إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بشرى بلحاج حميدة لـ"الصباح" تعليقا على المرسوم الجديد: رئيس الجمهورية تسرع والإجراءات المقترحة لصندوق النفقة وجراية الطلاق لن تحل المشكل



تونس- الصباح

أثار المرسوم عدد 9 لسنة 2022 الجديد المتعلّق بضبط صيغ وإجراءات طرح غرامات التأخير المستوجبة بعنوان الديون المترتبة عن تدخلات صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق الذي صادق عليه مجلس الوزراء الأخير جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا الجدل حاد عن أصل المشكل المتمثل في تراكم الديون غير المستخلصة بما يهدد استدامة الصندوق وينذر بإفلاسه واتجه نحو شرعية النفقة في حد ذاتها نظرا للاعتقاد السائد بأن النفقة هي وسيلة لانتقام المطلقة من طليقها والحال أنها جعلت بالأساس لضمان الحياة الكريمة للأبناء بعد طلاق الزوجين خاصة عندما تكون الأم عاطلة عن العمل وليس لديها أي مورد رزق.

وجاء المرسوم الجديد لينقح القانون عدد 65 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993 المتعلق بإحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، ونص القانون المذكور على أن الصندوق يحدث لتسديد النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأولادهن ويعهد بالتصرف فيه إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبموجبه يمكن للمطلقات وأولادهن الصادرة لفائدتهم أحكام باتة متعلقة بالنفقة أو بجراية الطلاق وتعذر تنفيذها لتلدد المدينين أن يتقدموا لصندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق بمطلب للحصول على المبالغ المستحقة ويتولى الصندوق صرف مبالغ النفقة أو الجراية لمستحقيها ثم يقوم باستخلاص الديون بواسطة بطاقات جبر يصدرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويكسيها وزير الشؤون الاجتماعية الصيغة التنفيذية.. 

وتعلق التنقيح الذي اقترحه المرسوم الجديد خاصة بالفصل الخامس من القانون سالف الذكر ونص هذا الفصل في صيغته الأصلية على أن توظف على مقدار النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها والذي لم يقع تسديده من طرف المحكوم عليه الى صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، غرامة تأخير تحمل على المدين لفائدة الصندوق وتحسب على أساس الفائض القانوني المعمول به في المادة المدنية بداية من تاريخ إنذار المدين من طرف الصندوق المذكور كما يحق للصندوق أن يسترجع من المحكوم عليه مصاريف استخلاص الدين.

 أما المقترح الذي ورد في المرسوم، فهو ينص على أن تطرح بصفة استثنائية، مبالغ غرامات التأخير المنصوص عليها بالفصل 5 من القانون عدد 65 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993 المتعلق بإحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، المحددة على أساس الفائض القانوني المعمول به في المادة المدنية والموظفة على مبالغ النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها والمتكفل بها من قبل صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق والتي لم يتم تسديدها من قبل المحكوم عليهم، وجاء المرسوم إذن لكي يعفي المتلددين يعفيهم من غرامات التأخير ولكي يضع جدولا زمنيا لخلاص كامل أصل الدين ومصاريف الاستخلاص ومصاريف التصرف سواء كان ذلك دفعة واحدة أو على أقساط،  مقابل إيقاف إجراءات التتبع والتنفيذ والاستخلاص المنجزة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان مبالغ صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق إزاء المدينين..

 

تسرع في غير محله

عن رأيها في المرسوم الجديد، قالت بشرى بلحاج حميدة الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب ورئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة، إنه من الصعب بلورة موقف واضح من هذا النص في ظل غياب الرؤية، وذكرت أنه من المعلوم أن صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق أحدث منذ سنوات عديدة لكي يقوم بتسديد النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأولادهن، ويبدو أنه لم يقع اتخاذ أي إجراء لاستخلاص ديون الدولة، فالصندوق كان يدفع النفقة لمستحقيها وفي المقابل لم يقع وضع خطة محكمة لاستخلاص الديون إذ كان من الممكن مثلا انتداب أعوان حتى وإن كان ذلك بصفة وقتية غير قارة وتكليفهم باستخلاص الديون مقابل تمكينهم من منح.. 

وأضافت بالحاج حميدة أنها لا تعتقد أن الحل الذي جاء به المرسوم الجديدة وهو التخلي عن خطايا التأخير هو الحل المثالي بل ترى أن هناك تسرعا من قبل رئيس الجمهورية في إصداره. وبيت أن الرئيس قيس سعيد تسرع كعادته لأن تنقيح القانون بتلك الطريقة لن يحل المشكل، إذ كان يجب عليه فهم أسباب إفلاس الصندوق أولا والعمل على وضع إجراءات لمعالجتها لكن يبدو أن هذه النقطة كانت غائبة عنه وتساءلت قائلة: "هل ضمن قبل سن المرسوم أن المطالبين بالخلاص سيتسابقون نحو الصندوق لسداد المبالغ المستحقة وهل وضع الإمكانيات اللازمة لتسهيل عمليات الخلاص؟"..

وذكرت محدثتنا أنها ترى أن مثل هذه الحلول المتسرعة غير مجدية وفسرت أن تنقيح قانون صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق ليس من المسائل المتأكدة التي تقتضي كل هذا الاستعجال في إصدار مرسوم خاصة في ظل سريان التدابير الاستثنائية التي جاء بها الأمر عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021.

وتعقيبا على استفسار آخر حول الأمر عدد 117  المتعلق بالتدابير الاستثنائية الذي أتاح في فصله الخامس إمكانية إصدار مراسيم تتعلق بالأحوال الشخصية، وإن كانت لديها خشية من أن يكون تنقيح قانون صندوق النفقة وجراية الطلاق مدخلا لمراجعة مجلة الأحوال الشخصية،  أجابت بالحاج حميدة أنها تقول لرئيس الجمهورية احذر إن المجلة خط أحمر وإنه ليس لديه أي أمل في المساس بها لأنه لو فعل سيتصدى له الجميع وإن لزم الأمر سيخوضون إضرابات جوع.. وبينت أن رئيس الجمهورية جاءته فرصة الحكم، ففتح جميع الأبواب دفعة واحدة، وكان يجب عليه التريث قبل اتخاذ العديد من القرارات منها ما تعلق بصندوق النفقة إذ كان عليه جمع المعطيات الكافية لفهم الإشكال الحقيقي الذي يعاني منه الصندوق وكان عليه طلب إجراء دراسة حوله أو استشارة، وأضافت أنه كان من الأفضل له أن يركز كل اهتمامه على المشاكل المالية والاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد وأن يترك صندوق النفقة الذي يتطلب إصلاحا عميقا لأن الحلول التي جاء بها المرسوم لا تضمن خلاص الديون، وأكدت أن هناك من يرضى لنفسه الدخول إلى السجن ولا يقبل دفع النفقة رغم أنه ميسور الحال. 

 

حقوق الأطفال

وذكرت بشرى بلحاج حميدة أن ما يقلقها هو أن رئيس الجمهورية بالمرسوم الجديد فتح باب النقاش ليس حول كيفية استخلاص الديون وإنما حول شرعية النفقة لأنه جعل الناس غير المقتنعين بالنفقة وهم كثر يطالبون بإلغائها وهذا فيه ضرب لحقوق الأطفال في النفقة لأن النفقة هي بالأساس للأبناء وهي لكي يعيش هؤلاء بكرامة ولا يجوعوا بعد طلاق الأبوين..   

وإجابة عن سؤال آخر حول المقترحات المتعلقة بالنفقة التي كانت قد تقدمت بها لجنة الحقوق الفردية والمساواة المحدثة في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي  بينت بلحاج حميدة أن اللجنة عندما تطرقت إلى نفقة الزوجة فكان ذلك بهدف توضيح مساهمة المرأة كيف يمكن أن تكون وذلك لتحقيق الانسجام والتناسق والمساواة في الحقوق والواجبات خاصة بالنسبة للنساء اللائي لديهن موارد رزق واضحة.

وللتذكير في هذا السياق كانت لجنة الحقوق الفردية والمساواة اقترحت في الصفحة 166 من تقريرها الذي رفعته للرئيس الراحل قائد السبسي تنقيح الفصل 38 من مجلة الأحوال الشخصية في اتجاه التنصيص فيه على أنه "يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدة عدتها إلا إذا كان لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة".. وينص الفصل في صيغته الأصلية على أنه "يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدّة عدّتها"..  وأشار التقرير إلى ضرورة تطوير مؤسسة نفقة الزوجة وبين أن هناك وجهان للنفقة أحدهما حمائي يتعيّن الإبقاء عليه والثاني سلبي ينبغي مراجعته، والمقصود بالوجه الأول هو أن النفقة حق للزوجة لا يمكن التخلي عنه طالما لم تتحقق لها المساواة التامة في فرص الشغل وبالتالي لا تنحصر المسألة في توفير فرص التعليم للجميع، وإجباريته، وتفوّق الإناث على الذكور في نسب الحاصلين على شهادات استكمال الدراسة بشتى أنواعها ودرجاتها، والإعلان قانونا عن المساواة في الحق في العمل بين الجنسين، وإنما هي في التمكين الاقتصادي للمرأة الذي لم يبلغ بعد مرحلة المساواة التامة وبهذا المعنى تبقى الزوجة التي لا عمل لها، إما لعدم توفره أو اختيارا منها للتفرغ لشؤون أسرتها، في حاجة إلى النفقة إلى حين بلوغ تمكينها المستوى الذي يمكن فيه القول بتوفر شروط الاستقلال المادي التام لها.

وفي المقابل فإن في النفقة بعدا رمزيا سلبيا لا يمكن إنكاره، لأن واجب إنفاق الزوج على زوجته يتأسس على علوية دوره في الأسرة بوصفه رئيسها، وهو ما يفسّر ما قام به المشرّع من ربط بين رئاسة العائلة والإنفاق على الزوجة، وما يفسّر أيضا تعليق النفقة على شرط الدخول بالزوجة، فتستحقها حتى إن كانت ثرية أثرى من الزوج، وحتى إن كان لها شغل وكان هو عاطلا. كما تتأسس النفقة أيضا على علوية دور الرجل في المجتمع، فالمفترض أنه الأقدر والقادر اقتصاديا على العمل وتوفير الدخل، أما الزوجة فالمفترض أنها عاجزة عن التكسب ومركزها الطبيعي في البيت، وطالما أنه لا دخل لها فهي تحتاج إلى من ينفق عليها، كما وقع استعمال النفقة لتبرير عدم المساواة في الإرث.. ولتطوير مؤسسة نفقة الزوجة ارتأت لجنة الحريات الفردية ضرورة  أن تعكس النفقة جانبها الإيجابي فقط المتمثل في توفير الحماية اللازمة للمرأة التي هي فعلا في حاجة إليها لعدم توفر أسباب الكسب لها. ولتحرير النفقة البعد السلبي دعت إلى إضافة شرط جديد لها، وهو أن لا تستحقها إلا من لم يكن لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة. بهذا المعنى يصبح مفهوم النفقة منحصرا في توفير الحماية الاقتصادية للمرأة مع إقصاء كل الأبعاد الأخرى المتعلقة بسلطة الزوج عليها وحبسها على ذمته طيلة الزواج لكن يشترط أن يكون الدخل الذي تتمتع به المرأة كافيا لتغطية حاجيتها وأن يجعلها في غنى عن نفقة زوجها.  

وللتذكير تم إحداث لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي ترأستها بلحاج حميدة بمقتضى الأمر عدد 111 لسنة 2017 المؤرخ في 13 أوت 2017 وذلك بهدف إعداد الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة استنادا إلى مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة.. فهل سيكتب لمقترحات اللجنة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لوقت طويل أن ترى النور أم أنها ستظل حبرا على ورق؟ 

سعيدة بوهلال

بشرى بلحاج حميدة لـ"الصباح" تعليقا على المرسوم الجديد: رئيس الجمهورية تسرع والإجراءات المقترحة لصندوق النفقة وجراية الطلاق لن تحل المشكل



تونس- الصباح

أثار المرسوم عدد 9 لسنة 2022 الجديد المتعلّق بضبط صيغ وإجراءات طرح غرامات التأخير المستوجبة بعنوان الديون المترتبة عن تدخلات صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق الذي صادق عليه مجلس الوزراء الأخير جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا الجدل حاد عن أصل المشكل المتمثل في تراكم الديون غير المستخلصة بما يهدد استدامة الصندوق وينذر بإفلاسه واتجه نحو شرعية النفقة في حد ذاتها نظرا للاعتقاد السائد بأن النفقة هي وسيلة لانتقام المطلقة من طليقها والحال أنها جعلت بالأساس لضمان الحياة الكريمة للأبناء بعد طلاق الزوجين خاصة عندما تكون الأم عاطلة عن العمل وليس لديها أي مورد رزق.

وجاء المرسوم الجديد لينقح القانون عدد 65 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993 المتعلق بإحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، ونص القانون المذكور على أن الصندوق يحدث لتسديد النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأولادهن ويعهد بالتصرف فيه إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبموجبه يمكن للمطلقات وأولادهن الصادرة لفائدتهم أحكام باتة متعلقة بالنفقة أو بجراية الطلاق وتعذر تنفيذها لتلدد المدينين أن يتقدموا لصندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق بمطلب للحصول على المبالغ المستحقة ويتولى الصندوق صرف مبالغ النفقة أو الجراية لمستحقيها ثم يقوم باستخلاص الديون بواسطة بطاقات جبر يصدرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويكسيها وزير الشؤون الاجتماعية الصيغة التنفيذية.. 

وتعلق التنقيح الذي اقترحه المرسوم الجديد خاصة بالفصل الخامس من القانون سالف الذكر ونص هذا الفصل في صيغته الأصلية على أن توظف على مقدار النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها والذي لم يقع تسديده من طرف المحكوم عليه الى صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، غرامة تأخير تحمل على المدين لفائدة الصندوق وتحسب على أساس الفائض القانوني المعمول به في المادة المدنية بداية من تاريخ إنذار المدين من طرف الصندوق المذكور كما يحق للصندوق أن يسترجع من المحكوم عليه مصاريف استخلاص الدين.

 أما المقترح الذي ورد في المرسوم، فهو ينص على أن تطرح بصفة استثنائية، مبالغ غرامات التأخير المنصوص عليها بالفصل 5 من القانون عدد 65 لسنة 1993 المؤرخ في 5 جويلية 1993 المتعلق بإحداث صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، المحددة على أساس الفائض القانوني المعمول به في المادة المدنية والموظفة على مبالغ النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها والمتكفل بها من قبل صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق والتي لم يتم تسديدها من قبل المحكوم عليهم، وجاء المرسوم إذن لكي يعفي المتلددين يعفيهم من غرامات التأخير ولكي يضع جدولا زمنيا لخلاص كامل أصل الدين ومصاريف الاستخلاص ومصاريف التصرف سواء كان ذلك دفعة واحدة أو على أقساط،  مقابل إيقاف إجراءات التتبع والتنفيذ والاستخلاص المنجزة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان مبالغ صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق إزاء المدينين..

 

تسرع في غير محله

عن رأيها في المرسوم الجديد، قالت بشرى بلحاج حميدة الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب ورئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة، إنه من الصعب بلورة موقف واضح من هذا النص في ظل غياب الرؤية، وذكرت أنه من المعلوم أن صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق أحدث منذ سنوات عديدة لكي يقوم بتسديد النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأولادهن، ويبدو أنه لم يقع اتخاذ أي إجراء لاستخلاص ديون الدولة، فالصندوق كان يدفع النفقة لمستحقيها وفي المقابل لم يقع وضع خطة محكمة لاستخلاص الديون إذ كان من الممكن مثلا انتداب أعوان حتى وإن كان ذلك بصفة وقتية غير قارة وتكليفهم باستخلاص الديون مقابل تمكينهم من منح.. 

وأضافت بالحاج حميدة أنها لا تعتقد أن الحل الذي جاء به المرسوم الجديدة وهو التخلي عن خطايا التأخير هو الحل المثالي بل ترى أن هناك تسرعا من قبل رئيس الجمهورية في إصداره. وبيت أن الرئيس قيس سعيد تسرع كعادته لأن تنقيح القانون بتلك الطريقة لن يحل المشكل، إذ كان يجب عليه فهم أسباب إفلاس الصندوق أولا والعمل على وضع إجراءات لمعالجتها لكن يبدو أن هذه النقطة كانت غائبة عنه وتساءلت قائلة: "هل ضمن قبل سن المرسوم أن المطالبين بالخلاص سيتسابقون نحو الصندوق لسداد المبالغ المستحقة وهل وضع الإمكانيات اللازمة لتسهيل عمليات الخلاص؟"..

وذكرت محدثتنا أنها ترى أن مثل هذه الحلول المتسرعة غير مجدية وفسرت أن تنقيح قانون صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق ليس من المسائل المتأكدة التي تقتضي كل هذا الاستعجال في إصدار مرسوم خاصة في ظل سريان التدابير الاستثنائية التي جاء بها الأمر عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021.

وتعقيبا على استفسار آخر حول الأمر عدد 117  المتعلق بالتدابير الاستثنائية الذي أتاح في فصله الخامس إمكانية إصدار مراسيم تتعلق بالأحوال الشخصية، وإن كانت لديها خشية من أن يكون تنقيح قانون صندوق النفقة وجراية الطلاق مدخلا لمراجعة مجلة الأحوال الشخصية،  أجابت بالحاج حميدة أنها تقول لرئيس الجمهورية احذر إن المجلة خط أحمر وإنه ليس لديه أي أمل في المساس بها لأنه لو فعل سيتصدى له الجميع وإن لزم الأمر سيخوضون إضرابات جوع.. وبينت أن رئيس الجمهورية جاءته فرصة الحكم، ففتح جميع الأبواب دفعة واحدة، وكان يجب عليه التريث قبل اتخاذ العديد من القرارات منها ما تعلق بصندوق النفقة إذ كان عليه جمع المعطيات الكافية لفهم الإشكال الحقيقي الذي يعاني منه الصندوق وكان عليه طلب إجراء دراسة حوله أو استشارة، وأضافت أنه كان من الأفضل له أن يركز كل اهتمامه على المشاكل المالية والاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد وأن يترك صندوق النفقة الذي يتطلب إصلاحا عميقا لأن الحلول التي جاء بها المرسوم لا تضمن خلاص الديون، وأكدت أن هناك من يرضى لنفسه الدخول إلى السجن ولا يقبل دفع النفقة رغم أنه ميسور الحال. 

 

حقوق الأطفال

وذكرت بشرى بلحاج حميدة أن ما يقلقها هو أن رئيس الجمهورية بالمرسوم الجديد فتح باب النقاش ليس حول كيفية استخلاص الديون وإنما حول شرعية النفقة لأنه جعل الناس غير المقتنعين بالنفقة وهم كثر يطالبون بإلغائها وهذا فيه ضرب لحقوق الأطفال في النفقة لأن النفقة هي بالأساس للأبناء وهي لكي يعيش هؤلاء بكرامة ولا يجوعوا بعد طلاق الأبوين..   

وإجابة عن سؤال آخر حول المقترحات المتعلقة بالنفقة التي كانت قد تقدمت بها لجنة الحقوق الفردية والمساواة المحدثة في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي  بينت بلحاج حميدة أن اللجنة عندما تطرقت إلى نفقة الزوجة فكان ذلك بهدف توضيح مساهمة المرأة كيف يمكن أن تكون وذلك لتحقيق الانسجام والتناسق والمساواة في الحقوق والواجبات خاصة بالنسبة للنساء اللائي لديهن موارد رزق واضحة.

وللتذكير في هذا السياق كانت لجنة الحقوق الفردية والمساواة اقترحت في الصفحة 166 من تقريرها الذي رفعته للرئيس الراحل قائد السبسي تنقيح الفصل 38 من مجلة الأحوال الشخصية في اتجاه التنصيص فيه على أنه "يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدة عدتها إلا إذا كان لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة".. وينص الفصل في صيغته الأصلية على أنه "يجب على الزوج أن ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته مدّة عدّتها"..  وأشار التقرير إلى ضرورة تطوير مؤسسة نفقة الزوجة وبين أن هناك وجهان للنفقة أحدهما حمائي يتعيّن الإبقاء عليه والثاني سلبي ينبغي مراجعته، والمقصود بالوجه الأول هو أن النفقة حق للزوجة لا يمكن التخلي عنه طالما لم تتحقق لها المساواة التامة في فرص الشغل وبالتالي لا تنحصر المسألة في توفير فرص التعليم للجميع، وإجباريته، وتفوّق الإناث على الذكور في نسب الحاصلين على شهادات استكمال الدراسة بشتى أنواعها ودرجاتها، والإعلان قانونا عن المساواة في الحق في العمل بين الجنسين، وإنما هي في التمكين الاقتصادي للمرأة الذي لم يبلغ بعد مرحلة المساواة التامة وبهذا المعنى تبقى الزوجة التي لا عمل لها، إما لعدم توفره أو اختيارا منها للتفرغ لشؤون أسرتها، في حاجة إلى النفقة إلى حين بلوغ تمكينها المستوى الذي يمكن فيه القول بتوفر شروط الاستقلال المادي التام لها.

وفي المقابل فإن في النفقة بعدا رمزيا سلبيا لا يمكن إنكاره، لأن واجب إنفاق الزوج على زوجته يتأسس على علوية دوره في الأسرة بوصفه رئيسها، وهو ما يفسّر ما قام به المشرّع من ربط بين رئاسة العائلة والإنفاق على الزوجة، وما يفسّر أيضا تعليق النفقة على شرط الدخول بالزوجة، فتستحقها حتى إن كانت ثرية أثرى من الزوج، وحتى إن كان لها شغل وكان هو عاطلا. كما تتأسس النفقة أيضا على علوية دور الرجل في المجتمع، فالمفترض أنه الأقدر والقادر اقتصاديا على العمل وتوفير الدخل، أما الزوجة فالمفترض أنها عاجزة عن التكسب ومركزها الطبيعي في البيت، وطالما أنه لا دخل لها فهي تحتاج إلى من ينفق عليها، كما وقع استعمال النفقة لتبرير عدم المساواة في الإرث.. ولتطوير مؤسسة نفقة الزوجة ارتأت لجنة الحريات الفردية ضرورة  أن تعكس النفقة جانبها الإيجابي فقط المتمثل في توفير الحماية اللازمة للمرأة التي هي فعلا في حاجة إليها لعدم توفر أسباب الكسب لها. ولتحرير النفقة البعد السلبي دعت إلى إضافة شرط جديد لها، وهو أن لا تستحقها إلا من لم يكن لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة. بهذا المعنى يصبح مفهوم النفقة منحصرا في توفير الحماية الاقتصادية للمرأة مع إقصاء كل الأبعاد الأخرى المتعلقة بسلطة الزوج عليها وحبسها على ذمته طيلة الزواج لكن يشترط أن يكون الدخل الذي تتمتع به المرأة كافيا لتغطية حاجيتها وأن يجعلها في غنى عن نفقة زوجها.  

وللتذكير تم إحداث لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي ترأستها بلحاج حميدة بمقتضى الأمر عدد 111 لسنة 2017 المؤرخ في 13 أوت 2017 وذلك بهدف إعداد الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة استنادا إلى مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة.. فهل سيكتب لمقترحات اللجنة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لوقت طويل أن ترى النور أم أنها ستظل حبرا على ورق؟ 

سعيدة بوهلال