مثّل تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية محور اهتمام رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه مؤخرا رئيس الحكومة أحمد الحشّاني. علما أن تنقيح الفصل المذكور، كان محور لقاءات ثنائية جمعت الرئيس سعيّد ورئيس الحكومة، وجلسات عمل بحضور رئيس الحكومة ووزيرة العدل ووزيرة المالية..
وكان رئيس الجمهورية، يشدّد في كل مرة، على ضرورة تنقيح المجلة الجزائية، ولاحظ أن عددا من المرافق العمومية لا تعمل بصفة طبيعية، بذريعة وجود هذا الفصل..
ووفق ما ورد في بلاغ رئاسة الجمهورية الصادر أول أمس، ينتظر أن يصل مشروع تنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية، إلى مراحله الأخيرة، من خلال عرض النسخة النهائية لمشروع التنقيح، على جدول أعمال مجلس الوزراء في اجتماعه المقبل، قبل إحالته على مكتب البرلمان..
والملفت للانتباه، أن مسار تنقيح الفصل 96 المثير للجدل، استغرق وقتا طويلا قارب الثلاث سنوات، وتتم متابعة تنفيذ أعمال المراجعة والتعديل من أعلى هرم السلطة، لكن أيضا من قبل الحكومة والبرلمان (قدمت في شأنه مقترحات قوانين)، وهي أيضا محل متابعة واهتمام من الرأي العام والإداريين بشكل خاص، وخصصت لأجله عدة اجتماعات تنسيقية للتوصل إلى صيغة قانونية "تهدف إلى تحقيق الموازنة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد، من جهة، وعدم عرقلة العمل الإداري وتحقيق نجاعته، من جهة أخرى.".
ومردّ هذا الاهتمام، يكمن في مضمون الفصل 96 الذي يعتبر في صيغته الحالية، مصدر توجس وخوف من قبل جل الإداريين في تونس باعتباره سيفا مسلطا على رقابهم ويحال على معناه عدد كبير من المسؤولين الكبار في الدولة مباشرين أو سبق أن تحملوا مناصب في الوظيفة العمومية أو في مؤسسات أو منشآت بالقطاع العام، بتهم يتعلق أغلبها بشبهات إساءة التصرف في المال العام، واستغلال موظّف عمومي صفته لاستخلاص فائدة لنفسه أو لغيره والإضرار بالإدارة..
وكان الرئيس سعيد، قد كشف في أكثر من مناسبة عن وجود توجه رسمي لتغيير هذا الفصل، وذلك بهدف "تحرير العمل الإداري وإكسابه مزيدا من النجاعة والسرعة المطلوبتين وحتى لا يتعلل من يريد أن يتعلل به"، وفق ما صرح به في لقاءات رسمية سابقة..
كما أكّد رئيس الدولة في لقائه الأخير مع رئيس الحكومة أحمد الحشّاني، على أن مشروع تنقيح الفصل 96 "يجب أن يقوم على تحقيق التوازن بين الحفاظ على المال العام وبين عدم التعلل بمقتضيات هذا الفصل لتعطيل السير العادي للمرفق العمومي."
كما أمر الرئيس سعيّد لدى ترؤسه يوم 20 ماي 2024 بقصر قرطاج، جلسة عمل خُصّصت للنظر في مشروع تنقيح الفصل 96 من المجلّة الجزائية، "بإدراج حكم جديد يتعلّق بتجريم من يتعمّد الامتناع عن إنجاز أمر هو من علائق وظيفه بهدف عرقلة سير المرفق العام لأن الكثيرين يتعللون بما جاء في الفصل 96 من المجلة الجزائية للامتناع عن القيام بالواجبات الموكولة إليهم". وفق ما ورد في بلاغ رئاسة الجمهورية.
مبادرات تشريعية
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان سبق أن أعلن عن وجود مقترحي قانونين تقدما بهما أعضاء في البرلمان، الأول في جويلية من سنة 2023، والثاني في أكتوبر 2023، ويتعلقان بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية ومنها الفصل 96 والفصل 98 وإلغاء الفصل 79..
وتهدف المبادرتان إلى "تحفيز الموظف العمومي على قبول المسؤوليات بالإدارة العمومية وعدم محاسبته على الاجتهاد في أداء وظيفته"، حسب بلاغ سابق عن البرلمان.
وتضمن مقترح القانون المتعلق بتنقيح المجلة الجزائية المؤرخ في أكتوبر 2023، ثلاثة فصول يتعلق الأول بإلغاء أحكام الفصلين 96 و98 وتعويضها بفصلين جديدين، وذلك في اتجاه التخلي عن القائمة التي عددت المهن التي لا تخرج عن صفة الموظف العمومي كما عرفه الفصل 82 من المجلة، واستبدال مصطلح التراتيب بمصطلح الأحكام التشريعية الجاري بها العمل للقطع مع الجدل القائم حول مجال انطباقه، وتضييق مجال التجريم من خلال اشتراط توفر سوء النية كركن قصدي خاص والذي على أساسه يتم التمييز بين الخطإ عند الاجتهاد في التصرف والفعل الإجرامي الذي ينطوي على انصراف نية الموظف العمومي أو شبهه إلى ارتكاب ذلك الفعل قصد تحقيق المنفعة أو إلحاق الضرر بالإدارة.
وتقترح المبادرة التشريعية إضافة فقرة ثانية للفصل 96 توضح الحالات التي تخرج عن نطاق سوء النية في اتخاذ القرار من طرف الموظف العمومي أو شبهه وذلك عبر استبعاد الصور المتعلقة بالخطأ في الاجتهاد أو التأويل أو التقدير أو الموافقة على اجتهاد أو تأويل أو تقدير ثبت الخطأ فيه، وتم إقصاء الحالات المتعلقة بتلقي الموظف العمومي لتعليمات كتابية أو إذن صادر عن رئيسه انسجاما مع أحكام الفصل 42 من المجلة الجزائية الذي نص على أنه لا عقاب على من ارتكب فعلا بمقتضى نص قانوني أو إذن من السلطة التي لها النظر.
ونص مقترح القانون على إضافة فقرة للفصل 96 من المجلة الجزائية في اتجاه ألا تتم التتبعات إلا إذا قضت محكمة المحاسبات بذلك على معنى القانون عدد 41 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أفريل 2019 والمتعلق بمحكمة المحاسبات تفادي التوسع في تطبيق النص المذكور ومباشرة الدعوى العمومية ضد الموظفين العموميين، بناء على تشكيات غير جدية حيث تم التأكيد على ضرورة التأكد من وجود قرائن جدية وفي الملف على أساس الحكم الصادر عن محكمة المحاسبات بإدانة الموظف العمومي أو شبهه ونسبة الأفعال المجرمة بالفصل 96 من المجلة الجزائية.
كما نصت المبادرة على مراجعة الفصل 98 في اتجاه التنصيص فيه على إمكانية تسليط المحكمة لعقوبة تكميلية وحيدة من بين العقوبات المقررة بالفصل الخامس من المجلة الجزائية.
جلسات استماع
يذكر أن لجنة التشريع العام خصصت عدة جلسات استماع إلى ممثلي جهات المبادرة التشريعية، وأيضا لممثلين عن رئاسة الحكومة، ووزارة العدل، ومحكمة المحاسبات، النظر في مقترحي القانونين المتعلقين بتنقيح الفصل 96..
ويبدو أن الحكومة توصلت مع البرلمان (لجنة التشريع العام) إلى اعتماد صيغة توافقية تتضمن بعض مقترحات اللجنة وأيضا مقترحات التنقيح التي تقدم بها برلمانيون..
علما أن ممثل ووزارة العدل كان قد لاحظ (في جلسة عقدت بتاريخ 7 مارس 2024) أن الفصل 96 طرح عديد الإشكاليات على المستوى القضائي باعتبار غموض عديد المفاهيم التي تضمّنها.
وأفاد أن وزارة العدل شرعت منذ مارس 2022 في إعداد مشروع قانون يتعلق بتنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية، وأحالته إلى رئاسة الحكومة وعُرِض على العديد من مجالس الوزراء وتطلب العديد من التعديلات والمراجعات. وأوضح أن مقترحي القانونين يعدّان إحدى صيغ مشروع القانون التي تمّ تناولها وعرضت على مجلس وزاري سابق وتطلبت تعديلا ومراجعة في ما بعد.
كما ثمّن ممثلو محكمة المحاسبات المبادرتين المتعلقتين بتعديل الفصل 96 لما يشوب هذا الفصل من غموض في تحديد الأفعال الموجبة للتتبع والعقوبة. وأشاروا إلى أن تنقيح الفصل يهدف إلى ضمان محاسبة المتورطين في الفساد الإداري والمالي دون أن يؤدي ذلك إلى القضاء على روح المبادرة لدى المتصرف العمومي وبالتالي عرقلة عمل الإدارة التي يفترض أن تكون محركا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحصر تتبع العون العمومي في الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن تُصنّف كشبهات جزائية، ويتفادى بالتالي التتبعات التي قد تحدث إرباكا للمتصرف العمومي وتضرّ بصورة الهيكل العمومي لدى الرأي العام..
مشروع تنقيح عابر للحكومات..
يذكر أن جل الحكومات التي جاءت بعد 2011، عبّرت عن نيتها تغيير هذا الفصل وتنقيحه، لكنها فشلت، وهناك حكومات باشرت فعلا عملية تنقيحه وأحيلت من أجل ذلك مشاريع قوانين للبرلمان، لكن لسبب ما فشلت في إتمام مسار المصادقة عليها، على غرار حكومة الياس الفخفاخ (2020)، ثم حكومة هشام المشيشي، التي جاءت من بعدها، وفشلت في تمرير التنقيح للمصادقة على البرلمان..
وتهدف جل مبادرات التنقيح إلى إدخال بعض المرونة في أحكام الفصل وتوضيح بعض جوانبه الغامضة القابلة للتأويل، على اعتبار أن طريقة صياغته كبلت أصحاب القرار في الإدارة التونسية وجعلتهم يترددون في اتخاذ قرارات أو المصادقة على صفقات أو مشاريع بسبب خوفهم من الوقوع تحت طائلة الفصل 96 في صورة اكتشاف إخلالات لاحقا..
ويتضمن الفصل في الظاهر جريمة واحدة لكنّه في الواقع يتضمن ست جرائم فرعية وهي جريمة استغلال الصفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه، جريمة استغلال الصفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها للغير، جريمة استغلال الصفة للإضرار بالإدارة، جريمة مخالفة التراتيب لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه، جريمة مخالفة التراتيب لاستخلاص فائدة لا وجه لها للغير، وجريمة مخالفة التراتيب للإضرار بالإدارة.
وتنص الصيغة الحالية للفصل 96 الذي يعود آخر تنقيح له إلى سنة 1985 على ما يلي:
"يعاقب بالسجن مدة 10 أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكّلف بمقتضى وظيفه ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغلّ صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما.."
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
مثّل تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية محور اهتمام رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقائه مؤخرا رئيس الحكومة أحمد الحشّاني. علما أن تنقيح الفصل المذكور، كان محور لقاءات ثنائية جمعت الرئيس سعيّد ورئيس الحكومة، وجلسات عمل بحضور رئيس الحكومة ووزيرة العدل ووزيرة المالية..
وكان رئيس الجمهورية، يشدّد في كل مرة، على ضرورة تنقيح المجلة الجزائية، ولاحظ أن عددا من المرافق العمومية لا تعمل بصفة طبيعية، بذريعة وجود هذا الفصل..
ووفق ما ورد في بلاغ رئاسة الجمهورية الصادر أول أمس، ينتظر أن يصل مشروع تنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية، إلى مراحله الأخيرة، من خلال عرض النسخة النهائية لمشروع التنقيح، على جدول أعمال مجلس الوزراء في اجتماعه المقبل، قبل إحالته على مكتب البرلمان..
والملفت للانتباه، أن مسار تنقيح الفصل 96 المثير للجدل، استغرق وقتا طويلا قارب الثلاث سنوات، وتتم متابعة تنفيذ أعمال المراجعة والتعديل من أعلى هرم السلطة، لكن أيضا من قبل الحكومة والبرلمان (قدمت في شأنه مقترحات قوانين)، وهي أيضا محل متابعة واهتمام من الرأي العام والإداريين بشكل خاص، وخصصت لأجله عدة اجتماعات تنسيقية للتوصل إلى صيغة قانونية "تهدف إلى تحقيق الموازنة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد، من جهة، وعدم عرقلة العمل الإداري وتحقيق نجاعته، من جهة أخرى.".
ومردّ هذا الاهتمام، يكمن في مضمون الفصل 96 الذي يعتبر في صيغته الحالية، مصدر توجس وخوف من قبل جل الإداريين في تونس باعتباره سيفا مسلطا على رقابهم ويحال على معناه عدد كبير من المسؤولين الكبار في الدولة مباشرين أو سبق أن تحملوا مناصب في الوظيفة العمومية أو في مؤسسات أو منشآت بالقطاع العام، بتهم يتعلق أغلبها بشبهات إساءة التصرف في المال العام، واستغلال موظّف عمومي صفته لاستخلاص فائدة لنفسه أو لغيره والإضرار بالإدارة..
وكان الرئيس سعيد، قد كشف في أكثر من مناسبة عن وجود توجه رسمي لتغيير هذا الفصل، وذلك بهدف "تحرير العمل الإداري وإكسابه مزيدا من النجاعة والسرعة المطلوبتين وحتى لا يتعلل من يريد أن يتعلل به"، وفق ما صرح به في لقاءات رسمية سابقة..
كما أكّد رئيس الدولة في لقائه الأخير مع رئيس الحكومة أحمد الحشّاني، على أن مشروع تنقيح الفصل 96 "يجب أن يقوم على تحقيق التوازن بين الحفاظ على المال العام وبين عدم التعلل بمقتضيات هذا الفصل لتعطيل السير العادي للمرفق العمومي."
كما أمر الرئيس سعيّد لدى ترؤسه يوم 20 ماي 2024 بقصر قرطاج، جلسة عمل خُصّصت للنظر في مشروع تنقيح الفصل 96 من المجلّة الجزائية، "بإدراج حكم جديد يتعلّق بتجريم من يتعمّد الامتناع عن إنجاز أمر هو من علائق وظيفه بهدف عرقلة سير المرفق العام لأن الكثيرين يتعللون بما جاء في الفصل 96 من المجلة الجزائية للامتناع عن القيام بالواجبات الموكولة إليهم". وفق ما ورد في بلاغ رئاسة الجمهورية.
مبادرات تشريعية
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان سبق أن أعلن عن وجود مقترحي قانونين تقدما بهما أعضاء في البرلمان، الأول في جويلية من سنة 2023، والثاني في أكتوبر 2023، ويتعلقان بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية ومنها الفصل 96 والفصل 98 وإلغاء الفصل 79..
وتهدف المبادرتان إلى "تحفيز الموظف العمومي على قبول المسؤوليات بالإدارة العمومية وعدم محاسبته على الاجتهاد في أداء وظيفته"، حسب بلاغ سابق عن البرلمان.
وتضمن مقترح القانون المتعلق بتنقيح المجلة الجزائية المؤرخ في أكتوبر 2023، ثلاثة فصول يتعلق الأول بإلغاء أحكام الفصلين 96 و98 وتعويضها بفصلين جديدين، وذلك في اتجاه التخلي عن القائمة التي عددت المهن التي لا تخرج عن صفة الموظف العمومي كما عرفه الفصل 82 من المجلة، واستبدال مصطلح التراتيب بمصطلح الأحكام التشريعية الجاري بها العمل للقطع مع الجدل القائم حول مجال انطباقه، وتضييق مجال التجريم من خلال اشتراط توفر سوء النية كركن قصدي خاص والذي على أساسه يتم التمييز بين الخطإ عند الاجتهاد في التصرف والفعل الإجرامي الذي ينطوي على انصراف نية الموظف العمومي أو شبهه إلى ارتكاب ذلك الفعل قصد تحقيق المنفعة أو إلحاق الضرر بالإدارة.
وتقترح المبادرة التشريعية إضافة فقرة ثانية للفصل 96 توضح الحالات التي تخرج عن نطاق سوء النية في اتخاذ القرار من طرف الموظف العمومي أو شبهه وذلك عبر استبعاد الصور المتعلقة بالخطأ في الاجتهاد أو التأويل أو التقدير أو الموافقة على اجتهاد أو تأويل أو تقدير ثبت الخطأ فيه، وتم إقصاء الحالات المتعلقة بتلقي الموظف العمومي لتعليمات كتابية أو إذن صادر عن رئيسه انسجاما مع أحكام الفصل 42 من المجلة الجزائية الذي نص على أنه لا عقاب على من ارتكب فعلا بمقتضى نص قانوني أو إذن من السلطة التي لها النظر.
ونص مقترح القانون على إضافة فقرة للفصل 96 من المجلة الجزائية في اتجاه ألا تتم التتبعات إلا إذا قضت محكمة المحاسبات بذلك على معنى القانون عدد 41 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أفريل 2019 والمتعلق بمحكمة المحاسبات تفادي التوسع في تطبيق النص المذكور ومباشرة الدعوى العمومية ضد الموظفين العموميين، بناء على تشكيات غير جدية حيث تم التأكيد على ضرورة التأكد من وجود قرائن جدية وفي الملف على أساس الحكم الصادر عن محكمة المحاسبات بإدانة الموظف العمومي أو شبهه ونسبة الأفعال المجرمة بالفصل 96 من المجلة الجزائية.
كما نصت المبادرة على مراجعة الفصل 98 في اتجاه التنصيص فيه على إمكانية تسليط المحكمة لعقوبة تكميلية وحيدة من بين العقوبات المقررة بالفصل الخامس من المجلة الجزائية.
جلسات استماع
يذكر أن لجنة التشريع العام خصصت عدة جلسات استماع إلى ممثلي جهات المبادرة التشريعية، وأيضا لممثلين عن رئاسة الحكومة، ووزارة العدل، ومحكمة المحاسبات، النظر في مقترحي القانونين المتعلقين بتنقيح الفصل 96..
ويبدو أن الحكومة توصلت مع البرلمان (لجنة التشريع العام) إلى اعتماد صيغة توافقية تتضمن بعض مقترحات اللجنة وأيضا مقترحات التنقيح التي تقدم بها برلمانيون..
علما أن ممثل ووزارة العدل كان قد لاحظ (في جلسة عقدت بتاريخ 7 مارس 2024) أن الفصل 96 طرح عديد الإشكاليات على المستوى القضائي باعتبار غموض عديد المفاهيم التي تضمّنها.
وأفاد أن وزارة العدل شرعت منذ مارس 2022 في إعداد مشروع قانون يتعلق بتنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية، وأحالته إلى رئاسة الحكومة وعُرِض على العديد من مجالس الوزراء وتطلب العديد من التعديلات والمراجعات. وأوضح أن مقترحي القانونين يعدّان إحدى صيغ مشروع القانون التي تمّ تناولها وعرضت على مجلس وزاري سابق وتطلبت تعديلا ومراجعة في ما بعد.
كما ثمّن ممثلو محكمة المحاسبات المبادرتين المتعلقتين بتعديل الفصل 96 لما يشوب هذا الفصل من غموض في تحديد الأفعال الموجبة للتتبع والعقوبة. وأشاروا إلى أن تنقيح الفصل يهدف إلى ضمان محاسبة المتورطين في الفساد الإداري والمالي دون أن يؤدي ذلك إلى القضاء على روح المبادرة لدى المتصرف العمومي وبالتالي عرقلة عمل الإدارة التي يفترض أن تكون محركا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحصر تتبع العون العمومي في الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن تُصنّف كشبهات جزائية، ويتفادى بالتالي التتبعات التي قد تحدث إرباكا للمتصرف العمومي وتضرّ بصورة الهيكل العمومي لدى الرأي العام..
مشروع تنقيح عابر للحكومات..
يذكر أن جل الحكومات التي جاءت بعد 2011، عبّرت عن نيتها تغيير هذا الفصل وتنقيحه، لكنها فشلت، وهناك حكومات باشرت فعلا عملية تنقيحه وأحيلت من أجل ذلك مشاريع قوانين للبرلمان، لكن لسبب ما فشلت في إتمام مسار المصادقة عليها، على غرار حكومة الياس الفخفاخ (2020)، ثم حكومة هشام المشيشي، التي جاءت من بعدها، وفشلت في تمرير التنقيح للمصادقة على البرلمان..
وتهدف جل مبادرات التنقيح إلى إدخال بعض المرونة في أحكام الفصل وتوضيح بعض جوانبه الغامضة القابلة للتأويل، على اعتبار أن طريقة صياغته كبلت أصحاب القرار في الإدارة التونسية وجعلتهم يترددون في اتخاذ قرارات أو المصادقة على صفقات أو مشاريع بسبب خوفهم من الوقوع تحت طائلة الفصل 96 في صورة اكتشاف إخلالات لاحقا..
ويتضمن الفصل في الظاهر جريمة واحدة لكنّه في الواقع يتضمن ست جرائم فرعية وهي جريمة استغلال الصفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه، جريمة استغلال الصفة لاستخلاص فائدة لا وجه لها للغير، جريمة استغلال الصفة للإضرار بالإدارة، جريمة مخالفة التراتيب لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه، جريمة مخالفة التراتيب لاستخلاص فائدة لا وجه لها للغير، وجريمة مخالفة التراتيب للإضرار بالإدارة.
وتنص الصيغة الحالية للفصل 96 الذي يعود آخر تنقيح له إلى سنة 1985 على ما يلي:
"يعاقب بالسجن مدة 10 أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكّلف بمقتضى وظيفه ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغلّ صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما.."