إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدكتورة "جولي سميث" في معرض الشارقة: عبور الفجوة بين المعرفة النفسية والحياة الواقعية يبدأ من فهم الذات

الشارقة/الإمارات- الصباح نيوز- من مبعوثتنا: إيمان عبد اللطيف
 
في إطار الدورة الرابعة والأربعين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يُقام هذا العام تحت شعار "بينك وبين الكتاب" في مركز إكسبو الشارقة، احتضنت قاعة الفكر مساء الجمعة 6 نوفمبر الجاري، جلسة فكرية حملت عنوان "الفجوة بين الصحة النفسية والحياة الواقعية"، قدّمتها الطبيبة النفسية والكاتبة البريطانية الدكتورة جولي سميث، إحدى أبرز الأصوات المؤثرة عالميًا في مجال الوعي النفسي. وقد شكلت الجلسة محطة مميزة ضمن البرنامج الثقافي للمعرض، إذ تناولت بأسلوب مبسط ومقنع التناقض القائم بين ما يعرفه الناس عن الصحة النفسية وما يطبقونه فعليًا في حياتهم اليومية.
 
منذ اللحظة الأولى، شددت جولي سميث على أن الاهتمام بالصحة النفسية يجب أن يكون ممارسة مستمرة لا ردّ فعل مؤقتًا عند الأزمات، مؤكدة أن العناية بالعقل لا تقل أهمية عن العناية بالجسد. فكما يحتاج الجسد إلى غذاء متوازن وراحة وحركة منتظمة، يحتاج العقل إلى راحة فكرية وتغذية وجدانية وتواصل صحي مع الذات والآخرين. وترى سميث أن سبب الفجوة بين الوعي والممارسة النفسية يكمن في الثقافة الاجتماعية التي تُعلي من شأن الأداء والإنتاج وتُهمّش الراحة والتعبير عن المشاعر، ما يجعل كثيرين يعيشون في صراع دائم بين ما يشعرون به وما يُتوقع منهم أن يكونوا عليه.
 
وتحدثت سميث عن المفهوم الخاطئ الذي يجعل الناس يخفون معاناتهم بدافع الخوف من الحكم أو الظهور بمظهر الضعف، موضحة أن المشاعر السلبية كالقلق والخوف والحزن ليست علامات فشل، بل مؤشرات على حاجة الإنسان إلى التوازن وإعادة النظر في طريقة عيشه. وبحسب رؤيتها، فإن تقبّل الضعف هو الخطوة الأولى نحو التعافي، لأن الإنكار لا يزيل الألم بل يضاعفه. لذلك دعت إلى التطبيع مع فكرة التعب النفسي باعتباره تجربة إنسانية مشتركة لا تميّز أحدًا عن الآخر، بل تذكّر الجميع بإنسانيتهم.
 
كما تحدّثت عن تجربتها في تأليف كتابها الأكثر مبيعًا "لماذا لم يخبرنا أحد بهذا من قبل؟"، مشيرة إلى أنه جاء نتيجة سنوات من العمل السريري حيث لاحظت أن كثيرًا من الناس يفتقرون إلى أبسط الأدوات لفهم مشاعرهم وإدارتها. أرادت من خلاله أن تقدم دليلًا عمليًا يساعد الأفراد على التعامل الواقعي مع ضغوط الحياة بدل البحث عن الكمال أو المثالية. وأكدت أن أحد أسباب انتشار الأزمات النفسية في المجتمعات الحديثة هو غياب التعليم النفسي المبكر في المدارس والبيوت، ما يجعل الأفراد يدخلون الحياة العملية والعائلية وهم يفتقرون إلى مهارات أساسية في التواصل الذاتي والمرونة العاطفية.
 
وفي حديثها عن أثر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أوضحت سميث أن هذه المنصات رغم دورها في نشر الوعي النفسي قد تتحول إلى مصدر توتر جديد، إذ تغذي المقارنات المستمرة بين الأفراد وتخلق لديهم شعورًا بالنقص وعدم الرضا عن الذات. فالمستخدم يرى الصورة المثالية فقط من حياة الآخرين دون إدراك ما وراءها من معاناة وصعوبات. ومن هنا، أكدت أن الوعي الرقمي أصبح جزءًا لا يتجزأ من الصحة النفسية المعاصرة، وأن على الفرد أن يدير استخدامه للتقنية بنفس الانضباط الذي يدير به غذاءه أو نومه.
 
وربطت سميث في حديثها بين الصحة النفسية والجسدية، معتبرة أن التوازن بين الاثنين شرط أساسي للحياة السليمة. فالعقل لا يمكن أن يعمل بكفاءة في جسد مرهق، والعكس صحيح. وأوضحت أن النوم الجيد والتغذية السليمة والنشاط البدني ليست رفاهية بل أساس للحفاظ على استقرار المزاج والقدرة على اتخاذ القرارات. كما شددت على أهمية الاستماع إلى إشارات الجسد، لأن الإرهاق المتكرر أو فقدان الدافع قد يكونا مؤشرًا على اختلال نفسي يحتاج إلى إصلاح.
 
وأبرزت سميث في مداخلتها ضرورة كسر الصمت حول المشكلات النفسية والاعتراف بها كجزء من الصحة العامة، مشيرة إلى أن طلب المساعدة المتخصصة ليس دليل ضعف، بل فعل شجاعة ومسؤولية. وقد تفاعلت مع أسئلة الحضور حول القلق والاكتئاب وفقدان الدافع والحيرة في التربية الرقمية، مقدمة رؤى واقعية تستند إلى الفهم الإنساني لا إلى الوعظ المثالي. وأعربت عن سعادتها بالمستوى المتقدم من الوعي الذي لمسته لدى الجمهور العربي، معتبرة أن المجتمعات التي تتحدث عن مشكلاتها النفسية بصدق هي المجتمعات التي تتطور بثقة وتوازن.
 
وفي ختام الجلسة، ربطت سميث حديثها بشعار المعرض "بينك وبين الكتاب"، مؤكدة أن القراءة يمكن أن تكون شكلا من أشكال العلاج الذاتي، إذ تمنح الإنسان مساحة للتأمل والفهم وتذكّره بأنه ليس وحده في تجربته. فالكتاب لا ينقل المعرفة فقط، بل يفتح نافذة للتعاطف ويمنح القارئ كلمات لما يعجز عن قوله. وقد شهدت الجلسة حضورًا لافتًا من الزوار الذين اصطفوا لتوقيع نسخهم من كتابها المترجم حديثًا إلى العربية، في أجواء إنسانية دافئة عكست قرب الكاتبة من جمهورها وبساطتها في التواصل.
 
تُعد جولي سميث من أبرز المتخصصات في علم النفس السريري في المملكة المتحدة، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في هذا المجال قبل أن تبدأ مسيرتها العملية في العلاج النفسي. ومع تطور المنصات الرقمية، اختارت أن تنقل خبرتها إلى جمهور أوسع عبر محتوى مبسّط يقدّم نصائح علمية بلغة إنسانية قريبة من الناس. وقد حققت شهرة عالمية بفضل مقاطعها القصيرة التي تُعرّف بأساسيات التعامل مع القلق والاكتئاب والضغوط اليومية، ثم تُوّجت هذه التجربة بكتابها "Why Has Nobody Told Me This Before ?" الذي تُرجم إلى لغات عدة من بينها العربية، وتصدّر قوائم المبيعات في بريطانيا والولايات المتحدة. وبحضورها في معرض الشارقة، جمعت سميث بين الجانب العلمي والإنساني، مؤكدة أن الصحة النفسية ليست موضوعا عابرا، بل هي جوهر الحياة المتوازنة، وأن فهم الذات هو الخطوة الأولى لعبور الفجوة بين المعرفة النظرية والممارسة الواقعية.
الدكتورة "جولي سميث" في معرض الشارقة: عبور الفجوة بين المعرفة النفسية والحياة الواقعية يبدأ من فهم الذات
الشارقة/الإمارات- الصباح نيوز- من مبعوثتنا: إيمان عبد اللطيف
 
في إطار الدورة الرابعة والأربعين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يُقام هذا العام تحت شعار "بينك وبين الكتاب" في مركز إكسبو الشارقة، احتضنت قاعة الفكر مساء الجمعة 6 نوفمبر الجاري، جلسة فكرية حملت عنوان "الفجوة بين الصحة النفسية والحياة الواقعية"، قدّمتها الطبيبة النفسية والكاتبة البريطانية الدكتورة جولي سميث، إحدى أبرز الأصوات المؤثرة عالميًا في مجال الوعي النفسي. وقد شكلت الجلسة محطة مميزة ضمن البرنامج الثقافي للمعرض، إذ تناولت بأسلوب مبسط ومقنع التناقض القائم بين ما يعرفه الناس عن الصحة النفسية وما يطبقونه فعليًا في حياتهم اليومية.
 
منذ اللحظة الأولى، شددت جولي سميث على أن الاهتمام بالصحة النفسية يجب أن يكون ممارسة مستمرة لا ردّ فعل مؤقتًا عند الأزمات، مؤكدة أن العناية بالعقل لا تقل أهمية عن العناية بالجسد. فكما يحتاج الجسد إلى غذاء متوازن وراحة وحركة منتظمة، يحتاج العقل إلى راحة فكرية وتغذية وجدانية وتواصل صحي مع الذات والآخرين. وترى سميث أن سبب الفجوة بين الوعي والممارسة النفسية يكمن في الثقافة الاجتماعية التي تُعلي من شأن الأداء والإنتاج وتُهمّش الراحة والتعبير عن المشاعر، ما يجعل كثيرين يعيشون في صراع دائم بين ما يشعرون به وما يُتوقع منهم أن يكونوا عليه.
 
وتحدثت سميث عن المفهوم الخاطئ الذي يجعل الناس يخفون معاناتهم بدافع الخوف من الحكم أو الظهور بمظهر الضعف، موضحة أن المشاعر السلبية كالقلق والخوف والحزن ليست علامات فشل، بل مؤشرات على حاجة الإنسان إلى التوازن وإعادة النظر في طريقة عيشه. وبحسب رؤيتها، فإن تقبّل الضعف هو الخطوة الأولى نحو التعافي، لأن الإنكار لا يزيل الألم بل يضاعفه. لذلك دعت إلى التطبيع مع فكرة التعب النفسي باعتباره تجربة إنسانية مشتركة لا تميّز أحدًا عن الآخر، بل تذكّر الجميع بإنسانيتهم.
 
كما تحدّثت عن تجربتها في تأليف كتابها الأكثر مبيعًا "لماذا لم يخبرنا أحد بهذا من قبل؟"، مشيرة إلى أنه جاء نتيجة سنوات من العمل السريري حيث لاحظت أن كثيرًا من الناس يفتقرون إلى أبسط الأدوات لفهم مشاعرهم وإدارتها. أرادت من خلاله أن تقدم دليلًا عمليًا يساعد الأفراد على التعامل الواقعي مع ضغوط الحياة بدل البحث عن الكمال أو المثالية. وأكدت أن أحد أسباب انتشار الأزمات النفسية في المجتمعات الحديثة هو غياب التعليم النفسي المبكر في المدارس والبيوت، ما يجعل الأفراد يدخلون الحياة العملية والعائلية وهم يفتقرون إلى مهارات أساسية في التواصل الذاتي والمرونة العاطفية.
 
وفي حديثها عن أثر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أوضحت سميث أن هذه المنصات رغم دورها في نشر الوعي النفسي قد تتحول إلى مصدر توتر جديد، إذ تغذي المقارنات المستمرة بين الأفراد وتخلق لديهم شعورًا بالنقص وعدم الرضا عن الذات. فالمستخدم يرى الصورة المثالية فقط من حياة الآخرين دون إدراك ما وراءها من معاناة وصعوبات. ومن هنا، أكدت أن الوعي الرقمي أصبح جزءًا لا يتجزأ من الصحة النفسية المعاصرة، وأن على الفرد أن يدير استخدامه للتقنية بنفس الانضباط الذي يدير به غذاءه أو نومه.
 
وربطت سميث في حديثها بين الصحة النفسية والجسدية، معتبرة أن التوازن بين الاثنين شرط أساسي للحياة السليمة. فالعقل لا يمكن أن يعمل بكفاءة في جسد مرهق، والعكس صحيح. وأوضحت أن النوم الجيد والتغذية السليمة والنشاط البدني ليست رفاهية بل أساس للحفاظ على استقرار المزاج والقدرة على اتخاذ القرارات. كما شددت على أهمية الاستماع إلى إشارات الجسد، لأن الإرهاق المتكرر أو فقدان الدافع قد يكونا مؤشرًا على اختلال نفسي يحتاج إلى إصلاح.
 
وأبرزت سميث في مداخلتها ضرورة كسر الصمت حول المشكلات النفسية والاعتراف بها كجزء من الصحة العامة، مشيرة إلى أن طلب المساعدة المتخصصة ليس دليل ضعف، بل فعل شجاعة ومسؤولية. وقد تفاعلت مع أسئلة الحضور حول القلق والاكتئاب وفقدان الدافع والحيرة في التربية الرقمية، مقدمة رؤى واقعية تستند إلى الفهم الإنساني لا إلى الوعظ المثالي. وأعربت عن سعادتها بالمستوى المتقدم من الوعي الذي لمسته لدى الجمهور العربي، معتبرة أن المجتمعات التي تتحدث عن مشكلاتها النفسية بصدق هي المجتمعات التي تتطور بثقة وتوازن.
 
وفي ختام الجلسة، ربطت سميث حديثها بشعار المعرض "بينك وبين الكتاب"، مؤكدة أن القراءة يمكن أن تكون شكلا من أشكال العلاج الذاتي، إذ تمنح الإنسان مساحة للتأمل والفهم وتذكّره بأنه ليس وحده في تجربته. فالكتاب لا ينقل المعرفة فقط، بل يفتح نافذة للتعاطف ويمنح القارئ كلمات لما يعجز عن قوله. وقد شهدت الجلسة حضورًا لافتًا من الزوار الذين اصطفوا لتوقيع نسخهم من كتابها المترجم حديثًا إلى العربية، في أجواء إنسانية دافئة عكست قرب الكاتبة من جمهورها وبساطتها في التواصل.
 
تُعد جولي سميث من أبرز المتخصصات في علم النفس السريري في المملكة المتحدة، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في هذا المجال قبل أن تبدأ مسيرتها العملية في العلاج النفسي. ومع تطور المنصات الرقمية، اختارت أن تنقل خبرتها إلى جمهور أوسع عبر محتوى مبسّط يقدّم نصائح علمية بلغة إنسانية قريبة من الناس. وقد حققت شهرة عالمية بفضل مقاطعها القصيرة التي تُعرّف بأساسيات التعامل مع القلق والاكتئاب والضغوط اليومية، ثم تُوّجت هذه التجربة بكتابها "Why Has Nobody Told Me This Before ?" الذي تُرجم إلى لغات عدة من بينها العربية، وتصدّر قوائم المبيعات في بريطانيا والولايات المتحدة. وبحضورها في معرض الشارقة، جمعت سميث بين الجانب العلمي والإنساني، مؤكدة أن الصحة النفسية ليست موضوعا عابرا، بل هي جوهر الحياة المتوازنة، وأن فهم الذات هو الخطوة الأولى لعبور الفجوة بين المعرفة النظرية والممارسة الواقعية.