إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

روائيون ونقاد يتحدثون عن" الرواية الجديدة في مواجهة التحولات ..الخيال والذكاء الاصطناعي وسؤال الإنسان

الشارقة/ الإمارات – الصباح نيوز- من مبعوثتنا إلى الشارقة إيمان عبد اللطيف 

في إطار فعاليات الدورة الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، المقام في مركز إكسبو الشارقة تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، انتظمت مساء الجمعة 7 نوفمبر جلسة حوارية بعنوان "الرواية الجديدة في مواجهة التحولات"، جمعت عدد من الروائيين والنقاد العرب، من بينهم الدكتورة ريم بسيوني من مصر، والروائي زهران القاسمي من سلطنة عمان، والدكتورة بديعة الهاشمي من الإمارات، والروائي محمد سمير ندا من مصر، فيما أدارت هدى الشامسي.
تناولت الجلسة أسئلة الرواية العربية في زمن التحولات الكبرى، من الرقمنة والذكاء الاصطناعي إلى التحولات الاجتماعية والثقافية، مركزة على دور الخيال في مقاومة النمطية، واستعادة الإنسان في السرد المعاصر.

الرواية النسائية وتجديد مفهوم الابتكار

تحدثت الدكتورة بديعة الهاشمي النقاش عن موقع الرواية النسائية في مشهد الكتابة اليوم، معتبرة أنها لم تعد مجرد مساحة لتعبير ذاتي أو أنثوي، بل فضاء للتفكير في مفاهيم الابتكار والمغامرة الجمالية. وقالت إن الرواية الجيدة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت "إنسانية في جوهرها"، لأن "الكاتب يتعاطف مع كتابته بقدر ما يتعاطف مع الإنسان في معاناته وأسئلته".

وأضافت أن الرواية النسائية، شأنها شأن كل كتابة أصيلة، تنطلق من فهم عميق للثقافة والمجتمع. "لكل ثقافة مشكلاتها الخاصة وتحدياتها”، تقول الهاشمي، “لكن ثمة تاريخًا مشتركًا في الإبداع والهوية يجعلنا، نحن العرب، نتشارك ذاكرة ثقافية واحدة تتغذى من اللغة والمكان والتاريخ المشترك".
وأشارت إلى أن هذه الذاكرة الجمعية، الممتدة من السينما والمسرح إلى الأدب، تمنح الرواية العربية مادة غنية ومتعددة، لكنها أيضا تفرض على الكتّاب مسؤولية تجديد التعبير وعدم الوقوع في التكرار. ورأت أن العولمة والرقمنة منحت الجيل الجديد وعيا مختلفا بالعالم، قائلة "اليوم يستطيع الشباب أن يدرك ما يجري حوله، يختار ما يعجبه ويرفض ما لا يناسبه، وهذه الحرية في الاختيار يجب أن تنعكس على الإبداع الأدبي أيضًا".

الخيال كمساحة للحرية ومساءلة الواقع

ومن جانب آخر، رأى الروائي محمد سمير ندا أن الخيال هو السلاح الأول للكاتب، وهو الفضاء الذي يمنحه القدرة على تجاوز الواقع دون الانفصال عنه. 
وقال إن "الخيال ليس هروبًا من الواقع بل موقف منه، لأنه يمكّن الكاتب من إعادة ترتيب العالم وإضاءة ما خفي فيه".
وأوضح أن الروائي الحقيقي يجد حريته القصوى في خلق عالمه الخاص “من لا شيء”، وأن الخيال في الكتابة العربية يجب أن يتحرر من القيود والحدود. وأضاف: “أتمنى ألا يكون هناك سقف للخيال، لأن الكاتب حين يكتب يجب أن يفتح الأفق إلى أقصاه. نحن نحتاج خيالًا لا يعرف الانغلاق، لأن الإبداع حين يُحاصر يموت”.
وأشار ندا إلى أن الرواية الحديثة مطالبة بأن تخوض مغامرة تخييلية جريئة، تعيد تعريف الواقع وتكشف عن طبقات جديدة منه. واستشهد بأعمال الكاتب يوسف عز الدين عيسى، الذي كتب رواية "الواجهة" قبل أكثر من ستين عاما، بوصفها تجربة مبكرة في توسيع حدود السرد العربي وتحرير الخيال من النمطية.

الخيال فعل مقاومة واستعادة للإنسان

أما الروائي زهران القاسمي فذهب إلى أن الخيال ليس بديلا عن الواقع، بل هو مواز له، موضحا أن الكاتب يعيش دائما على الخط الفاصل بين التجربة الواقعية والتصور الإبداعي. وقال إن "الكاتب يحق له أن يستلهم من الواقع، لكنه يملك في الوقت نفسه أن يشوهه أو يحوره ليبدو في عين القارئ خيالًا خالصًا، وهذه المفارقة هي التي تمنح الأدب سحره واستمراريته".
وأضاف أن الحدود بين الواقع والخيال في السرد "رفيعة إلى حد التلاشي"، مشيرا إلى أن الواقعية السحرية التي عرفها القارئ العربي في أدب أمريكا اللاتينية “بدت غرائبية في البداية، لكنها في حقيقتها نابعة من واقع معاش يختلط فيه الغريب بالمألوف”. ورأى القاسمي أن الخيال في الرواية هو شكل من أشكال المقاومة، لأنه يمنح الكاتب القدرة على إعادة تشكيل العالم كما يراه، لا كما يُفرض عليه.

الذكاء الاصطناعي... تحدٍّ جديد للسرد الإنساني

الروائية ريم بسيوني أثارت محورا حيويا في النقاش حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة الأدبية، معتبرة أن التقنية الحديثة دخلت فعليا مجال السرد، مما يطرح أسئلة مقلقة حول الأصالة والملكية الإبداعية. وقالت إن "الذكاء الاصطناعي يمكنه اليوم أن يكتب روايات كاملة، مما يجعل من الصعب على الناشر أو القارئ التمييز بين النص البشري والنص المولّد آليًا”، مضيفة بلهجة ساخرة: “ربما سنرى قريبًا كتبًا تحمل عبارة: 100% رواية بشرية".

وحذرت بسيوني من أن برامج الكتابة الآلية قد تُعيد إنتاج نصوص سابقة أو تقتبس أعمالا دون وعي، مشيرة إلى أن "الخطر الحقيقي لا يكمن في التقنية نفسها، بل في الكتّاب الذين قد يكتفون بها بدل الإبداع". لكنها رأت أيضا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح أداة لكشف الانتحال وتحليل النصوص، مؤكدة "نحتاج إلى أدوات تقنية تواكب هذا التطور وتحمي خصوصية الإبداع الأدبي".

وعقّب القاسمي على هذا المحور معتبرًا أن "الذكاء الاصطناعي لن يستطيع أن يحل محل الإنسان، لأن الرواية في جوهرها إحساس وتجربة، والآلة مهما بلغت لن تمتلك المشاعر". وأوضح أن التقنية قد تساعد الكاتب في تطوير أدواته، لكنها لن تكتب بدله، لأن "الرواية مشروع إنساني أولًا وأخيرًا".

روائيون ونقاد يتحدثون عن" الرواية الجديدة في مواجهة التحولات ..الخيال والذكاء الاصطناعي وسؤال الإنسان

الشارقة/ الإمارات – الصباح نيوز- من مبعوثتنا إلى الشارقة إيمان عبد اللطيف 

في إطار فعاليات الدورة الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، المقام في مركز إكسبو الشارقة تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، انتظمت مساء الجمعة 7 نوفمبر جلسة حوارية بعنوان "الرواية الجديدة في مواجهة التحولات"، جمعت عدد من الروائيين والنقاد العرب، من بينهم الدكتورة ريم بسيوني من مصر، والروائي زهران القاسمي من سلطنة عمان، والدكتورة بديعة الهاشمي من الإمارات، والروائي محمد سمير ندا من مصر، فيما أدارت هدى الشامسي.
تناولت الجلسة أسئلة الرواية العربية في زمن التحولات الكبرى، من الرقمنة والذكاء الاصطناعي إلى التحولات الاجتماعية والثقافية، مركزة على دور الخيال في مقاومة النمطية، واستعادة الإنسان في السرد المعاصر.

الرواية النسائية وتجديد مفهوم الابتكار

تحدثت الدكتورة بديعة الهاشمي النقاش عن موقع الرواية النسائية في مشهد الكتابة اليوم، معتبرة أنها لم تعد مجرد مساحة لتعبير ذاتي أو أنثوي، بل فضاء للتفكير في مفاهيم الابتكار والمغامرة الجمالية. وقالت إن الرواية الجيدة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت "إنسانية في جوهرها"، لأن "الكاتب يتعاطف مع كتابته بقدر ما يتعاطف مع الإنسان في معاناته وأسئلته".

وأضافت أن الرواية النسائية، شأنها شأن كل كتابة أصيلة، تنطلق من فهم عميق للثقافة والمجتمع. "لكل ثقافة مشكلاتها الخاصة وتحدياتها”، تقول الهاشمي، “لكن ثمة تاريخًا مشتركًا في الإبداع والهوية يجعلنا، نحن العرب، نتشارك ذاكرة ثقافية واحدة تتغذى من اللغة والمكان والتاريخ المشترك".
وأشارت إلى أن هذه الذاكرة الجمعية، الممتدة من السينما والمسرح إلى الأدب، تمنح الرواية العربية مادة غنية ومتعددة، لكنها أيضا تفرض على الكتّاب مسؤولية تجديد التعبير وعدم الوقوع في التكرار. ورأت أن العولمة والرقمنة منحت الجيل الجديد وعيا مختلفا بالعالم، قائلة "اليوم يستطيع الشباب أن يدرك ما يجري حوله، يختار ما يعجبه ويرفض ما لا يناسبه، وهذه الحرية في الاختيار يجب أن تنعكس على الإبداع الأدبي أيضًا".

الخيال كمساحة للحرية ومساءلة الواقع

ومن جانب آخر، رأى الروائي محمد سمير ندا أن الخيال هو السلاح الأول للكاتب، وهو الفضاء الذي يمنحه القدرة على تجاوز الواقع دون الانفصال عنه. 
وقال إن "الخيال ليس هروبًا من الواقع بل موقف منه، لأنه يمكّن الكاتب من إعادة ترتيب العالم وإضاءة ما خفي فيه".
وأوضح أن الروائي الحقيقي يجد حريته القصوى في خلق عالمه الخاص “من لا شيء”، وأن الخيال في الكتابة العربية يجب أن يتحرر من القيود والحدود. وأضاف: “أتمنى ألا يكون هناك سقف للخيال، لأن الكاتب حين يكتب يجب أن يفتح الأفق إلى أقصاه. نحن نحتاج خيالًا لا يعرف الانغلاق، لأن الإبداع حين يُحاصر يموت”.
وأشار ندا إلى أن الرواية الحديثة مطالبة بأن تخوض مغامرة تخييلية جريئة، تعيد تعريف الواقع وتكشف عن طبقات جديدة منه. واستشهد بأعمال الكاتب يوسف عز الدين عيسى، الذي كتب رواية "الواجهة" قبل أكثر من ستين عاما، بوصفها تجربة مبكرة في توسيع حدود السرد العربي وتحرير الخيال من النمطية.

الخيال فعل مقاومة واستعادة للإنسان

أما الروائي زهران القاسمي فذهب إلى أن الخيال ليس بديلا عن الواقع، بل هو مواز له، موضحا أن الكاتب يعيش دائما على الخط الفاصل بين التجربة الواقعية والتصور الإبداعي. وقال إن "الكاتب يحق له أن يستلهم من الواقع، لكنه يملك في الوقت نفسه أن يشوهه أو يحوره ليبدو في عين القارئ خيالًا خالصًا، وهذه المفارقة هي التي تمنح الأدب سحره واستمراريته".
وأضاف أن الحدود بين الواقع والخيال في السرد "رفيعة إلى حد التلاشي"، مشيرا إلى أن الواقعية السحرية التي عرفها القارئ العربي في أدب أمريكا اللاتينية “بدت غرائبية في البداية، لكنها في حقيقتها نابعة من واقع معاش يختلط فيه الغريب بالمألوف”. ورأى القاسمي أن الخيال في الرواية هو شكل من أشكال المقاومة، لأنه يمنح الكاتب القدرة على إعادة تشكيل العالم كما يراه، لا كما يُفرض عليه.

الذكاء الاصطناعي... تحدٍّ جديد للسرد الإنساني

الروائية ريم بسيوني أثارت محورا حيويا في النقاش حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة الأدبية، معتبرة أن التقنية الحديثة دخلت فعليا مجال السرد، مما يطرح أسئلة مقلقة حول الأصالة والملكية الإبداعية. وقالت إن "الذكاء الاصطناعي يمكنه اليوم أن يكتب روايات كاملة، مما يجعل من الصعب على الناشر أو القارئ التمييز بين النص البشري والنص المولّد آليًا”، مضيفة بلهجة ساخرة: “ربما سنرى قريبًا كتبًا تحمل عبارة: 100% رواية بشرية".

وحذرت بسيوني من أن برامج الكتابة الآلية قد تُعيد إنتاج نصوص سابقة أو تقتبس أعمالا دون وعي، مشيرة إلى أن "الخطر الحقيقي لا يكمن في التقنية نفسها، بل في الكتّاب الذين قد يكتفون بها بدل الإبداع". لكنها رأت أيضا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح أداة لكشف الانتحال وتحليل النصوص، مؤكدة "نحتاج إلى أدوات تقنية تواكب هذا التطور وتحمي خصوصية الإبداع الأدبي".

وعقّب القاسمي على هذا المحور معتبرًا أن "الذكاء الاصطناعي لن يستطيع أن يحل محل الإنسان، لأن الرواية في جوهرها إحساس وتجربة، والآلة مهما بلغت لن تمتلك المشاعر". وأوضح أن التقنية قد تساعد الكاتب في تطوير أدواته، لكنها لن تكتب بدله، لأن "الرواية مشروع إنساني أولًا وأخيرًا".