إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الجيش الأبيض في مستشفياتنا...انقطع النفس   

عدت اليوم من رحلة الى هناك حيث يلتقط المرضى النفس من قارورة الاكسجين. عدت اليوم من رحلة بين مفاصل غرف مليئة بحبال الآلات الطبية في محاولة لإنقاذ الانفس البشرية. عدت اليوم من مكان يعج بالغيبوبة وروائح الفيروس اللعين.

كانوا مرميين على البلاط، فوق كراس ينتظرون رحمة سرير للإنعاش الطبي لأكثر من عشرين يوما ولا مجال للإنعاش.

عدت اليوم بعد رحلة داخل المستشفى الى بيوت يتسمر أهاليها امام مسلسل يسرد قصص الجريمة والعنف والعلاقات الحميمية بين خريج سجون وابنة تاجر للذهب.. عدت اليوم وفي طريق العودة الى البيت أسواق تعج بمواطنين يتزاحمون نحو سوق الاستهلاك دون كمتمة او تباعد جسدي...

عدت اليوم بعد ان وقفت طويلا امام خزان للاوكسيجان يمد الحياة للمرضى،خزان مهدد بالفراغ في أي لحظة لان التزود بالاوكسيجان اصبح مهمة صعبة في ظل تزايد الاقبال عليه من قبل عدد متزايد من مرضى كوفيد.

عدت وتركت هناك اطارا طبيا يراقب ابرة الخزان حتى لا تصل الى حدودها القصوى فيموت من يتزودون منها من المصابين بالفيروس.

عدت اليوم مثقلة بهموم تلك السيدة التي كانت امام قسم الاستعجالي في مستشفى الياسمينات بولاية بن عروس،سيدة في شهرها السادس،تلتقط النفس من قارورة اكسجين اشترتها على نفقتها الخاصة في انتظار ايوائها داخل المستشفى الامر الذي قد يتأخر كثيرا بالنظر الى عدم وجود شغورات وطول قائمات الانتظار لمرضى كورونا يواجهون الموت في باحة مركز للكوفيد بعد ان عجز الأطباء عن ايوائهم داخل اقسام الطب الباطني وطب الإنعاش.

عدت اليوم من غرف الإنعاش الطبي التي تاوي مواطنين يتشربون الحياة بأجهزة و الات أصبحت لا تفي بالغرض.عدت اليوم من هناك ،من مستشفى اصبح اطاره الطبي وشبه الطبي يحتاج طبيبا نفسيا للدعم والمواساة..

كان كل شيء هناك يشبه الموت وكل الشوارع والأسواق خارج اسوار المستشفى تشبه بهجة الحياة...حياة قد تنقطع بعد حين ففي تلك المساحات التي تعج بالمواطنين دون مجرد كمامة، يعشش الفيروس الذي قد يقود البعض الى داخل اسوار اقسام الكوفيد التي ضاقت بالباحثين عن نفس يطيل الحياة..

بدا كل شيء حزينا ومؤلما، بدا كل ما في غرف الإنعاش واسرة الفرز يبعث على الياس، فكيف يمكن ان يفهم من يسلكون طريق الحياة لوعة ومعاناة الباحثين عن نفس وسط مسالك الكوفيد؟ كيف؟

 

كيف يمكن لي ان اشرح لمن يواصلون الحياة بكل بساطتها، وأولئك الذين لا يصدقون عمق الوباء، كيف اشرح لهم  ان ذاك الرجل الذي صورته ملقيا على كرسي مشدود الى الة الاوكسجين فقد ليلة البارحة، دون علم منه، زوجته التي كانت ترقد في غرفة الإنعاش في مستشفى اخر. كيف اشرح لخلق الله ان الأطباء يخفون على مرضاهم خبر وفاة ذويهم حتى لا يصابون باليأس من الحياة...

تسألني صديقة لي دوما: كيف تستطيعون أنتم معشر الصحافيين ممن يوثقون المحن ان تبتسموا وأنتم تواجهون كل يوم عشرات طرق الموت؟

هذه المرة عجزت عن الجواب، فقد عدت محملة بقصص عائلات ملتاعة تقف على بعد امتار من ذويها،تتمنى ثقبا صغيرا في حائط غرفة تطل منه على عزيز قد يفارق الحياة في أي لحظة متأثرا برئتين يلتهمها الفيروس فتعجز عن التقاط النفس.

اليوم لم يعد لي جواب كيف يعود الصحافي من رحلة الى داخل اقسام الإنعاش، بل الجواب باختصار اننا نعود نحن أيضا بعد رحلة التوثيق نعود مقطوعي النفس جراء صور تحبس الانفاس لمرضى يلتقطون من قارورة بعض النفس.

ها هنا في هذا التقرير المصور ستقفون على بشاعة الواقع داخل مستشفى الياسمينات من ولاية بن عروس.هنا  ما وثقناه من مشاهد و حوارات وقصص  لما يحصل داخل مستشفياتنا من معاناة يومية يعيش على وقعها الأطباء والاطار شبه الطبي منذ بدأت الجائحة لكنها تعمقت في الموجة الأخيرة ليصبح الوضع دقيقا وتنخفض طاقة الاستيعاب ويعجز الكل عن استيعاب المحنة.

مبروكة خذير /رئيسة تحرير "الصباح نيوز"  

الجيش الأبيض في مستشفياتنا...انقطع النفس    

عدت اليوم من رحلة الى هناك حيث يلتقط المرضى النفس من قارورة الاكسجين. عدت اليوم من رحلة بين مفاصل غرف مليئة بحبال الآلات الطبية في محاولة لإنقاذ الانفس البشرية. عدت اليوم من مكان يعج بالغيبوبة وروائح الفيروس اللعين.

كانوا مرميين على البلاط، فوق كراس ينتظرون رحمة سرير للإنعاش الطبي لأكثر من عشرين يوما ولا مجال للإنعاش.

عدت اليوم بعد رحلة داخل المستشفى الى بيوت يتسمر أهاليها امام مسلسل يسرد قصص الجريمة والعنف والعلاقات الحميمية بين خريج سجون وابنة تاجر للذهب.. عدت اليوم وفي طريق العودة الى البيت أسواق تعج بمواطنين يتزاحمون نحو سوق الاستهلاك دون كمتمة او تباعد جسدي...

عدت اليوم بعد ان وقفت طويلا امام خزان للاوكسيجان يمد الحياة للمرضى،خزان مهدد بالفراغ في أي لحظة لان التزود بالاوكسيجان اصبح مهمة صعبة في ظل تزايد الاقبال عليه من قبل عدد متزايد من مرضى كوفيد.

عدت وتركت هناك اطارا طبيا يراقب ابرة الخزان حتى لا تصل الى حدودها القصوى فيموت من يتزودون منها من المصابين بالفيروس.

عدت اليوم مثقلة بهموم تلك السيدة التي كانت امام قسم الاستعجالي في مستشفى الياسمينات بولاية بن عروس،سيدة في شهرها السادس،تلتقط النفس من قارورة اكسجين اشترتها على نفقتها الخاصة في انتظار ايوائها داخل المستشفى الامر الذي قد يتأخر كثيرا بالنظر الى عدم وجود شغورات وطول قائمات الانتظار لمرضى كورونا يواجهون الموت في باحة مركز للكوفيد بعد ان عجز الأطباء عن ايوائهم داخل اقسام الطب الباطني وطب الإنعاش.

عدت اليوم من غرف الإنعاش الطبي التي تاوي مواطنين يتشربون الحياة بأجهزة و الات أصبحت لا تفي بالغرض.عدت اليوم من هناك ،من مستشفى اصبح اطاره الطبي وشبه الطبي يحتاج طبيبا نفسيا للدعم والمواساة..

كان كل شيء هناك يشبه الموت وكل الشوارع والأسواق خارج اسوار المستشفى تشبه بهجة الحياة...حياة قد تنقطع بعد حين ففي تلك المساحات التي تعج بالمواطنين دون مجرد كمامة، يعشش الفيروس الذي قد يقود البعض الى داخل اسوار اقسام الكوفيد التي ضاقت بالباحثين عن نفس يطيل الحياة..

بدا كل شيء حزينا ومؤلما، بدا كل ما في غرف الإنعاش واسرة الفرز يبعث على الياس، فكيف يمكن ان يفهم من يسلكون طريق الحياة لوعة ومعاناة الباحثين عن نفس وسط مسالك الكوفيد؟ كيف؟

 

كيف يمكن لي ان اشرح لمن يواصلون الحياة بكل بساطتها، وأولئك الذين لا يصدقون عمق الوباء، كيف اشرح لهم  ان ذاك الرجل الذي صورته ملقيا على كرسي مشدود الى الة الاوكسجين فقد ليلة البارحة، دون علم منه، زوجته التي كانت ترقد في غرفة الإنعاش في مستشفى اخر. كيف اشرح لخلق الله ان الأطباء يخفون على مرضاهم خبر وفاة ذويهم حتى لا يصابون باليأس من الحياة...

تسألني صديقة لي دوما: كيف تستطيعون أنتم معشر الصحافيين ممن يوثقون المحن ان تبتسموا وأنتم تواجهون كل يوم عشرات طرق الموت؟

هذه المرة عجزت عن الجواب، فقد عدت محملة بقصص عائلات ملتاعة تقف على بعد امتار من ذويها،تتمنى ثقبا صغيرا في حائط غرفة تطل منه على عزيز قد يفارق الحياة في أي لحظة متأثرا برئتين يلتهمها الفيروس فتعجز عن التقاط النفس.

اليوم لم يعد لي جواب كيف يعود الصحافي من رحلة الى داخل اقسام الإنعاش، بل الجواب باختصار اننا نعود نحن أيضا بعد رحلة التوثيق نعود مقطوعي النفس جراء صور تحبس الانفاس لمرضى يلتقطون من قارورة بعض النفس.

ها هنا في هذا التقرير المصور ستقفون على بشاعة الواقع داخل مستشفى الياسمينات من ولاية بن عروس.هنا  ما وثقناه من مشاهد و حوارات وقصص  لما يحصل داخل مستشفياتنا من معاناة يومية يعيش على وقعها الأطباء والاطار شبه الطبي منذ بدأت الجائحة لكنها تعمقت في الموجة الأخيرة ليصبح الوضع دقيقا وتنخفض طاقة الاستيعاب ويعجز الكل عن استيعاب المحنة.

مبروكة خذير /رئيسة تحرير "الصباح نيوز"