تعيش مختلف جهات الجمهورية، في مثل هذه الفترة من كل سنة، على إيقاع المهرجانات الصيفية، التي تمثل ملاذا ومتنفسا لعديد العائلات التونسية، لاسيما في الجهات التي تفتقر الى المنتزهات وأماكن الترفيه، ورغم عروضها المختلفة، وإيقاعاتها المتنوعة، فإن برمجتها، وإشكالياتها وإخلالاتها، تطرح عديد الاستفهامات، لاسيما أن نفس الأسماء "تصول وتجول"، على ركح مهرجاناتنا في كل صائفة، دون جديد ولا تجديد، ولا حسيب ولا رقيب.
تمر السنوات وحتى العقود ومهرجاناتنا الصيفية، بنفس البرمجة المتشابهة، نفس الارتجالية، نفس طريقة التسيير الهامشية، نفس أساليب التنظيم، نفس الأفكار، نفس الصور والمشاهد، نفس الأسماء، ونفس النفس، لا ابتكار، لا تجديد، لا تطور ولا تطوير، ولا نقلة نوعية، ولا سياسة ثقافية تلبي الانتظارات الفنية .
وفي وقت تنفق مبالغ ضخمة بمئات الملايين والمليارات لعروض تافهة وفارغة، بمهرجانات دولية وجهوية، تعيش جهات مهمشة وريفية، فراغا قاتلا وتصحرا ثقافيا رهيبا، في مفارقة غريبة، تعمق معاناة المناطق المحرومة، وتكرس اختلال التوازن الجهوي، والفوارق بين جهات الجمهورية، ورغم تغير عشرات التشكيلات الحكومية، وتواتر أصحاب الحقائب الوزارية، لم تتغير الخارطة الثقافية، وفلسفة البرمجة الفنية، لنظل في نفس دائرة المشهد المثير للجدل.
واللافت، بل إن ما يدعو الى الاستغراب، أن هذا النزيف متواصل، ونفس المشاهد تتكرر، في وقت تنتظم هذه المهرجانات سنويا، دون أدنى اجتهاد في تطوير برمجتها، وطرق إنتاج عروضها، وتنويع مصادر تمويلها، وكيفية تسويقها، في زمن المنصات الاجتماعية والتطورات التكنولوجية، وهو ما جعل أغلب المهرجانات دون هوية، وليست لها حدود فاصلة بين خياراتها الثقافية وتوجهاتها التجارية، وهو ما يعكس لهثها خلف نفس الأسماء بتعلة الربحية.
ورغم عراقة المهرجانات الدولية التونسية وإشعاعها عربيا، فإن بريقها لم يسطع عالميا، بما يمكن من جلب آلاف السياح، والمساهمة في دعم السياحة التونسية، ذلك ان مهرجاني قرطاج والحمامات، بدرجة أولى، وبقية المهرجانات الدولية، بدرجة ثانية، لم تجذب جماهير من الخارج، في وقت أن مهرجان موازين بالمغرب، خطف الأضواء وأصبح يستقطب آلاف السياح المولعين بالموسيقى، وهو ما يقتضي إعادة النظر، في البرمجة، ونوعية العروض، وفئة الجمهور المستهدف.
ودون شك لن تكون لهذه المهرجانات برمجة ثقافية وفنية هادفة، دون فتح المجال أمام الشخصيات الأكاديمية، وتشريك المختصين والخبراء في الهيئات التسييرية، باعتبار انه لا يستقيم الظل والعود أعوج، فلا يمكن أن ننتظر التغيير، ونحلم بالتطوير، دون قطع الطريق، أمام كل أشكال المحاصصات، وسماسرة ومرتزقة المهرجانات، في مختلف الزوايا والمسارات.
ومن المؤكد أن برمجة المهرجانات، يجب أن تتماشى مع خصوصية كل جهة، حتى لا تكون المهرجانات في مختلف الجهات، نسخا متشابهة في برامجها، وأفكارها، وتنظيمها، وتوقيتها، مع ضرورة ضمان الحد الأدنى من الجودة الفنية، التي ترتقي بالذوق العام، لأنه لا حاجة لنا بعروض تفتقر للقيمة الفنية والثقافية، و"سلعة" تجارية، تستنزف فقط المال العام.
ولا انتظارات، ولا قطع مع الإخلالات ، دون خطوات ضرورية، في اتجاه تغييرات جذرية، في السياسات الثقافية للدولة، وخياراتها المستقبلية، بما يحتم على وزارة الشؤون الثقافية، وكل الأطراف المسؤولة، الإسراع برسم التصورات الجديدة، وملامحها الأولية، بجدية وواقعية، بعيدا عن الأفكار المستهلكة، و"الكليشيات" المعهودة، التي تجاوزها الزمن.
محمد صالح الربعاوي
تعيش مختلف جهات الجمهورية، في مثل هذه الفترة من كل سنة، على إيقاع المهرجانات الصيفية، التي تمثل ملاذا ومتنفسا لعديد العائلات التونسية، لاسيما في الجهات التي تفتقر الى المنتزهات وأماكن الترفيه، ورغم عروضها المختلفة، وإيقاعاتها المتنوعة، فإن برمجتها، وإشكالياتها وإخلالاتها، تطرح عديد الاستفهامات، لاسيما أن نفس الأسماء "تصول وتجول"، على ركح مهرجاناتنا في كل صائفة، دون جديد ولا تجديد، ولا حسيب ولا رقيب.
تمر السنوات وحتى العقود ومهرجاناتنا الصيفية، بنفس البرمجة المتشابهة، نفس الارتجالية، نفس طريقة التسيير الهامشية، نفس أساليب التنظيم، نفس الأفكار، نفس الصور والمشاهد، نفس الأسماء، ونفس النفس، لا ابتكار، لا تجديد، لا تطور ولا تطوير، ولا نقلة نوعية، ولا سياسة ثقافية تلبي الانتظارات الفنية .
وفي وقت تنفق مبالغ ضخمة بمئات الملايين والمليارات لعروض تافهة وفارغة، بمهرجانات دولية وجهوية، تعيش جهات مهمشة وريفية، فراغا قاتلا وتصحرا ثقافيا رهيبا، في مفارقة غريبة، تعمق معاناة المناطق المحرومة، وتكرس اختلال التوازن الجهوي، والفوارق بين جهات الجمهورية، ورغم تغير عشرات التشكيلات الحكومية، وتواتر أصحاب الحقائب الوزارية، لم تتغير الخارطة الثقافية، وفلسفة البرمجة الفنية، لنظل في نفس دائرة المشهد المثير للجدل.
واللافت، بل إن ما يدعو الى الاستغراب، أن هذا النزيف متواصل، ونفس المشاهد تتكرر، في وقت تنتظم هذه المهرجانات سنويا، دون أدنى اجتهاد في تطوير برمجتها، وطرق إنتاج عروضها، وتنويع مصادر تمويلها، وكيفية تسويقها، في زمن المنصات الاجتماعية والتطورات التكنولوجية، وهو ما جعل أغلب المهرجانات دون هوية، وليست لها حدود فاصلة بين خياراتها الثقافية وتوجهاتها التجارية، وهو ما يعكس لهثها خلف نفس الأسماء بتعلة الربحية.
ورغم عراقة المهرجانات الدولية التونسية وإشعاعها عربيا، فإن بريقها لم يسطع عالميا، بما يمكن من جلب آلاف السياح، والمساهمة في دعم السياحة التونسية، ذلك ان مهرجاني قرطاج والحمامات، بدرجة أولى، وبقية المهرجانات الدولية، بدرجة ثانية، لم تجذب جماهير من الخارج، في وقت أن مهرجان موازين بالمغرب، خطف الأضواء وأصبح يستقطب آلاف السياح المولعين بالموسيقى، وهو ما يقتضي إعادة النظر، في البرمجة، ونوعية العروض، وفئة الجمهور المستهدف.
ودون شك لن تكون لهذه المهرجانات برمجة ثقافية وفنية هادفة، دون فتح المجال أمام الشخصيات الأكاديمية، وتشريك المختصين والخبراء في الهيئات التسييرية، باعتبار انه لا يستقيم الظل والعود أعوج، فلا يمكن أن ننتظر التغيير، ونحلم بالتطوير، دون قطع الطريق، أمام كل أشكال المحاصصات، وسماسرة ومرتزقة المهرجانات، في مختلف الزوايا والمسارات.
ومن المؤكد أن برمجة المهرجانات، يجب أن تتماشى مع خصوصية كل جهة، حتى لا تكون المهرجانات في مختلف الجهات، نسخا متشابهة في برامجها، وأفكارها، وتنظيمها، وتوقيتها، مع ضرورة ضمان الحد الأدنى من الجودة الفنية، التي ترتقي بالذوق العام، لأنه لا حاجة لنا بعروض تفتقر للقيمة الفنية والثقافية، و"سلعة" تجارية، تستنزف فقط المال العام.
ولا انتظارات، ولا قطع مع الإخلالات ، دون خطوات ضرورية، في اتجاه تغييرات جذرية، في السياسات الثقافية للدولة، وخياراتها المستقبلية، بما يحتم على وزارة الشؤون الثقافية، وكل الأطراف المسؤولة، الإسراع برسم التصورات الجديدة، وملامحها الأولية، بجدية وواقعية، بعيدا عن الأفكار المستهلكة، و"الكليشيات" المعهودة، التي تجاوزها الزمن.