إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الجرائم العائلية تضرب الأسر التونسية.. وأولياء تحولوا إلى قتلة

 

*مختص في علم الاجتماع النفسي لـ"الصباح":
الإحباط..الفقر والبطالة أصابت المواطن خلال "العشرية السوداء".. 
 
تونس-الصباح
رضيع مذبوح.. طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات مودعة بالمستشفى والأم تحت التنفس الاصطناعي بين الحياة والموت وزوج يتأرجح بين الاتهام والبراءة.. نتحدث عن جريمة أولاد حفوز التي جدت يوم أمس الأول والتي هزت الرأي العام ولازالت أطوارها غامضة وملفها محل متابعة من قبل قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد.. جريمة قد تبوح بأسرارها بعد تقدم الأبحاث ولكن الثابت أنها جدت داخل أسرة واحدة والقتيل والمصابتان من أسرة واحدة والقاتل أيضا ليس بغريب، فهو فرد من نفس تلك الأسرة التي كانت تعيش في وئام وسلام ولكن في لحظة انهار كل شيء وتحولت حياة العائلة إلى كابوس مرعب.
جريمة فظيعة، تزامنت مع فيديو صادم لامرأة في السادسة عشر من عمرها تُضرب وتُركل وتُهان بالطريق العام والمعتدي زوجها وأب رضيعتها التي كانت بين يديها ساعة الاعتداء.. وقبلها بأسبوع جدت جريمة مروعة بجهة تازركة من ولاية نابل تمثلت تفاصيلها في إقدام زوج على حرق زوجته البالغة من العمر 27 سنة وهي متحصلة على الأستاذية في الانقليزية وتعمل بمصنع خياطة ولكن الزوج لم يكن راضيا على خروج زوجته للعمل وكردة فعل على ذلك سكب البنزين على جسدها ثم أضرم فيها النار واحتجزها في إحدى غرف المنزل قبل أن يقوم في وقت لاحق بنقلها إلى مستشفى الطاهر المعموري ولكن حالتها استوجبت نقلها إلى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس حيث لفظت أنفاسها الأخيرة.
وقبل هذه الجرائم العائلية بأشهر جدت جريمة فظيعة بباردو راح ضحيتها أب (أستاذ موسيقى) وزوجته (أستاذة فيزياء) وابناهما، والأسباب لا زالت مجهولة إلى اليوم كما عمد عون حرس منذ أشهر إلى إطلاق خمس رصاصات على زوجته فارداها قتيلة.. وفي الأسبوع الماضي اعتدى أب جنسيا على ابنته التي لم تتجاوز الخمس سنوات.
جرائم تستفز مشاعر المواطن وتثير الرأي العام وتطرح عدة تساؤلات حول دوافعها وخاصة الجهات المسؤولة عن تنامي ظاهرة العنف وبلوغه حدا كبيرا من البشاعة وهل هي أسباب تتعلق بمؤسسة الأسرة وأساليب تربية الأبناء أم أنها مرتبطة بحالة من الانفلات الاجتماعي لم تستطع الدولة وقوانينها الجزائية السيطرة عليها وردع مرتكبيها؟
ويرى المختصون في علم الاجتماع أن أغلب الجرائم العائلية كانت نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتلاحقة والسريعة التي لم يستطع المجتمع استيعابها واحتواءها، ونتجت عنها آثار سلبية أصابت البنية الاجتماعية تمثلت في اهتزاز القيم وتغيير طبيعة الشخصية، مما أسفر عن العديد من الظواهر وانتشار الجرائم العائلية.
ويرى المختص في علم النفس الاجتماعي بلعيد أولاد عبد الله أن العنف والجريمة بشكل عام سجلا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في الكم كما تغيرت نوعية الجريمة خاصة المرتبطة بالمخدرات سواء المخدرات المصنفة كـ"الزطلة" و"الكوكايين" و"الهيروين" والاكستازي" أو محلية الصنع.
وعلى الرغم من أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن منسوب الجريمة لم يرتفع بشكل كبير مقارنة بالسنوات التي سبقت الثورة ولكن تغير أسلوبها وباتت أكثر فظاعة كما أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في كشف ما كان مسكوتا عنه وباتت تنشر مقاطع فيديو توثق جرائم وأحيانا نرى نقلا حيا لجرائم واعتداءات تحصل في الشارع كما حدث مع الزوجة التي عنفها زوجها أمس الأول بالطريق العام.
الأسباب..
تحدث المختص في علم النفس الاجتماعي بلعيد أولاد عبد الله عن الأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقف وراء الجرائم العائلية مشيرا إلى أن عدم الاهتمام بالأسرة كوحدة من ابرز أسباب تنامي ظاهرة العنف والجريمة داخل الأسرة، أي أن كل برنامج اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي لا يأخذ بعين الاعتبار مخلفات تلك القرارات على الأسرة فمثلا تراجع المقدرة الشرائية والفقر والبطالة زد على ذلك الإحباط والاكتئاب خاصة في هذه "العشرية السوداء" على مستوى الاستحقاقات الاجتماعية عمقت ظاهرة العنف.
وقال بلعيد أولاد عبد الله إن العنف يرجع إلى الضعف على مستوى الإحاطة بالأسرة رغم وجود عديد البرامج مثلا الإحاطة بالأسر ذات الوضعيات الخاصة والذي تشرف عليه وزارة المرأة ووجود مندوب حماية الطفولة في كافة الولايات والذي أكد في تقريره الأخير أن الأسرة تمثل فضاء للتهديد خاصة على الأطفال.
وبين محدثنا أنه منطقيا بعد الثورة هذه الوزارات يجب أن تكون وزارات سيادة ليس بمعنى أن تنافس وزارتي الدفاع والداخلية ولكن تكون لها الأولية من حيث الميزانية فمثلا هناك نقص في عدد مندوبي حماية الطفولة حيث تجد مندوبا واحدا في ولاية كاملة وهو ما يصعب من أدائه لعمله.
وفي قراءته لحادثة تعنيف زوج لزوجته بالطريق العام تساءل محدثنا ما الذي دفع بزوج إلى ضرب زوجته ويصبح في حالة هستيرية ويجعله يضربها بوحشية ويقذف ابنه كأنه لعبة؟.. الأكيد أن ما ارتكبه جريمة ولكن يجب أن ندرس الأسباب كي نضع البدائل مشيرا إلى أن الإنسان لا يصل إلى مثل هذه الحالة إلا إذا كان متعاطيا لمخدرات أو وصل إلى طريق مسدود.
وبين أولاد عبد الله أن هذه الأزمة تفاقمت بسبب تراجع المقدرة الشرائية ما جعل أفراد الأسرة في وضع ضاغط وهذه المجالات والأوساط أصبحت كلها ضاغطة فالشارع بات يشكل ضغطا حيث انتشر العنف لأتفه الأسباب والأخطر من ذلك أن اهتمام الدولة بالعلوم الاجتماعية ضعيف وضعيف جدا ولم يتم رصد ميزانية للتصدي لهذه الظاهرة.
وقال محدثنا إنه ونتيجة لكل هذه الظروف فإن المعتدي والمعتدى عليه قد يكونان ضحية لوضع نفسي واجتماعي واقتصادي مترد.
وحمل أولاد عبد الله الإعلام المسؤولية أيضا حيث لاحظ أن بعض وسائل الإعلام تستثمر من تلك الجرائم فعوض أن تطرح المشكل وتبحث عن الحلول تجدها تبحث عن الفرقعة الإعلامية أو ما يعبر عنه بـ"البوز" لجذب اكبر عدد من المشاهدين حيث يتم نشر تجسيد للجريمة وأحيانا فيديوهات حصرية للجريمة وكل مراحل ارتكابها  وهو ما ساهم في انتشار العنف والجريمة والمخدرات لاسيما بعد تقديم كل أشكالها من قتل واغتصاب وتحرش وعنف زوجي على طبق إعلامي دون وضع الإصبع على الداء وإيجاد الحلول للحد من الظاهرة.
 
مفيدة القيزاني
 
 
 
  الجرائم العائلية تضرب الأسر التونسية.. وأولياء تحولوا إلى قتلة
 

*مختص في علم الاجتماع النفسي لـ"الصباح":
الإحباط..الفقر والبطالة أصابت المواطن خلال "العشرية السوداء".. 
 
تونس-الصباح
رضيع مذبوح.. طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات مودعة بالمستشفى والأم تحت التنفس الاصطناعي بين الحياة والموت وزوج يتأرجح بين الاتهام والبراءة.. نتحدث عن جريمة أولاد حفوز التي جدت يوم أمس الأول والتي هزت الرأي العام ولازالت أطوارها غامضة وملفها محل متابعة من قبل قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد.. جريمة قد تبوح بأسرارها بعد تقدم الأبحاث ولكن الثابت أنها جدت داخل أسرة واحدة والقتيل والمصابتان من أسرة واحدة والقاتل أيضا ليس بغريب، فهو فرد من نفس تلك الأسرة التي كانت تعيش في وئام وسلام ولكن في لحظة انهار كل شيء وتحولت حياة العائلة إلى كابوس مرعب.
جريمة فظيعة، تزامنت مع فيديو صادم لامرأة في السادسة عشر من عمرها تُضرب وتُركل وتُهان بالطريق العام والمعتدي زوجها وأب رضيعتها التي كانت بين يديها ساعة الاعتداء.. وقبلها بأسبوع جدت جريمة مروعة بجهة تازركة من ولاية نابل تمثلت تفاصيلها في إقدام زوج على حرق زوجته البالغة من العمر 27 سنة وهي متحصلة على الأستاذية في الانقليزية وتعمل بمصنع خياطة ولكن الزوج لم يكن راضيا على خروج زوجته للعمل وكردة فعل على ذلك سكب البنزين على جسدها ثم أضرم فيها النار واحتجزها في إحدى غرف المنزل قبل أن يقوم في وقت لاحق بنقلها إلى مستشفى الطاهر المعموري ولكن حالتها استوجبت نقلها إلى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس حيث لفظت أنفاسها الأخيرة.
وقبل هذه الجرائم العائلية بأشهر جدت جريمة فظيعة بباردو راح ضحيتها أب (أستاذ موسيقى) وزوجته (أستاذة فيزياء) وابناهما، والأسباب لا زالت مجهولة إلى اليوم كما عمد عون حرس منذ أشهر إلى إطلاق خمس رصاصات على زوجته فارداها قتيلة.. وفي الأسبوع الماضي اعتدى أب جنسيا على ابنته التي لم تتجاوز الخمس سنوات.
جرائم تستفز مشاعر المواطن وتثير الرأي العام وتطرح عدة تساؤلات حول دوافعها وخاصة الجهات المسؤولة عن تنامي ظاهرة العنف وبلوغه حدا كبيرا من البشاعة وهل هي أسباب تتعلق بمؤسسة الأسرة وأساليب تربية الأبناء أم أنها مرتبطة بحالة من الانفلات الاجتماعي لم تستطع الدولة وقوانينها الجزائية السيطرة عليها وردع مرتكبيها؟
ويرى المختصون في علم الاجتماع أن أغلب الجرائم العائلية كانت نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتلاحقة والسريعة التي لم يستطع المجتمع استيعابها واحتواءها، ونتجت عنها آثار سلبية أصابت البنية الاجتماعية تمثلت في اهتزاز القيم وتغيير طبيعة الشخصية، مما أسفر عن العديد من الظواهر وانتشار الجرائم العائلية.
ويرى المختص في علم النفس الاجتماعي بلعيد أولاد عبد الله أن العنف والجريمة بشكل عام سجلا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في الكم كما تغيرت نوعية الجريمة خاصة المرتبطة بالمخدرات سواء المخدرات المصنفة كـ"الزطلة" و"الكوكايين" و"الهيروين" والاكستازي" أو محلية الصنع.
وعلى الرغم من أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن منسوب الجريمة لم يرتفع بشكل كبير مقارنة بالسنوات التي سبقت الثورة ولكن تغير أسلوبها وباتت أكثر فظاعة كما أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في كشف ما كان مسكوتا عنه وباتت تنشر مقاطع فيديو توثق جرائم وأحيانا نرى نقلا حيا لجرائم واعتداءات تحصل في الشارع كما حدث مع الزوجة التي عنفها زوجها أمس الأول بالطريق العام.
الأسباب..
تحدث المختص في علم النفس الاجتماعي بلعيد أولاد عبد الله عن الأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقف وراء الجرائم العائلية مشيرا إلى أن عدم الاهتمام بالأسرة كوحدة من ابرز أسباب تنامي ظاهرة العنف والجريمة داخل الأسرة، أي أن كل برنامج اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي لا يأخذ بعين الاعتبار مخلفات تلك القرارات على الأسرة فمثلا تراجع المقدرة الشرائية والفقر والبطالة زد على ذلك الإحباط والاكتئاب خاصة في هذه "العشرية السوداء" على مستوى الاستحقاقات الاجتماعية عمقت ظاهرة العنف.
وقال بلعيد أولاد عبد الله إن العنف يرجع إلى الضعف على مستوى الإحاطة بالأسرة رغم وجود عديد البرامج مثلا الإحاطة بالأسر ذات الوضعيات الخاصة والذي تشرف عليه وزارة المرأة ووجود مندوب حماية الطفولة في كافة الولايات والذي أكد في تقريره الأخير أن الأسرة تمثل فضاء للتهديد خاصة على الأطفال.
وبين محدثنا أنه منطقيا بعد الثورة هذه الوزارات يجب أن تكون وزارات سيادة ليس بمعنى أن تنافس وزارتي الدفاع والداخلية ولكن تكون لها الأولية من حيث الميزانية فمثلا هناك نقص في عدد مندوبي حماية الطفولة حيث تجد مندوبا واحدا في ولاية كاملة وهو ما يصعب من أدائه لعمله.
وفي قراءته لحادثة تعنيف زوج لزوجته بالطريق العام تساءل محدثنا ما الذي دفع بزوج إلى ضرب زوجته ويصبح في حالة هستيرية ويجعله يضربها بوحشية ويقذف ابنه كأنه لعبة؟.. الأكيد أن ما ارتكبه جريمة ولكن يجب أن ندرس الأسباب كي نضع البدائل مشيرا إلى أن الإنسان لا يصل إلى مثل هذه الحالة إلا إذا كان متعاطيا لمخدرات أو وصل إلى طريق مسدود.
وبين أولاد عبد الله أن هذه الأزمة تفاقمت بسبب تراجع المقدرة الشرائية ما جعل أفراد الأسرة في وضع ضاغط وهذه المجالات والأوساط أصبحت كلها ضاغطة فالشارع بات يشكل ضغطا حيث انتشر العنف لأتفه الأسباب والأخطر من ذلك أن اهتمام الدولة بالعلوم الاجتماعية ضعيف وضعيف جدا ولم يتم رصد ميزانية للتصدي لهذه الظاهرة.
وقال محدثنا إنه ونتيجة لكل هذه الظروف فإن المعتدي والمعتدى عليه قد يكونان ضحية لوضع نفسي واجتماعي واقتصادي مترد.
وحمل أولاد عبد الله الإعلام المسؤولية أيضا حيث لاحظ أن بعض وسائل الإعلام تستثمر من تلك الجرائم فعوض أن تطرح المشكل وتبحث عن الحلول تجدها تبحث عن الفرقعة الإعلامية أو ما يعبر عنه بـ"البوز" لجذب اكبر عدد من المشاهدين حيث يتم نشر تجسيد للجريمة وأحيانا فيديوهات حصرية للجريمة وكل مراحل ارتكابها  وهو ما ساهم في انتشار العنف والجريمة والمخدرات لاسيما بعد تقديم كل أشكالها من قتل واغتصاب وتحرش وعنف زوجي على طبق إعلامي دون وضع الإصبع على الداء وإيجاد الحلول للحد من الظاهرة.
 
مفيدة القيزاني