إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عثمان الجرندي وزير الخارجية لـ"الصباح": سنة 2022 ستكون بالنسبة لبلادنا سنة إفريقيا بامتياز وقرارنا حول أوكرانيا سيادي

 * على استعداد كامل لاحتضان قمة ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا في أوت  وقمة الفرانكفونية في نوفمبر 2022

تونس استفادت من مشاركتها في القمة الأوروبية الإفريقية خلافا لما يروّج من بعض الأصوات التي تصر على غبن كل منجز أو تميز يكتب لتونس

* اختيار بلادنا للاستفادة من تكنولوجياL’ARN اعتراف دولي لنجاح سياستها الصحية واعتراف بالكفاءات التونسية في المجال الطبي والصيدلي والصناعي

* حظوظ تونس وافرة لاحتضان مقر الوكالة الإفريقية للأدوية التابعة للاتحاد الإفريقي

* ما تم الترويج له من حديث حول إخلالات بروتوكولية، لا يمت للواقع بصلة.. ومشاركة الرئيس في القمة الأوروبية -الإفريقية جرت في أحسن الظروف

* ننتظر أن تمثّل قمة ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا وقمة الفرانكفونية فرصة لتجميع التونسيين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم نظرا للانعكاسات الإيجابية التي يمكن تحصيلها في عديد المجالات

* التصويت في مجلس الأمن حول الحرب الروسية-الأوكرانية كان قرارا سياديا ولم تخضع تونس فيه لأيّ نوع من أنواع الضغط

* موقفنا من الحرب في أوكرانيا يأتي انتصارا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وأن العالم الذي مازال تحت وطأة جائحة كوفيد-19 لا يمكنه تحمل مزيد من الأزمات بهذا الحجم والخطورة

* تمت الإحاطة بمواطنينا الذين عادوا من أوكرانيا من كافة الجوانب.. ونجحنا في إجلاء أكثر من 510 من مواطنينا في أوكرانيا

* بحكم عضوية تونس في مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي للفترة 2022-2024 أكدنا الالتزام بمبادئ سياستنا الخارجية لمناصرة قضايا الحق والعدل وفي مقدمتها القضية الفلسطينية

* أمن ليبيا واستقرارها ووحدتها الترابية يبقى من أوكد أولوياتنا

* ملف نذير القطاري وسفيان الشورابي ما زال قائما ويحظى بمتابعة متواصلة من قبلنا..، وما عاق التوصل إلى معرفة الحقيقة هو الوضع في ليبيا

تونس-الصباح

تشهد الديبلوماسية التونسية هذه الأيام حركية كبرى مع ما يعرفه العالم في المدة الأخيرة من هزات جراء الحرب الروسية الأوكرانية التي لم نبق بمنأى عن ارتداداتها خاصة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث وجدت تونس نفسها مجبرة على اتخاذ موقف من الحرب عبر التصويت في مجلس الأمن إلى جانب وجود جالية تونسية في أوكرانيا جلها من الطلبة وضرورة إيجاد السبل لإجلائها دون أن ننسى التأثيرات الاقتصادية التي بدأت تظهر من خلال فقدان عديد الموارد الأساسية التي تعتمد على القمح خاصة أن تونس تورد 60 بالمائة من حاجياتها من هذه المادة من روسيا..

الحرب الأوكرانية جاءت مباشرة بعد القمة الإفريقية- الأوروبية التي شاركت فيها تونس بأعلى تمثيلية والتي خلفت بعض التعاليق حول جدواها..

حول هاذين الملفين وغيرهما من المواضيع التي تهم الديبلوماسية التونسية وعلاقات بلادنا ودورها الإقليمي كان لـ"الصباح" هذا اللقاء مع السيد عثمان الجارندي وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج وفيما يلي فحواه: 

أجرى الحوار: سفيان رجب

  • انعقدت منذ شهر تقريبا القمة الإفريقية الأوروبية ببروكسيل وقد خلفت هذه القمة ردود أفعال بين إيجابي وسلبي حول مخرجاتها وحول المشاركة التونسية..، فكيف تقيمون من جانبكم قمة بروكسيل خاصة وأنكم كنتم ضمن الوفد الذي ترأسه رئيس الجمهورية؟
  • لقد عكس الحضور رفيع المستوى لأكثر من سبعين رئيس دولة وحكومة الأهمية والبعد الاستراتيجي اللذين يوليهما القادة الأوروبيون والأفارقة للعلاقات بين القارتين الجارتين نظرا للقواسم المشتركة بين الطرفين تاريخيا وكذلك الفرص المتوفرة فيهما ولاسيما للأجيال القادمة وتشمل كافة المجالات. فهذه الدورة السادسة للقمة الإفريقية الأوروبية التي انعقدت ببروكسيل يومي 17 و18 فيفري الماضي تأتي بعد خمس سنوات من القمة التي التأمت في الكوت ديفوار سنة 2017، وهو ما يدل على المكانة التي يحتلها التعاون بين قادة القارتين والوعي بتدعيمه.

بشكل عام، نعتبر هذه القمة ناجعة وجاءت نتائجها مشجعة وإيجابية حيث اختتم هذا الحدث أشغاله بإطلاق شراكة متجددة تحت اسم "Global Gateway" ستوفّر الدول الأوروبية بموجبها مبلغ 150 مليار أورو كحجم استثمارات في الدول الإفريقية مع إمكانية أن يرتفع هذا المبلغ إلى 300 مليار أورو من القطاعين العام والخاص في أفق سنة 2030 من أجل استثمارها في مجالات التعليم والطاقات المتجددة والنقل والحد من الكوارث الطبيعية في إفريقيا وتمكين سكان القارة الإفريقية من التكنولوجيات الحديثة إضافة إلى تمكين الأفارقة من الحصول على التلاقيح لمجابهة عدد من الأمراض. وستكون تونس في الموعد للاستفادة من الإمكانيات المتوفرة والمجالات المستهدفة بالتعاون مع شركائنا الأوروبيين والأفارقة وكذلك من خلال آليات التعاون الثلاثي عبر توفير التمويلات لصالح تونس قصد جلب مشاريع في المجالات التي تغطيها برامج هذه الشراكة. 

  • وماذا عن المشاركة التونسية..، والاستفادة من مخرجات هذه القمة؟
  • بخصوص تقييمنا للمشاركة التونسية في القمة الأوروبية الإفريقية، فإنني أؤكد لكم أن المشاركة كانت ناجحة على جميع المستويات ويرجع الفضل في ذلك إلى حرص سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد على الحضور شخصيا في هذه القمة أين عقد لقاءات مع عديد القادة الأوروبيين والأفارقة. كما تأتي هذه الزيارة الأولى من نوعها التي يؤديها سيادة الرئيس إلى الخارج منذ اتخاذ التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021 لتؤكد حرصه على مزيد تطوير التعاون مع الشريك الاقتصادي الأول لتونس وهو الاتحاد الأوروبي وكذلك التواصل مع قادته من خلال المحادثات التي جمعته مع رؤساء الدول والحكومات للبلدان الأعضاء في الاتحاد والتي تمحورت بالخصوص حول القرارات التي تم اتخاذها منذ 25 جويلية والهادفة إلى حماية الدولة من الخطر الذي يتهددها ويتربّص بها والسهر على الحفاظ على مؤسساتها وإرساء دعائم ديمقراطية مستدامة قائمة على أسس العدل والحوكمة ومبادئ دولة القانون واحترام الحريات العامة والخاصة.

وجاءت مشاركة السيد الرئيس في هذه القمة لتترجم أيضا الأهمية التي تحتلها القارة الإفريقية في سلم أولويات السياسة الخارجية التونسية حيث مثلت محطة جديدة من بين المحطات الهامة التي سبقتها خلال السنوات الأخيرة بداية من عضوية تونس غير الدائمة في مجلس الأمن حيث دافعت بقوة عن مشاغل وقضايا القارة الإفريقية، نورد منها على سبيل الذكر لا الحصر استصدار القرار 2532 (2020) الرامي إلى وقف كافة أشكال النزاع والتفرّغ لمجابهة جائحة كوفيد-19، خاصة ونحن نعلم أن حوالي 80 بالمائة من القضايا المطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن تضم قضايا القارة الإفريقية والعالم العربي. كما لا يفوتني التذكير بمشاركة سيادة رئيس الجمهورية في عدد من أشغال مجلس الأمن، حيث كان حريصا دائما على الدفاع عن حق القارة الإفريقية في الأمن والتنمية والعدالة وداعيا المجتمع الدولي إلى مساعدة القارة الإفريقية على الاستفادة من مواردها والنهوض باقتصادياتها. إذن فالبعد الإفريقي هو أحد ثوابت الدبلوماسية التونسية وقد تمّ مؤخرا تعزيز هذا البعد من خلال انتخاب تونس لعضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.

jerandi2.jpg

ولا يخفى عليكم أن سنة 2022 ستكون بالنسبة لبلادنا سنة إفريقيا بامتياز، حيث تستعدّ تونس لاحتضان قمتين على غاية من الأهمية، وهما الدورة الثامنة لقمة ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا (TICAD) في شهر أوت 2022 وقمة الفرانكفونية في شهر نوفمبر 2022. وستكون تونس خلال هذين الحدثين البارزين محط أنظار العالم من خلال استقبال قادة العديد من الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية والأمريكية بالإضافة لأهم الشركاء الماليين والمانحين الدوليين.

  • تتحدثون عن استفادة تونس من هذه المشاركة..، لكن البعض من السياسيين وحتى الديبلوماسيين السابقين اعتبر أن القمة كانت فرصة ضائعة لبلادنا؟

 -استغرب من تلك التقييمات السلبية..، فقد مكنت مشاركة سيادة رئيس الجمهورية في هذه القمة من مزيد توضيح الوضع الحقيقي في تونس وكذلك تقديم تصورات جديدة أكثر عمليّة ونجاعة من أجل دعم التعاون بين القارتين الأوروبية والإفريقية في أفق سنة 2030. كما جدّد سيادته عبر لقاءاته المختلفة مع نظرائه الأفارقة والأوروبيين الدعوة إلى تطوير دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التنمية وتعزيز الأمن والاستقرار في إفريقيا لا سيّما من خلال توفير التمويلات اللازمة وتوجيهها إلى بعث المشاريع ذات القيمة المضافة خاصة في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم والانتقال الرقمي. كما كان لسيادة رئيس الجمهورية مساهمة في أشغال حلقتي النقاش حول مسألة "الأمن والسلم والحوكمة" ومحور "التعليم والثقافة والتكوين المهني والهجرة والتنقل" حيث تعرّض إلى جسامة وتشابك التحديات المطروحة أمام القارة الإفريقية في هذه المجالات وأكّد على أهمية التفكير المشترك لوضع الحلول المناسبة بما يستجيب إلى تطلعات الشعوب الإفريقية ويلبّي انتظاراتها.

  ومن أوجه استفادة تونس من مشاركتها في القمة الأوروبية الإفريقية - خلافا لما يروّج من بعض الأصوات التي تصر على غبن كل منجز أو تميز يكتب لتونس-  هو نجاحها  في تصدّر المشهد من خلال الإعلان عن اختيار بلادنا ضمن ستة بلدان إفريقية (مصر وكينيا والسنغال ونيجيريا وجنوب إفريقيا) للاستفادة من تكنولوجيا  l’ARN messager التي تخوّل إنتاج اللقاحات (المضادة لفيروس كورونا) والتي تدخل في علاج عدد من الأمراض الأخرى وهو اعتراف دولي لنجاح تونس في سياستها الصحية وكذلك في مكافحتها لجائحة كوفيد 19 علاوة عن الاعتراف بالكفاءات التونسية في المجال الطبي والصيدلي والصناعي. كما سيفتح هذا الاختيار آفاقا جديدة وعلى غاية الأهمية لبلادنا لتعزيز مكانتها على المستوى القاري والدولي في المجال الطبي بما في ذلك تعزيز حظوظها لاحتضان مقر الوكالة الإفريقية للأدوية التابعة للاتحاد الإفريقي.  

 * رافقت المشاركة التونسية في القمة الأوروبية تساؤلات حول التنظيم المسبق لها وحصول ما وصف بالأخطاء البروتوكولية، ما هو ردّكم على هذا القول، وهل تونس فعلا في عزلة دبلوماسية ولاسيما مع الاتحاد الأوروبي نتيجة ما اعتبر رفضا خارجيا لسياسات الرئيس قيس سعيد؟

-ما تم الترويج له من حديث حول إخلالات بروتوكولية، لا يمت للواقع بصلة، وهي مجرّد تخمينات سياسوية، لا أكثر ولا أقل.  مشاركة سيادة الرئيس في القمة الأوروبية- الإفريقية جرت في أحسن الظروف وسبقها تنظيم محكم مادي ولوجستي بين رئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج.

كما أؤكد أن مثل هذه الزيارات والمشاركات يتم الإعداد لها بشكل دقيق ولا يتنقّل سيادة رئيس الجمهورية إلى الخارج إلا عندما تستوفي الزيارة كل أسباب النجاح، بما في ذلك مستوى الحضور في مثل هذه التظاهرات وبرنامج الزيارة واللقاءات الثنائية والنتائج المرتقبة منها. 

تونس ليست في عزلة البتّة ونحن في تواصل يومي مع شركائنا وأصدقائنا وبلادنا شريك جدي ذو مصداقية يحظى باحترام كبير في فضائه القريب والبعيد بفضل مواقفه المتوازنة.

أما علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي فهي جيدة وإستراتيجية وتواصلنا دائم حيث التقى سيادة الرئيس خلال زيارته المسؤولين الأوروبيين وكانت لقاءات صريحة وبناءة.

  • تحتضن تونس في المدة القادمة حدثين دوليين هامين وهما قمة الفرانكفونية وقمة التيكاد في دورتها الثامنة( 8TICAD ).. فأي استعدادات لهاذين الحدثين في ظل وضع دولي صعب؟

-تونس مستعدة على كافة الأصعدة والمستويات لاحتضان وإنجاح هاتين القمتين، باعتبارهما فرصتين هامتين لبلادنا من أجل تأكيد وتكريس بعدها الإفريقي والتزامها بكل القضايا التي تهم قارتنا، لا سيما قضايا التنمية والسلم والأمن.

ستكون تونس خلال هاتين المناسبتين في الموعد وستستقبل بكل حفاوة رؤساء الدول والحكومات ورجال الأعمال وممثلي المجتمع المدني والإعلام العالمي وكل ضيوفها الكرام. وننتظر أن يمثّل هذان الحدثان فرصة لتجميع كافة التونسيين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم نظرا للانعكاسات الإيجابية التي يمكن تحصيلها في عديد المجالات، ولا سيما منها النهوض بصورة تونس اقتصاديا وسياحيا وثقافيا وإعلاميا، والتي لا يمكن أن تمثّل نقطة خلاف بين التونسيين.   

  • الحديث عن الوضع الدولي الصعب يجرنا للتطرق إلى الحرب الروسية-الأوكرانية.. وهنا لا بد من العودة إلى دوافع تصويت تونس لفائدة قرار الجمعية العامة حول الوضع في أوكرانيا..، فهل كانت هناك ضغوطات من أي طرف وهل يشكل ذلك انحيازا لطرف على حساب طرف آخر بسبب الضغوطات الخارجية؟

‎-  أود أن أوكد أولا أن التصويت كان قرارا سياديا ولم تخضع تونس فيه لأيّ نوع من أنواع الضغط. لقد صوتنا عن قناعة وفقا لمبادئ وثوابت سياستنا الخارجية التي تدعو إلى حل الأزمات بالطرق السلمية والاحتكام إلى الحوار والمفاوضات باعتبار أن العمليات العسكرية لن تساهم في إيجاد الحلول وإنما ستولد المزيد من العنف ناهيك عن تدهور الأوضاع الإنسانية. ولقد رأينا ما سببه التصعيد العسكري من موجات لجوء نحو دول الجوار الأوكرانية ولمسناه أيضا خلال عمليات إجلاء جاليتنا وما تعرضت له من متاعب وصعوبات لمغادرة الأراضي الأوكرانية. وضحنا في شرحنا لقرارنا بعد التصويت، في تدخّل مباشر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن موقفنا يأتي انتصارا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وأن العالم الذي مازال تحت وطأة جائحة كوفيد-19 لا يمكنه تحمل مزيد من الأزمات بهذا الحجم والخطورة. كما دعونا المجموعة الدولية إلى تكثيف مساعيها من أجل تشجيع كافة الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ووقف العمليات العسكرية حماية للأرواح البشرية.

jerandi3.jpg

  • الملف الأوكراني يجرنا إلى التطرق لمسالة تعامل السلطات التونسية مع عملية إجلاء جاليتنا من أوكرانيا..، كيف تمت وهل تم إجلاء جميع التونسيين خاصة أن هناك تونسيين يدرسون ويعملون في مناطق التوتّر في هذا البلد؟

 -منذ أن أذن سيادة رئيس الجمهورية بإرساء جسر جوي لإجلاء المواطنين التونسيين العالقين في أوكرانيا تجندنا صلب وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج للقيام بكل ما يتوجّب لتأمين عودة مواطنينا من منطقة النزاع. وقد تم تكوين خلية أزمة صلب الوزارة التي تولّت التنسيق بين كافة الأطراف المتدخّلة، خاصة منها وزارة الدفاع الوطني ووزارة النقل والناقلة الوطنية (الخطوط الجوية التونسية). كما لا ننسى دور أعضاء عدد من جمعيات التونسيين في أوكرانيا، الذين بذلوا جهودا مشكورة في ظروف استثنائية.

لقد نجحنا من خلال الجسر الجوي في إجلاء أكثر من 510 من مواطنينا القاطنين في أوكرانيا من أفراد جاليتنا التي تتكوّن أساسا من الطلبة. حيث أجرينا أربع رحلات جوية لبولونيا ورومانيا أمنها سلاح الجو في رحلتين والخطوط الجوية التونسية في رحلتين. لقد قام الجميع بعمل ممتاز في ظل ظرف طارئ وفي وقت قصير، حيث لم يكن من السهل معرفة أماكن تواجد مواطنينا وتأمين خروجهم من أوكرانيا نحو بولونيا ورومانيا ومولدافيا وروسيا. وقد تم إيفاد عدد من الدبلوماسيين، سواء من الإدارة المركزية أو من سفاراتنا في أوروبا إلى المعابر الحدودية مع أوكرانيا لتعزيز طواقم سفارتينا في فرصوفيا وبوخارست. لقد استحق الجميع عبارات الشكر التي وجهها إليهم سيادة رئيس الجمهورية على هذا العمل النبيل.

كما نشيد بمجهودات وتعاون السلطات الأوكرانية وبلدان الجوار لا سيما بولونيا ورومانيا الذين ساعدونا في عملية تنقّل وإيواء التونسيين وتسهيل إجلائهم إلى أرض الوطن.

jerandi1.jpg

وقد اتصلت شخصيا بوزيري خارجية بولونيا ورومانيا لإبلاغهم شكر وامتنان تونس رئيسا وحكومة وعائلات جاليتنا بأوكرانيا.

بالنسبة لمواطنينا الذين عادوا من أوكرانيا فقد تمت الإحاطة بهم من كافة الجوانب، من ذلك بعث خلية للإحاطة النفسية بهم.

  • حضرتم وسط الأسبوع الماضي اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة..، فأي مخرجات لهذا الاجتماع في ظل وضع عربي متشتت وكيف تقيمون مشاركتكم في هذا الاجتماع خاصة أن المواطن العربي لم يعد يولي اهتماما باجتماعات الجامعة؟

-كانت مناسبة متجددة التقيت خلالها بأشقائي وزراء الخارجية العرب، تبادلت خلالها وجهات النظر حول أبرز القضايا العربية والإقليمية والدولية الراهنة وما أسفرت عنه من تغيرات جذرية. حيث أكدت أن الوضع الدولي الراهن يستدعي من الدول العربية توحيد الجهود والرؤى من أجل التصدي لحالة الاستقطاب الدولية المتنامية.

ومثّل هذا الاجتماع مناسبة دعوت خلالها إلى ضرورة  التنسيق والتعاون في ما بين الدول  العربية في مواجهة التحديات الدولية التي قد تنعكس على المنطقة العربية، خاصة في ضوء التطورات الراهنة في أوكرانيا وعلى أهمية وحدة الصف العربي وتغليب المصالح العليا للمنطقة العربية بما يحول دون التدخلات التي تستهدف استقرار المنطقة العربية واستنزاف مواردها وأمن شعوبها وتنميتها.

كما أكدت على مواصلة تونس بتوجيه من سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد الالتزام بمبادئ سياستها الخارجية لمناصرة قضايا الحق والعدل وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وكذلك الاضطلاع بمسؤولياتها بحكم عضويتها في مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي للفترة 2022-2024.

كما كان لي على هامش هذه المشاركة العديد من اللقاءات الثنائية مع نظرائي في البلدان العربية للتنسيق حول مختلف النقاط المدرجة على جدول أعمال الاجتماع وكذلك لتناول سبل تعميق العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.

  • وماذا عن الوضع الراهن في ليبيا وموقفكم مما يحصل خاصة انه كان لكم منذ يومين اتصال هاتفي مع المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، ستيفاني ويليامز؟

-أمن ليبيا واستقرارها ووحدتها الترابية يبقى من أوكد أولوياتنا وهو ما أكدت عليه للمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، ستيفاني ويليامز. فاستقرار جارتنا ليبيا مسالة  محورية ومبدئية بالنسبة لتونس وركيزة لأمن واستقرار المنطقة ككل خاصة مع مساعي البعثة الأممية لاستئناف المسار السياسي بالتنسيق والتشاور مع مختلف الجهات الليبية، لاسيما في ضوء مبادرة المستشارة الخاصة المتعلقة بوضع قاعدة دستورية توافقية بهدف إجراء الانتخابات الليبية في أقرب وقت ممكن.
تونس وكعادتها تؤكد وتعمل على وقف العنف والانقسام في ليبيا وتدعم بشكل مباشر الحوار والمصالحة الوطنية في إطار الحل الليبي-الليبي ولنا كل الثقة في الإخوة الليبيين للتوصل للتوافقات الضرورية لضمان أفضل الظروف لإنجاح الاستحقاقات السياسية المقبلة بدعم من دول الجوار والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والمجتمع الدّولي.

  • لا يمكننا ختم هذا الحوار دون العودة إلى ملف الصحفيين التونسيين المفقودين في ليبيا نذير القطاري وسفيان الشورابي.

- الملف ما زال قائما ويحظى بمتابعة متواصلة من قبلنا..، وما عاق التوصل إلى معرفة الحقيقة هو الوضع في جارتنا ليبيا. وهذا الملف موضوع من بين أولويات رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية حيث أكد الرئيس قيس سعيد خلال زيارته إلى ليبيا السنة الماضية ولقائه المسؤولين الليبيين على ضرورة مضاعفة الجهود للتوصل إلى كشف حقيقة اختفائهما.

عثمان الجرندي وزير الخارجية لـ"الصباح": سنة 2022 ستكون بالنسبة لبلادنا سنة إفريقيا بامتياز وقرارنا حول أوكرانيا سيادي

 * على استعداد كامل لاحتضان قمة ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا في أوت  وقمة الفرانكفونية في نوفمبر 2022

تونس استفادت من مشاركتها في القمة الأوروبية الإفريقية خلافا لما يروّج من بعض الأصوات التي تصر على غبن كل منجز أو تميز يكتب لتونس

* اختيار بلادنا للاستفادة من تكنولوجياL’ARN اعتراف دولي لنجاح سياستها الصحية واعتراف بالكفاءات التونسية في المجال الطبي والصيدلي والصناعي

* حظوظ تونس وافرة لاحتضان مقر الوكالة الإفريقية للأدوية التابعة للاتحاد الإفريقي

* ما تم الترويج له من حديث حول إخلالات بروتوكولية، لا يمت للواقع بصلة.. ومشاركة الرئيس في القمة الأوروبية -الإفريقية جرت في أحسن الظروف

* ننتظر أن تمثّل قمة ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا وقمة الفرانكفونية فرصة لتجميع التونسيين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم نظرا للانعكاسات الإيجابية التي يمكن تحصيلها في عديد المجالات

* التصويت في مجلس الأمن حول الحرب الروسية-الأوكرانية كان قرارا سياديا ولم تخضع تونس فيه لأيّ نوع من أنواع الضغط

* موقفنا من الحرب في أوكرانيا يأتي انتصارا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وأن العالم الذي مازال تحت وطأة جائحة كوفيد-19 لا يمكنه تحمل مزيد من الأزمات بهذا الحجم والخطورة

* تمت الإحاطة بمواطنينا الذين عادوا من أوكرانيا من كافة الجوانب.. ونجحنا في إجلاء أكثر من 510 من مواطنينا في أوكرانيا

* بحكم عضوية تونس في مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي للفترة 2022-2024 أكدنا الالتزام بمبادئ سياستنا الخارجية لمناصرة قضايا الحق والعدل وفي مقدمتها القضية الفلسطينية

* أمن ليبيا واستقرارها ووحدتها الترابية يبقى من أوكد أولوياتنا

* ملف نذير القطاري وسفيان الشورابي ما زال قائما ويحظى بمتابعة متواصلة من قبلنا..، وما عاق التوصل إلى معرفة الحقيقة هو الوضع في ليبيا

تونس-الصباح

تشهد الديبلوماسية التونسية هذه الأيام حركية كبرى مع ما يعرفه العالم في المدة الأخيرة من هزات جراء الحرب الروسية الأوكرانية التي لم نبق بمنأى عن ارتداداتها خاصة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث وجدت تونس نفسها مجبرة على اتخاذ موقف من الحرب عبر التصويت في مجلس الأمن إلى جانب وجود جالية تونسية في أوكرانيا جلها من الطلبة وضرورة إيجاد السبل لإجلائها دون أن ننسى التأثيرات الاقتصادية التي بدأت تظهر من خلال فقدان عديد الموارد الأساسية التي تعتمد على القمح خاصة أن تونس تورد 60 بالمائة من حاجياتها من هذه المادة من روسيا..

الحرب الأوكرانية جاءت مباشرة بعد القمة الإفريقية- الأوروبية التي شاركت فيها تونس بأعلى تمثيلية والتي خلفت بعض التعاليق حول جدواها..

حول هاذين الملفين وغيرهما من المواضيع التي تهم الديبلوماسية التونسية وعلاقات بلادنا ودورها الإقليمي كان لـ"الصباح" هذا اللقاء مع السيد عثمان الجارندي وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج وفيما يلي فحواه: 

أجرى الحوار: سفيان رجب

  • انعقدت منذ شهر تقريبا القمة الإفريقية الأوروبية ببروكسيل وقد خلفت هذه القمة ردود أفعال بين إيجابي وسلبي حول مخرجاتها وحول المشاركة التونسية..، فكيف تقيمون من جانبكم قمة بروكسيل خاصة وأنكم كنتم ضمن الوفد الذي ترأسه رئيس الجمهورية؟
  • لقد عكس الحضور رفيع المستوى لأكثر من سبعين رئيس دولة وحكومة الأهمية والبعد الاستراتيجي اللذين يوليهما القادة الأوروبيون والأفارقة للعلاقات بين القارتين الجارتين نظرا للقواسم المشتركة بين الطرفين تاريخيا وكذلك الفرص المتوفرة فيهما ولاسيما للأجيال القادمة وتشمل كافة المجالات. فهذه الدورة السادسة للقمة الإفريقية الأوروبية التي انعقدت ببروكسيل يومي 17 و18 فيفري الماضي تأتي بعد خمس سنوات من القمة التي التأمت في الكوت ديفوار سنة 2017، وهو ما يدل على المكانة التي يحتلها التعاون بين قادة القارتين والوعي بتدعيمه.

بشكل عام، نعتبر هذه القمة ناجعة وجاءت نتائجها مشجعة وإيجابية حيث اختتم هذا الحدث أشغاله بإطلاق شراكة متجددة تحت اسم "Global Gateway" ستوفّر الدول الأوروبية بموجبها مبلغ 150 مليار أورو كحجم استثمارات في الدول الإفريقية مع إمكانية أن يرتفع هذا المبلغ إلى 300 مليار أورو من القطاعين العام والخاص في أفق سنة 2030 من أجل استثمارها في مجالات التعليم والطاقات المتجددة والنقل والحد من الكوارث الطبيعية في إفريقيا وتمكين سكان القارة الإفريقية من التكنولوجيات الحديثة إضافة إلى تمكين الأفارقة من الحصول على التلاقيح لمجابهة عدد من الأمراض. وستكون تونس في الموعد للاستفادة من الإمكانيات المتوفرة والمجالات المستهدفة بالتعاون مع شركائنا الأوروبيين والأفارقة وكذلك من خلال آليات التعاون الثلاثي عبر توفير التمويلات لصالح تونس قصد جلب مشاريع في المجالات التي تغطيها برامج هذه الشراكة. 

  • وماذا عن المشاركة التونسية..، والاستفادة من مخرجات هذه القمة؟
  • بخصوص تقييمنا للمشاركة التونسية في القمة الأوروبية الإفريقية، فإنني أؤكد لكم أن المشاركة كانت ناجحة على جميع المستويات ويرجع الفضل في ذلك إلى حرص سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد على الحضور شخصيا في هذه القمة أين عقد لقاءات مع عديد القادة الأوروبيين والأفارقة. كما تأتي هذه الزيارة الأولى من نوعها التي يؤديها سيادة الرئيس إلى الخارج منذ اتخاذ التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021 لتؤكد حرصه على مزيد تطوير التعاون مع الشريك الاقتصادي الأول لتونس وهو الاتحاد الأوروبي وكذلك التواصل مع قادته من خلال المحادثات التي جمعته مع رؤساء الدول والحكومات للبلدان الأعضاء في الاتحاد والتي تمحورت بالخصوص حول القرارات التي تم اتخاذها منذ 25 جويلية والهادفة إلى حماية الدولة من الخطر الذي يتهددها ويتربّص بها والسهر على الحفاظ على مؤسساتها وإرساء دعائم ديمقراطية مستدامة قائمة على أسس العدل والحوكمة ومبادئ دولة القانون واحترام الحريات العامة والخاصة.

وجاءت مشاركة السيد الرئيس في هذه القمة لتترجم أيضا الأهمية التي تحتلها القارة الإفريقية في سلم أولويات السياسة الخارجية التونسية حيث مثلت محطة جديدة من بين المحطات الهامة التي سبقتها خلال السنوات الأخيرة بداية من عضوية تونس غير الدائمة في مجلس الأمن حيث دافعت بقوة عن مشاغل وقضايا القارة الإفريقية، نورد منها على سبيل الذكر لا الحصر استصدار القرار 2532 (2020) الرامي إلى وقف كافة أشكال النزاع والتفرّغ لمجابهة جائحة كوفيد-19، خاصة ونحن نعلم أن حوالي 80 بالمائة من القضايا المطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن تضم قضايا القارة الإفريقية والعالم العربي. كما لا يفوتني التذكير بمشاركة سيادة رئيس الجمهورية في عدد من أشغال مجلس الأمن، حيث كان حريصا دائما على الدفاع عن حق القارة الإفريقية في الأمن والتنمية والعدالة وداعيا المجتمع الدولي إلى مساعدة القارة الإفريقية على الاستفادة من مواردها والنهوض باقتصادياتها. إذن فالبعد الإفريقي هو أحد ثوابت الدبلوماسية التونسية وقد تمّ مؤخرا تعزيز هذا البعد من خلال انتخاب تونس لعضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.

jerandi2.jpg

ولا يخفى عليكم أن سنة 2022 ستكون بالنسبة لبلادنا سنة إفريقيا بامتياز، حيث تستعدّ تونس لاحتضان قمتين على غاية من الأهمية، وهما الدورة الثامنة لقمة ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا (TICAD) في شهر أوت 2022 وقمة الفرانكفونية في شهر نوفمبر 2022. وستكون تونس خلال هذين الحدثين البارزين محط أنظار العالم من خلال استقبال قادة العديد من الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية والأمريكية بالإضافة لأهم الشركاء الماليين والمانحين الدوليين.

  • تتحدثون عن استفادة تونس من هذه المشاركة..، لكن البعض من السياسيين وحتى الديبلوماسيين السابقين اعتبر أن القمة كانت فرصة ضائعة لبلادنا؟

 -استغرب من تلك التقييمات السلبية..، فقد مكنت مشاركة سيادة رئيس الجمهورية في هذه القمة من مزيد توضيح الوضع الحقيقي في تونس وكذلك تقديم تصورات جديدة أكثر عمليّة ونجاعة من أجل دعم التعاون بين القارتين الأوروبية والإفريقية في أفق سنة 2030. كما جدّد سيادته عبر لقاءاته المختلفة مع نظرائه الأفارقة والأوروبيين الدعوة إلى تطوير دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التنمية وتعزيز الأمن والاستقرار في إفريقيا لا سيّما من خلال توفير التمويلات اللازمة وتوجيهها إلى بعث المشاريع ذات القيمة المضافة خاصة في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم والانتقال الرقمي. كما كان لسيادة رئيس الجمهورية مساهمة في أشغال حلقتي النقاش حول مسألة "الأمن والسلم والحوكمة" ومحور "التعليم والثقافة والتكوين المهني والهجرة والتنقل" حيث تعرّض إلى جسامة وتشابك التحديات المطروحة أمام القارة الإفريقية في هذه المجالات وأكّد على أهمية التفكير المشترك لوضع الحلول المناسبة بما يستجيب إلى تطلعات الشعوب الإفريقية ويلبّي انتظاراتها.

  ومن أوجه استفادة تونس من مشاركتها في القمة الأوروبية الإفريقية - خلافا لما يروّج من بعض الأصوات التي تصر على غبن كل منجز أو تميز يكتب لتونس-  هو نجاحها  في تصدّر المشهد من خلال الإعلان عن اختيار بلادنا ضمن ستة بلدان إفريقية (مصر وكينيا والسنغال ونيجيريا وجنوب إفريقيا) للاستفادة من تكنولوجيا  l’ARN messager التي تخوّل إنتاج اللقاحات (المضادة لفيروس كورونا) والتي تدخل في علاج عدد من الأمراض الأخرى وهو اعتراف دولي لنجاح تونس في سياستها الصحية وكذلك في مكافحتها لجائحة كوفيد 19 علاوة عن الاعتراف بالكفاءات التونسية في المجال الطبي والصيدلي والصناعي. كما سيفتح هذا الاختيار آفاقا جديدة وعلى غاية الأهمية لبلادنا لتعزيز مكانتها على المستوى القاري والدولي في المجال الطبي بما في ذلك تعزيز حظوظها لاحتضان مقر الوكالة الإفريقية للأدوية التابعة للاتحاد الإفريقي.  

 * رافقت المشاركة التونسية في القمة الأوروبية تساؤلات حول التنظيم المسبق لها وحصول ما وصف بالأخطاء البروتوكولية، ما هو ردّكم على هذا القول، وهل تونس فعلا في عزلة دبلوماسية ولاسيما مع الاتحاد الأوروبي نتيجة ما اعتبر رفضا خارجيا لسياسات الرئيس قيس سعيد؟

-ما تم الترويج له من حديث حول إخلالات بروتوكولية، لا يمت للواقع بصلة، وهي مجرّد تخمينات سياسوية، لا أكثر ولا أقل.  مشاركة سيادة الرئيس في القمة الأوروبية- الإفريقية جرت في أحسن الظروف وسبقها تنظيم محكم مادي ولوجستي بين رئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج.

كما أؤكد أن مثل هذه الزيارات والمشاركات يتم الإعداد لها بشكل دقيق ولا يتنقّل سيادة رئيس الجمهورية إلى الخارج إلا عندما تستوفي الزيارة كل أسباب النجاح، بما في ذلك مستوى الحضور في مثل هذه التظاهرات وبرنامج الزيارة واللقاءات الثنائية والنتائج المرتقبة منها. 

تونس ليست في عزلة البتّة ونحن في تواصل يومي مع شركائنا وأصدقائنا وبلادنا شريك جدي ذو مصداقية يحظى باحترام كبير في فضائه القريب والبعيد بفضل مواقفه المتوازنة.

أما علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي فهي جيدة وإستراتيجية وتواصلنا دائم حيث التقى سيادة الرئيس خلال زيارته المسؤولين الأوروبيين وكانت لقاءات صريحة وبناءة.

  • تحتضن تونس في المدة القادمة حدثين دوليين هامين وهما قمة الفرانكفونية وقمة التيكاد في دورتها الثامنة( 8TICAD ).. فأي استعدادات لهاذين الحدثين في ظل وضع دولي صعب؟

-تونس مستعدة على كافة الأصعدة والمستويات لاحتضان وإنجاح هاتين القمتين، باعتبارهما فرصتين هامتين لبلادنا من أجل تأكيد وتكريس بعدها الإفريقي والتزامها بكل القضايا التي تهم قارتنا، لا سيما قضايا التنمية والسلم والأمن.

ستكون تونس خلال هاتين المناسبتين في الموعد وستستقبل بكل حفاوة رؤساء الدول والحكومات ورجال الأعمال وممثلي المجتمع المدني والإعلام العالمي وكل ضيوفها الكرام. وننتظر أن يمثّل هذان الحدثان فرصة لتجميع كافة التونسيين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم نظرا للانعكاسات الإيجابية التي يمكن تحصيلها في عديد المجالات، ولا سيما منها النهوض بصورة تونس اقتصاديا وسياحيا وثقافيا وإعلاميا، والتي لا يمكن أن تمثّل نقطة خلاف بين التونسيين.   

  • الحديث عن الوضع الدولي الصعب يجرنا للتطرق إلى الحرب الروسية-الأوكرانية.. وهنا لا بد من العودة إلى دوافع تصويت تونس لفائدة قرار الجمعية العامة حول الوضع في أوكرانيا..، فهل كانت هناك ضغوطات من أي طرف وهل يشكل ذلك انحيازا لطرف على حساب طرف آخر بسبب الضغوطات الخارجية؟

‎-  أود أن أوكد أولا أن التصويت كان قرارا سياديا ولم تخضع تونس فيه لأيّ نوع من أنواع الضغط. لقد صوتنا عن قناعة وفقا لمبادئ وثوابت سياستنا الخارجية التي تدعو إلى حل الأزمات بالطرق السلمية والاحتكام إلى الحوار والمفاوضات باعتبار أن العمليات العسكرية لن تساهم في إيجاد الحلول وإنما ستولد المزيد من العنف ناهيك عن تدهور الأوضاع الإنسانية. ولقد رأينا ما سببه التصعيد العسكري من موجات لجوء نحو دول الجوار الأوكرانية ولمسناه أيضا خلال عمليات إجلاء جاليتنا وما تعرضت له من متاعب وصعوبات لمغادرة الأراضي الأوكرانية. وضحنا في شرحنا لقرارنا بعد التصويت، في تدخّل مباشر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن موقفنا يأتي انتصارا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وأن العالم الذي مازال تحت وطأة جائحة كوفيد-19 لا يمكنه تحمل مزيد من الأزمات بهذا الحجم والخطورة. كما دعونا المجموعة الدولية إلى تكثيف مساعيها من أجل تشجيع كافة الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ووقف العمليات العسكرية حماية للأرواح البشرية.

jerandi3.jpg

  • الملف الأوكراني يجرنا إلى التطرق لمسالة تعامل السلطات التونسية مع عملية إجلاء جاليتنا من أوكرانيا..، كيف تمت وهل تم إجلاء جميع التونسيين خاصة أن هناك تونسيين يدرسون ويعملون في مناطق التوتّر في هذا البلد؟

 -منذ أن أذن سيادة رئيس الجمهورية بإرساء جسر جوي لإجلاء المواطنين التونسيين العالقين في أوكرانيا تجندنا صلب وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج للقيام بكل ما يتوجّب لتأمين عودة مواطنينا من منطقة النزاع. وقد تم تكوين خلية أزمة صلب الوزارة التي تولّت التنسيق بين كافة الأطراف المتدخّلة، خاصة منها وزارة الدفاع الوطني ووزارة النقل والناقلة الوطنية (الخطوط الجوية التونسية). كما لا ننسى دور أعضاء عدد من جمعيات التونسيين في أوكرانيا، الذين بذلوا جهودا مشكورة في ظروف استثنائية.

لقد نجحنا من خلال الجسر الجوي في إجلاء أكثر من 510 من مواطنينا القاطنين في أوكرانيا من أفراد جاليتنا التي تتكوّن أساسا من الطلبة. حيث أجرينا أربع رحلات جوية لبولونيا ورومانيا أمنها سلاح الجو في رحلتين والخطوط الجوية التونسية في رحلتين. لقد قام الجميع بعمل ممتاز في ظل ظرف طارئ وفي وقت قصير، حيث لم يكن من السهل معرفة أماكن تواجد مواطنينا وتأمين خروجهم من أوكرانيا نحو بولونيا ورومانيا ومولدافيا وروسيا. وقد تم إيفاد عدد من الدبلوماسيين، سواء من الإدارة المركزية أو من سفاراتنا في أوروبا إلى المعابر الحدودية مع أوكرانيا لتعزيز طواقم سفارتينا في فرصوفيا وبوخارست. لقد استحق الجميع عبارات الشكر التي وجهها إليهم سيادة رئيس الجمهورية على هذا العمل النبيل.

كما نشيد بمجهودات وتعاون السلطات الأوكرانية وبلدان الجوار لا سيما بولونيا ورومانيا الذين ساعدونا في عملية تنقّل وإيواء التونسيين وتسهيل إجلائهم إلى أرض الوطن.

jerandi1.jpg

وقد اتصلت شخصيا بوزيري خارجية بولونيا ورومانيا لإبلاغهم شكر وامتنان تونس رئيسا وحكومة وعائلات جاليتنا بأوكرانيا.

بالنسبة لمواطنينا الذين عادوا من أوكرانيا فقد تمت الإحاطة بهم من كافة الجوانب، من ذلك بعث خلية للإحاطة النفسية بهم.

  • حضرتم وسط الأسبوع الماضي اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة..، فأي مخرجات لهذا الاجتماع في ظل وضع عربي متشتت وكيف تقيمون مشاركتكم في هذا الاجتماع خاصة أن المواطن العربي لم يعد يولي اهتماما باجتماعات الجامعة؟

-كانت مناسبة متجددة التقيت خلالها بأشقائي وزراء الخارجية العرب، تبادلت خلالها وجهات النظر حول أبرز القضايا العربية والإقليمية والدولية الراهنة وما أسفرت عنه من تغيرات جذرية. حيث أكدت أن الوضع الدولي الراهن يستدعي من الدول العربية توحيد الجهود والرؤى من أجل التصدي لحالة الاستقطاب الدولية المتنامية.

ومثّل هذا الاجتماع مناسبة دعوت خلالها إلى ضرورة  التنسيق والتعاون في ما بين الدول  العربية في مواجهة التحديات الدولية التي قد تنعكس على المنطقة العربية، خاصة في ضوء التطورات الراهنة في أوكرانيا وعلى أهمية وحدة الصف العربي وتغليب المصالح العليا للمنطقة العربية بما يحول دون التدخلات التي تستهدف استقرار المنطقة العربية واستنزاف مواردها وأمن شعوبها وتنميتها.

كما أكدت على مواصلة تونس بتوجيه من سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد الالتزام بمبادئ سياستها الخارجية لمناصرة قضايا الحق والعدل وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وكذلك الاضطلاع بمسؤولياتها بحكم عضويتها في مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي للفترة 2022-2024.

كما كان لي على هامش هذه المشاركة العديد من اللقاءات الثنائية مع نظرائي في البلدان العربية للتنسيق حول مختلف النقاط المدرجة على جدول أعمال الاجتماع وكذلك لتناول سبل تعميق العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.

  • وماذا عن الوضع الراهن في ليبيا وموقفكم مما يحصل خاصة انه كان لكم منذ يومين اتصال هاتفي مع المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، ستيفاني ويليامز؟

-أمن ليبيا واستقرارها ووحدتها الترابية يبقى من أوكد أولوياتنا وهو ما أكدت عليه للمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، ستيفاني ويليامز. فاستقرار جارتنا ليبيا مسالة  محورية ومبدئية بالنسبة لتونس وركيزة لأمن واستقرار المنطقة ككل خاصة مع مساعي البعثة الأممية لاستئناف المسار السياسي بالتنسيق والتشاور مع مختلف الجهات الليبية، لاسيما في ضوء مبادرة المستشارة الخاصة المتعلقة بوضع قاعدة دستورية توافقية بهدف إجراء الانتخابات الليبية في أقرب وقت ممكن.
تونس وكعادتها تؤكد وتعمل على وقف العنف والانقسام في ليبيا وتدعم بشكل مباشر الحوار والمصالحة الوطنية في إطار الحل الليبي-الليبي ولنا كل الثقة في الإخوة الليبيين للتوصل للتوافقات الضرورية لضمان أفضل الظروف لإنجاح الاستحقاقات السياسية المقبلة بدعم من دول الجوار والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والمجتمع الدّولي.

  • لا يمكننا ختم هذا الحوار دون العودة إلى ملف الصحفيين التونسيين المفقودين في ليبيا نذير القطاري وسفيان الشورابي.

- الملف ما زال قائما ويحظى بمتابعة متواصلة من قبلنا..، وما عاق التوصل إلى معرفة الحقيقة هو الوضع في جارتنا ليبيا. وهذا الملف موضوع من بين أولويات رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية حيث أكد الرئيس قيس سعيد خلال زيارته إلى ليبيا السنة الماضية ولقائه المسؤولين الليبيين على ضرورة مضاعفة الجهود للتوصل إلى كشف حقيقة اختفائهما.