب التعمق في دراسة الوضعية المالية لطالب دفتر الشيكات وتقييم قدرته على تغطية الدفوعات بالشيك خلال مدة معينة ومراقبة التصرفات ذات المخاطر والتدفقات النقدية بحسابه الجاري التي تتجاوز قدرته على الخلاص كدعم حلول الدفع البديلة التي يمكن أن تجعل المعاملات المالية أكثر أمانا على غرار التحويل البنكي أو الشيك الالكتروني أو وسائل الدفع الالكتروني الأخرى. كما أرسى المشروع منصة الكترونية خاصة بالمعاملات بالشيك تحت إشراف البنك المركزي ينخرط فيها جميع المصارف عبر الترابط البيني، وتوفير خدمات الكترونية تخول للحريف النفاذ الميسر والمجاني إلى المعلومات المتعلقة بحساباته المالية، كما تمكن المستفيد من الشيك من التثبت الفوري والمجاني من وجود رصيد كاف له أو من وجود اعتراض على خلاصه بسبب السرقة أو الضياع أو تحاجير على ساحبه أو قفل الحساب المسحوب عليه مع الحفاظ على السر البنكي والمعطيات الشخصية للمتعاملين الاقتصاديين. وأن الآليات الأخرى إرساء صيغة جديدة للشيك للحد من التصرفات ذات المخاطر بالنسبة للساحب وتتمثل في تحديد سقف عام لقيمة كل دفتر شيكات، ويتم تقسيمه على عدد أوراق دفتر الشيكات لتحديد السقف الخاص بكل ورقة دون أن يتجاوز في كل الحالات مبلغا قدره 30 ألف دينار وذلك بهدف ملاءمة القدرة المالية للحريف على الخلاص مع إبراز الديون المتبعة من قبله على اعتبار أن الشيك وسيلة خلاص وليس وسيلة قرض.
وجاء المشروع أيضا لإرساء نظام جديد لتسوية الشيك الراجع دون خلاص حيث يقع إشعار المصرف الساحب بتسجيل دخول شيك دون رصيد عبر المنصة الالكترونية عوضا عن الإشعار بواسطة التلغرام كدعوة لتسوية وضعيته في أجل سبعة أيام، وتحرير شهادة في عدم الدفع عند انقضاء الأجل المذكور وإعلامه بها بواسطة المنصة الالكترونية وبذلك تم القطع مع توظيف المصاريف المتعلقة بالإعلام المسبق ومحضر التنبيه التي كان يتحملها الساحب عند تسوية وضعيته.
شيكات دون 5 آلاف دينار
ملاءمة للسياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات بالشيك، اتجه مشروع القانون عدد 60 لسنة 2024 المتعلق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، الوارد على مجلس نواب الشعب يوم 11 جويلية 2024 والمحال إلى لجنة التشريع العام نحو رفع التجريم عن إصدار شيك دون رصيد تساوي قيمته أو تقل عن خمسة آلاف دينار مع اعتبار المصرف المسحوب عليه مدينا بالمبلغ المضمن به ويتعين عليه دفعه بعد انقضاء مدة لا تتجاوز 7 أيام عمل ابتداء من تاريخ تقديم الشيك، ولا تنطبق هذه المسؤولية على المصرف الذي يتولى إرساء وتفعيل المنصة الالكترونية للمعاملات بالشيك باعتبار أن الدائن يمكنه في حال توفر المنصة الإطلاع على مدى توفر الرصيد وتخصيصه لفائدته قبل قبول الخلاص بالشيك.
أما بالنسبة إلى الشيك الذي يتضمن مبلغا يتجاوز خمسة آلاف دينار وأقل من ثلاثين ألف دينار فتم بموجب مشروع القانون الإبقاء على تجريم إصدار شيك دون رصيد مع تعديل إجراءات التتبع الجزائي حيث لم يعد التتبع بصفة آلية وإنما لا يمكن إثارة الدعوى العمومية إلا بناء على شكاية من المتضرر، وإضافة إلى ذلك تم إدراج الصلح بالواسطة بهدف حث المدين على الخلاص وتعزيز ضمانات الدائن بإقرار إمكانية تحجير السفر على الساحب وإكساء محضر أو اتفاق الصلح بالقوة التنفيذية المباشرة.
تحويل وجهة الشيك
لتلافي تحول الشيك من وسيلة خلاص حينية إلى وسيلة تمويل للأفراد وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، تضمن مشروع القانون تدابير تتمثل في إحداث خطوط تمويل صغرى وقصيرة المدى لا تتجاوز سنتين بشروط ميسرة دون فوائض وضمانات سواء كانت في شكل قروض أو فتح اعتمادات أو تسهيلات دفع وبهذه الكيفية تتم الاستعاضة عن اعتماد الشيك كوسيلة تمويل أو اقتراض وتوفير مصدر تمويل قانوني بتأطير من المؤسسة البنكية.
كما تضمن المشروع تنصيصا على وجوب قفل الحساب الجاري غير محدد المدة بعد انقضاء ستة أشهر من تاريخ آخر عملية تشابك إذ كان الحساب مدينا ولا يتولى صاحبه خلال الأجل المذكور انجاز أي عملية إيداع أو سحب أو تقديم طلب في مواصلة العمل بالحساب مع وجوب سحب صيغ الشيكات المتعلقة به من التداول..
شروط التسوية وإجراءاتها
إضافة إلى الأحكام سالفة الذكر تضمن مشروع القانون الجديد بعض الحلول الرامية إلى تسوية وضعية المحكوم عليه أو من كان محل تتبعات قضائية من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد، وفقا لشروط وإجراءات مضبوطة تتمثل في إبرام اتفاق مع المستفيد يتضمن التزاما بدفع كامل مبلغ الشيك أو ما تبقى منه في أجل لا يقل عن 9 أشهر ويمكن أن يكون ممضى من الساحب أو وكيله أو كفيله أو المشترط لمصلحة الساحب، وفي صورة تعذر إبرام اتفاق مع المستفيد يمكن للساحب خلاص ثلث مبلغ الشيك على الأقل وتقديم التزام كتابي أحادي الجانب بخلاص باقي المبلغ في أجل أقصاه سنة إذا كان المبلغ لا يتجاوز خمسة آلاف دينار أو في أجل أقصاه سنتين إذا كان المبلغ أكبر من ذلك، ويمكن أن يقع إمضاء الالتزام الأحادي من الساحب أو وكيله أو كفيله أو المشترك لمصلحة الساحب، وفي الحالتين يتعين على الساحب إيداع أصل الالتزام أو الاتفاق بكتابة المحكمة المختصة وإعلام المستفيد بذلك مع إرفاق محضر الإعلام بنظير من السند المذكور.. ولمراقبة توفر الشروط القانونية ومتابعة وضعية المحكوم عليه أو من كان محل تتبعات قضائية جارية أوكل مشروع القانون إلى ممثل النيابة العمومية مهمة التحقق من استفاء الشروط القانونية بالسندات المدلى بها ومراقبة صحة إجراءات التبليغ للمستفيد، وفي صورة توفر الشروط المطلوبة وإذا كان الساحب موضوع محاكمة يقدم ممثل النيابة العمومية طلبا للمحكمة لإضافة نسخ من الالتزام أو الاتفاق إلى ملف القضية مما يمكن المحكمة من إيقاف المحاكمة مؤقتا والإفراج عن الساحب إن كان موقوفا وإذا كان الساحب محكوما عليه يقرر ممثل النيابة العمومية إيقاف تنفيذ العقوبة مؤقتا والأفراح عنه إن كان مودعا بالسجن..
ويشار أيضا إلى أنه بهدف ضمان خلاص الدائن، نص المشروع على أن الاتفاق أو الالتزام الأحادي سالف الذكر، يتبع بالقوة التنفيذية عند استيفاء الشروط القانونية وفي صورة عدم إيفاء المدين لالتزاماته في الأجل المحدد تستأنف المحاكمة أو تنفيذ العقاب المحكوم به بناء على شكاية ممن له مصلحة. وتقدم الشكاية إلى ممثل النيابة العمومية لدى المحكمة.
عقوبات للمتحيلين
ولتلافي إمكانية تحيّل المدين تم من خلال مشروع القانون التنصيص على تسليط عقوبات جزائية عليه في صورة إخفاء مكاسبه المنقولة أو العقارية أو التفريط فيها بغاية منع أعمال التنفيذ سواء كان ذلك في شكل تفويت بالهبة أو البيع الصوري أو إسقاط دين له دون موجب أو خلاص دين أو التزامات صورية، ففي حال ثبوت هذه الأفعال تقضي المحكمة بإبطال العقود أو العمليات المتعلقة بها.
أما في صورة التنفيذ الكلي لاتفاق الصلح أو الالتزام الأحادي يسلم ممثل النيابة العمومية بالمحكمة المتعهدة بالملف إلى الساحب شهادة في التسوية. ويترتب عن خلاص الشيك انقضاء الدعوى العمومية بالنسبة لمن كان محل محاكمة أو إيقاف تنفيذ العقوبة السجنية لمن صدر ضده حكم بات، وفي جميع الأحوال يسترجع الساحب حق استعمال صيغ الشيكات ويرفع عنه تحجير السفر.
ماذا تغير
مقارنة بمشروع القانون عدد 51 لسنة 2024 الذي كان محل اعتراض أغلب نواب لجنة التشريع العام، يمكن الإشارة إلى أن المشروع الجديد جاء ليستجيب في جانب كبير منه للتوصيات التي قدمها نواب اللجنة خلال الجلسات العديدة التي تم تخصيصها منذ الصائفة الماضية لدراسة أحكام الشيك دون رصيد بالمجلة التجارية.
وللتذكير تضن مشروع القانون عدد 51 المثير للجدل فصلا وحيدا نص على ما يلي:" تلغى أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية وتعوض بما يلي: الفصل 411 (جديد) يُعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية تساوي عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته: كل من أصدر شيكا وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك، أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه، ولم يكن معولا على اعتماد سابق فتحه له المصرف المسحوب عليه أو على تسهيلات دفع تعود منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يقع الرجوع فيهما بصفة قانونية، كل من اعترض على خلاص الشيك لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة، كل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبينة بالفقرتين السابقتين مع علمه بذلك، كل من تسلم شيكا على وجه الضمان، كل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها.
ويعاقب بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل مصرف يرفض أداء شيك عول صاحبه على اعتماد فتحه له هذا المصرف ولم يرجع فيه بصفة قانونية، أو على تسهيلات دفع تعود هذا المصرف منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب برجوعه فيه.
للمحكمة، إن اقتضت ظروف الفعل ذلك وتبين أن الساحب غير عائد أن تقضي باستبدال العقوبة السجنية المحكوم بها بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة. وإذا تعهدت المحكمة بأكثر من قضية ضد نفس الساحب من أجل ارتكابه الجريمة إصدار شيك دون رصيد وقضت في حقه بعقوبة سجنية في كل واحدة منها، فلها أن تقرر ضم العقوبات بعضها لبعض وفقا لأحكام الفصل 56 وما يليه من المجلة الجزائية".
وتتطلع لجنة التشريع العام التي وضعت منذ تركيزها مراجعة أحكام الشيك دون رصيد ضمن أولوياتها التشريعية إلى تمرير مشروع القانون إلى الجلسة العامة قبل نهاية الدورة النيابية الحالية.