إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي/ نهاية حزينة لعام ثقيل الظل..وأسئلةحائرة

 بينما هذا العام يلفظ أنفاسه الأخيرة وآخر ساعاته ... أنشغل أنا وبكل لوعة بإنهاء مراسم العزاء في وفاة رفيقة دربي وسندي وأم أطفالي بعد حرب ضروس مع أخبث وأمكر وأنذل الأمراض على الإطلاق ... حرب بذلنا فيها الغالي والنفيس ولم ندخر فيها جهدا أو فلسا قصد القضاء على هذا العضال ... حرب استنزفتنا جسديا وماديا ومعنويا إلى أقصى حدود الإنهاك وشغلتنا عن العالم  ولكن الكلمة الفصل وللأسف الشديد انتهت لصالحه بعد خمس سنوات من المعاناة والكر والفر ... تخللتها مئات حصص الكيميائي والعمليات الجراحية والأدوية المجلوبة من الخارج باهضة الثمن والمكلفة جدا جدا والمداواة بالأشعة وعشرات الصور بشتى أنواع الأشعة ... وركضا لا يختلف كثيرا عن ركض السيدة هاجر بين الصفا والمروى بين أطباء اختصاص كثر في تخصصات عدّة بعد أن يعبث هذا المرض الكريه في كل مرّة بعضو من الأعضاء ...  
 
وأختبرنا في هذه المعركة المريرة أشباه الأقارب وأشباه الأصدقاء اللذين خذلونا في اصعب الأوقات ولكن الله عوضنا عنهم بعباد يحبهم ويحبونه عباد أخجلونا بكريم اهتمامهم ولطيف دعمهم وكانوا لنا السند والعون ولم نكن ننتظر منهم ذلك المدّ والعطاء اللاّمحدود وأختبرنا "غلب" الدّولة وإدارتها ومؤسساتها ووقفنا بأم أعيينا على أن الكلمة العليا بالمستشفى المخصص لمعالجة المرض الخبيث تعود للسوجيغات حرّاس الأبواب الخارجية وهو ما حوّل تلك المرافق العمومية لمراقص عمومية ... ولما ركضنا للقطاع الخاص هربا من ذلك الوضع المقرف وجدنا قطاعا يذبح مرضاه بمنشار آلي عوضا عن السكين ويحدث أن تشاهد كافة أشكال الاستغلال وأنت راض رغم أنفك لأنه لم يعد لك من مهرب. 
 
وتحملنا ذلك بقلوب مؤمنة مثابرة صابرة لرب العالمين وكنا ندفع ما لا نطيق بكل ما نملك وأقترضنا من كل حدب وصوب وبعنا كل ما نستطيع بيعه سعيا لربح هذه المعركة في حرب ضروس تخلّى فيها الجميع عنا حتى أرباب العمل : تخيلوا وزارة النقل "المجيدة" والتي تشرف على المؤسسة التي تعمل بها زوجتي (وقد يكون عملها أحد أهم أسباب الإصابة بالمرض) رفضت تمكينها من رخصة للعمل عن بعد تبعا لطلب ورد عليها لأخذ الرأي والحال أن زوجتي صارت مقعدة لا تقوى على الحركة ولا تستطيع التنقل حتى داخل المنزل لقضاء حاجتها البشرية ورغم ذلك لا يتم تمكينها من حق العمل عن بعد بدعوى ماذا ؟؟؟ بدعوى أن جهة إصدار الأمر المنظم للمسألة لم ترفقه بالنصوص التطبيقية اللاّزمة والأنكى من كل ذلك أنهم يردون عليك شفويا ولا يمكنونك من أية وثيقة أو رد كتابي حتى يتنصلون من كل شيء عندما يجد الجدّ. 
 
وحتى مؤسسة التأمين على المرض إجباريا تمل من المرضى بالسرطان بعد عامين أو ثلاث ويكون الجواب بعد عامين من التكفل بأن المريضة لا تستجيب للمقاييس ولم يعد بالإمكان تمكينها من الدّواء لماذا ؟؟؟ لأن المرض ظل مستشريا في جميع أنحاء الجسم ولم يتراجع ؟؟؟ طيب وما الحل إذن ؟؟؟ هل نتركها تواجه مصيرها المحتوم وتموت في صمت تحت حائط المهانة ... ونضطر في هذه الحالة لمقارعتهم في ساحات المحاكم بما يعنيه ذلك من تكليف محامين وعدول تنفيذ للاستدعاء للجلسات ثم الإعلام بالحكم وبالتالي تحمل مصاريف إضافية نحن في غنى عنها. 
 
ووقفنا على أمور كثيرة مثيرة للغرابة في باب التأمين على المرض حيث يطالب المريض من أصحاب المنظومة العلاجية الخاصة إثر الذهاب لطبيب مختص بزيارة طبيب العائلة مجددا لإعادة نسخ الوصفات التي يحرّرها أمهر أطباء الإختصاص ومنهم أساتذة أفنوا أعمارهم بكلية الطب بتونس ولازالوا ... وخاصة في وصفات التحاليل البيولوجية لأصحاب الأمراض المزمنة أو إرفاق بطاقة استرجاع مصاريف العلاج بالكيمياوي برسالة توجيه من طبيب العائلة (Lettre de liaison) بدعوى أن السيستام لا يقبل مثل هذه البطاقات بدون إرفاقها بهذه الرّسالة والحال أن التكوين الأكاديمي لطبيب العائلة قد لا يتعدّى بضع سنوات في أكرانيا أو رومانيا أو المجر في حركة بليدة خالية من الذوق وبالتالي يصبح العزري أقوى من سيدو. 
 
وأنت مضطر في كل مرّة تجري فيها عملية كيمياوي للرّجوع لطبيب العائلة للحصول على هذه الرّسالة التي لا معنى لها وهو ما يكلّفك عبئا ماديا وجهدا إضافيا بلا لزوم لأن طبيب العائلة لا يقبل بقضاء حاجتك دون الحصول على مقابل وله كل الحق في ذلك. 
 
عذرا سيدي الرّئيس، إدارتك أيضا تذل التونسيين وتنكل بهم وليس الأشرار فقط وبإجراءات بسيطة ومزيد الاهتمام بحياة التوانسة وخاصة منها المتعلقة بترسانة النصوص نستطيع تحسينها والرّقي بهم وقد لا يتطلب الأمر مجهودا خرافيا أو آلاف المليارات من بنك النكد الدولي ورغم كل ما حصل سأحاول أن أكون إيجابيا وأفيد بتجربتي المريرة لعلي أسهم في إنقاذ بعض الأرواح لأن هذا المرض أصبح منتشرا كالنار في الهشيم ولم يسلم منه الكثير من الناس على اختلاف أعمارهم وأجناسهم. 
 
 فما ضر الدّولة لو انتدبت من كل القطاعات والإختصاصات أعدادا هامة من الشباب ولو لمدّة محدّدة في الزمن في مهمة استعجالية لا تقل أهمية عن مهام الجيوش في ساحات الوغى يكون محورها المواطن وهدفها إنقاذ البلاد من هذا الدّمار الشامل وتخصص لها من تلك البرامج المرصودة بلا هدف وعلى سبيل المثال برامج عقود الكرامة التي تشغل أناسا بلا كرامة في المدارس والمعاهد الخاصة والمعامل الأجنبية في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير منصفة وما الذي يمنع من بعث وكالات متخصصة في هذا السياق تحرص على صحة المواطن المغلوب على أمره والذي وجد نفسه كغزال شارد وسط قطيع من الخنازير الوحشية مستسلما لقدره بعد أن قالوا له إذهب أنت وربك فحاربا إنا هاهنا قاعدون. 
 
وكالات لردع قشار أخرق (خضار) أو فلاح متنطع يعمل على إغراق مزروعاته أو دوابه بأدوية كيميائية ممنوعة أو غير ممنوعة بكميات لا تحترم أدنى المعايير عن جهل أو عن سوء نية ... ولردع تاجر ماكر يعلم بأن بضاعته مسرطنة ومع ذلك يعرضها للعموم غير مبال ... ولردع المصانع التي تورد المأكل والملبس والعصائر والكماليات وهي تعلم علم اليقين بمدى سميتها ... ولردع بعض الفضاءات التجارية التي تتلاعب بتواريخ الصلاحية وفق المزاج ... ولردع تجار المواد الغذائية الذين لا يحترمون أدنى درجات الحفظ فترى قوارير المياه المعدنية مكدسة في العراء بلا أدنى حماية ودرجة الحرارة تلامس أرقاما قياسية ويكون الهدف الرّئيس لهذه الوكالة أو الوكالات إنقاذ البلاد من براثن المخرّبين أو المفسدين في كل المجالات وتكون العقوبات قاسمة للظهر حتى لا يفكر أحد في العود والتصدّي بكل حزم لهذا الإنخرام المدمر للمجتمع وتوفر لهم الدّولة جميع الإمكانيات كأن تقتطع من ضمن ما توفره لعدّة وزارات بلا فائدة من أساطيل متحركة وكم هائل من المحروقات ويكون شعارهم المركزي والرّئيسي صحة المواطن وإنقاذ البلاد من هذا الدّمار الشامل و"السوس" الذي بدأ ينخرها والذي سيأتي على الأخضر واليابس آجلا أم عاجلا ... وكل ذلك بعيدا عن الوكالات المعتادة والتي خصّصت للتقاعد المريح خلال المسار المهني لا بعده. 
 
لماذا لا نستقطب بعض المواطنين من أصحاب الكفاءات والخبرة والكاريزما ممن ظلوا لعقود جالسين على الرّبوة زاهدين في الحياة العامة ولم يؤثر فيهم بريق السلطة أو الكراسي وتوكل لهم مهمة تركيز منظومة صحية مجتمعية موازية لشد أزر مجهود الدّولة بعيدا عن أجهزة الدّولة وبيروقراطيتها ويساهم فيها الجميع بالدّاخل والخارج نقدا وعينا سواء للإنشاء أو التعمير أوالتجهيز وتساهم فيها هذه الشركات الاستهلاكية التي تكدس الأموال تكديسا ويكون هدفها أولا ورئيسيا إسناد المجهود الاستشفائي والصحي الوطني من تركيز وحدات صحية بكامل أنحاء البلاد وسد الفراغ بالخارطة الصحية الحالية ولا ضير أن تستفيد من منظومة 26/26 التي انحرفت عن مسارها بفعل زيغ السلط المحلية والجهوية والمركزية سعيا لإرساء جسر صحي مواز يستطيع التخفيف من آلام الناس. 
 
وبالنسبة للإدارة وما أدراك ما الإدارة التي زادت اليوم صلفا أكثر مما أدركته في سنوات الاستبداد أليس ممكنا إبتكار فكرة تسهم في الإقلاع بالإدارة التونسية التي تزداد كل يوم وهنا على وهن عاشقة للوثائق والمكاتيب ولماذا لا يتم تقليد بعض التجارب الناجحة في القطاع الخاص ؟؟؟ لماذا يظل ملفا ملقيا على مكتب موظف عمومي لعامين أو ثلاث ولا يساءله أحد ؟؟؟ والحال أن ذلك لو حدث في شركة خاصة لرن هاتف الموظف متساءلا ما الذي يفعله ذلك الملف على مكتبك حتى الآن ؟؟؟ ولماذا لم ينجز بعد ؟؟؟ كل ذلك بفعل المتابعة عبر المنظومة المعلوماتية فهل من الصعب تقليد ذلك يا سادتي الكرام. 
 
لماذا لا تحدث صلب الوزارات خلايا رصد لمتابعة النصوص القانونية الصادرة عن الدّولة التونسية وتعهدها بالصيانة والتصويب والإنقاذ في الوقت المناسب كي لا تصير إلى جثث قانونية مرمية على الرّفوف ... وقياس مدى تلاؤمها مع الواقع حتى يتم تعهدها بالإصلاح في الإبان فهي ليست قرآنا منزلا صالحة لكل زمان ومكان ما يجعلها في خدمة الناس قولا وفعلا. 
 
لماذا لا نخضع القطاع الصحي الخاص لرقابة لصيقة صارمة تردع المخالفين وتحد من ممارساتهم أينما كانوا ولماذا يترك المرضى فريسة بين أيدي مسديي الخدمات الصحية يتصرفون في رقابهم مثلما عن لهم وإلاّ ما معنى أن تبلغ أتعاب الطبيب 80 دينار في حين تنص اللوائح على نصف ذلك وما معنى أن تتفق نقابات بعض المهن الصحية على أن تتكفل الكنام بقدر من العلاج ويكمل المنخرط جزءا محدّدا من المصاريف ولكنه يفاجأ بإجباره على دفع عشرة أضعاف ذلك المبلغ ولا من مغيث. 
 
لماذا لا تبتدع الدّولة حلا للعائلة التونسية بهدف المساندة عندما تلم بها الملمات ويكشر لها الدهر على أنيابه وأثناء الغصرات صدّا للضغط الشديد المسلط عليها والستراس الذي تتعرّض له خاصة في السنوات الأخيرة بعيدا عن موظفي الدّولة وروتينهم المعتاد وبذلك تحد من آلاف حالات الطلاق والحرقة وتفكك العائلات ... حلا ينبع من خطوط تمويل ميسرة أو صندوق تبرعات وطني في خطوة يكون محورها العائلة والإنسان بما يعنيه ذلك من جلب لليسر وتذليل الصعاب أمامهم وتمكين أرباب الأسر وخاصة ربات البيوت من قروض ميسرة عند الحاجة يتم إرجاعها في شكل أقساط لا تتعدى 25 دينار على مدى 60 شهرا بدون فوائد أو تتحمل الدّولة فوائده للتخفيف على العائلة من تقلبات الدّهر وتستفيد منه كلما ضاق بها الحال ويكون هذا الحق متاحا مرة واحدة خلال مدّة زمنية معينة مع إحالة مهامه لهيكل مستحدث أو لأي منظمة كائنة حاليا على غرار الإتحاد الوطني للمرأة التونسية.    
أخيرا قد أسمعت إذا ناديت حيا ولكن لننتظر ... فهل يصغون. 
 
بقلم :خير الدين العماري
رأي/ نهاية حزينة لعام ثقيل الظل..وأسئلةحائرة
 بينما هذا العام يلفظ أنفاسه الأخيرة وآخر ساعاته ... أنشغل أنا وبكل لوعة بإنهاء مراسم العزاء في وفاة رفيقة دربي وسندي وأم أطفالي بعد حرب ضروس مع أخبث وأمكر وأنذل الأمراض على الإطلاق ... حرب بذلنا فيها الغالي والنفيس ولم ندخر فيها جهدا أو فلسا قصد القضاء على هذا العضال ... حرب استنزفتنا جسديا وماديا ومعنويا إلى أقصى حدود الإنهاك وشغلتنا عن العالم  ولكن الكلمة الفصل وللأسف الشديد انتهت لصالحه بعد خمس سنوات من المعاناة والكر والفر ... تخللتها مئات حصص الكيميائي والعمليات الجراحية والأدوية المجلوبة من الخارج باهضة الثمن والمكلفة جدا جدا والمداواة بالأشعة وعشرات الصور بشتى أنواع الأشعة ... وركضا لا يختلف كثيرا عن ركض السيدة هاجر بين الصفا والمروى بين أطباء اختصاص كثر في تخصصات عدّة بعد أن يعبث هذا المرض الكريه في كل مرّة بعضو من الأعضاء ...  
 
وأختبرنا في هذه المعركة المريرة أشباه الأقارب وأشباه الأصدقاء اللذين خذلونا في اصعب الأوقات ولكن الله عوضنا عنهم بعباد يحبهم ويحبونه عباد أخجلونا بكريم اهتمامهم ولطيف دعمهم وكانوا لنا السند والعون ولم نكن ننتظر منهم ذلك المدّ والعطاء اللاّمحدود وأختبرنا "غلب" الدّولة وإدارتها ومؤسساتها ووقفنا بأم أعيينا على أن الكلمة العليا بالمستشفى المخصص لمعالجة المرض الخبيث تعود للسوجيغات حرّاس الأبواب الخارجية وهو ما حوّل تلك المرافق العمومية لمراقص عمومية ... ولما ركضنا للقطاع الخاص هربا من ذلك الوضع المقرف وجدنا قطاعا يذبح مرضاه بمنشار آلي عوضا عن السكين ويحدث أن تشاهد كافة أشكال الاستغلال وأنت راض رغم أنفك لأنه لم يعد لك من مهرب. 
 
وتحملنا ذلك بقلوب مؤمنة مثابرة صابرة لرب العالمين وكنا ندفع ما لا نطيق بكل ما نملك وأقترضنا من كل حدب وصوب وبعنا كل ما نستطيع بيعه سعيا لربح هذه المعركة في حرب ضروس تخلّى فيها الجميع عنا حتى أرباب العمل : تخيلوا وزارة النقل "المجيدة" والتي تشرف على المؤسسة التي تعمل بها زوجتي (وقد يكون عملها أحد أهم أسباب الإصابة بالمرض) رفضت تمكينها من رخصة للعمل عن بعد تبعا لطلب ورد عليها لأخذ الرأي والحال أن زوجتي صارت مقعدة لا تقوى على الحركة ولا تستطيع التنقل حتى داخل المنزل لقضاء حاجتها البشرية ورغم ذلك لا يتم تمكينها من حق العمل عن بعد بدعوى ماذا ؟؟؟ بدعوى أن جهة إصدار الأمر المنظم للمسألة لم ترفقه بالنصوص التطبيقية اللاّزمة والأنكى من كل ذلك أنهم يردون عليك شفويا ولا يمكنونك من أية وثيقة أو رد كتابي حتى يتنصلون من كل شيء عندما يجد الجدّ. 
 
وحتى مؤسسة التأمين على المرض إجباريا تمل من المرضى بالسرطان بعد عامين أو ثلاث ويكون الجواب بعد عامين من التكفل بأن المريضة لا تستجيب للمقاييس ولم يعد بالإمكان تمكينها من الدّواء لماذا ؟؟؟ لأن المرض ظل مستشريا في جميع أنحاء الجسم ولم يتراجع ؟؟؟ طيب وما الحل إذن ؟؟؟ هل نتركها تواجه مصيرها المحتوم وتموت في صمت تحت حائط المهانة ... ونضطر في هذه الحالة لمقارعتهم في ساحات المحاكم بما يعنيه ذلك من تكليف محامين وعدول تنفيذ للاستدعاء للجلسات ثم الإعلام بالحكم وبالتالي تحمل مصاريف إضافية نحن في غنى عنها. 
 
ووقفنا على أمور كثيرة مثيرة للغرابة في باب التأمين على المرض حيث يطالب المريض من أصحاب المنظومة العلاجية الخاصة إثر الذهاب لطبيب مختص بزيارة طبيب العائلة مجددا لإعادة نسخ الوصفات التي يحرّرها أمهر أطباء الإختصاص ومنهم أساتذة أفنوا أعمارهم بكلية الطب بتونس ولازالوا ... وخاصة في وصفات التحاليل البيولوجية لأصحاب الأمراض المزمنة أو إرفاق بطاقة استرجاع مصاريف العلاج بالكيمياوي برسالة توجيه من طبيب العائلة (Lettre de liaison) بدعوى أن السيستام لا يقبل مثل هذه البطاقات بدون إرفاقها بهذه الرّسالة والحال أن التكوين الأكاديمي لطبيب العائلة قد لا يتعدّى بضع سنوات في أكرانيا أو رومانيا أو المجر في حركة بليدة خالية من الذوق وبالتالي يصبح العزري أقوى من سيدو. 
 
وأنت مضطر في كل مرّة تجري فيها عملية كيمياوي للرّجوع لطبيب العائلة للحصول على هذه الرّسالة التي لا معنى لها وهو ما يكلّفك عبئا ماديا وجهدا إضافيا بلا لزوم لأن طبيب العائلة لا يقبل بقضاء حاجتك دون الحصول على مقابل وله كل الحق في ذلك. 
 
عذرا سيدي الرّئيس، إدارتك أيضا تذل التونسيين وتنكل بهم وليس الأشرار فقط وبإجراءات بسيطة ومزيد الاهتمام بحياة التوانسة وخاصة منها المتعلقة بترسانة النصوص نستطيع تحسينها والرّقي بهم وقد لا يتطلب الأمر مجهودا خرافيا أو آلاف المليارات من بنك النكد الدولي ورغم كل ما حصل سأحاول أن أكون إيجابيا وأفيد بتجربتي المريرة لعلي أسهم في إنقاذ بعض الأرواح لأن هذا المرض أصبح منتشرا كالنار في الهشيم ولم يسلم منه الكثير من الناس على اختلاف أعمارهم وأجناسهم. 
 
 فما ضر الدّولة لو انتدبت من كل القطاعات والإختصاصات أعدادا هامة من الشباب ولو لمدّة محدّدة في الزمن في مهمة استعجالية لا تقل أهمية عن مهام الجيوش في ساحات الوغى يكون محورها المواطن وهدفها إنقاذ البلاد من هذا الدّمار الشامل وتخصص لها من تلك البرامج المرصودة بلا هدف وعلى سبيل المثال برامج عقود الكرامة التي تشغل أناسا بلا كرامة في المدارس والمعاهد الخاصة والمعامل الأجنبية في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير منصفة وما الذي يمنع من بعث وكالات متخصصة في هذا السياق تحرص على صحة المواطن المغلوب على أمره والذي وجد نفسه كغزال شارد وسط قطيع من الخنازير الوحشية مستسلما لقدره بعد أن قالوا له إذهب أنت وربك فحاربا إنا هاهنا قاعدون. 
 
وكالات لردع قشار أخرق (خضار) أو فلاح متنطع يعمل على إغراق مزروعاته أو دوابه بأدوية كيميائية ممنوعة أو غير ممنوعة بكميات لا تحترم أدنى المعايير عن جهل أو عن سوء نية ... ولردع تاجر ماكر يعلم بأن بضاعته مسرطنة ومع ذلك يعرضها للعموم غير مبال ... ولردع المصانع التي تورد المأكل والملبس والعصائر والكماليات وهي تعلم علم اليقين بمدى سميتها ... ولردع بعض الفضاءات التجارية التي تتلاعب بتواريخ الصلاحية وفق المزاج ... ولردع تجار المواد الغذائية الذين لا يحترمون أدنى درجات الحفظ فترى قوارير المياه المعدنية مكدسة في العراء بلا أدنى حماية ودرجة الحرارة تلامس أرقاما قياسية ويكون الهدف الرّئيس لهذه الوكالة أو الوكالات إنقاذ البلاد من براثن المخرّبين أو المفسدين في كل المجالات وتكون العقوبات قاسمة للظهر حتى لا يفكر أحد في العود والتصدّي بكل حزم لهذا الإنخرام المدمر للمجتمع وتوفر لهم الدّولة جميع الإمكانيات كأن تقتطع من ضمن ما توفره لعدّة وزارات بلا فائدة من أساطيل متحركة وكم هائل من المحروقات ويكون شعارهم المركزي والرّئيسي صحة المواطن وإنقاذ البلاد من هذا الدّمار الشامل و"السوس" الذي بدأ ينخرها والذي سيأتي على الأخضر واليابس آجلا أم عاجلا ... وكل ذلك بعيدا عن الوكالات المعتادة والتي خصّصت للتقاعد المريح خلال المسار المهني لا بعده. 
 
لماذا لا نستقطب بعض المواطنين من أصحاب الكفاءات والخبرة والكاريزما ممن ظلوا لعقود جالسين على الرّبوة زاهدين في الحياة العامة ولم يؤثر فيهم بريق السلطة أو الكراسي وتوكل لهم مهمة تركيز منظومة صحية مجتمعية موازية لشد أزر مجهود الدّولة بعيدا عن أجهزة الدّولة وبيروقراطيتها ويساهم فيها الجميع بالدّاخل والخارج نقدا وعينا سواء للإنشاء أو التعمير أوالتجهيز وتساهم فيها هذه الشركات الاستهلاكية التي تكدس الأموال تكديسا ويكون هدفها أولا ورئيسيا إسناد المجهود الاستشفائي والصحي الوطني من تركيز وحدات صحية بكامل أنحاء البلاد وسد الفراغ بالخارطة الصحية الحالية ولا ضير أن تستفيد من منظومة 26/26 التي انحرفت عن مسارها بفعل زيغ السلط المحلية والجهوية والمركزية سعيا لإرساء جسر صحي مواز يستطيع التخفيف من آلام الناس. 
 
وبالنسبة للإدارة وما أدراك ما الإدارة التي زادت اليوم صلفا أكثر مما أدركته في سنوات الاستبداد أليس ممكنا إبتكار فكرة تسهم في الإقلاع بالإدارة التونسية التي تزداد كل يوم وهنا على وهن عاشقة للوثائق والمكاتيب ولماذا لا يتم تقليد بعض التجارب الناجحة في القطاع الخاص ؟؟؟ لماذا يظل ملفا ملقيا على مكتب موظف عمومي لعامين أو ثلاث ولا يساءله أحد ؟؟؟ والحال أن ذلك لو حدث في شركة خاصة لرن هاتف الموظف متساءلا ما الذي يفعله ذلك الملف على مكتبك حتى الآن ؟؟؟ ولماذا لم ينجز بعد ؟؟؟ كل ذلك بفعل المتابعة عبر المنظومة المعلوماتية فهل من الصعب تقليد ذلك يا سادتي الكرام. 
 
لماذا لا تحدث صلب الوزارات خلايا رصد لمتابعة النصوص القانونية الصادرة عن الدّولة التونسية وتعهدها بالصيانة والتصويب والإنقاذ في الوقت المناسب كي لا تصير إلى جثث قانونية مرمية على الرّفوف ... وقياس مدى تلاؤمها مع الواقع حتى يتم تعهدها بالإصلاح في الإبان فهي ليست قرآنا منزلا صالحة لكل زمان ومكان ما يجعلها في خدمة الناس قولا وفعلا. 
 
لماذا لا نخضع القطاع الصحي الخاص لرقابة لصيقة صارمة تردع المخالفين وتحد من ممارساتهم أينما كانوا ولماذا يترك المرضى فريسة بين أيدي مسديي الخدمات الصحية يتصرفون في رقابهم مثلما عن لهم وإلاّ ما معنى أن تبلغ أتعاب الطبيب 80 دينار في حين تنص اللوائح على نصف ذلك وما معنى أن تتفق نقابات بعض المهن الصحية على أن تتكفل الكنام بقدر من العلاج ويكمل المنخرط جزءا محدّدا من المصاريف ولكنه يفاجأ بإجباره على دفع عشرة أضعاف ذلك المبلغ ولا من مغيث. 
 
لماذا لا تبتدع الدّولة حلا للعائلة التونسية بهدف المساندة عندما تلم بها الملمات ويكشر لها الدهر على أنيابه وأثناء الغصرات صدّا للضغط الشديد المسلط عليها والستراس الذي تتعرّض له خاصة في السنوات الأخيرة بعيدا عن موظفي الدّولة وروتينهم المعتاد وبذلك تحد من آلاف حالات الطلاق والحرقة وتفكك العائلات ... حلا ينبع من خطوط تمويل ميسرة أو صندوق تبرعات وطني في خطوة يكون محورها العائلة والإنسان بما يعنيه ذلك من جلب لليسر وتذليل الصعاب أمامهم وتمكين أرباب الأسر وخاصة ربات البيوت من قروض ميسرة عند الحاجة يتم إرجاعها في شكل أقساط لا تتعدى 25 دينار على مدى 60 شهرا بدون فوائد أو تتحمل الدّولة فوائده للتخفيف على العائلة من تقلبات الدّهر وتستفيد منه كلما ضاق بها الحال ويكون هذا الحق متاحا مرة واحدة خلال مدّة زمنية معينة مع إحالة مهامه لهيكل مستحدث أو لأي منظمة كائنة حاليا على غرار الإتحاد الوطني للمرأة التونسية.    
أخيرا قد أسمعت إذا ناديت حيا ولكن لننتظر ... فهل يصغون. 
 
بقلم :خير الدين العماري