إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. "الناتو" ينتقل شرقا !

 

مع نهاية قمة حلف الشمال الأطلسي بواشنطن، التي شهدت إحياء "اليوبيل الفضي" لهذا الحلف الذي تأسس على "أنقاض" الحرب العالمية الثانية، يبدو أن مرتكزات الصراع الدولي الجديد بدأت ملامحها تتضح.

فالحلف، وعلى لسان قائده –رئيس الولايات المتحدة الأمريكية- جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، وضع النقاط على الحروف، وعرف بـ"عدوي" الحلف البارزين، وهما روسيا والصين.

"العدو الأول"، يبدو أن "حتميته الجيوسياسية" (حتميته كعدو للناتو)، ليست جديدة بل متوارثة منذ أيام الحرب الباردة، خصوصا أن تعريف حلف شمال الأطلسي جاءت بها حتمية الحرب الباردة، بين معسكرين كانت محددات الصراع بينهما أيديولوجية، بين نموذجين اقتصاديين وسياسيين بل وفكريين متنافرين، بين الشيوعية السوفياتية والليبرالية الأمريكية الغربية.

ولذلك فإن وجوده على رأس قائمة الأعداء لحلف الناتو تبدو فكريا بديهية، خاصة وأن روسيا (وريثة الاتحاد السوفياتي) أبدت عدم خضوعها لإرادته، منذ أن تحول النظام لعالمي –بداية تسعينات القرن الماضي- من الثنائية القطبية إلى الأحادية، حيث اضطلعت واشنطن بمهام قيادة العالم ضمن تمش إمبراطوري، ركيزته البحث عن زمن "السلام الأمريكي"، ومحوره "نهاية التاريخ" (كما عبر أستاذ العلاقات الدولية فرنسيس فوكوياما إبان سقوط جدار برلين) وقوامه "صدام الحضارات" كما قدم لذلك المنظر فرنسيس فوكوياما.

مرتكزان فكريان تستند عليهما السياسة الخارجية الأمريكية ومن ورائها حلف الشمال الأطلسي، في إستراتجيتهما لواصلة "قيادة العالم"، ولهما خلفية فكرية جيوسياسية كلاسيكية تؤثثها خصوصا نظرية "قلب العالم" للجغرافي البريطاني هالفورد ماكندر، حيث يرى أنه لحكم العالم يجب السيطرة على قلب الجزيرة العالمية (قلب العالم) والذي يقع في سيبيريا في قلب الأراضي الروسية.

لهذه الأسباب، ظلت روسيا ضمن أهداف "التفتيت" للحلف، وواصلت في سياسة ابتلاع الأراضي التي كانت ضمن "المجال الحيوي" السوفياتي السابق من خلال ضمها للحلف، حتى وصل الأمر الى أوكرانيا والتي تعتبر تاريخيا المنطقة التي انطلق منها السلاف لتأسيس الإمبراطورية الروسية.

"العدو الثاني"، وهو الذي تعتبره واشنطن، الوحش القادم من الشرق والذي "يتحدى النظام العالمي"، ويتحدى البناء الإمبراطوري الأمريكي والغربي، وهو الصين، تلك البلاد التي انطلقت من دولة ماوية شيوعية، لبناء اقتصاد قوي محوره تحويل أراضيها لمصنع للعالم، وهو ما حتم عليها أن تبلغ من خلال مقاربة "القوة الناعمة" مرتبة عملاق اقتصادي، أصبحت له تطلعاته للعب دور متقدم على الساحة السياسية الدولية.

"القوة الناعمة"، تلك المقاربة في بناء الدولة لعلاقاتها الدولية والتي بالرغم أن الذي أتى بها منظر أمريكي (جوزيف ناي)، إلا أن الصينيين من أكثر الدول التي استفادت منها، إذ انطلقت من الاقتصاد لـ"احتلال الأسواق" والسيطرة عليها، قبل أن تقرر "تثبيت" هذه الأسواق بمشروع ضخم وهو طريق وحزام الحرير، والذي مع إعلانه، دُق ناقوس الخطر في البيت الأبيض، وأُعلنت الحرب التجارية عليها، ومن ثم حاولت منعها من تكنولوجيا الرقائق الالكترونية اللازمة في الصناعات الحديثة، قبل أن تمر لفرض "معايير حمائية" على السلع الصينية في أسواقها.

ولعل هذه الحرب التجارية، لن تكون الإستراتيجية الوحيدة للولايات المتحدة، في التعامل مع الصين، فهي اليوم تسعى لحلف عسكري أوسع في المحيطين الهندي والهادئ بدأته من خلال حلف "أوكوس"، ويبدو أنه لن ينتهي إلا من خلال ضم حلفائها في جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى في حلف عسكري أوسع، يكون الناتو "عنوانه الأبرز".

إن هذه القمة، يبدو أنها خصصت لتعريف "عدوي" الناتو الأساسيين في المرحلة القادمة، ويبدو أن القمم القادمة ستخصص لرسم إستراتجية "احتوائهما" –روسيا في الربع البارد من الأرض والصين ضمن فضائها الآسيوي- بالرغم من أن تكتيك الاحتواء قد يختلف بين الديمقراطيين والجمهوريين، بين جو بايدن الطامح لولاية رئاسية أمريكية الذي تتميز سياسته بـ"تشريك الحلفاء"، ودونالد ترامب الجمهوري "الانعزالي" والذي يطمح للعودة للبيت الأبيض و"منازلة العدوين" ضمن قواعد أمريكية بحتة لا يكون له فيها شركاء "يقتسمون" معه غنائم النزال.

نزار مقني

 

 

بالبنط العريض..   "الناتو" ينتقل شرقا !

 

مع نهاية قمة حلف الشمال الأطلسي بواشنطن، التي شهدت إحياء "اليوبيل الفضي" لهذا الحلف الذي تأسس على "أنقاض" الحرب العالمية الثانية، يبدو أن مرتكزات الصراع الدولي الجديد بدأت ملامحها تتضح.

فالحلف، وعلى لسان قائده –رئيس الولايات المتحدة الأمريكية- جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، وضع النقاط على الحروف، وعرف بـ"عدوي" الحلف البارزين، وهما روسيا والصين.

"العدو الأول"، يبدو أن "حتميته الجيوسياسية" (حتميته كعدو للناتو)، ليست جديدة بل متوارثة منذ أيام الحرب الباردة، خصوصا أن تعريف حلف شمال الأطلسي جاءت بها حتمية الحرب الباردة، بين معسكرين كانت محددات الصراع بينهما أيديولوجية، بين نموذجين اقتصاديين وسياسيين بل وفكريين متنافرين، بين الشيوعية السوفياتية والليبرالية الأمريكية الغربية.

ولذلك فإن وجوده على رأس قائمة الأعداء لحلف الناتو تبدو فكريا بديهية، خاصة وأن روسيا (وريثة الاتحاد السوفياتي) أبدت عدم خضوعها لإرادته، منذ أن تحول النظام لعالمي –بداية تسعينات القرن الماضي- من الثنائية القطبية إلى الأحادية، حيث اضطلعت واشنطن بمهام قيادة العالم ضمن تمش إمبراطوري، ركيزته البحث عن زمن "السلام الأمريكي"، ومحوره "نهاية التاريخ" (كما عبر أستاذ العلاقات الدولية فرنسيس فوكوياما إبان سقوط جدار برلين) وقوامه "صدام الحضارات" كما قدم لذلك المنظر فرنسيس فوكوياما.

مرتكزان فكريان تستند عليهما السياسة الخارجية الأمريكية ومن ورائها حلف الشمال الأطلسي، في إستراتجيتهما لواصلة "قيادة العالم"، ولهما خلفية فكرية جيوسياسية كلاسيكية تؤثثها خصوصا نظرية "قلب العالم" للجغرافي البريطاني هالفورد ماكندر، حيث يرى أنه لحكم العالم يجب السيطرة على قلب الجزيرة العالمية (قلب العالم) والذي يقع في سيبيريا في قلب الأراضي الروسية.

لهذه الأسباب، ظلت روسيا ضمن أهداف "التفتيت" للحلف، وواصلت في سياسة ابتلاع الأراضي التي كانت ضمن "المجال الحيوي" السوفياتي السابق من خلال ضمها للحلف، حتى وصل الأمر الى أوكرانيا والتي تعتبر تاريخيا المنطقة التي انطلق منها السلاف لتأسيس الإمبراطورية الروسية.

"العدو الثاني"، وهو الذي تعتبره واشنطن، الوحش القادم من الشرق والذي "يتحدى النظام العالمي"، ويتحدى البناء الإمبراطوري الأمريكي والغربي، وهو الصين، تلك البلاد التي انطلقت من دولة ماوية شيوعية، لبناء اقتصاد قوي محوره تحويل أراضيها لمصنع للعالم، وهو ما حتم عليها أن تبلغ من خلال مقاربة "القوة الناعمة" مرتبة عملاق اقتصادي، أصبحت له تطلعاته للعب دور متقدم على الساحة السياسية الدولية.

"القوة الناعمة"، تلك المقاربة في بناء الدولة لعلاقاتها الدولية والتي بالرغم أن الذي أتى بها منظر أمريكي (جوزيف ناي)، إلا أن الصينيين من أكثر الدول التي استفادت منها، إذ انطلقت من الاقتصاد لـ"احتلال الأسواق" والسيطرة عليها، قبل أن تقرر "تثبيت" هذه الأسواق بمشروع ضخم وهو طريق وحزام الحرير، والذي مع إعلانه، دُق ناقوس الخطر في البيت الأبيض، وأُعلنت الحرب التجارية عليها، ومن ثم حاولت منعها من تكنولوجيا الرقائق الالكترونية اللازمة في الصناعات الحديثة، قبل أن تمر لفرض "معايير حمائية" على السلع الصينية في أسواقها.

ولعل هذه الحرب التجارية، لن تكون الإستراتيجية الوحيدة للولايات المتحدة، في التعامل مع الصين، فهي اليوم تسعى لحلف عسكري أوسع في المحيطين الهندي والهادئ بدأته من خلال حلف "أوكوس"، ويبدو أنه لن ينتهي إلا من خلال ضم حلفائها في جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى في حلف عسكري أوسع، يكون الناتو "عنوانه الأبرز".

إن هذه القمة، يبدو أنها خصصت لتعريف "عدوي" الناتو الأساسيين في المرحلة القادمة، ويبدو أن القمم القادمة ستخصص لرسم إستراتجية "احتوائهما" –روسيا في الربع البارد من الأرض والصين ضمن فضائها الآسيوي- بالرغم من أن تكتيك الاحتواء قد يختلف بين الديمقراطيين والجمهوريين، بين جو بايدن الطامح لولاية رئاسية أمريكية الذي تتميز سياسته بـ"تشريك الحلفاء"، ودونالد ترامب الجمهوري "الانعزالي" والذي يطمح للعودة للبيت الأبيض و"منازلة العدوين" ضمن قواعد أمريكية بحتة لا يكون له فيها شركاء "يقتسمون" معه غنائم النزال.

نزار مقني