شهد الدينار التونسي تراجعًا ملحوظًا في قيمته مقابل الأورو بنسبة 1.1% خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2024، مما أثار قلق العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي. هذا التراجع في قيمة الدينار، الذي يُتوقع أن يستمر في الفترة القادمة، يطرح العديد من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته والإجراءات الممكنة للحد من تأثيراته السلبية على الاقتصاد الوطني.
وشهد الأورو خلال الفترة الماضية ارتفاعًا ملحوظًا في قيمته مقابل الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني. هذا الارتفاع انعكس سلبًا على قيمة الدينار التونسي، نظرًا لارتباطه بسلة من العملات تشمل الأورو، الدولار الأمريكي، والجنيه الإسترليني. فبمجرد ارتفاع قيمة الأورو، يتأثر الدينار التونسي سلبًا، مما يجعله يفقد جزءًا من قيمته.
وأدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بشكل كبير، مما زاد في الطلب على الأورو كملاذ آمن. هذا الطلب المتزايد على الأورو ساهم في انخفاض قيمة الدينار التونسي، حيث تزايدت الفجوة بين العرض والطلب على العملات الأجنبية.
عوامل داخلية
كما تواجه تونس عجزًا تجاريًا مزمنًا، حيث تُسجل وارداتها من السلع والخدمات قيمةً أكبر من صادراتها. هذا العجز يؤدي إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية، خاصة الأورو، لدفع ثمن الواردات. نتيجة لذلك، يزداد الضغط على الدينار التونسي، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته. ووفق ما أكده عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح" في وقت سابق، فإن تونس تُعاني من ارتفاع معدلات التضخم، مما يُؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للدينار التونسي. هذا التآكل يُقلل من جاذبية الدينار التونسي كعملة، مما يزيد من الضغوط عليه ويؤدي إلى انخفاض قيمته.
كما يُؤدي عدم استقرار المناخ الاستثماري في تونس إلى ضعف الثقة في الاقتصاد الوطني، مما يُساهم في هروب الاستثمارات الأجنبية. هذا الهروب يزيد من الضغوط على الدينار التونسي ويؤدي إلى انخفاض قيمته بشكل أكبر.
ارتفاع تكلفة الواردات
وبشكل عام يُؤدي انخفاض قيمة الدينار التونسي إلى ارتفاع تكلفة الواردات، خاصة بالنسبة للسلع والخدمات التي يتم استيرادها من دول منطقة الأورو. هذا الارتفاع في تكلفة الواردات ينعكس مباشرة على الأسعار في السوق المحلية، مما يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من معدلات التضخم. وعلى الرغم من أن انخفاض قيمة العملة قد يُساهم في جعل الصادرات أكثر تنافسية، إلا أنه في الحالة التونسية يُؤدي إلى انخفاض إيرادات المصدرين بسبب تراجع أسعار الصادرات في الأسواق العالمية. هذا الانخفاض في الإيرادات يحد من قدرة المصدرين على الاستثمار والتوسع، مما يُؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.
ويخشى مستقبلا، أن يُؤدي انخفاض قيمة الدينار التونسي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية في تونس، فالمستثمرون الأجانب غالبًا ما يتخوفون من مخاطر تقلبات العملة، مما يجعلهم يحجمون عن الاستثمار في بيئة اقتصادية غير مستقرة، علما وأن الانخفاض المسجل في الفترة الأخيرة قد يُؤدي إلى ارتفاع تكلفة الدين العام، خاصة بالنسبة للقروض التي تم الحصول عليها بالعملات الأجنبية. هذا الارتفاع في تكلفة الدين يُزيد من عبء الدين على الميزانية العامة للدولة، مما يُعقد الوضع الاقتصادي بشكل أكبر، خصوصا وأن خدمة الدين العام الخارجي تجاوزت في المدة الأخيرة حاجز 7.5 مليار دينار.
خطوات للحد من الأزمة
وحسب جزء واسع من خبراء الاقتصاد والمالية، يمكن للحكومة التونسية دعم الصادرات من خلال تقديم حوافز للمصدرين وتشجيع الصناعات التصديرية. هذا الدعم يمكن أن يُساعد في زيادة الإيرادات من العملة الأجنبية، مما يُخفف من الضغط على الدينار التونسي، بالإضافة الى اتخاذ إجراءات لتحسين المناخ الاستثماري وجذب الاستثمارات الأجنبية، والذي يُمكن أن يُساهم في استقرار الدينار. ومن بين بعض الإجراءات الضرورية، تحسين البنية التحتية، تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتقديم حوافز ضريبية للمستثمرين، وتبني سياسات نقدية ملائمة للتحكم في معدلات التضخم ودعم استقرار العملة. ويمكن للبنك المركزي التونسي التدخل في الأسواق المالية لدعم الدينار وضمان استقرار أسعار الصرف.
كما من الضروري العمل على تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحسين الأداء الاقتصادي وتقليل العجز التجاري، حيث يُعد ذلك أمرًا حيويًا. وهذه الإصلاحات من الضروري أن تشمل تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز الإنتاجية في القطاعات المختلفة، وتشجيع الابتكار.
وتُشير المؤشرات الاقتصادية الحالية إلى أن الدينار التونسي قد يواصل انخفاضه أمام الأورو والدولار في الفترة القليلة القادمة. هذا التوقع يستند إلى عدة عوامل داخلية وخارجية تؤثر على الاقتصاد التونسي وعلى قيمة عملته الوطنية.
وجدير بالذكر، أن الاقتصاد التونسي، يعتمد بشكل كبير على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية، خاصة في استيراد السلع الأساسية مثل الطاقة، وأي زيادة في قيمة الدولار الأمريكي ستزيد من الضغط على الدينار التونسي.
وإجمالا ، تظل التحديات التي تواجه الدينار التونسي عديدة ومعقدة، وتتطلب استجابة شاملة ومتوازنة من قبل الحكومة والبنك المركزي لضمان استقرار العملة وتحسين الأداء الاقتصادي على المدى الطويل.
* سفيان المهداوي
تونس- الصباح
شهد الدينار التونسي تراجعًا ملحوظًا في قيمته مقابل الأورو بنسبة 1.1% خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2024، مما أثار قلق العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي. هذا التراجع في قيمة الدينار، الذي يُتوقع أن يستمر في الفترة القادمة، يطرح العديد من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته والإجراءات الممكنة للحد من تأثيراته السلبية على الاقتصاد الوطني.
وشهد الأورو خلال الفترة الماضية ارتفاعًا ملحوظًا في قيمته مقابل الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني. هذا الارتفاع انعكس سلبًا على قيمة الدينار التونسي، نظرًا لارتباطه بسلة من العملات تشمل الأورو، الدولار الأمريكي، والجنيه الإسترليني. فبمجرد ارتفاع قيمة الأورو، يتأثر الدينار التونسي سلبًا، مما يجعله يفقد جزءًا من قيمته.
وأدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بشكل كبير، مما زاد في الطلب على الأورو كملاذ آمن. هذا الطلب المتزايد على الأورو ساهم في انخفاض قيمة الدينار التونسي، حيث تزايدت الفجوة بين العرض والطلب على العملات الأجنبية.
عوامل داخلية
كما تواجه تونس عجزًا تجاريًا مزمنًا، حيث تُسجل وارداتها من السلع والخدمات قيمةً أكبر من صادراتها. هذا العجز يؤدي إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية، خاصة الأورو، لدفع ثمن الواردات. نتيجة لذلك، يزداد الضغط على الدينار التونسي، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته. ووفق ما أكده عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح" في وقت سابق، فإن تونس تُعاني من ارتفاع معدلات التضخم، مما يُؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للدينار التونسي. هذا التآكل يُقلل من جاذبية الدينار التونسي كعملة، مما يزيد من الضغوط عليه ويؤدي إلى انخفاض قيمته.
كما يُؤدي عدم استقرار المناخ الاستثماري في تونس إلى ضعف الثقة في الاقتصاد الوطني، مما يُساهم في هروب الاستثمارات الأجنبية. هذا الهروب يزيد من الضغوط على الدينار التونسي ويؤدي إلى انخفاض قيمته بشكل أكبر.
ارتفاع تكلفة الواردات
وبشكل عام يُؤدي انخفاض قيمة الدينار التونسي إلى ارتفاع تكلفة الواردات، خاصة بالنسبة للسلع والخدمات التي يتم استيرادها من دول منطقة الأورو. هذا الارتفاع في تكلفة الواردات ينعكس مباشرة على الأسعار في السوق المحلية، مما يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من معدلات التضخم. وعلى الرغم من أن انخفاض قيمة العملة قد يُساهم في جعل الصادرات أكثر تنافسية، إلا أنه في الحالة التونسية يُؤدي إلى انخفاض إيرادات المصدرين بسبب تراجع أسعار الصادرات في الأسواق العالمية. هذا الانخفاض في الإيرادات يحد من قدرة المصدرين على الاستثمار والتوسع، مما يُؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.
ويخشى مستقبلا، أن يُؤدي انخفاض قيمة الدينار التونسي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية في تونس، فالمستثمرون الأجانب غالبًا ما يتخوفون من مخاطر تقلبات العملة، مما يجعلهم يحجمون عن الاستثمار في بيئة اقتصادية غير مستقرة، علما وأن الانخفاض المسجل في الفترة الأخيرة قد يُؤدي إلى ارتفاع تكلفة الدين العام، خاصة بالنسبة للقروض التي تم الحصول عليها بالعملات الأجنبية. هذا الارتفاع في تكلفة الدين يُزيد من عبء الدين على الميزانية العامة للدولة، مما يُعقد الوضع الاقتصادي بشكل أكبر، خصوصا وأن خدمة الدين العام الخارجي تجاوزت في المدة الأخيرة حاجز 7.5 مليار دينار.
خطوات للحد من الأزمة
وحسب جزء واسع من خبراء الاقتصاد والمالية، يمكن للحكومة التونسية دعم الصادرات من خلال تقديم حوافز للمصدرين وتشجيع الصناعات التصديرية. هذا الدعم يمكن أن يُساعد في زيادة الإيرادات من العملة الأجنبية، مما يُخفف من الضغط على الدينار التونسي، بالإضافة الى اتخاذ إجراءات لتحسين المناخ الاستثماري وجذب الاستثمارات الأجنبية، والذي يُمكن أن يُساهم في استقرار الدينار. ومن بين بعض الإجراءات الضرورية، تحسين البنية التحتية، تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتقديم حوافز ضريبية للمستثمرين، وتبني سياسات نقدية ملائمة للتحكم في معدلات التضخم ودعم استقرار العملة. ويمكن للبنك المركزي التونسي التدخل في الأسواق المالية لدعم الدينار وضمان استقرار أسعار الصرف.
كما من الضروري العمل على تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحسين الأداء الاقتصادي وتقليل العجز التجاري، حيث يُعد ذلك أمرًا حيويًا. وهذه الإصلاحات من الضروري أن تشمل تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز الإنتاجية في القطاعات المختلفة، وتشجيع الابتكار.
وتُشير المؤشرات الاقتصادية الحالية إلى أن الدينار التونسي قد يواصل انخفاضه أمام الأورو والدولار في الفترة القليلة القادمة. هذا التوقع يستند إلى عدة عوامل داخلية وخارجية تؤثر على الاقتصاد التونسي وعلى قيمة عملته الوطنية.
وجدير بالذكر، أن الاقتصاد التونسي، يعتمد بشكل كبير على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية، خاصة في استيراد السلع الأساسية مثل الطاقة، وأي زيادة في قيمة الدولار الأمريكي ستزيد من الضغط على الدينار التونسي.
وإجمالا ، تظل التحديات التي تواجه الدينار التونسي عديدة ومعقدة، وتتطلب استجابة شاملة ومتوازنة من قبل الحكومة والبنك المركزي لضمان استقرار العملة وتحسين الأداء الاقتصادي على المدى الطويل.