إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الكاتب والباحث محمد عمامي لـ"الصباح": لهذه الأسباب المُثقف غير مُعترف به وكأنه يعمل "في السرية"

*الثقافة والمثقف قادر على القيام بما عجز عنه السياسيون

*هذه التنظيمات السياسية أفلست ولم يعد لها ما تقدمه اليوم

بعد "الثورة التونسية ومأزق الانتقال الديمقراطي" و"الثورة في مواجهة الأصوليات المعاصرة" وترجمة دراسة "الصبورة السوداء" التي تتناول مسألة خوصصة التعليم وتبني مشروع "مدرسة الغد" وغيرها، أصدر الكاتب والباحث في التاريخ والعلوم الإنسانية التونسي المقيم بفرنسا محمد عمامي مجموعة قصصية جديدة عنوانها "هذيان ساعة المعتوه". ليؤكد من خلال هذا الإصدار الجديد الحضور القوي للمشغل والهاجس السياسي والاجتماعي في كتاباته ومباحثه الفكرية والأدبية وقدرته على تطويع أجناس الكتابة للمضامين الاجتماعية والسياسية التي تطبع توجهاته الفكرية والثقافية بعد تجارب "نضالية" ثورية مختلفة في المجال لم يأفل بريقها أو يخفت صوتها إلى اليوم.  

محمد عمامي تحدث لـ"الصباح نيوز" عن إصداره الجديد وعن مشروعه الفكري والثقافي النابع من رحم الواقع التونسي ونَفَسه الثوري بخلفياته السياسية والفكرية باعتبار أنه كان قيادي في منظمة الشيوعيون الثوريون في التسعينات من القرن الماضي، وواصل نشاطه السياسي بعد ذلك، الأمر الذي اضطره إلى طلب اللجوء والاستقرار بفرنسا منذ سنة 2006، بعد أكثر من عقدين في التدريس بالمعاهد التونسية. فوجه سهام نقده للطبقة السياسية وحملها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المتردية في البلاد اليوم واعتبر أن بعض التنظيمات السياسية لم يعد لها ما تقدمه اليوم  أساسا منها الأحزاب والتيارات "اليسارية" التي خبرها. كما تطرق إلى واقع الحركة الثقافية وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:

 - لماذا عدت إلى الكتابة القصصية بعد مقاطعة طويلة اخترت فيها الكاتبة في البحوث التاريخية والسياسية والدراسات النقدية والأدبية؟

في الحقيقة الكتاب القصصية هي هوايتي القديمة وبدايتي معها كانت بين 1999و2003، لأني وجدت فيها أكثر نزعة وحرية في النقد و"تصفية الحسابات" مع شخصي والمحيط والأوضاع الاجتماعية والسياسية. لذلك كنت أسخر من نفسي في تلك الكتابات وهذا شجعني لكتابة قصص أخرى من المنتظر أن ترى النور قريبا. واختياري هذا الخط في الكتابة الساخرة والنقدية دفعني لخلق أدوات خاصة في النقد الممنهج وبعمق وسخرية مما عشناه سابقا ونعيشه في تونس اليوم، يختلف عن أشكال النقد المتعارف عليها. وهو تقريبا ما يمكن أن يكتشفه قارئ المجموعة القصصية الأخيرة أو غيرها في كتاباتي وإصداراتي الموجودة بالمكتبات أو التي سترى النور قريبا خاصة أني حريص على الوجود والتحرك في المجال الوطني التونسي أكثر من أي فضاء آخر مهما كانت مغرياته.

- بِمَ تفسر العلاقة الوثيقة مع الواقع والراهن التونسي رغم أنك تعيش في المهجر وتحديدا بعاصمة الأنوار؟

تونس والشأن الوطني حاضرين في كياني وهواجسي ولا يمكن التخلي أو الانفصال عنهما مهما كانت الظروف والمغريات مثلما سبق وذكرت. ثم أن الهاجس والنشاط السياسي والمدني راسخ في تفكيري وطابع لاختياراتي وتوجهاتي منذ الشباب إلى اليوم. فقد كنت من وراء البحار آمل بثورة 2011 ونجاحها وأتابع كل الأحداث والمستجدات لأني أعتقد أني ساهمت من خلال نضالاتي لسنوات طويلة ضد "السيستام" في تمهيد الطريق لها. لأني كنت أأمن أن كل ثورة يقودها ناس من خارجها هي بالضرورة فاشلة. واليوم أصبحت عندي قناعة أن الثورة لا تكفي استبدال حكم بحكم أقلية تعيش تحت حكم مركزي. في حين أن الأهم هو حدوث ثورة فكرية ثقافية علمية كفيلة بتغيير العقليات.  

- هل تعني أن الوضع الحالي لا يمكن إصلاحه إلا بثورة جديدة؟

صحيح لأنه بعد ثورة 2011 تغلغلت اللوبيات المتسللة إلى الإدارة ومؤسسات الدولة وأصبحت تتحكم فيها وتوجهها إلى خدمة مصالحها الضيقة. والبلاد اليوم في حاجة إلى ثورة اجتماعية تشمل الثقافي والسياسي والاقتصادي. لأن الثقافي قادر على البناء والإصلاح والقيام بما عجزت عنه السياسة.

- كيف؟

في تقديري الأثر الفني غير ممكن تغييره على مر التاريخ. لذلك فإن تعرية الحقيقة السلبية للسياسة والسياسيين على غرار ممارسات "الخوانجية" وغيرهم من شركائهم من السياسيين والانتهازيين عبر أعمال فنية وثقافية يكون أعمق وأبلغ من إصدار البيانات والاكتفاء بالتنديد أو الخروج في حركات احتجاجية.

-كيف تقيم المشهد أو الواقع الثقافي اليوم؟

الثقافة كانت من قبل والى اليوم مدجنة من السلطة. وهناك ثقافة أخرى حرة مهمشة فريسة لذئاب الناشرين والمنتجات. فعدد كبير من الفنانين والكتاب والشعراء والمبدعين في مختلف القطاعات  المجالات الثقافية أُهِينوا ووجدوا أنفسهم مدفوعيت للشارع. وهذا يجعل مسألة الأسلمة وتفشي العقلية الرجعية والفكر الظلامي ليست خاصة "بالخوانجية" وحدهم بل متأصلة في الشعب. لأن نظام التعليم أيضا يؤصلها فضلا عن تقديم الماضوية والهياكل الرسمية التي تطمس الحرية والإبداع باسم المقدس ليضع الحرية الثقافية الفنية في مواجهة التسلط الثقافي الرسمي والتراثي والتقليدي. وهذا متأصل عبر تاريخ الاستبداد للدولة في عهد الامبراطورية الإسلامية، إذ كان كل ما هو ثقافي تحت الاستبداد السياسي على غرار ابن المقفع والمتنبي  وابن رشد.. واليوم لا يزال المقدس يخوض حربه ضد الإبداع.

- أنت من المدافعين بقوة ضرورة المراهنة على الثقافة والمثقف في التغيير والبناء، كيف تؤكد هذه المعادلة؟

أعترف أن الأهم بالنسبة لي هو المجال الثقافي  لأن تغيير المجتمعات والأنظمة هو ثقافي فكري ونظري بالأساس يتم بلورتها في مقاربات ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية قادرة على تغيير واقع الإنسان.  لأن المثقف ينقسم إلى ثلاث

فصائل الفصيل الأول يضم مثقفو السلطة ويظلون تحت الرسكلة وأطلق عليهم إسم التبريريون والمفسرون وهم كثر للأسف، والثاني مثقفو الحياد المزيف ومحاباة السلطة ونجد عدد كبير منهم اليوم قريب من رئيس الجمهورية قيس سعيد. أما الصنف الثالث فهم الأحرار الذين لا يؤمنون إلا بأفكارهم وليس لهم التزام وأنا أحد هؤلاء،  وهم أكثر تأثير في المجتمع. لذلك يظل مستهدف من الفصيلين السابقين.

وأنا أصبحت على يقين اليوم أن المثقف بشكل عام غير معترف به وهذا ما يجعل الفضاءات مغلقة أمامه وكأنه يعمل في "السرية" بسبب عناده ورفضه التعامل مع الآليات التسلطية.

- كثيرا ما نجد "الماضوية" و"الهوية" من المقاربات الحاضرة بقوة في أغلب كتابتك، فما هو تفسيرك لذلك؟

الهوية بالمعنى الماضوي هي هوية مهزومة وارتكاسية لكن الهامش الثقافي بصدد صناعة هوية جديدة عصرية بالفرز  من الماضي بتناقضاته. لذلك فإن معركة الهوية لا يمكن لليسار أن يخوضها مع المتأسلمين والوسطيين. ويكفي الإشارة إلى معاناة الكتاب العقلانيين الذين خاضوا في المسألة على غرار الراحلين هشام جعيط والجابري.

-باعتبارك كنت عنصر حيوي سياسي حيوي في التيارات اليسارية، بِمَ تفسر سبب فشل اليسار في التموقع القيادي في المشهد السياسي اليوم؟

أعتقد جازما أن التنظيمات اليسارية انتهت ولم يعد لها ما تقدمه اليوم لأن ظلت تعيش على القوالب الجاهزة ولم تطور تفكيرها ومقارباتها وأدبياتها. ولم تحاول الأجيال المتعاقبة الاستفادة من المراحل وتطورات العصر ومتطلباته. لذلك فظلت الابتعاد والعودة إلى الأدب والكتابة.

-  ألهذا كنت تعسفا على "اليسار" في كتاباتك؟

الأمر على خلاف ذلك ولأني مثلما أسلفت الذكر أتابع الوضع في تونس وقربي من التنظيمات السياسية جعلني أملك جانب من آليات تفكيك إلغازها واستشراف مستقبلها. فاليسار كغيره من التيارات السياسية والفكرية الأخرى المكونة للمشهد العام في تونس أصبحت كلها "مفلسة" وغير قادرة على وضع برامج واستراتيجيات كفيلة بتحقيق الإصلاح المطلوب وانتظارات المواطنين لواقع أفضل. ثم أن أكبر إعاقة للثقافة والفكر هي الأحزاب اليسارية التي أصبحت تراهن على هذا العامل في طموحها للمشاركة في السلطة.

-ما هو سبب هذا الإفلاس إذا؟

هناك مفارقة كبيرة بين الأجيال لها تداعياتها على الوضع العام وعلى هذا الجانب بالأساس. لأن جيل الستينات والسبعينات انتهى سياسيا تقريبا ولم يعد له ما يقدم اليوم، وجيل الثمانينات والتسعينات وما بعده فهو ضحية الإيديولوجيات أما جيل اليوم فهو تقني أقرب للأمية والجهل وتركيزه على استعمال أحدث التقنيات والتكنولوجيا المتطورة عمق الأزمة في ظل غياب النقد البناء والهادف.

نزيهة الغضباني

الكاتب والباحث محمد عمامي لـ"الصباح": لهذه الأسباب المُثقف غير مُعترف به وكأنه يعمل "في السرية"

*الثقافة والمثقف قادر على القيام بما عجز عنه السياسيون

*هذه التنظيمات السياسية أفلست ولم يعد لها ما تقدمه اليوم

بعد "الثورة التونسية ومأزق الانتقال الديمقراطي" و"الثورة في مواجهة الأصوليات المعاصرة" وترجمة دراسة "الصبورة السوداء" التي تتناول مسألة خوصصة التعليم وتبني مشروع "مدرسة الغد" وغيرها، أصدر الكاتب والباحث في التاريخ والعلوم الإنسانية التونسي المقيم بفرنسا محمد عمامي مجموعة قصصية جديدة عنوانها "هذيان ساعة المعتوه". ليؤكد من خلال هذا الإصدار الجديد الحضور القوي للمشغل والهاجس السياسي والاجتماعي في كتاباته ومباحثه الفكرية والأدبية وقدرته على تطويع أجناس الكتابة للمضامين الاجتماعية والسياسية التي تطبع توجهاته الفكرية والثقافية بعد تجارب "نضالية" ثورية مختلفة في المجال لم يأفل بريقها أو يخفت صوتها إلى اليوم.  

محمد عمامي تحدث لـ"الصباح نيوز" عن إصداره الجديد وعن مشروعه الفكري والثقافي النابع من رحم الواقع التونسي ونَفَسه الثوري بخلفياته السياسية والفكرية باعتبار أنه كان قيادي في منظمة الشيوعيون الثوريون في التسعينات من القرن الماضي، وواصل نشاطه السياسي بعد ذلك، الأمر الذي اضطره إلى طلب اللجوء والاستقرار بفرنسا منذ سنة 2006، بعد أكثر من عقدين في التدريس بالمعاهد التونسية. فوجه سهام نقده للطبقة السياسية وحملها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المتردية في البلاد اليوم واعتبر أن بعض التنظيمات السياسية لم يعد لها ما تقدمه اليوم  أساسا منها الأحزاب والتيارات "اليسارية" التي خبرها. كما تطرق إلى واقع الحركة الثقافية وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:

 - لماذا عدت إلى الكتابة القصصية بعد مقاطعة طويلة اخترت فيها الكاتبة في البحوث التاريخية والسياسية والدراسات النقدية والأدبية؟

في الحقيقة الكتاب القصصية هي هوايتي القديمة وبدايتي معها كانت بين 1999و2003، لأني وجدت فيها أكثر نزعة وحرية في النقد و"تصفية الحسابات" مع شخصي والمحيط والأوضاع الاجتماعية والسياسية. لذلك كنت أسخر من نفسي في تلك الكتابات وهذا شجعني لكتابة قصص أخرى من المنتظر أن ترى النور قريبا. واختياري هذا الخط في الكتابة الساخرة والنقدية دفعني لخلق أدوات خاصة في النقد الممنهج وبعمق وسخرية مما عشناه سابقا ونعيشه في تونس اليوم، يختلف عن أشكال النقد المتعارف عليها. وهو تقريبا ما يمكن أن يكتشفه قارئ المجموعة القصصية الأخيرة أو غيرها في كتاباتي وإصداراتي الموجودة بالمكتبات أو التي سترى النور قريبا خاصة أني حريص على الوجود والتحرك في المجال الوطني التونسي أكثر من أي فضاء آخر مهما كانت مغرياته.

- بِمَ تفسر العلاقة الوثيقة مع الواقع والراهن التونسي رغم أنك تعيش في المهجر وتحديدا بعاصمة الأنوار؟

تونس والشأن الوطني حاضرين في كياني وهواجسي ولا يمكن التخلي أو الانفصال عنهما مهما كانت الظروف والمغريات مثلما سبق وذكرت. ثم أن الهاجس والنشاط السياسي والمدني راسخ في تفكيري وطابع لاختياراتي وتوجهاتي منذ الشباب إلى اليوم. فقد كنت من وراء البحار آمل بثورة 2011 ونجاحها وأتابع كل الأحداث والمستجدات لأني أعتقد أني ساهمت من خلال نضالاتي لسنوات طويلة ضد "السيستام" في تمهيد الطريق لها. لأني كنت أأمن أن كل ثورة يقودها ناس من خارجها هي بالضرورة فاشلة. واليوم أصبحت عندي قناعة أن الثورة لا تكفي استبدال حكم بحكم أقلية تعيش تحت حكم مركزي. في حين أن الأهم هو حدوث ثورة فكرية ثقافية علمية كفيلة بتغيير العقليات.  

- هل تعني أن الوضع الحالي لا يمكن إصلاحه إلا بثورة جديدة؟

صحيح لأنه بعد ثورة 2011 تغلغلت اللوبيات المتسللة إلى الإدارة ومؤسسات الدولة وأصبحت تتحكم فيها وتوجهها إلى خدمة مصالحها الضيقة. والبلاد اليوم في حاجة إلى ثورة اجتماعية تشمل الثقافي والسياسي والاقتصادي. لأن الثقافي قادر على البناء والإصلاح والقيام بما عجزت عنه السياسة.

- كيف؟

في تقديري الأثر الفني غير ممكن تغييره على مر التاريخ. لذلك فإن تعرية الحقيقة السلبية للسياسة والسياسيين على غرار ممارسات "الخوانجية" وغيرهم من شركائهم من السياسيين والانتهازيين عبر أعمال فنية وثقافية يكون أعمق وأبلغ من إصدار البيانات والاكتفاء بالتنديد أو الخروج في حركات احتجاجية.

-كيف تقيم المشهد أو الواقع الثقافي اليوم؟

الثقافة كانت من قبل والى اليوم مدجنة من السلطة. وهناك ثقافة أخرى حرة مهمشة فريسة لذئاب الناشرين والمنتجات. فعدد كبير من الفنانين والكتاب والشعراء والمبدعين في مختلف القطاعات  المجالات الثقافية أُهِينوا ووجدوا أنفسهم مدفوعيت للشارع. وهذا يجعل مسألة الأسلمة وتفشي العقلية الرجعية والفكر الظلامي ليست خاصة "بالخوانجية" وحدهم بل متأصلة في الشعب. لأن نظام التعليم أيضا يؤصلها فضلا عن تقديم الماضوية والهياكل الرسمية التي تطمس الحرية والإبداع باسم المقدس ليضع الحرية الثقافية الفنية في مواجهة التسلط الثقافي الرسمي والتراثي والتقليدي. وهذا متأصل عبر تاريخ الاستبداد للدولة في عهد الامبراطورية الإسلامية، إذ كان كل ما هو ثقافي تحت الاستبداد السياسي على غرار ابن المقفع والمتنبي  وابن رشد.. واليوم لا يزال المقدس يخوض حربه ضد الإبداع.

- أنت من المدافعين بقوة ضرورة المراهنة على الثقافة والمثقف في التغيير والبناء، كيف تؤكد هذه المعادلة؟

أعترف أن الأهم بالنسبة لي هو المجال الثقافي  لأن تغيير المجتمعات والأنظمة هو ثقافي فكري ونظري بالأساس يتم بلورتها في مقاربات ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية قادرة على تغيير واقع الإنسان.  لأن المثقف ينقسم إلى ثلاث

فصائل الفصيل الأول يضم مثقفو السلطة ويظلون تحت الرسكلة وأطلق عليهم إسم التبريريون والمفسرون وهم كثر للأسف، والثاني مثقفو الحياد المزيف ومحاباة السلطة ونجد عدد كبير منهم اليوم قريب من رئيس الجمهورية قيس سعيد. أما الصنف الثالث فهم الأحرار الذين لا يؤمنون إلا بأفكارهم وليس لهم التزام وأنا أحد هؤلاء،  وهم أكثر تأثير في المجتمع. لذلك يظل مستهدف من الفصيلين السابقين.

وأنا أصبحت على يقين اليوم أن المثقف بشكل عام غير معترف به وهذا ما يجعل الفضاءات مغلقة أمامه وكأنه يعمل في "السرية" بسبب عناده ورفضه التعامل مع الآليات التسلطية.

- كثيرا ما نجد "الماضوية" و"الهوية" من المقاربات الحاضرة بقوة في أغلب كتابتك، فما هو تفسيرك لذلك؟

الهوية بالمعنى الماضوي هي هوية مهزومة وارتكاسية لكن الهامش الثقافي بصدد صناعة هوية جديدة عصرية بالفرز  من الماضي بتناقضاته. لذلك فإن معركة الهوية لا يمكن لليسار أن يخوضها مع المتأسلمين والوسطيين. ويكفي الإشارة إلى معاناة الكتاب العقلانيين الذين خاضوا في المسألة على غرار الراحلين هشام جعيط والجابري.

-باعتبارك كنت عنصر حيوي سياسي حيوي في التيارات اليسارية، بِمَ تفسر سبب فشل اليسار في التموقع القيادي في المشهد السياسي اليوم؟

أعتقد جازما أن التنظيمات اليسارية انتهت ولم يعد لها ما تقدمه اليوم لأن ظلت تعيش على القوالب الجاهزة ولم تطور تفكيرها ومقارباتها وأدبياتها. ولم تحاول الأجيال المتعاقبة الاستفادة من المراحل وتطورات العصر ومتطلباته. لذلك فظلت الابتعاد والعودة إلى الأدب والكتابة.

-  ألهذا كنت تعسفا على "اليسار" في كتاباتك؟

الأمر على خلاف ذلك ولأني مثلما أسلفت الذكر أتابع الوضع في تونس وقربي من التنظيمات السياسية جعلني أملك جانب من آليات تفكيك إلغازها واستشراف مستقبلها. فاليسار كغيره من التيارات السياسية والفكرية الأخرى المكونة للمشهد العام في تونس أصبحت كلها "مفلسة" وغير قادرة على وضع برامج واستراتيجيات كفيلة بتحقيق الإصلاح المطلوب وانتظارات المواطنين لواقع أفضل. ثم أن أكبر إعاقة للثقافة والفكر هي الأحزاب اليسارية التي أصبحت تراهن على هذا العامل في طموحها للمشاركة في السلطة.

-ما هو سبب هذا الإفلاس إذا؟

هناك مفارقة كبيرة بين الأجيال لها تداعياتها على الوضع العام وعلى هذا الجانب بالأساس. لأن جيل الستينات والسبعينات انتهى سياسيا تقريبا ولم يعد له ما يقدم اليوم، وجيل الثمانينات والتسعينات وما بعده فهو ضحية الإيديولوجيات أما جيل اليوم فهو تقني أقرب للأمية والجهل وتركيزه على استعمال أحدث التقنيات والتكنولوجيا المتطورة عمق الأزمة في ظل غياب النقد البناء والهادف.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews