إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قطع الغيار والمحركات المستعملة للسيارات.. سوق "مُقنّنة" غذت ظاهرتي الفساد والتهريب في القطاع

* المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي

* السوق الموازية للعجلات تستحوذ على 50 % من مجموع السوق التونسية

 

"الطقس جميل والعصافير تزقزق"، هكذا يمكن وصف "شعار" الدولة ممثلة في وزارة التجارة وتنمية الصادرات لرؤيتها لقطاع توريد قطع الغيار ومحركات السيارات المستعملة وبيعها في السوق الداخلية..، إذ تعتمد الوزارة على نظام التراخيص لتنظيم هذا القطاع الذي وبعد أن كان نشاطه يقتصر على جهة منزل كامل فقد أصبح اليوم يغزو كامل ولايات الجمهورية بنسب متفاوتة..، والمورّدون يرون أنفسهم "تحت المجهر" وأن نشاطهم "لا تشوبه شائبة" غير أن المهنيين يرون أن الدولة "تغطي في عين الشمس بالغربال" و"تقنّن" في "سوق خردة أغرق البلاد" وفتح "باب الفساد والتهريب" على مصراعيْه...، كما أنّ للعجلات المطاطية المهربة خاصة "نصيب" في السوق الداخلية لم تستطع المجهودات المتواصلة للوحدات الديوانية في القضاء عليها نهائيا والدولة لم تتخذ إلى حدّ الساعة قرارا ينهي هذا النزيف، غير أنها تؤكد مساعيها في هذا المجال..

"الصباح" بحثت في الموضوع وحاولت الخوض في تفاصيله وخفاياه مع الأطراف المعنية...

المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي، اعتبرت أن قطاع الغيار ومحركات السيارات المستعملة من أكثر القطاعات تنظيما في البلاد ولم تسجل به تشكيات كما انه يخضع للترخيص المُسبق في عملية التوريد لأسباب صحية وبيئية وتنافسية أيضا، مُشيرة إلى "وجود أطراف تعتبر هذه البضائع المُوردة نفايات رافضين بذلك أن تكون بلادنا مصبا لنفايات دول أخرى".

واستدركت بالقول: "هذا النشاط أصبح منذ الثورة جزءا من الاقتصاد الوطني حيث يفتح فرص شغل جديدة خاصة بالنسبة للشباب المُكون والمُجاز في مجال ميكانيك السيارات وما تابعها".

فيديو المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي

 

وأوضحت محدثتنا أن اللجنة المُكلفة بدراسة مطالب توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة تعقد اجتماعاتها للنظر في المطالب التي تقدم بها الراغبون في ممارسة نشاط توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة وترخص في ذلك لكل من يستجيب للشروط المُضمنة بمقرر وزير التجارة المتعلق بإحداث لجنة فنية في الغرض. كما تتولى اللجنة ضبط الحصة السنوية الجملية للمنتجات المعنية وتوزيعها على الموردين الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة وذلك حسب حاجيات السوق وعلى ضوء المطالب المقبولة وتطور عدد الشركات العاملة في القطاع. وتسند رخص التوريد للموردين، البالغ عددهم 280 سنة 2021، والذين يستجيبون للشروط المُحددة في الغرض وذلك في حدود الحصة الممنوحة لكل مورد، المُحددة منذ سنة 2018 بـ400  محرك سنويا بعد أن كانت في حدود 500.

image1.png

image2.png

 

image3.png

 

واعتبرت محدثتنا أن هناك اكتفاء في هذه السوق التي أصبحت تتوزع على كامل تراب الجمهورية، إذ تم السنة الماضية توريد حوالي 95 ألف محرك مستعمل.

توزع الشركات حسب الولايات في سنة 2021

image4.png

 

image5.png

 

لا حملات مراقبة منذ سنة 2018

وبخصوص حملات المراقبة، قالت إن آخرها كانت سنة 2018، وكانت حملات إقليمية كبرى امتدت لسنة، مُضيفة ان هذا القطاع حاليا لا يعد من أولويات عمل الجهات المعنية بالوزارة المُنكبة على مراقبة تزويد السوق بالمواد الأساسية إضافة إلى مسائل أخرى منها مسالك التوزيع، حاليا، بعد أن كان في فترة ما أولوية الا انه تم تنظيمه وأصبح من القطاعات التي "لا تشوبها شائبة"، حسب تعبيرها.

وختمت بالإشارة إلى أنّ تقادم أسطول النقل هو من أدّى إلى زيادة الطلب على القطع المُستعملة.

قطاع صناعة مكونات السيارات قاطرة للقطاع الصناعي 

ويلاحظ فتحي السهلاوي مدير عام الصناعات المعملية بوزارة الصناعة، أن قطاع صناعة مكونات السيارات في تونس يعتبر قاطرة للقطاع الصناعي ككل حيث توجد 280 وحدة صناعية رائدة ومتواجدة عالميا، مشيرا إلى أن هذا القطاع يوفر قرابة 94 ألف موطن شغل وهو قطاع وازن بالنسبة للصناعات المعملية ومصدر بامتياز في حدود 7 مليار دينار (2.5 مليار دولار)  كما يساهم بحوالي 2 بالمائة من الناتج المحلي الخام.

 

274714799_361899952449835_2153494983710875640_n.jpg

 

"استهلك تونسي"

وبالنسبة لقطاع العجلات المطاطية، قال السهلاوي إنه منذ سنة  2018 كان هنالك تأكيد على ضرورة الالتزام بما جاء في كراس الشروط المُنظم لعمليات توريد الإطارات المطاطية والصادر في أفريل 2006 غير أن ذلك لم يُطبّق على أرض الواقع لاعتبارات فنية ولوجستية ما ساهم وأسباب أخرى في تدهور الشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية "ستيب"،  مؤكدا أنه في أوت من سنة 2018 كان هنالك تمسك بضرورة تطبيق كل مقتضيات كراس الشروط هذا والقيام باختبارات في تونس حيث تم في الفترة الأولى اكتشاف اخلالات من قبل مُوردين أجانب (أوروبا)، ليتم في وقت لاحق تدارك تلك الاخلالات وتحسين نوعية البضائع التي يتم جلبها إلى تونس ما خلق مناخا تنافسيا نزيها مع المؤسسة الوطنية وبالتالي ضاعفت "ستيب" من رقم معاملتها بعد المشاكل التي مرت بها  سنة 2017 ليصل سنة 2021 إلى أكثر من 120 مليون دينار منها 15 بالمائة موجهة للتصدير، حسب إفادة الشركة لوزارة الصناعة.

التهريب "الآفة الكبرى"

وأكد محدثنا أن السوق المُنظم يتم وفق كراس شروط، بينما يُعدّ التهريب "الآفة الكبرى" بالنسبة للسوق التونسية خاصة في قطاع العجلات المطاطية والذي يفوق 50 بالمائة من حجم السوق.

وتماشيا مع ما ذكره، قال إنه وبالتعاون مع وزارة النقل تم تحديد قائمة بما يُورد رسميا إلى تونس بطريقة قانونية بحجم واردات يبلغ 99 مليون دينار (11 موردا ناشطا سنة 2021.)

وفضلا عن ذلك، أضاف السهلاوي أن وزارة الصناعة أوقفت توريد العجلات المطاطية المستعملة بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات "انجاد" وبقرار من الديوانة منذ أكثر من سنة نتيجة استحالة مراقبة العملية بمختلف مراحلها، مشيرا إلى وجود 4 شركات تونسية تتزود بالعجلات المطاطية المُستعملة من السوق المحلية وتتولى إعادة رسكلتها.

 عمليات نوعيّة للحدّ من التهريب

واستنادا إلى ما سبق ذكره، أكد العميد هيثم زناد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة أن وحدات الديوانة تعمل ليلا نهارا على التصدي لعمليات تهريب العجلات المطاطية لما تمثله من خطورة على سلامة الأفراد من الحوادث جراء عدم خضوع العجلات المُهربة لاختبارات المطابقة الفنية.

كما أكد أن مصالح الديوانة سجلت عمليات نوعية في إطار الحد من التهريب.

ووفق معطيات تحصلنا عليها من الإدارة العامة للديوانة، فإن وحدات الحرس الديواني تمكنت خلال سنة2021 من حجز 683 محرك سيارات بقيمة 2.25 مليون دينار، كما تم حجز عدد 34053 قطعة غيار سيارات بقيمة جملية بلغت 1.73مليون دينار، إضافة إلى حجز 8813 عجلة مطاطية بقيمة 1.63 مليون دينار.

وبالنسبة للعمليات النوعية، ووفق ذات المعطيات، فقد حجزت مصالح الحرس الديواني بسوسة خلال شهر نوفمبر 2021 كمية من قطع غيار السيارات والمحركات بقيمة 120 ألف دينار، وبدورها تمكنت مصالح الحرس الديواني ببن عروس خلال شهر أكتوبر 2021 من حجز كمية من الإطارات المطاطية ومواد حديدية مختلفة بقيمة 377 مليون دينار، وحجزت مصالح الحرس الديواني بسيدي بوزيد خلال شهر نوفمبر 2021 لكمية من المحركات المستعملة بقيمة 915 ألف دينار، إضافة إلى حجز مصالح الحرس الديواني بجندوبة  خلال شهر نوفمبر 2021 لكمية من المحركات المستعملة بقيمة 207 ألف دينار.

 سوق "à risque" 

ومن زاوية أخرى، اعتبر ابراهيم دباش رئيس الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء ومصنّعي السيارات التابعة لمنظمة الأعراف أنّ ملف توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة فُتح بعد الثورة حيث تم منح رخص لعدد من الأشخاص وتم وضع نظام خاص في الغرض، ليمتد هذا القطاع على نطاق واسع شمل مختلف جهات الجمهورية، مُستدركا بالقول: "لكنه لا يمكن أن يكون هذا السوق في علاقة بوكلاء السيارات كما أنّ قيمته غير معلومة".

واعتبر أنّ هذا السوق يهمّ فئات معينة لعل من أبرزها قطاع النقل العمومي غير المنتظم (أصحاب سيارات الزواج والنقل الريفي والتاكسي)، إضافة إلى أنه سوق "à risque" و"موازية" إذ يتم جلب "الخردة" إلى بلادنا.

وبصرف النظر عن ما تم ذكره، أشار دباش إلى أنّ تقادم أسطول السيارات في تونس، إذ أنّ أكثر من نصفه فاق عمره الـ15 سنة ما يجعل أصحاب هذه العربات يتوجهون إلى سوق قطاع الغيار المستعملة، وهو ما يتطلب طرح مسألة السلامة في الطرقات ضمن أوكد الأولويات باعتبار أنّه لا يوجد أي رقابة أو تنظيم في هذا القطاع، قائلا: "أمام ارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار وتقادم الأسطول وجد المستهلك نفسه مُجبرا على التوجه لهذا السوق".

كما شدّد على ضرورة أن تكون هناك رغبة من الدولة في الإصلاح مع بحث البديل وتشديد عمليات الرقابة باعتبار أن تحديد نظام الترخيص لجلب هذه القطع لا يعني التنظيم والرقابة.

كما لم يُفوّت دباش الفرصة ليؤكد على أهمية تحرير قطاع بيع السيارات والعمل على تحسين المقدرة الشرائية للمواطن وكذلك قيمة الدينار بهدف التخفيض في أسعار السيارات الجديدة وتجديد الأسطول الذي أصبح أولوية ملحة.

 تسجيل صوتي ابراهيم دباش رئيس الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء ومصنّعي السيارات

 

 

تونس ليست مصبا للخردة"

وتناغما مع ما ذكره دباش، أكّد البشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورئيس الجامعة الوطنية للميكانيك، رفض منظمة الأعراف توريد المحركات المستعملة حتى وإن تمّ تجديدها باعتبار أنّ لا شيء يضمن سلامة استعمال أو صلوحية المحركات المُستعملة، مُضيفا: "يكفينا من الخردة فتونس ليست مصبا للخردة التي يريد دول الخارج التخلص منها ودفع أموال لرفعها في حين أنّ تونس أُغرقت بهذه البضائع.. فحينها الأفضل أن نعود إلى سوق اليهودية على الأقل نعلم من أين مأتاها".

وواصل بوجدي بالقول: "هذا القطاع لا نُشجّعه باعتبار أنه لا يُقدّم الضمانات الكافية وفيه تهريب.. وما يحصل اليوم تهريب بعينه وفيه برشا فلوس...  ووزارة التجارة لا تقوم بواجبها في هذا المجال وتعرف أنّ موقف منظمة الأعراف يتمثل في رفض هذا التمشي.... ولهذا نتمنى أن يُحذف قطاع توريد المحركات المُستعملة تماما".

مدخل من مداخل السوق المُوازية والتهريب

كما أشار إلى أنّ قطاع غيار ومحركات السيارات المُستعملة مدخل من مداخل السوق الموازية والتهريب وهو أمر مؤكد ويقين.

 تسجيل صوتي البشير بوجدي رئيس الجامعة الوطنية للميكانيك

 

عندما يرفض الخوض في خفايا القطاع من قبل موردين...

أحد الموردين والذين تحدثنا معهم، بعد جهد كبير خاصة وأنه لاقينا صدّا كبيرا من قبل من حاولنا الاتصال بهم رافضين الخوض في تفاصيل عملية التوريد والمرابيح والاداءات الموظفة في هذا القطاع، أكّد أنه يتم دفع معاليم جبائية حسب قيمة الفاتورات إضافة إلى استخلاص 3 دنانير على كل كلغ من مجموع الشحن وكذلك حوالي 17 الف دينار كمعلوم خلاص "الحاوية" ان كانت قادمة من الدول الأوروبية.

كما أشار أحد الموردين إلى أنه تم مع بداية هذه السنة الترفيع في معلوم الكيلوغرام من الكمية المُوردة إلى 3500 مليم أي بزيادة تقدر بـ500 مليم.

وأفاد أنّ الوحدات الديوانية تتولى التثبت من المحركات عبر الة السكانار وانه كل ما تطلب الأمر يتم إنزال المحركات الموجودة بالحاوية للتثبت من محتواها، نافيا أن تتولى وزارة التجارة تفقد ما يتم جلبه من الخارج، باستثناء التثبت من المقر والوثائق الرسمية والفاتورات كلما تم طلب الترخيص لتوريد المحركات، وهو ما أكّده مورد آخر لنا، في حين افاد مورد ثالث تحدثنا معه أن مصالح وزارة التجارة أجرت عددا من الزيارات لتفقد مخزنه.

وأكّد مُوردان أنهما يقتنيان المحركات المستعملة من الخارج بأسعار تتراوح بين 50 و200 اورو، في حين رفض آخر تحديد هامش سعر الاقتناء من الخارج مُكتفيا بالحديث عن المصاريف المُحملة على عاتقهم إزاء الدولة والأجراء...

أما عن عملية البيع بالسوق الداخلية، فأكّد ثلاثتهم أنه لا يتم تجديد المحركات بل بيعها على حالتها باستثناء قيام البعض منهم أحيانا بعملية غسل المحركات بالماء أو التثبت من الزيت، مضيفين أنه يتم بيع هذه المحركات في تونس بأسعار ابتداء من 500 دينار إلى أكثر من 14 ألف دينار ، غير أن أحدهم أفاد أن سعر البيع في تونس ينطلق من ألفيْ دينار.

كما أكّدوا وجود عملية تهريب لهذه المحركات نحو السوق الجزائرية بعد أن يتم اقتناء تلك المحركات مقابل فاتورات في الغرض.

واعتبر أحد هؤلاء الموردين أن التوجه نحو هذا السوق لا يقتصر على المهنيين بل حتى المواطنين العاديين وذلك بسبب الغلاء الكبير لأسعار المحركات الجديدة للسيارات وكذلك الشأن حتى بالنسبة لبقية قطع غيار السيارات، رافضا استعمال كلمة "خردة" و"فريب" على هذا القطاع.

أمّا ميكانيكي على علاقة بمُوردي المحركات المستعملة، التقيناه، فقد أكّد أنّ الحديث عن الفوترة "وهْم" في مُخيلة البعض وتظليل وطريق لتغطية ما يوجد حقيقة على أرض الواقع، حيث أنها لا تعتمد إلا عند تقديم ملفات طلب تراخيص توريد المحركات المستعملة أو لخلاص مستحقات القباضات المالية، مُستدركا بالقول: "لكن هذا الخلاص لا يتم وفق المداخيل الحقيقية بل المداخيل التي يريدونها..".

وعن العجلات المطاطية المُهربة، فقال الميكانيكي انها "غزت البلاد"، حسب وصفه، وجعلت المواطنين يلجؤون إليها باعتبار أن سعرها لا يتجاوز نصف سعر عجلة مطاطية جديدة مُطابقة للمواصفات الفنية مرخّص في بيعها سواء صنعت من قبل الشركة الوطنية أو موردة عن طريق وكلاء مُعتمدين بتونس، مُحذرا من استعمال العجلات المهربة والتي قد تؤدي إلى حوادث مرور كارثية.

 مواطنون التقيناهم بجهة اليهودية ببن عروس أكدوا أنهم لا يتحصلون على فاتورات عند اقتناء محركات مستعملة أو قطاع غيار مستعملة، معتبرين أنهم مجبرين لا مخيرين على التوجه للسوق المستعملة بسبب الغلاء المشط لأسعار السوق الجديدة.

274526956_3110431115837608_8465271015567805816_n.jpg

 

 سوق موازية

للمجتمع المدني أيضا موقف من قطاع بيع محركات السيارات المستعملة، إذ أكّد بلال الونيفي رئيس جمعية تونس للسلامة المرورية أنّ سوق المحركات المُستعملة وان كانت تخضع إلى التراخيص المسبقة فإنها تبقى غير قانونية وتعتبر سوق موازية وغير منظمة، مشيرا أيضا الى التوجه لسوق العجلات المطاطية المهربة والمُوردة من دول أجنبية.

وبخصوص العجلات المهربة، أفاد أنه يقع تهريبها برا من ليبيا والجزائر ولا تتوفّر على أيّ مواصفات ويتم بيعها على قارعة الطريق وفي المحلات "دون حسيب ولا رقيب".

أما عن المحركات المستعملة، فأشار إلى أنه "يتم توريدها مقابل أسعار زهيدة تصل أحيانا إلى 30 أورو للمحرك الواحد بالجملة وتتم أحيانا عن طريق "مزاد علني" ويقع اقتناؤها من مراكز إتلاف للسيارات بأوروبا أين يتم تفكيك السيارات".

وعن رواج هذا القطاع، أفاد أنه "يعود إلى 3 أسباب أولها الارتفاع المشط لأسعار قطاع غيار السيارات في تونس وثانيها أنّ أسطول العربات في تونس اهترأ وثالثها أن التونسيين بصفة عامة وخاصة من تقادم سنّ سياراتهم يتوجهون للميكانيكي لإصلاحها لا لوكلاء بيع السيارات".

وحول تمسك وزارة التجارة باعتبار سوق قطاع الغيار ومحركات السيارات المستعملة مُنظّمة، قال الونيفي إنّ "اعتماد نظام الترخيص وإجبارية دفع المساهمات لصندوق الضمان الاجتماعي وخلاص الاداءات والمعاليم الجبائية والديوانية، لا يعني أنها سوق قانونية". كما نفى أن تكون هنالك عملية فوترة حقيقية مثلما يتم تداوله بل إنه يتم خلق فاتورات وهمية في ظل غياب رقابة تثبت صحة ما يقع التصريح به من قبل الموردين الذين يخضعون لنظام جبائي "reel".

وقال محدثنا إنه "طالما لا تشدد وزارة التجارة الرقابة على هذه الشركات الـ280 حاليا بالسوق ولا إصلاح للقوانين الموضوعة في الغرض وتواصل اعتماد الفاتورات الورقية فإن هذا أن دل على شيء فهو يؤكّد وجود انتفاع وشبهات فساد كبيرة في ملفي العجلات المطاطية والمحركات المستعملة"، حسب قوله.

 

274618656_272975551579365_8142973495940249862_n.jpg

 

لا مراكز تجديد

ونفى الونيفي "وجود أيّ مركز لتجديد أو رسكلة المحركات المستعملة عند توريدها إلى تونس.

 ويبقى السؤال المطروح اليوم هل أن هذا القطاع طريق سهل لاستشراء الفساد في ظل غياب الرقابة ووجود فراغ تحت غطاء "تراخيص سنوية دورية" تمنحها لجنة خاصة صلب وزارة التجارة، لتوريد محركات السيارات المستعملة من الخارج، خاصة وأن الفوترة التي تتحدث عنها وزارة التجارة ويؤكّد الموردون أنهم يتعاملون بها، غير أن خبراء ومختصون وملاحظون في المجال يؤكّدون أنها لا تعدو أن تكون "فاتورات وهمية"؟ وهل الدولة التي تشجع اليوم على صناعة مكونات السيارات في تونس وبدورها تقنن توريد هذه المحركات المستعملة تساهم في القضاء على سوق واعدة؟.. وبالاعتراف بأنّ أسطول السيارات في تونس قد تقادم ما ترتب عنه توجه لهذه الأسواق، فلماذا لا يتوجه نحو تحرير سوق السيارات الذي كان طلبا مُلحا لسنوات من قبل وكلاء بيع السيارات؟؟؟

عبير الطرابلسي

قطع الغيار والمحركات المستعملة للسيارات.. سوق "مُقنّنة" غذت ظاهرتي الفساد والتهريب في القطاع

* المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي

* السوق الموازية للعجلات تستحوذ على 50 % من مجموع السوق التونسية

 

"الطقس جميل والعصافير تزقزق"، هكذا يمكن وصف "شعار" الدولة ممثلة في وزارة التجارة وتنمية الصادرات لرؤيتها لقطاع توريد قطع الغيار ومحركات السيارات المستعملة وبيعها في السوق الداخلية..، إذ تعتمد الوزارة على نظام التراخيص لتنظيم هذا القطاع الذي وبعد أن كان نشاطه يقتصر على جهة منزل كامل فقد أصبح اليوم يغزو كامل ولايات الجمهورية بنسب متفاوتة..، والمورّدون يرون أنفسهم "تحت المجهر" وأن نشاطهم "لا تشوبه شائبة" غير أن المهنيين يرون أن الدولة "تغطي في عين الشمس بالغربال" و"تقنّن" في "سوق خردة أغرق البلاد" وفتح "باب الفساد والتهريب" على مصراعيْه...، كما أنّ للعجلات المطاطية المهربة خاصة "نصيب" في السوق الداخلية لم تستطع المجهودات المتواصلة للوحدات الديوانية في القضاء عليها نهائيا والدولة لم تتخذ إلى حدّ الساعة قرارا ينهي هذا النزيف، غير أنها تؤكد مساعيها في هذا المجال..

"الصباح" بحثت في الموضوع وحاولت الخوض في تفاصيله وخفاياه مع الأطراف المعنية...

المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي، اعتبرت أن قطاع الغيار ومحركات السيارات المستعملة من أكثر القطاعات تنظيما في البلاد ولم تسجل به تشكيات كما انه يخضع للترخيص المُسبق في عملية التوريد لأسباب صحية وبيئية وتنافسية أيضا، مُشيرة إلى "وجود أطراف تعتبر هذه البضائع المُوردة نفايات رافضين بذلك أن تكون بلادنا مصبا لنفايات دول أخرى".

واستدركت بالقول: "هذا النشاط أصبح منذ الثورة جزءا من الاقتصاد الوطني حيث يفتح فرص شغل جديدة خاصة بالنسبة للشباب المُكون والمُجاز في مجال ميكانيك السيارات وما تابعها".

فيديو المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي

 

وأوضحت محدثتنا أن اللجنة المُكلفة بدراسة مطالب توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة تعقد اجتماعاتها للنظر في المطالب التي تقدم بها الراغبون في ممارسة نشاط توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة وترخص في ذلك لكل من يستجيب للشروط المُضمنة بمقرر وزير التجارة المتعلق بإحداث لجنة فنية في الغرض. كما تتولى اللجنة ضبط الحصة السنوية الجملية للمنتجات المعنية وتوزيعها على الموردين الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة وذلك حسب حاجيات السوق وعلى ضوء المطالب المقبولة وتطور عدد الشركات العاملة في القطاع. وتسند رخص التوريد للموردين، البالغ عددهم 280 سنة 2021، والذين يستجيبون للشروط المُحددة في الغرض وذلك في حدود الحصة الممنوحة لكل مورد، المُحددة منذ سنة 2018 بـ400  محرك سنويا بعد أن كانت في حدود 500.

image1.png

image2.png

 

image3.png

 

واعتبرت محدثتنا أن هناك اكتفاء في هذه السوق التي أصبحت تتوزع على كامل تراب الجمهورية، إذ تم السنة الماضية توريد حوالي 95 ألف محرك مستعمل.

توزع الشركات حسب الولايات في سنة 2021

image4.png

 

image5.png

 

لا حملات مراقبة منذ سنة 2018

وبخصوص حملات المراقبة، قالت إن آخرها كانت سنة 2018، وكانت حملات إقليمية كبرى امتدت لسنة، مُضيفة ان هذا القطاع حاليا لا يعد من أولويات عمل الجهات المعنية بالوزارة المُنكبة على مراقبة تزويد السوق بالمواد الأساسية إضافة إلى مسائل أخرى منها مسالك التوزيع، حاليا، بعد أن كان في فترة ما أولوية الا انه تم تنظيمه وأصبح من القطاعات التي "لا تشوبها شائبة"، حسب تعبيرها.

وختمت بالإشارة إلى أنّ تقادم أسطول النقل هو من أدّى إلى زيادة الطلب على القطع المُستعملة.

قطاع صناعة مكونات السيارات قاطرة للقطاع الصناعي 

ويلاحظ فتحي السهلاوي مدير عام الصناعات المعملية بوزارة الصناعة، أن قطاع صناعة مكونات السيارات في تونس يعتبر قاطرة للقطاع الصناعي ككل حيث توجد 280 وحدة صناعية رائدة ومتواجدة عالميا، مشيرا إلى أن هذا القطاع يوفر قرابة 94 ألف موطن شغل وهو قطاع وازن بالنسبة للصناعات المعملية ومصدر بامتياز في حدود 7 مليار دينار (2.5 مليار دولار)  كما يساهم بحوالي 2 بالمائة من الناتج المحلي الخام.

 

274714799_361899952449835_2153494983710875640_n.jpg

 

"استهلك تونسي"

وبالنسبة لقطاع العجلات المطاطية، قال السهلاوي إنه منذ سنة  2018 كان هنالك تأكيد على ضرورة الالتزام بما جاء في كراس الشروط المُنظم لعمليات توريد الإطارات المطاطية والصادر في أفريل 2006 غير أن ذلك لم يُطبّق على أرض الواقع لاعتبارات فنية ولوجستية ما ساهم وأسباب أخرى في تدهور الشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية "ستيب"،  مؤكدا أنه في أوت من سنة 2018 كان هنالك تمسك بضرورة تطبيق كل مقتضيات كراس الشروط هذا والقيام باختبارات في تونس حيث تم في الفترة الأولى اكتشاف اخلالات من قبل مُوردين أجانب (أوروبا)، ليتم في وقت لاحق تدارك تلك الاخلالات وتحسين نوعية البضائع التي يتم جلبها إلى تونس ما خلق مناخا تنافسيا نزيها مع المؤسسة الوطنية وبالتالي ضاعفت "ستيب" من رقم معاملتها بعد المشاكل التي مرت بها  سنة 2017 ليصل سنة 2021 إلى أكثر من 120 مليون دينار منها 15 بالمائة موجهة للتصدير، حسب إفادة الشركة لوزارة الصناعة.

التهريب "الآفة الكبرى"

وأكد محدثنا أن السوق المُنظم يتم وفق كراس شروط، بينما يُعدّ التهريب "الآفة الكبرى" بالنسبة للسوق التونسية خاصة في قطاع العجلات المطاطية والذي يفوق 50 بالمائة من حجم السوق.

وتماشيا مع ما ذكره، قال إنه وبالتعاون مع وزارة النقل تم تحديد قائمة بما يُورد رسميا إلى تونس بطريقة قانونية بحجم واردات يبلغ 99 مليون دينار (11 موردا ناشطا سنة 2021.)

وفضلا عن ذلك، أضاف السهلاوي أن وزارة الصناعة أوقفت توريد العجلات المطاطية المستعملة بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات "انجاد" وبقرار من الديوانة منذ أكثر من سنة نتيجة استحالة مراقبة العملية بمختلف مراحلها، مشيرا إلى وجود 4 شركات تونسية تتزود بالعجلات المطاطية المُستعملة من السوق المحلية وتتولى إعادة رسكلتها.

 عمليات نوعيّة للحدّ من التهريب

واستنادا إلى ما سبق ذكره، أكد العميد هيثم زناد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة أن وحدات الديوانة تعمل ليلا نهارا على التصدي لعمليات تهريب العجلات المطاطية لما تمثله من خطورة على سلامة الأفراد من الحوادث جراء عدم خضوع العجلات المُهربة لاختبارات المطابقة الفنية.

كما أكد أن مصالح الديوانة سجلت عمليات نوعية في إطار الحد من التهريب.

ووفق معطيات تحصلنا عليها من الإدارة العامة للديوانة، فإن وحدات الحرس الديواني تمكنت خلال سنة2021 من حجز 683 محرك سيارات بقيمة 2.25 مليون دينار، كما تم حجز عدد 34053 قطعة غيار سيارات بقيمة جملية بلغت 1.73مليون دينار، إضافة إلى حجز 8813 عجلة مطاطية بقيمة 1.63 مليون دينار.

وبالنسبة للعمليات النوعية، ووفق ذات المعطيات، فقد حجزت مصالح الحرس الديواني بسوسة خلال شهر نوفمبر 2021 كمية من قطع غيار السيارات والمحركات بقيمة 120 ألف دينار، وبدورها تمكنت مصالح الحرس الديواني ببن عروس خلال شهر أكتوبر 2021 من حجز كمية من الإطارات المطاطية ومواد حديدية مختلفة بقيمة 377 مليون دينار، وحجزت مصالح الحرس الديواني بسيدي بوزيد خلال شهر نوفمبر 2021 لكمية من المحركات المستعملة بقيمة 915 ألف دينار، إضافة إلى حجز مصالح الحرس الديواني بجندوبة  خلال شهر نوفمبر 2021 لكمية من المحركات المستعملة بقيمة 207 ألف دينار.

 سوق "à risque" 

ومن زاوية أخرى، اعتبر ابراهيم دباش رئيس الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء ومصنّعي السيارات التابعة لمنظمة الأعراف أنّ ملف توريد قطع الغيار والمحركات المستعملة فُتح بعد الثورة حيث تم منح رخص لعدد من الأشخاص وتم وضع نظام خاص في الغرض، ليمتد هذا القطاع على نطاق واسع شمل مختلف جهات الجمهورية، مُستدركا بالقول: "لكنه لا يمكن أن يكون هذا السوق في علاقة بوكلاء السيارات كما أنّ قيمته غير معلومة".

واعتبر أنّ هذا السوق يهمّ فئات معينة لعل من أبرزها قطاع النقل العمومي غير المنتظم (أصحاب سيارات الزواج والنقل الريفي والتاكسي)، إضافة إلى أنه سوق "à risque" و"موازية" إذ يتم جلب "الخردة" إلى بلادنا.

وبصرف النظر عن ما تم ذكره، أشار دباش إلى أنّ تقادم أسطول السيارات في تونس، إذ أنّ أكثر من نصفه فاق عمره الـ15 سنة ما يجعل أصحاب هذه العربات يتوجهون إلى سوق قطاع الغيار المستعملة، وهو ما يتطلب طرح مسألة السلامة في الطرقات ضمن أوكد الأولويات باعتبار أنّه لا يوجد أي رقابة أو تنظيم في هذا القطاع، قائلا: "أمام ارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار وتقادم الأسطول وجد المستهلك نفسه مُجبرا على التوجه لهذا السوق".

كما شدّد على ضرورة أن تكون هناك رغبة من الدولة في الإصلاح مع بحث البديل وتشديد عمليات الرقابة باعتبار أن تحديد نظام الترخيص لجلب هذه القطع لا يعني التنظيم والرقابة.

كما لم يُفوّت دباش الفرصة ليؤكد على أهمية تحرير قطاع بيع السيارات والعمل على تحسين المقدرة الشرائية للمواطن وكذلك قيمة الدينار بهدف التخفيض في أسعار السيارات الجديدة وتجديد الأسطول الذي أصبح أولوية ملحة.

 تسجيل صوتي ابراهيم دباش رئيس الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء ومصنّعي السيارات

 

 

تونس ليست مصبا للخردة"

وتناغما مع ما ذكره دباش، أكّد البشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورئيس الجامعة الوطنية للميكانيك، رفض منظمة الأعراف توريد المحركات المستعملة حتى وإن تمّ تجديدها باعتبار أنّ لا شيء يضمن سلامة استعمال أو صلوحية المحركات المُستعملة، مُضيفا: "يكفينا من الخردة فتونس ليست مصبا للخردة التي يريد دول الخارج التخلص منها ودفع أموال لرفعها في حين أنّ تونس أُغرقت بهذه البضائع.. فحينها الأفضل أن نعود إلى سوق اليهودية على الأقل نعلم من أين مأتاها".

وواصل بوجدي بالقول: "هذا القطاع لا نُشجّعه باعتبار أنه لا يُقدّم الضمانات الكافية وفيه تهريب.. وما يحصل اليوم تهريب بعينه وفيه برشا فلوس...  ووزارة التجارة لا تقوم بواجبها في هذا المجال وتعرف أنّ موقف منظمة الأعراف يتمثل في رفض هذا التمشي.... ولهذا نتمنى أن يُحذف قطاع توريد المحركات المُستعملة تماما".

مدخل من مداخل السوق المُوازية والتهريب

كما أشار إلى أنّ قطاع غيار ومحركات السيارات المُستعملة مدخل من مداخل السوق الموازية والتهريب وهو أمر مؤكد ويقين.

 تسجيل صوتي البشير بوجدي رئيس الجامعة الوطنية للميكانيك

 

عندما يرفض الخوض في خفايا القطاع من قبل موردين...

أحد الموردين والذين تحدثنا معهم، بعد جهد كبير خاصة وأنه لاقينا صدّا كبيرا من قبل من حاولنا الاتصال بهم رافضين الخوض في تفاصيل عملية التوريد والمرابيح والاداءات الموظفة في هذا القطاع، أكّد أنه يتم دفع معاليم جبائية حسب قيمة الفاتورات إضافة إلى استخلاص 3 دنانير على كل كلغ من مجموع الشحن وكذلك حوالي 17 الف دينار كمعلوم خلاص "الحاوية" ان كانت قادمة من الدول الأوروبية.

كما أشار أحد الموردين إلى أنه تم مع بداية هذه السنة الترفيع في معلوم الكيلوغرام من الكمية المُوردة إلى 3500 مليم أي بزيادة تقدر بـ500 مليم.

وأفاد أنّ الوحدات الديوانية تتولى التثبت من المحركات عبر الة السكانار وانه كل ما تطلب الأمر يتم إنزال المحركات الموجودة بالحاوية للتثبت من محتواها، نافيا أن تتولى وزارة التجارة تفقد ما يتم جلبه من الخارج، باستثناء التثبت من المقر والوثائق الرسمية والفاتورات كلما تم طلب الترخيص لتوريد المحركات، وهو ما أكّده مورد آخر لنا، في حين افاد مورد ثالث تحدثنا معه أن مصالح وزارة التجارة أجرت عددا من الزيارات لتفقد مخزنه.

وأكّد مُوردان أنهما يقتنيان المحركات المستعملة من الخارج بأسعار تتراوح بين 50 و200 اورو، في حين رفض آخر تحديد هامش سعر الاقتناء من الخارج مُكتفيا بالحديث عن المصاريف المُحملة على عاتقهم إزاء الدولة والأجراء...

أما عن عملية البيع بالسوق الداخلية، فأكّد ثلاثتهم أنه لا يتم تجديد المحركات بل بيعها على حالتها باستثناء قيام البعض منهم أحيانا بعملية غسل المحركات بالماء أو التثبت من الزيت، مضيفين أنه يتم بيع هذه المحركات في تونس بأسعار ابتداء من 500 دينار إلى أكثر من 14 ألف دينار ، غير أن أحدهم أفاد أن سعر البيع في تونس ينطلق من ألفيْ دينار.

كما أكّدوا وجود عملية تهريب لهذه المحركات نحو السوق الجزائرية بعد أن يتم اقتناء تلك المحركات مقابل فاتورات في الغرض.

واعتبر أحد هؤلاء الموردين أن التوجه نحو هذا السوق لا يقتصر على المهنيين بل حتى المواطنين العاديين وذلك بسبب الغلاء الكبير لأسعار المحركات الجديدة للسيارات وكذلك الشأن حتى بالنسبة لبقية قطع غيار السيارات، رافضا استعمال كلمة "خردة" و"فريب" على هذا القطاع.

أمّا ميكانيكي على علاقة بمُوردي المحركات المستعملة، التقيناه، فقد أكّد أنّ الحديث عن الفوترة "وهْم" في مُخيلة البعض وتظليل وطريق لتغطية ما يوجد حقيقة على أرض الواقع، حيث أنها لا تعتمد إلا عند تقديم ملفات طلب تراخيص توريد المحركات المستعملة أو لخلاص مستحقات القباضات المالية، مُستدركا بالقول: "لكن هذا الخلاص لا يتم وفق المداخيل الحقيقية بل المداخيل التي يريدونها..".

وعن العجلات المطاطية المُهربة، فقال الميكانيكي انها "غزت البلاد"، حسب وصفه، وجعلت المواطنين يلجؤون إليها باعتبار أن سعرها لا يتجاوز نصف سعر عجلة مطاطية جديدة مُطابقة للمواصفات الفنية مرخّص في بيعها سواء صنعت من قبل الشركة الوطنية أو موردة عن طريق وكلاء مُعتمدين بتونس، مُحذرا من استعمال العجلات المهربة والتي قد تؤدي إلى حوادث مرور كارثية.

 مواطنون التقيناهم بجهة اليهودية ببن عروس أكدوا أنهم لا يتحصلون على فاتورات عند اقتناء محركات مستعملة أو قطاع غيار مستعملة، معتبرين أنهم مجبرين لا مخيرين على التوجه للسوق المستعملة بسبب الغلاء المشط لأسعار السوق الجديدة.

274526956_3110431115837608_8465271015567805816_n.jpg

 

 سوق موازية

للمجتمع المدني أيضا موقف من قطاع بيع محركات السيارات المستعملة، إذ أكّد بلال الونيفي رئيس جمعية تونس للسلامة المرورية أنّ سوق المحركات المُستعملة وان كانت تخضع إلى التراخيص المسبقة فإنها تبقى غير قانونية وتعتبر سوق موازية وغير منظمة، مشيرا أيضا الى التوجه لسوق العجلات المطاطية المهربة والمُوردة من دول أجنبية.

وبخصوص العجلات المهربة، أفاد أنه يقع تهريبها برا من ليبيا والجزائر ولا تتوفّر على أيّ مواصفات ويتم بيعها على قارعة الطريق وفي المحلات "دون حسيب ولا رقيب".

أما عن المحركات المستعملة، فأشار إلى أنه "يتم توريدها مقابل أسعار زهيدة تصل أحيانا إلى 30 أورو للمحرك الواحد بالجملة وتتم أحيانا عن طريق "مزاد علني" ويقع اقتناؤها من مراكز إتلاف للسيارات بأوروبا أين يتم تفكيك السيارات".

وعن رواج هذا القطاع، أفاد أنه "يعود إلى 3 أسباب أولها الارتفاع المشط لأسعار قطاع غيار السيارات في تونس وثانيها أنّ أسطول العربات في تونس اهترأ وثالثها أن التونسيين بصفة عامة وخاصة من تقادم سنّ سياراتهم يتوجهون للميكانيكي لإصلاحها لا لوكلاء بيع السيارات".

وحول تمسك وزارة التجارة باعتبار سوق قطاع الغيار ومحركات السيارات المستعملة مُنظّمة، قال الونيفي إنّ "اعتماد نظام الترخيص وإجبارية دفع المساهمات لصندوق الضمان الاجتماعي وخلاص الاداءات والمعاليم الجبائية والديوانية، لا يعني أنها سوق قانونية". كما نفى أن تكون هنالك عملية فوترة حقيقية مثلما يتم تداوله بل إنه يتم خلق فاتورات وهمية في ظل غياب رقابة تثبت صحة ما يقع التصريح به من قبل الموردين الذين يخضعون لنظام جبائي "reel".

وقال محدثنا إنه "طالما لا تشدد وزارة التجارة الرقابة على هذه الشركات الـ280 حاليا بالسوق ولا إصلاح للقوانين الموضوعة في الغرض وتواصل اعتماد الفاتورات الورقية فإن هذا أن دل على شيء فهو يؤكّد وجود انتفاع وشبهات فساد كبيرة في ملفي العجلات المطاطية والمحركات المستعملة"، حسب قوله.

 

274618656_272975551579365_8142973495940249862_n.jpg

 

لا مراكز تجديد

ونفى الونيفي "وجود أيّ مركز لتجديد أو رسكلة المحركات المستعملة عند توريدها إلى تونس.

 ويبقى السؤال المطروح اليوم هل أن هذا القطاع طريق سهل لاستشراء الفساد في ظل غياب الرقابة ووجود فراغ تحت غطاء "تراخيص سنوية دورية" تمنحها لجنة خاصة صلب وزارة التجارة، لتوريد محركات السيارات المستعملة من الخارج، خاصة وأن الفوترة التي تتحدث عنها وزارة التجارة ويؤكّد الموردون أنهم يتعاملون بها، غير أن خبراء ومختصون وملاحظون في المجال يؤكّدون أنها لا تعدو أن تكون "فاتورات وهمية"؟ وهل الدولة التي تشجع اليوم على صناعة مكونات السيارات في تونس وبدورها تقنن توريد هذه المحركات المستعملة تساهم في القضاء على سوق واعدة؟.. وبالاعتراف بأنّ أسطول السيارات في تونس قد تقادم ما ترتب عنه توجه لهذه الأسواق، فلماذا لا يتوجه نحو تحرير سوق السيارات الذي كان طلبا مُلحا لسنوات من قبل وكلاء بيع السيارات؟؟؟

عبير الطرابلسي