في كل مرة تكشف فيها الجهات الرسمية آخر الأرقام والمؤشرات التي تتعلق باستهلاك التونسيين وعلاقتها المباشرة بارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، نعود مباشرة الى أصل الإشكال وهو سلوك التونسيين الاستهلاكي، الذي سرعان ما تغير ونما بصفة لافتة في السنوات الأخيرة...
فاليوم، دفعت الزيادة في عدد السكان وتطور تكنولوجيات التسويق للمنتجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الالكترونية وحتى في الواقع داخل الفضاءات والمساحات التجارية، الى مزيد توسع رقعة الاستهلاك، ليصبح التونسي مسيّرا وليس مخيّرا في نمط استهلاكه اليومي..
كما أن لتواتر مواسم الاستهلاك في السنوات العشر الأخيرة من أعياد وعطل ومناسبات دينية وعودة مدرسية.. كان له الأثر الكبير في تغير النمط الاستهلاكي للتونسي، حتى أن الآلاف من العائلات التونسية اتجهت بشكل مفرط نحو الاقتراض من البنوك لتلبية حاجياتها ومتطلباتها لهذه المناسبات التي يعرف فيها مؤشر الاستهلاك ارتفاعا كبيرا..
ليصبح بالتالي التوجه الجديد للتونسيين في نمط استهلاكهم بدعة جديدة فرضتها التغيرات التي طرأت على المشهد العالمي، لتصبح ثقافة الاستهلاك اليوم "انتقامية" وغير مدروسة، والأخطر أنها غير مؤطرة، ولا تخضع لقوانين ولا حملات تحسيسية حقيقية بهدف مراعاة جيب المستهلك والحفاظ على مقدرته الشرائية..
في المثال التونسي، وبالرغم من تجند العديد من الجهات والمنظمات المدنية للتصدي لهذه الظاهرة، إلا أن هذه التدخلات بقيت محدودة ولم تعالج الإشكال، بالنظر الى الأرقام الرسمية حول مؤشر الاستهلاك وتنامي القروض الاستهلاكية والتي فاقت الـ55 مليار دينار في سنة 2022، وفق تقرير نشره المعهد الوطني للإحصاء بعنوان "ديون العاملين الاقتصاديين غير الماليين: قراءة في الحسابات المالية"، الصادر خلال سنة 2024.
وبالتالي فإن ثقافة الاستهلاك لدى التونسيين لا ترتبط فقط بالحملات التحسيسية والإجراءات الحكومية التي تصب بالأساس في نفس التوجه التحسيسي، بل لابد أن يغير التونسي من نفسه أولا ومن نمطه الاستهلاكي في كل متطلباته اليومية والقطع مع كل المغريات وظواهر اللهفة والتبعية، للتحكم أكثر ما يمكن في مصاريفه حتى لا يثقل جيبه ولا يكون استهلاكه "انتقاميا" من نفسه بالدرجة أولى..
وفاء بن محمد
تونس-الصباح
في كل مرة تكشف فيها الجهات الرسمية آخر الأرقام والمؤشرات التي تتعلق باستهلاك التونسيين وعلاقتها المباشرة بارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، نعود مباشرة الى أصل الإشكال وهو سلوك التونسيين الاستهلاكي، الذي سرعان ما تغير ونما بصفة لافتة في السنوات الأخيرة...
فاليوم، دفعت الزيادة في عدد السكان وتطور تكنولوجيات التسويق للمنتجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الالكترونية وحتى في الواقع داخل الفضاءات والمساحات التجارية، الى مزيد توسع رقعة الاستهلاك، ليصبح التونسي مسيّرا وليس مخيّرا في نمط استهلاكه اليومي..
كما أن لتواتر مواسم الاستهلاك في السنوات العشر الأخيرة من أعياد وعطل ومناسبات دينية وعودة مدرسية.. كان له الأثر الكبير في تغير النمط الاستهلاكي للتونسي، حتى أن الآلاف من العائلات التونسية اتجهت بشكل مفرط نحو الاقتراض من البنوك لتلبية حاجياتها ومتطلباتها لهذه المناسبات التي يعرف فيها مؤشر الاستهلاك ارتفاعا كبيرا..
ليصبح بالتالي التوجه الجديد للتونسيين في نمط استهلاكهم بدعة جديدة فرضتها التغيرات التي طرأت على المشهد العالمي، لتصبح ثقافة الاستهلاك اليوم "انتقامية" وغير مدروسة، والأخطر أنها غير مؤطرة، ولا تخضع لقوانين ولا حملات تحسيسية حقيقية بهدف مراعاة جيب المستهلك والحفاظ على مقدرته الشرائية..
في المثال التونسي، وبالرغم من تجند العديد من الجهات والمنظمات المدنية للتصدي لهذه الظاهرة، إلا أن هذه التدخلات بقيت محدودة ولم تعالج الإشكال، بالنظر الى الأرقام الرسمية حول مؤشر الاستهلاك وتنامي القروض الاستهلاكية والتي فاقت الـ55 مليار دينار في سنة 2022، وفق تقرير نشره المعهد الوطني للإحصاء بعنوان "ديون العاملين الاقتصاديين غير الماليين: قراءة في الحسابات المالية"، الصادر خلال سنة 2024.
وبالتالي فإن ثقافة الاستهلاك لدى التونسيين لا ترتبط فقط بالحملات التحسيسية والإجراءات الحكومية التي تصب بالأساس في نفس التوجه التحسيسي، بل لابد أن يغير التونسي من نفسه أولا ومن نمطه الاستهلاكي في كل متطلباته اليومية والقطع مع كل المغريات وظواهر اللهفة والتبعية، للتحكم أكثر ما يمكن في مصاريفه حتى لا يثقل جيبه ولا يكون استهلاكه "انتقاميا" من نفسه بالدرجة أولى..