*المناخ التهريجي حول الإيقافات يلهينا عن الاقتصاد والمسائل الاجتماعية
*اللا مركزية أصبحت نظاما تنمويا كاملا
*خارطة طريق رئيس الجمهورية غير واقعية
*الاستشارة الوطنية مضارها أكثر من منافعها
محمد الصغير النوري المُترشّح للإنتخابات الرئاسية 2019، ذلك المُترشّح الذي كانت اللامركزية والمجالس الجهوية أبرز نقاط برنامجه الإنتخابي، وأهم مداخلاته خلال المناظرة السياسية تمحورت حولها، وهو الشخصية التي ورد إسمها مؤخرا في قائمة من 19 شخصية بخصوص جرائم إنتخابية تقرّر إحالتهم على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس.
الصغير النوري في حوار خاص بـ"الصباح نيوز" اعبتر أنه لا فرق بين 25 جويلية وما قبله وأنه تغير الممثلون ولم تتغير المسرحية، ودعا إلى تفعيل السلطة المحلية (من خلال انتخابات عاجلة للمجلس الجهوية وتشكيل المجلس الأعلى)، مشيرا إلى أنها المخرج الوحيد لتوجيه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية واسترجاع ثقة العالم في اقتصاد تونس.
كما حذر من انهيار البلاد وجرها إلى حال لبنان، مُشيرا إلى أن "المناخ التهريجي حول الإيقافات بخصوص نور الدين البحيري يلهينا عن الاقتصاد والمسائل الاجتماعية"، لافتا إلى أن خارطة الطريق التي أعلن عنها رئيس الجمهورية "غير واقعية ولا يمكن تفعيلها".
وذكر النوري أن الإستشارة الوطنية مضارها أكثر من منافعها وأنها تعطي عن تونس صورة دولة تجمع معطيات عن مواطنيها لغايات سياسية، ودافع عن خيار "التكنوقراط" مُنتقدا تغييب الكفاءات الإقتصادية والخبراء.
وهذا فحوى الحوار:
كيف تقيمون إجراءات 25 جويلية؟
منذ يوم 26 جويلية أي يوما بعد 25 لم يحدث شيئ، لأن الحدث يقاس بتأثيره على وضع البلاد وتغير وجهتها نحو الخروج من الأزمة القاتلة.
وبهذه المعايير العلمية لا فرق جوهري بين قبل وبعد 25. فقد كانت تونس تعاني من 3 آفات دمرت البلاد لمدة 11 سنة وهي غياب الكفاءة العلمية الواسعة لدى القيادة التي تمكنها من معالجة أزمة كبرى ومتشعبة، وغياب البرنامج العلمي الاقتصادي، والمركزية المكبلة للتنمية والحوار والتشاركية، والتهميش للجهات وللشباب وللمراة الريفية وذوي الاحتياجات الخاصة. وهذه هي الأسباب الجوهرية العميقة لازمة تونس.
فهل تغير شيئ في هذه المجالات؟ اذا لا فرق بين ما قبل وما بعد 25، الأزمة نفسها، الضبابية والفوضى نفسها... تغير الممثلون ولم تتغير "المسرحية".
وماهو المطلوب من رئيس الجمهورية قيس سعيد، في هذه المرحلة، وفق رأيكم؟
يجب تغيير وجهة البلاد نحو الاقتصاد والتنمية الشاملة وتشريك أبناء الجهات في بناء الوطن. فكما وجدنا في الدستور الفصل 80 لإطلاق العملية السياسية، نجد الفصل 14 (وتفصيله في الباب السابع) في الدستور وهو يلزم الدولة باعتماد اللامركزية كنظام اقتصادي في كامل تراب الجمهورية لإطلاق العملية الاقتصادية، ونجد مجلة الجماعات المحلية التي تنظم عمل المجالس الجهوية والمجلس الأعلى للجماعات المحلية ونجد الفصل 101 من قانون الانتخابات لسنة 2017 الذي يكلف رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخابات المجالس الجهوية والذي يمكننا من إجراء انتخابات جهوية وتشكيل المجلس الأعلى للجماعات المحلية في 3 أشهر، وهي كلها مجالس مختصة في التنمية وبعث المشاريع والتشغيل وحماية البيئة ومقاومة التلوث. وهكذا فان رئيس الجمهورية يمكن له أن يسعف البلاد ويغير وجهتها ويجنّبها الانهيار إمّا بتفعيل الفصل 101 بدعوة الناخبين لانتخابات مجالس جهوية وتشكيل المجلس الأعلى، أو بالدعوة لانتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لاوانها.
وماذا عن تمسككم بالبقاء مستقلا، دون الإنتماء إلى أي حزب؟
تقود حياتي الشخصية والمهنية ثلاث ثوابت مقدسة عندي: العلم والأخلاق والقانون. ولم أر بعدُ في الأحزاب مكانا لهذه القيم. وأتمنى أن يتطور المشهد السياسي في بلادي ويرتفع حتى يجلب ويسع من لهم قيم مثل هذه.
وهل ترون أن التكنوقراط وجودهم مهم في المجال السياسي، وأنه قادر على الإضافة ؟
أنا أفهم التكنوقراط على أنه منهج عملي علمي برقماتي يركز على بعث المشاريع ودفع الإنتاج وخلق الثروة والتشغيل. وتونس اليوم في اشد الحاجة لهذا.
وفي حال تونس اليوم وشدة الصراعات السياسية فإضافة التكنوقراط الصحيحة أنه غير معني بالصراعات السياسية ويصعب أو يستحيل جرّه لها.
لماذا لم نعد نراكم من بين الناشطين والفاعلين في الحياة السياسة في الفترة الأخيرة؟
أنا أنشط بكثافة في المجتمع المدني والجهات والفيسبوك وفي كسب الدعم لتونس في الخارج (مثل جلب اللقاحات) في هذه الظروف التي تدفع العالم الفاعل كله أن يتخلى على تونس.
ولكن الإعلام التونسي الفاعل مازال يركز على السياسة والمركزية ولم يتفطن بعد للأهمية القصوى للعلم والاقتصاد واللامركزية لإخراج البلاد من أزمة خطيرة جدا.
وهل لا تزال فكرة تركيز الحكم المحلي التي وردت في برنامجكم الإنتخابي كأبرز نقاطه تراودكم؟
تفعيل السلطة المحلية (من خلال انتخابات عاجلة للمجلس الجهوية وتشكيل المجلس الأعلى) هي اليوم المخرج الوحيد لتوجيه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية واسترجاع ثقة العالم في اقتصاد تونس. غير هذا، إما انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة وعاجلة وإلا انهيارالبلاد وجرها إلى حال لبنان.
فكرة الحكم المحلي تختلف مع فكرة الحكم القاعدي التي يدعمها عدد من أنصار رئيس الجمهورية، كيف ذلك؟
أولا اللامركزية صارت نظاما تنمويا كاملا مجربا في العالم وله ضوابط وقواعد وممارسات وهي مكاسب كبيرة لا يمكن استسهالها أو تجاهلها والانطلاق في المغامرات، وانا لا ادعو لحكم قاعدي لأنه لا يتماشى مع متطلبات الحوكمة العصرية ولم يثبت نجاحه في أي بلد ديمقراطي متقدم. ثانيا انا أحترم وألتزم بالقواعد العلمية وعلى رأسها في مثل حالتنا علم معالجة الأزمات الذي يؤكد على استعمال الأدوات الموجودة لحل أزمة خانقة مثل أزمتنا ويحذر من اللجوء إلى أي مراجعة أو صنع أدوات جديدة، تلهينا على الأزمة وتشتت مواردنا وتركيزنا وتطيل في الأزمة وتعمّقها إلى أن تسقط الدولة (لبنان، ليبيا).
ولدينا اليوم في الدستور ومجلة الجماعات المحلية والقانون الانتخابي ما يكفينا كل الكفاية لتفعيل اللامركزية بسرعة ونجاعة، لإنقاذ الوطن، إذا توفرت الكفاءة والإرادة الصادقة لإنقاذ الوطن وإسعاف شعب يعاني ويسير اليوم بلا أمل ولا مستقبل.
بخصوص وضع البحيري تحت الإقامة الجبرية، ما قولكم؟
هدفي دائما بناء دولة قوية ومجتمع متقدم. ويحصل هذا ببناء دولة القانون واقتصاد قوي.
الطريقة التي تمت بها هذه الإيقافات لا تساهم في بناء دولة القانون ولا في بناء ثقة المواطن ولا العالم في ديمقراطيتنا وفي دولتنا وسلطها. وهذه العمليات والمناخ التهريجي حولها يلهينا عن الاقتصاد والمسائل الاجتماعية ويقودنا إلى المجاعة والانفجار الاجتماعي. وهكذا فان محاسن هذا "الانجاز" لا تساوي شيئا أمام مضاره.
ويمكن القيام بكل المحاكمات والتصدي لكل التهديدات في إطار احترام الدستور والقانون وحقوق الإنسان. ولكن أكثرهم لا يلمون، وقد لا يعلمون قبل فوات الأوان.
الأزمة التي عاشتها تونس قبل 25 جويلية من يتحمل المسؤولية فيها؟
أسباب الأزمة أكبر من النهضة ومن الدستور ومن البرلمان (لمن يفهم عمق الأمور).
الأسباب ثلاثة، وهي نفسها منذ 11 سنة وحذرت من أخطارها منذ 2013، غياب الكفاء العلمية عند القيادة، وغياب البرنامج واحتكار السلطة بالمركز.
ولا يمكن بناء دولة متقدمة دون خطة إستراتيجية لمعالجة هذه العوامل.
إما على مستوى المسؤولية، فخلافا لما يردده "الخبراء والمختصون" فان الدستور التونسي يحمّل مسؤولية معالجة هذه العوامل الأساسية لرئيس الجمهورية، ويمكّن الدستور رئيس الجمهورية من كل الأدوات اللازمة لمعالجتها (حوالي 21 أداة لم نستعمل منها منذ 2015 إلا حوالي 10%).
ماهو موقفكم من خارطة الطريق التي قدمها رئيس الجمهورية حول موعد الإستفتاء والإنتخابات التشريعية؟
خارطة تركز على المسار السياسي وتُهمل المسار الاقتصادي والاجتماعي في حين وأن وضع البلاد والعباد لم يعد يحتمل أي انتظار، وهي لذلك غير واقعية ولا يمكن تفعيلها في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الحالية.
وبالنسبة للحوار على المنصات الإلكترونية أو الإستشارة الالكترونية هل تؤيدونه؟
ألا نعرف ما ينتظره المواطنون؟ ألم نشخّص عشرات المرات وضع البلاد ومشاكلها وتحدياتها؟ ألم نقدم إلى صندوق النقد الدولي خطة الإجراءات والاصلاحات التي نعتزم تفعيلها على طول السنوات المتبقية؟ ماذا ننتظر من هذه العملية بالتحديد؟ تساؤلات تثار في الداخل والخارج وتجعل من هذه الاستشارة عملية مضارها أكثر من منافعها: تلهينا على الاقتصاد وتنمية البلاد، وفي غياب إطار قانوني وأداة رقابة محايدة، تعطي عن تونس صورة دولة تجمع معطيات عن مواطنيها لغايات سياسية.
وما هي الحلول التي تحتاجها تونس للخروج من الأزمة؟
خروج تونس من أزمتها ممكن وبسرعة إما من خلال استعمال الفصل 14 من الدستور وتفعيل الفصل 101 من قانون الانتخابات لانتخاب المجالس الجهوية وتنصيب المجلس الأعلى للجماعات المحلية لتوجيه البلاد والجهات نحو الاقتصاد والتنمية والتشغيل، أو من خلال انتخابات سابقة لأوانها رئاسية وتشريعية. في الحالتين نطوي صفحة المناورات السياسية وتدمير البلاد بالصراعات والعنف ونفتح صفحة الاقتصاد والبناء والتعاون، وفي الحالتين نسترجع ثقة الشعب في المستقبل وثقة العالم في تونس. ونفتح باب المستقبل والأمل الخلاق.
بلادنا ومهما حسنت النوايا والشعارات، تسير الى الهاوية لاننا غيّبنا العلم والاقتصاد في شرح اسباب الازمة وطرح الحلول العلمية الصحية للخروج منها. فارحموا انفسكم، وابناءكم ووطنكم وافتحوا باب العلم والاقتصاد في كل نقاشاتكم لأزمة الوطن الى ان نقوم بانقاذه. وتذكروا ان بينكم خبير عالمي في المجال، وان تجاهل الكفاءات العلمية والاقتصاد هو ما دمر البلاد. وان خلاصها لا يأتي الا بالعلم والاقتصاد. وانتم منابر جميلة لنشر الوعي.
درصاف اللموشي
*المناخ التهريجي حول الإيقافات يلهينا عن الاقتصاد والمسائل الاجتماعية
*اللا مركزية أصبحت نظاما تنمويا كاملا
*خارطة طريق رئيس الجمهورية غير واقعية
*الاستشارة الوطنية مضارها أكثر من منافعها
محمد الصغير النوري المُترشّح للإنتخابات الرئاسية 2019، ذلك المُترشّح الذي كانت اللامركزية والمجالس الجهوية أبرز نقاط برنامجه الإنتخابي، وأهم مداخلاته خلال المناظرة السياسية تمحورت حولها، وهو الشخصية التي ورد إسمها مؤخرا في قائمة من 19 شخصية بخصوص جرائم إنتخابية تقرّر إحالتهم على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس.
الصغير النوري في حوار خاص بـ"الصباح نيوز" اعبتر أنه لا فرق بين 25 جويلية وما قبله وأنه تغير الممثلون ولم تتغير المسرحية، ودعا إلى تفعيل السلطة المحلية (من خلال انتخابات عاجلة للمجلس الجهوية وتشكيل المجلس الأعلى)، مشيرا إلى أنها المخرج الوحيد لتوجيه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية واسترجاع ثقة العالم في اقتصاد تونس.
كما حذر من انهيار البلاد وجرها إلى حال لبنان، مُشيرا إلى أن "المناخ التهريجي حول الإيقافات بخصوص نور الدين البحيري يلهينا عن الاقتصاد والمسائل الاجتماعية"، لافتا إلى أن خارطة الطريق التي أعلن عنها رئيس الجمهورية "غير واقعية ولا يمكن تفعيلها".
وذكر النوري أن الإستشارة الوطنية مضارها أكثر من منافعها وأنها تعطي عن تونس صورة دولة تجمع معطيات عن مواطنيها لغايات سياسية، ودافع عن خيار "التكنوقراط" مُنتقدا تغييب الكفاءات الإقتصادية والخبراء.
وهذا فحوى الحوار:
كيف تقيمون إجراءات 25 جويلية؟
منذ يوم 26 جويلية أي يوما بعد 25 لم يحدث شيئ، لأن الحدث يقاس بتأثيره على وضع البلاد وتغير وجهتها نحو الخروج من الأزمة القاتلة.
وبهذه المعايير العلمية لا فرق جوهري بين قبل وبعد 25. فقد كانت تونس تعاني من 3 آفات دمرت البلاد لمدة 11 سنة وهي غياب الكفاءة العلمية الواسعة لدى القيادة التي تمكنها من معالجة أزمة كبرى ومتشعبة، وغياب البرنامج العلمي الاقتصادي، والمركزية المكبلة للتنمية والحوار والتشاركية، والتهميش للجهات وللشباب وللمراة الريفية وذوي الاحتياجات الخاصة. وهذه هي الأسباب الجوهرية العميقة لازمة تونس.
فهل تغير شيئ في هذه المجالات؟ اذا لا فرق بين ما قبل وما بعد 25، الأزمة نفسها، الضبابية والفوضى نفسها... تغير الممثلون ولم تتغير "المسرحية".
وماهو المطلوب من رئيس الجمهورية قيس سعيد، في هذه المرحلة، وفق رأيكم؟
يجب تغيير وجهة البلاد نحو الاقتصاد والتنمية الشاملة وتشريك أبناء الجهات في بناء الوطن. فكما وجدنا في الدستور الفصل 80 لإطلاق العملية السياسية، نجد الفصل 14 (وتفصيله في الباب السابع) في الدستور وهو يلزم الدولة باعتماد اللامركزية كنظام اقتصادي في كامل تراب الجمهورية لإطلاق العملية الاقتصادية، ونجد مجلة الجماعات المحلية التي تنظم عمل المجالس الجهوية والمجلس الأعلى للجماعات المحلية ونجد الفصل 101 من قانون الانتخابات لسنة 2017 الذي يكلف رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخابات المجالس الجهوية والذي يمكننا من إجراء انتخابات جهوية وتشكيل المجلس الأعلى للجماعات المحلية في 3 أشهر، وهي كلها مجالس مختصة في التنمية وبعث المشاريع والتشغيل وحماية البيئة ومقاومة التلوث. وهكذا فان رئيس الجمهورية يمكن له أن يسعف البلاد ويغير وجهتها ويجنّبها الانهيار إمّا بتفعيل الفصل 101 بدعوة الناخبين لانتخابات مجالس جهوية وتشكيل المجلس الأعلى، أو بالدعوة لانتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لاوانها.
وماذا عن تمسككم بالبقاء مستقلا، دون الإنتماء إلى أي حزب؟
تقود حياتي الشخصية والمهنية ثلاث ثوابت مقدسة عندي: العلم والأخلاق والقانون. ولم أر بعدُ في الأحزاب مكانا لهذه القيم. وأتمنى أن يتطور المشهد السياسي في بلادي ويرتفع حتى يجلب ويسع من لهم قيم مثل هذه.
وهل ترون أن التكنوقراط وجودهم مهم في المجال السياسي، وأنه قادر على الإضافة ؟
أنا أفهم التكنوقراط على أنه منهج عملي علمي برقماتي يركز على بعث المشاريع ودفع الإنتاج وخلق الثروة والتشغيل. وتونس اليوم في اشد الحاجة لهذا.
وفي حال تونس اليوم وشدة الصراعات السياسية فإضافة التكنوقراط الصحيحة أنه غير معني بالصراعات السياسية ويصعب أو يستحيل جرّه لها.
لماذا لم نعد نراكم من بين الناشطين والفاعلين في الحياة السياسة في الفترة الأخيرة؟
أنا أنشط بكثافة في المجتمع المدني والجهات والفيسبوك وفي كسب الدعم لتونس في الخارج (مثل جلب اللقاحات) في هذه الظروف التي تدفع العالم الفاعل كله أن يتخلى على تونس.
ولكن الإعلام التونسي الفاعل مازال يركز على السياسة والمركزية ولم يتفطن بعد للأهمية القصوى للعلم والاقتصاد واللامركزية لإخراج البلاد من أزمة خطيرة جدا.
وهل لا تزال فكرة تركيز الحكم المحلي التي وردت في برنامجكم الإنتخابي كأبرز نقاطه تراودكم؟
تفعيل السلطة المحلية (من خلال انتخابات عاجلة للمجلس الجهوية وتشكيل المجلس الأعلى) هي اليوم المخرج الوحيد لتوجيه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية واسترجاع ثقة العالم في اقتصاد تونس. غير هذا، إما انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة وعاجلة وإلا انهيارالبلاد وجرها إلى حال لبنان.
فكرة الحكم المحلي تختلف مع فكرة الحكم القاعدي التي يدعمها عدد من أنصار رئيس الجمهورية، كيف ذلك؟
أولا اللامركزية صارت نظاما تنمويا كاملا مجربا في العالم وله ضوابط وقواعد وممارسات وهي مكاسب كبيرة لا يمكن استسهالها أو تجاهلها والانطلاق في المغامرات، وانا لا ادعو لحكم قاعدي لأنه لا يتماشى مع متطلبات الحوكمة العصرية ولم يثبت نجاحه في أي بلد ديمقراطي متقدم. ثانيا انا أحترم وألتزم بالقواعد العلمية وعلى رأسها في مثل حالتنا علم معالجة الأزمات الذي يؤكد على استعمال الأدوات الموجودة لحل أزمة خانقة مثل أزمتنا ويحذر من اللجوء إلى أي مراجعة أو صنع أدوات جديدة، تلهينا على الأزمة وتشتت مواردنا وتركيزنا وتطيل في الأزمة وتعمّقها إلى أن تسقط الدولة (لبنان، ليبيا).
ولدينا اليوم في الدستور ومجلة الجماعات المحلية والقانون الانتخابي ما يكفينا كل الكفاية لتفعيل اللامركزية بسرعة ونجاعة، لإنقاذ الوطن، إذا توفرت الكفاءة والإرادة الصادقة لإنقاذ الوطن وإسعاف شعب يعاني ويسير اليوم بلا أمل ولا مستقبل.
بخصوص وضع البحيري تحت الإقامة الجبرية، ما قولكم؟
هدفي دائما بناء دولة قوية ومجتمع متقدم. ويحصل هذا ببناء دولة القانون واقتصاد قوي.
الطريقة التي تمت بها هذه الإيقافات لا تساهم في بناء دولة القانون ولا في بناء ثقة المواطن ولا العالم في ديمقراطيتنا وفي دولتنا وسلطها. وهذه العمليات والمناخ التهريجي حولها يلهينا عن الاقتصاد والمسائل الاجتماعية ويقودنا إلى المجاعة والانفجار الاجتماعي. وهكذا فان محاسن هذا "الانجاز" لا تساوي شيئا أمام مضاره.
ويمكن القيام بكل المحاكمات والتصدي لكل التهديدات في إطار احترام الدستور والقانون وحقوق الإنسان. ولكن أكثرهم لا يلمون، وقد لا يعلمون قبل فوات الأوان.
الأزمة التي عاشتها تونس قبل 25 جويلية من يتحمل المسؤولية فيها؟
أسباب الأزمة أكبر من النهضة ومن الدستور ومن البرلمان (لمن يفهم عمق الأمور).
الأسباب ثلاثة، وهي نفسها منذ 11 سنة وحذرت من أخطارها منذ 2013، غياب الكفاء العلمية عند القيادة، وغياب البرنامج واحتكار السلطة بالمركز.
ولا يمكن بناء دولة متقدمة دون خطة إستراتيجية لمعالجة هذه العوامل.
إما على مستوى المسؤولية، فخلافا لما يردده "الخبراء والمختصون" فان الدستور التونسي يحمّل مسؤولية معالجة هذه العوامل الأساسية لرئيس الجمهورية، ويمكّن الدستور رئيس الجمهورية من كل الأدوات اللازمة لمعالجتها (حوالي 21 أداة لم نستعمل منها منذ 2015 إلا حوالي 10%).
ماهو موقفكم من خارطة الطريق التي قدمها رئيس الجمهورية حول موعد الإستفتاء والإنتخابات التشريعية؟
خارطة تركز على المسار السياسي وتُهمل المسار الاقتصادي والاجتماعي في حين وأن وضع البلاد والعباد لم يعد يحتمل أي انتظار، وهي لذلك غير واقعية ولا يمكن تفعيلها في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الحالية.
وبالنسبة للحوار على المنصات الإلكترونية أو الإستشارة الالكترونية هل تؤيدونه؟
ألا نعرف ما ينتظره المواطنون؟ ألم نشخّص عشرات المرات وضع البلاد ومشاكلها وتحدياتها؟ ألم نقدم إلى صندوق النقد الدولي خطة الإجراءات والاصلاحات التي نعتزم تفعيلها على طول السنوات المتبقية؟ ماذا ننتظر من هذه العملية بالتحديد؟ تساؤلات تثار في الداخل والخارج وتجعل من هذه الاستشارة عملية مضارها أكثر من منافعها: تلهينا على الاقتصاد وتنمية البلاد، وفي غياب إطار قانوني وأداة رقابة محايدة، تعطي عن تونس صورة دولة تجمع معطيات عن مواطنيها لغايات سياسية.
وما هي الحلول التي تحتاجها تونس للخروج من الأزمة؟
خروج تونس من أزمتها ممكن وبسرعة إما من خلال استعمال الفصل 14 من الدستور وتفعيل الفصل 101 من قانون الانتخابات لانتخاب المجالس الجهوية وتنصيب المجلس الأعلى للجماعات المحلية لتوجيه البلاد والجهات نحو الاقتصاد والتنمية والتشغيل، أو من خلال انتخابات سابقة لأوانها رئاسية وتشريعية. في الحالتين نطوي صفحة المناورات السياسية وتدمير البلاد بالصراعات والعنف ونفتح صفحة الاقتصاد والبناء والتعاون، وفي الحالتين نسترجع ثقة الشعب في المستقبل وثقة العالم في تونس. ونفتح باب المستقبل والأمل الخلاق.
بلادنا ومهما حسنت النوايا والشعارات، تسير الى الهاوية لاننا غيّبنا العلم والاقتصاد في شرح اسباب الازمة وطرح الحلول العلمية الصحية للخروج منها. فارحموا انفسكم، وابناءكم ووطنكم وافتحوا باب العلم والاقتصاد في كل نقاشاتكم لأزمة الوطن الى ان نقوم بانقاذه. وتذكروا ان بينكم خبير عالمي في المجال، وان تجاهل الكفاءات العلمية والاقتصاد هو ما دمر البلاد. وان خلاصها لا يأتي الا بالعلم والاقتصاد. وانتم منابر جميلة لنشر الوعي.