إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تضاعف 3 مرات مقارنة بالدورة الماضية.. 1000 حالة غش في باكالوريا 2024

 

تونس-الصباح

تٌرجّح وزارة التربية أن تصل عدد حالات الغش خلال امتحان الباكالوريا بدورتيه (الرئيسية والمراقبة) إلى 1000 حالة.. رقم مفزع مقارنة بالدورتين الماضيتين يطرح أكثر من تساؤل لاسيما في ظل وجود قانون ردعي يفضي في حال ضبط حالات غش إلى إلغاء الدورة مباشرة وحرمان التلميذ من اجتياز امتحان الباكالوريا على مدار خمس سنوات في مختلف معاهد الجمهورية ..، ومع ذلك هناك إصرار غريب على ممارسة الغش الذي تضاعف هذه السنة بأكثر من ثلاث مرات مقارنة بالسنة الماضية: فهل تحول الأمر إلى ثقافة يصعب اقتلاعها؟

في هذا الخٌصوص أوردت الجمعة الماضي وزيرة التربية سلوى العبّاسي في معرض تصريحاتها لـ"موزاييك أف أم" إنّ حالات الغشّ في امتحانات البكالوريا بدورتيها شهدت ارتفاعا ''مفاجئا''، مضيفة أنّ الوزارة تتوقّع وصول عدد حالات الغش إلى 1000 حالة.

وأبدت الوزيرة أسفها لارتفاع عدد حالات الغشّ، لكنّها اعتبرت في المقابل أنّ ذلك دليل على نجاح وزارة التربية في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وإحباطها في منبتها، على حد قولها.

إصلاح جذري وعميق

 وشدّدت الوزيرة على أنّ تلاشي هذه الظاهرة مرتبط بإجراء إصلاح تربوي جذري عميق وإعادة النظر في منظومة التوجيه ليجد التلاميذ أنفسهم حيث يجب أن يكونوا، مشيرة إلى أن ارتفاع ظاهرة الغش هي نتيجة لما وصفته بـ ''سنوات التخبّط والضياع". وأضافت أنّها تعتبر التلاميذ من مرتكبي عمليات الغش ضحايا رغم ارتكابهم هذه المخالفات.

وبالعودة إلى توقعات الوزيرة التي تفضي إلى تسجيل 1000 حالة غش هده السنة جدير بالذكر أن الرّقم يعتبر مفزعا مقارنة بالسنة الماضية على اعتبار أن حالات الغش المرصودة خلال باكالوريا 2023 كانت في حدود 300 حالة غش، الأمر الذي يؤشر هذه السنة إلى تضاعفها بأكثر من ثلاث مرات. أما فيما يتعلق بدورة 2022 فقد كانت في حدود 600 حالة غش. وبالتالي فإن باكالوريا 2024 قد حطمت الرقم القياسي من حيث عدد حالات الغش مقارنة بالدورتين الماضيتين.

تفاعلا مع هذا الطرح لاسيما فيما يتعلق بتطور الحصيلة وتحولها على حد تشخيص البعض إلى ثقافة راسخة، أورد رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لـ "الصباح" أنه لئن كانت ظاهرة الغش في الامتحانات الوطنية ظاهرة مقلقة جدّا، فإنّه لا يمكن أن نفهمها إلاّ متى وضعناها في سياقها العامّ: فالمجتمع التّونسي في سعيه الحثيث نحو التّحديث غداة نيل الاستقلال قد مال في كثير من الأحيان إلى القطع مع كلّ ما هو تقليديّ، ولم يستثن من ذلك منظومة القيم التي ورثناها عبر القرون كابرا عن كابر، وهي منظومة كانت تقوم بالأساس على استبطان الفرد لجملة من الضوابط التي تقود تفكيره وسلوكه انطلاقا من مرجعيّتين متكاملتين منسجمتين هما المرجعيّة الدّينيّة والمرجعيّة الاجتماعيّة..

وبالتّعبير الخلدونيّ، فإنّ الوازع كان في هذه المنظومة من أنفُس الأفراد استنادا إلى مقولاتي "الحرام" و"العيب" على حد تشخيصه. وقد تمّ تعويض هذه المنظومة القيميّة إلى حدّ بعيد بسلطة الدّولة التي تمارسها عبر مختلف أجهزتها تكريسا لسيادة القانون وعلويّته، وهنا تحوّل الوازع من أنفس الأفراد إلى غيرهم وعوّضت مقولة "الممنوع" مقولتي "الحرام" و"العيب".

وأضاف محدثنا انه ولئن سارت الأمور على نحو مقبول طيلة عقود، فإنّ العبث الذي طال الدّولة التّونسيّة بعد جانفي 2011 قد خلق في النّفوس إحساسا بإمكانيّة الإفلات من العقاب، وهنا فقدت مقولة "الممنوع" قدرا كبيرا من أثرها وصار كثير من الأفراد يتصرّفون بلا وازع يردعهم: فلا القيم التّقليديّة راسخة في أنفسهم ولا المنظومة التي عوّضت هذه القيم قادرة على إنفاذ القانون بالحزم اللاّزم، وهنا بدأ الانفلات الذي كانت إحدى عناوينه بروز ظاهرة الغشّ في الامتحانات، حيث انتقل الغشّ من طور المحاولات الفرديّة المحدودة عددا وأثرا، إلى طور الشّبكات المهيكلة ذات الطابع الإجرامي.

وأشار محدثنا إلى انه إذا كانت محاولات الغشّ في الامتحانات الوطنيّة قد بقيت في مستويات مرتفعة بعد 2011، وذلك بالرّغم من ترسانة القوانين والإجراءات الرّدعيّة التي وُضعت لمجابهتها، فإنّ ذلك يعود إلى أمرين أساسيّين: هما تواصل الإحساس بإمكانيّة الإفلات من العقاب، حيث لا نعلم تدقيقا عدد محاولات الغش التي لا يتمّ التّفطّن إليها مقابل كلّ محاولة يتمّ رصدها، أمّا العامل الثّاني، فهو يأس بعض المترشّحين من النّجاح، وبالتّالي فإنّهم يقدمون على ارتكاب الغشّ من منطلق أنّهم لن يخسروا شيئا وأنّهم سوف يغادرون في كلّ الأحوال مسارهم التّعليميّ.

تكوين في رصد الأوراق

 وفي الإطار نفسه اعتبر قاسم إنّ الوازع القانونيّ مهمّ جدّا، ولا شكّ أنّه قد استرجع في الفترة الأخيرة ما فقده بعد 2011 من قوّة، ولكنّ وقتا أطول سوف يمرّ بلا شكّ قبل أن يسترجع هيبته في النّفوس استرجاعا تامّا. وعلى صعيد آخر، فإنّ عقيدة وزارة التّربية قائمة منذ عقود على إحباط نيّة الغشّ لدى المترشّح قبل الامتحان، وذلك عبر التّذكير بالعقوبات التي يواجهها كل مخالف، وقد آن الأوان لمزيد تطوير هذه العقيدة أوّلا في فترة الامتحان عبر تشديد إجراءات المراقبة وتجهيز قاعات الامتحانات ومختلف المسالك التي تعبر منها أوراق المترشّحين بكاميرات المراقبة اللاّزمة، إضافة إلى استعمال أجهزة رصد المعادن في مداخل مراكز الامتحان وحتى داخل القاعات عرضيّا، وثانيا في فترة الإصلاح عبر تكوين الأساتذة المصلحين في سبل رصد الأوراق التي استعمل أصحابها ما بات يُعرف بالـ"كيت"، وكذلك عبر وضع خوارزميّة بسيطة للذّكاء الاصطناعيّ تنظر في قاعدة بيانات نتائج التّلاميذ وتقارن نتائجهم السّنويّة ونتائج الدّورة الرّئيسيّة ودورة المراقبة وتلفت النّظر إلى الحالات المريبة حتّى يتمّ إعادة النّظر فيها.

ليخلص محدثنا إلى القول بأنه لا بد من الإشارة إلى أنّ منظومة الامتحانات الوطنيّة تبقى في مجملها سليمة، بل إنّها تبقى وبلا منازع أكثر منظومات وزارة التّربية تماسكا ومناعة، غير أنّ تزايد العوامل الدّافعة إلى الغشّ تحتّم الحرص على سدّ كلّ الثّغرات الممكنة، حفاظا على المستوى المرموق لقيمة الشّهائد العلميّة التّونسيّة.

منال حرزي

 

 

 

 

 

تضاعف 3 مرات مقارنة بالدورة الماضية..   1000 حالة غش في باكالوريا 2024

 

تونس-الصباح

تٌرجّح وزارة التربية أن تصل عدد حالات الغش خلال امتحان الباكالوريا بدورتيه (الرئيسية والمراقبة) إلى 1000 حالة.. رقم مفزع مقارنة بالدورتين الماضيتين يطرح أكثر من تساؤل لاسيما في ظل وجود قانون ردعي يفضي في حال ضبط حالات غش إلى إلغاء الدورة مباشرة وحرمان التلميذ من اجتياز امتحان الباكالوريا على مدار خمس سنوات في مختلف معاهد الجمهورية ..، ومع ذلك هناك إصرار غريب على ممارسة الغش الذي تضاعف هذه السنة بأكثر من ثلاث مرات مقارنة بالسنة الماضية: فهل تحول الأمر إلى ثقافة يصعب اقتلاعها؟

في هذا الخٌصوص أوردت الجمعة الماضي وزيرة التربية سلوى العبّاسي في معرض تصريحاتها لـ"موزاييك أف أم" إنّ حالات الغشّ في امتحانات البكالوريا بدورتيها شهدت ارتفاعا ''مفاجئا''، مضيفة أنّ الوزارة تتوقّع وصول عدد حالات الغش إلى 1000 حالة.

وأبدت الوزيرة أسفها لارتفاع عدد حالات الغشّ، لكنّها اعتبرت في المقابل أنّ ذلك دليل على نجاح وزارة التربية في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وإحباطها في منبتها، على حد قولها.

إصلاح جذري وعميق

 وشدّدت الوزيرة على أنّ تلاشي هذه الظاهرة مرتبط بإجراء إصلاح تربوي جذري عميق وإعادة النظر في منظومة التوجيه ليجد التلاميذ أنفسهم حيث يجب أن يكونوا، مشيرة إلى أن ارتفاع ظاهرة الغش هي نتيجة لما وصفته بـ ''سنوات التخبّط والضياع". وأضافت أنّها تعتبر التلاميذ من مرتكبي عمليات الغش ضحايا رغم ارتكابهم هذه المخالفات.

وبالعودة إلى توقعات الوزيرة التي تفضي إلى تسجيل 1000 حالة غش هده السنة جدير بالذكر أن الرّقم يعتبر مفزعا مقارنة بالسنة الماضية على اعتبار أن حالات الغش المرصودة خلال باكالوريا 2023 كانت في حدود 300 حالة غش، الأمر الذي يؤشر هذه السنة إلى تضاعفها بأكثر من ثلاث مرات. أما فيما يتعلق بدورة 2022 فقد كانت في حدود 600 حالة غش. وبالتالي فإن باكالوريا 2024 قد حطمت الرقم القياسي من حيث عدد حالات الغش مقارنة بالدورتين الماضيتين.

تفاعلا مع هذا الطرح لاسيما فيما يتعلق بتطور الحصيلة وتحولها على حد تشخيص البعض إلى ثقافة راسخة، أورد رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لـ "الصباح" أنه لئن كانت ظاهرة الغش في الامتحانات الوطنية ظاهرة مقلقة جدّا، فإنّه لا يمكن أن نفهمها إلاّ متى وضعناها في سياقها العامّ: فالمجتمع التّونسي في سعيه الحثيث نحو التّحديث غداة نيل الاستقلال قد مال في كثير من الأحيان إلى القطع مع كلّ ما هو تقليديّ، ولم يستثن من ذلك منظومة القيم التي ورثناها عبر القرون كابرا عن كابر، وهي منظومة كانت تقوم بالأساس على استبطان الفرد لجملة من الضوابط التي تقود تفكيره وسلوكه انطلاقا من مرجعيّتين متكاملتين منسجمتين هما المرجعيّة الدّينيّة والمرجعيّة الاجتماعيّة..

وبالتّعبير الخلدونيّ، فإنّ الوازع كان في هذه المنظومة من أنفُس الأفراد استنادا إلى مقولاتي "الحرام" و"العيب" على حد تشخيصه. وقد تمّ تعويض هذه المنظومة القيميّة إلى حدّ بعيد بسلطة الدّولة التي تمارسها عبر مختلف أجهزتها تكريسا لسيادة القانون وعلويّته، وهنا تحوّل الوازع من أنفس الأفراد إلى غيرهم وعوّضت مقولة "الممنوع" مقولتي "الحرام" و"العيب".

وأضاف محدثنا انه ولئن سارت الأمور على نحو مقبول طيلة عقود، فإنّ العبث الذي طال الدّولة التّونسيّة بعد جانفي 2011 قد خلق في النّفوس إحساسا بإمكانيّة الإفلات من العقاب، وهنا فقدت مقولة "الممنوع" قدرا كبيرا من أثرها وصار كثير من الأفراد يتصرّفون بلا وازع يردعهم: فلا القيم التّقليديّة راسخة في أنفسهم ولا المنظومة التي عوّضت هذه القيم قادرة على إنفاذ القانون بالحزم اللاّزم، وهنا بدأ الانفلات الذي كانت إحدى عناوينه بروز ظاهرة الغشّ في الامتحانات، حيث انتقل الغشّ من طور المحاولات الفرديّة المحدودة عددا وأثرا، إلى طور الشّبكات المهيكلة ذات الطابع الإجرامي.

وأشار محدثنا إلى انه إذا كانت محاولات الغشّ في الامتحانات الوطنيّة قد بقيت في مستويات مرتفعة بعد 2011، وذلك بالرّغم من ترسانة القوانين والإجراءات الرّدعيّة التي وُضعت لمجابهتها، فإنّ ذلك يعود إلى أمرين أساسيّين: هما تواصل الإحساس بإمكانيّة الإفلات من العقاب، حيث لا نعلم تدقيقا عدد محاولات الغش التي لا يتمّ التّفطّن إليها مقابل كلّ محاولة يتمّ رصدها، أمّا العامل الثّاني، فهو يأس بعض المترشّحين من النّجاح، وبالتّالي فإنّهم يقدمون على ارتكاب الغشّ من منطلق أنّهم لن يخسروا شيئا وأنّهم سوف يغادرون في كلّ الأحوال مسارهم التّعليميّ.

تكوين في رصد الأوراق

 وفي الإطار نفسه اعتبر قاسم إنّ الوازع القانونيّ مهمّ جدّا، ولا شكّ أنّه قد استرجع في الفترة الأخيرة ما فقده بعد 2011 من قوّة، ولكنّ وقتا أطول سوف يمرّ بلا شكّ قبل أن يسترجع هيبته في النّفوس استرجاعا تامّا. وعلى صعيد آخر، فإنّ عقيدة وزارة التّربية قائمة منذ عقود على إحباط نيّة الغشّ لدى المترشّح قبل الامتحان، وذلك عبر التّذكير بالعقوبات التي يواجهها كل مخالف، وقد آن الأوان لمزيد تطوير هذه العقيدة أوّلا في فترة الامتحان عبر تشديد إجراءات المراقبة وتجهيز قاعات الامتحانات ومختلف المسالك التي تعبر منها أوراق المترشّحين بكاميرات المراقبة اللاّزمة، إضافة إلى استعمال أجهزة رصد المعادن في مداخل مراكز الامتحان وحتى داخل القاعات عرضيّا، وثانيا في فترة الإصلاح عبر تكوين الأساتذة المصلحين في سبل رصد الأوراق التي استعمل أصحابها ما بات يُعرف بالـ"كيت"، وكذلك عبر وضع خوارزميّة بسيطة للذّكاء الاصطناعيّ تنظر في قاعدة بيانات نتائج التّلاميذ وتقارن نتائجهم السّنويّة ونتائج الدّورة الرّئيسيّة ودورة المراقبة وتلفت النّظر إلى الحالات المريبة حتّى يتمّ إعادة النّظر فيها.

ليخلص محدثنا إلى القول بأنه لا بد من الإشارة إلى أنّ منظومة الامتحانات الوطنيّة تبقى في مجملها سليمة، بل إنّها تبقى وبلا منازع أكثر منظومات وزارة التّربية تماسكا ومناعة، غير أنّ تزايد العوامل الدّافعة إلى الغشّ تحتّم الحرص على سدّ كلّ الثّغرات الممكنة، حفاظا على المستوى المرموق لقيمة الشّهائد العلميّة التّونسيّة.

منال حرزي