إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الوجه القبيح المخفي لحرية التعبير في الغرب

في خضم التراجع القيمي للصحافة تتالت في بلدان أوروبا عمليات تدجين المجتمع المدني

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الاعلام والصحافة

كشفت حرب غزة المأساوية الجارية فصولها الدموية منذ قرابة العام ،مدى تدحرج القيم الأخلاقية في الغرب المتقدم المتأخر وما كان فيه مخفيا بامتياز تضليلي في منظومة حرية التعبير والديمقراطية وقيم حقوق الانسان.

فقد انهارت منظومة القيم التي كانت تحيط بهالة من نور مصطنع وتقديس وجه الغرب الجميل المهيمن بقفازات ناعمة من الحرير على العالم منذ قرون. وانكشف الوجه القبيح لهذا الغرب، وتوقف في عيون الشعوب عن تقديم دروس الى باقي الشعوب في الأرض حتى وإن كانت ترزح تحت نير السلطوية أو الاستبداد الكامل.

لقد أصبحت دول الغرب الأورو- أمريكي، التي كانت تعطي الدروس بكل صلف وعنجهية لدول العالم الثالث وتلاحقها بالمضايقات والتشهير الإعلامي التضليلي حتى العزلة الدولية وتفرض عليها العقوبات إن لزم الأمر عبر وقف قروض صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات الاقراضية الدولية .وقد ظهرت هذه الممارسات الاقصائية بجلاء خاصة في حرب غزة حيث أصبحت الأقلام الحرة المساندة للفلسطينيين تتعرض للملاحقة والاتهام بترهات وأراجيف "مساندة الإرهابيين ومعاداة السامية ونشر فكر العنف والكراهية والحقد".

ففي تدوينة مستعجلة عشية يوم الأربعاء 26 جوان 2024 على شبكة فايسبوك عبر الباحث الفرنسي في العلوم السياسية الصديق ميشال كامو عن صدمته من توجيه استدعاء من الشرطة الفرنسية إلى صديقه وزميله الباحث في العلوم السياسية فرانسوا بيرغات، لملاحقته بتهمة "مساندة وتمجيد الإرهاب"، وذلك بعد أن أعلن مساندته للفلسطينيين في غزة وما يتعرضون له من إبادة جماعية . كما عبر الأستاذ فانسان غايزار، الباحث المشترك مع كامو عن صدمته من هذا الخبر. وقد اشتغل الباحثان بمنهجية موضوعية على الديمقراطية والتنمية في تونس والمغرب العربي لما بعد الاستقلال.

وكتب كامو في تدوينته يقول :" إنه شكل جديد من ملاحقة المعارضين . فكيف أن كل من ينتقد ممارسات لاإنسانية ضد شعب مسالم، يصبح خارجا عن القانون وتستدعيه الشرطة في فرنسا . لقد أصبح الإرهاب كلمة يستعملها كل من يريد تصفية حساباته مع أعدائه.إنه اليمين المتطرف الذي ينتصب الآن في فرنسا " .

وربط كثير من المعلقين على ذلك بصعود اليمين المتطرف لمارين لوبان في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي وما هو منتظر أدهى في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في جويلية القادم، بعد ان قرر الرئيس ايمانيال ماكرون حل البرلمان خوفا وهلعا من اليوم القادم . وتوقع كثير من هؤلاء المراقبين "أياما سوداء تنتظر فرنسا" في مجال حرية التعبير واستقرار مؤسسات الحكم بشكل قد يعصف بما تبقى من دستور الجمهورية الخامسة التي تواصلت في فرنسا من 1958 مع مؤسسها الزعيم شارل ديغول الى ماكرون المنهي لها.

وباء سلطوي أوروبي

لقد تتالت خلال الأشهر الأخيرة مع أحداث غزة المأساوية التي انضافت الى الازمة الأوكرانية في أوروبا،عمليات تدجين الرأي العام في عموم بلدان الاتحاد الأوروبي، كما رصدتها الجمعيات والمنظمات المدنية المستقلة البعيدة عن ضغط اللوبيات الصهيونية المتهافتة. وتتالت في نفس السياق مظاهر الانتشار الوبائي لعمليات ملاحقة الأقلام الحرة في عموم أوروبا عبر سلسلة من عمليات الحد من حرية التعبير. وقبلها كان التضيق الناعم علي حرية التفكير مما يجعل الصحافيين يعانون من "عقدة الرقابة الذاتية" التي تنخر حريتهم وإبداعهم كما ينخر السوس الخشب فيحول الصحافة الحرة إلى لغة خشبية ميتة، وهي حالة إكلينيكية مرضية يعرفها صحافيو بلدان العالم الثالث أمام سطوة السلطة القائمة. ولكن أوروبا تعاني أيضا من سطوة سلطة المال الفاسد والاعلام المضلل الذي يتحكم فيه اللوبي الموالي لإسرائيل. وهو لا يستطيع فتح فمه بكلمة معارضة أمامها.

ففي خضم التراجع القيمي للصحافة تتالت في بلدان أوروبا عمليات تدجين المجتمع المدني وتجفيف منابعه المالية والفكرية والقانونية حد التصحر، حيث تمت مراجعة القوانين في البرلمانات التي يسيطر عليها أزلام الأخطبوط الصهيوني من أجل مزيد منع المظاهرات وإلغاء ندوات فكرية عمومية ومحاصرة ومنع لقاءات مع مفكرين وفنانين ورسامي كاريكاتور يشتم منهم مساندة ما للفلسطينيين أو انتقاد لإسرائيل. بل وصل الأمر إلى منع تداول شعارات عادية كانت متداولة في العشريات الماضية،إلى جانب تعليق مساعدات ومنح من الدولة او الجماعات المحلية للمنظمات النشطة التي قد يكون فيها نفس احتجاجي او مساند للفلسطينيين .

وخلال موجة الاحتجاجات الطلابية الأخيرة المساندة للفلسطينيين في أوروبا وامريكا، تم اقالة مسؤولين وتجريد أساتذة جامعيين من صلاحياتهم البحثية لأنهم كانوا غير صارمين مع الطلبة المتضامنين مع الفلسطينيين . وقد حكم على أحد النقابيين الجامعيين بالسجن لترديده شعارات مناهضة لإسرائيل في حين أحيل كثير من رؤساء الدوائر بالجامعات علي التحقيق الإداري والبوليسي بسبب حضورهم تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وهم الذين تعودوا الاختلاط بطلبتهم .

وفي نفس الوقت تعربد في الساحة الإعلامية الأوروبية والأمريكية الأصوات الصهيونية المتطرفة والاستئصالية الناعقة التي تدعو إلى مزيد قتل المدنيين والأطفال الفلسطينيين. ويتجول بكل حرية في القنوات الفرنسية عراب خراب الدول العربية الفيلسوف المزعوم برنار هنري ليفي، الذي يفسر ويدعو الي مزيد محو الفلسطينيين من الخريطة بكل عنجهية . وهو يلقى في ذلك دعما ومساندة ومساعدة على تمرير سمومه في المحطات الاذاعية والتلفزية، حيث له أصدقاء صحافيون من نفس الطينة في غرف الاخبار ،يسيطرون على مجمل البرامج الإخبارية والتحقيقات التي فيها يدس السم التضليلي في الدسم الاخباري .

وكتبت صحيفة "لوموند دبلوماتيك" الشهرية الفرنسية المتضامنة مع الفلسطينيين وقضايا العدل في العالم تقول في تعليق بعدد شهر جوان 2024 " فرنسا ليست الديمقراطية الليبرالية الوحيدة التي تداس فيها حرية التعبير وبها يقع التفريق بين العالم الحر والأنظمة الشعبوية السلطوية ". ففي المانيا أصبحت السلطات تضايق المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين منذ اندلاع حرب غزة، في حين نشرت اليومية الشعبية اليمينية " بيلد تسايتونغ" تعليقا هاجمت فيه من أسمتهم " الجامعيين المنحرفين " في ألمانيا الذين وقعوا رسالة مساندة لفلسطين والذين اسمتهم "بمتظاهري الحقد ضد اليهود". ورددت أغلب الصحف الألمانية النافذة كلمة السر التي تقول :" لا مكان في ألمانيا لمعاداة السامية أبدا"

صمت القبور في الصحافة الأوروبية

وفي غضون ذلك سكتت الأقلام الاحتجاجية ضد مجالات حرية التعبير . وحتى أبرز الصحف الهزلية او التحليلية الفرنسية مثل "شارلي هبدو" او "لوكانار أنشيني"، فقد التزمت صمت القبور بعد الضجيج وأصبحت معتدلة في نقدها اللامحدود سابقا ضد المسلمين في فرنسا وضد مظاهر هويتهم ورموزهم الدينية والروحية بدعوى "حرية التعبير المطلقة". وهاهي تصمت امام المجازر الإسرائيلية والهولوكوست والمذبحة التي يشاهدها الجميع مباشرة والتي يتعرض لها المدنيون الذين قتل منهم خمسون ألف شخص وأكثر من مائة وعشرين صحفيا قتلوا بالقصف الجوي أو الاغتيال بالقناصة.

لقد كانت اكبر مسرحية تنكرية في تلك السياسة لازدواجية المعايير ذلك الاجتماع العالمي الذي شهدته باريس عام 2015 بعد الهجوم الإرهابي علي مقر جريدة "شارلي هبدو" بسبب رسومها المسيئة للرسول محمد والذي حضر فيه حفل التضامن معها أكثر من عشرين رئيس دولة وحكومة كان من بينهم في الصفوف الامامية بنيامين ناتنياهو سفاح غزة . وقد أطبق الصمت المخزي على أقلام صحفيي ورسامي الصحيفة الفرنسية الأكثر مشاكسة وحرية مزعومة . بل ان جريدة " غارديان" البريطانية الشهيرة بخطها الافتتاحي المستقل لوسط اليسار، اضطرت إلى سحب كاريكاتور مسيء لناتنياهو وذلك من موقعها الالكتروني وفيه يظهر ناتنياهو وهو يشبه الشخصية الأسطورية لمصاص الدماء في الفكر الديني المسيحي وهو "نوسفيراتو" بوجه شيطان خبيث داهية يلعب بلسان إبليس وذيله وهو يشرب حتى الثمالة من بركة دماء أطفال غزة.

ونفس الأمر التمييزي المتسم بالخنوع وانعدام الاستقلالية حدث مع صحيفة "لابراس" الكندية الناطقة بالفرنسية التي اعتذرت للقراء وقامت بسحب رسم مسيء لناتنياهو بدعوى التصدي للعنف والكراهية.

 

 

 

 

 

 

الوجه القبيح المخفي لحرية التعبير في الغرب

في خضم التراجع القيمي للصحافة تتالت في بلدان أوروبا عمليات تدجين المجتمع المدني

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الاعلام والصحافة

كشفت حرب غزة المأساوية الجارية فصولها الدموية منذ قرابة العام ،مدى تدحرج القيم الأخلاقية في الغرب المتقدم المتأخر وما كان فيه مخفيا بامتياز تضليلي في منظومة حرية التعبير والديمقراطية وقيم حقوق الانسان.

فقد انهارت منظومة القيم التي كانت تحيط بهالة من نور مصطنع وتقديس وجه الغرب الجميل المهيمن بقفازات ناعمة من الحرير على العالم منذ قرون. وانكشف الوجه القبيح لهذا الغرب، وتوقف في عيون الشعوب عن تقديم دروس الى باقي الشعوب في الأرض حتى وإن كانت ترزح تحت نير السلطوية أو الاستبداد الكامل.

لقد أصبحت دول الغرب الأورو- أمريكي، التي كانت تعطي الدروس بكل صلف وعنجهية لدول العالم الثالث وتلاحقها بالمضايقات والتشهير الإعلامي التضليلي حتى العزلة الدولية وتفرض عليها العقوبات إن لزم الأمر عبر وقف قروض صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات الاقراضية الدولية .وقد ظهرت هذه الممارسات الاقصائية بجلاء خاصة في حرب غزة حيث أصبحت الأقلام الحرة المساندة للفلسطينيين تتعرض للملاحقة والاتهام بترهات وأراجيف "مساندة الإرهابيين ومعاداة السامية ونشر فكر العنف والكراهية والحقد".

ففي تدوينة مستعجلة عشية يوم الأربعاء 26 جوان 2024 على شبكة فايسبوك عبر الباحث الفرنسي في العلوم السياسية الصديق ميشال كامو عن صدمته من توجيه استدعاء من الشرطة الفرنسية إلى صديقه وزميله الباحث في العلوم السياسية فرانسوا بيرغات، لملاحقته بتهمة "مساندة وتمجيد الإرهاب"، وذلك بعد أن أعلن مساندته للفلسطينيين في غزة وما يتعرضون له من إبادة جماعية . كما عبر الأستاذ فانسان غايزار، الباحث المشترك مع كامو عن صدمته من هذا الخبر. وقد اشتغل الباحثان بمنهجية موضوعية على الديمقراطية والتنمية في تونس والمغرب العربي لما بعد الاستقلال.

وكتب كامو في تدوينته يقول :" إنه شكل جديد من ملاحقة المعارضين . فكيف أن كل من ينتقد ممارسات لاإنسانية ضد شعب مسالم، يصبح خارجا عن القانون وتستدعيه الشرطة في فرنسا . لقد أصبح الإرهاب كلمة يستعملها كل من يريد تصفية حساباته مع أعدائه.إنه اليمين المتطرف الذي ينتصب الآن في فرنسا " .

وربط كثير من المعلقين على ذلك بصعود اليمين المتطرف لمارين لوبان في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي وما هو منتظر أدهى في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في جويلية القادم، بعد ان قرر الرئيس ايمانيال ماكرون حل البرلمان خوفا وهلعا من اليوم القادم . وتوقع كثير من هؤلاء المراقبين "أياما سوداء تنتظر فرنسا" في مجال حرية التعبير واستقرار مؤسسات الحكم بشكل قد يعصف بما تبقى من دستور الجمهورية الخامسة التي تواصلت في فرنسا من 1958 مع مؤسسها الزعيم شارل ديغول الى ماكرون المنهي لها.

وباء سلطوي أوروبي

لقد تتالت خلال الأشهر الأخيرة مع أحداث غزة المأساوية التي انضافت الى الازمة الأوكرانية في أوروبا،عمليات تدجين الرأي العام في عموم بلدان الاتحاد الأوروبي، كما رصدتها الجمعيات والمنظمات المدنية المستقلة البعيدة عن ضغط اللوبيات الصهيونية المتهافتة. وتتالت في نفس السياق مظاهر الانتشار الوبائي لعمليات ملاحقة الأقلام الحرة في عموم أوروبا عبر سلسلة من عمليات الحد من حرية التعبير. وقبلها كان التضيق الناعم علي حرية التفكير مما يجعل الصحافيين يعانون من "عقدة الرقابة الذاتية" التي تنخر حريتهم وإبداعهم كما ينخر السوس الخشب فيحول الصحافة الحرة إلى لغة خشبية ميتة، وهي حالة إكلينيكية مرضية يعرفها صحافيو بلدان العالم الثالث أمام سطوة السلطة القائمة. ولكن أوروبا تعاني أيضا من سطوة سلطة المال الفاسد والاعلام المضلل الذي يتحكم فيه اللوبي الموالي لإسرائيل. وهو لا يستطيع فتح فمه بكلمة معارضة أمامها.

ففي خضم التراجع القيمي للصحافة تتالت في بلدان أوروبا عمليات تدجين المجتمع المدني وتجفيف منابعه المالية والفكرية والقانونية حد التصحر، حيث تمت مراجعة القوانين في البرلمانات التي يسيطر عليها أزلام الأخطبوط الصهيوني من أجل مزيد منع المظاهرات وإلغاء ندوات فكرية عمومية ومحاصرة ومنع لقاءات مع مفكرين وفنانين ورسامي كاريكاتور يشتم منهم مساندة ما للفلسطينيين أو انتقاد لإسرائيل. بل وصل الأمر إلى منع تداول شعارات عادية كانت متداولة في العشريات الماضية،إلى جانب تعليق مساعدات ومنح من الدولة او الجماعات المحلية للمنظمات النشطة التي قد يكون فيها نفس احتجاجي او مساند للفلسطينيين .

وخلال موجة الاحتجاجات الطلابية الأخيرة المساندة للفلسطينيين في أوروبا وامريكا، تم اقالة مسؤولين وتجريد أساتذة جامعيين من صلاحياتهم البحثية لأنهم كانوا غير صارمين مع الطلبة المتضامنين مع الفلسطينيين . وقد حكم على أحد النقابيين الجامعيين بالسجن لترديده شعارات مناهضة لإسرائيل في حين أحيل كثير من رؤساء الدوائر بالجامعات علي التحقيق الإداري والبوليسي بسبب حضورهم تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وهم الذين تعودوا الاختلاط بطلبتهم .

وفي نفس الوقت تعربد في الساحة الإعلامية الأوروبية والأمريكية الأصوات الصهيونية المتطرفة والاستئصالية الناعقة التي تدعو إلى مزيد قتل المدنيين والأطفال الفلسطينيين. ويتجول بكل حرية في القنوات الفرنسية عراب خراب الدول العربية الفيلسوف المزعوم برنار هنري ليفي، الذي يفسر ويدعو الي مزيد محو الفلسطينيين من الخريطة بكل عنجهية . وهو يلقى في ذلك دعما ومساندة ومساعدة على تمرير سمومه في المحطات الاذاعية والتلفزية، حيث له أصدقاء صحافيون من نفس الطينة في غرف الاخبار ،يسيطرون على مجمل البرامج الإخبارية والتحقيقات التي فيها يدس السم التضليلي في الدسم الاخباري .

وكتبت صحيفة "لوموند دبلوماتيك" الشهرية الفرنسية المتضامنة مع الفلسطينيين وقضايا العدل في العالم تقول في تعليق بعدد شهر جوان 2024 " فرنسا ليست الديمقراطية الليبرالية الوحيدة التي تداس فيها حرية التعبير وبها يقع التفريق بين العالم الحر والأنظمة الشعبوية السلطوية ". ففي المانيا أصبحت السلطات تضايق المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين منذ اندلاع حرب غزة، في حين نشرت اليومية الشعبية اليمينية " بيلد تسايتونغ" تعليقا هاجمت فيه من أسمتهم " الجامعيين المنحرفين " في ألمانيا الذين وقعوا رسالة مساندة لفلسطين والذين اسمتهم "بمتظاهري الحقد ضد اليهود". ورددت أغلب الصحف الألمانية النافذة كلمة السر التي تقول :" لا مكان في ألمانيا لمعاداة السامية أبدا"

صمت القبور في الصحافة الأوروبية

وفي غضون ذلك سكتت الأقلام الاحتجاجية ضد مجالات حرية التعبير . وحتى أبرز الصحف الهزلية او التحليلية الفرنسية مثل "شارلي هبدو" او "لوكانار أنشيني"، فقد التزمت صمت القبور بعد الضجيج وأصبحت معتدلة في نقدها اللامحدود سابقا ضد المسلمين في فرنسا وضد مظاهر هويتهم ورموزهم الدينية والروحية بدعوى "حرية التعبير المطلقة". وهاهي تصمت امام المجازر الإسرائيلية والهولوكوست والمذبحة التي يشاهدها الجميع مباشرة والتي يتعرض لها المدنيون الذين قتل منهم خمسون ألف شخص وأكثر من مائة وعشرين صحفيا قتلوا بالقصف الجوي أو الاغتيال بالقناصة.

لقد كانت اكبر مسرحية تنكرية في تلك السياسة لازدواجية المعايير ذلك الاجتماع العالمي الذي شهدته باريس عام 2015 بعد الهجوم الإرهابي علي مقر جريدة "شارلي هبدو" بسبب رسومها المسيئة للرسول محمد والذي حضر فيه حفل التضامن معها أكثر من عشرين رئيس دولة وحكومة كان من بينهم في الصفوف الامامية بنيامين ناتنياهو سفاح غزة . وقد أطبق الصمت المخزي على أقلام صحفيي ورسامي الصحيفة الفرنسية الأكثر مشاكسة وحرية مزعومة . بل ان جريدة " غارديان" البريطانية الشهيرة بخطها الافتتاحي المستقل لوسط اليسار، اضطرت إلى سحب كاريكاتور مسيء لناتنياهو وذلك من موقعها الالكتروني وفيه يظهر ناتنياهو وهو يشبه الشخصية الأسطورية لمصاص الدماء في الفكر الديني المسيحي وهو "نوسفيراتو" بوجه شيطان خبيث داهية يلعب بلسان إبليس وذيله وهو يشرب حتى الثمالة من بركة دماء أطفال غزة.

ونفس الأمر التمييزي المتسم بالخنوع وانعدام الاستقلالية حدث مع صحيفة "لابراس" الكندية الناطقة بالفرنسية التي اعتذرت للقراء وقامت بسحب رسم مسيء لناتنياهو بدعوى التصدي للعنف والكراهية.