إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس الجمعية الوطنية للأولياء والمربين لـ "الصباح": نرفض الإجراءات المسقطة ونطالب بتشريك المجتمع المدني في الإصلاح التربوي

تونس ـ الصباح

طالب مصطفى الفرشيشي رئيس الجمعية الوطنية للأولياء والمربين ورئيس المرصد التونسي للتعليم وزارة التربية بتشريك المجتمع المدني بصفة فعلية في عملية الإصلاح التربوي، وأضاف في تصريح لـ "الصباح" أن الوزارة أعلنت يوم الأربعاء الماضي خلال ندوة صحفية بالشراكة مع الطرف النقابي عن الإجراءات التي تم تبنيها في تقرير مراجعة البرامج وتطويرها في قطاع التعليم الابتدائي، وهو تقرير تمخض عن أشغال ملتقى، قيل إنه وطني، وانعقد بمدينة الحمامات من الثامن إلى العاشر من الشهر الجاري حول برامج التعليم الابتدائي وسبل تطويرها، ولكن في الحقيقة الوزارة واصلت انتهاج نفس السياسة الإقصائية وتجاهلت المجتمع المدني وبالتالي أكدت مرة أخرى أن التشاركية في نظرها مجرد شعار رنان..

وأضاف أنه سبق لوزارة التربية أن اشتغلت منذ سنوات على مشروع الإصلاح التربوي وذلك بالشراكة مع نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان رغم التحفظات التي أبداها المجتمع المدني على أهداف هذا المعهد ومصادر تمويله، لكن الوزارة لم تكترث للأمر وغيبت طيفا واسعا من الجمعيات والمنظمات الناشطة في المجال التربوي وها هي اليوم تعيد نفس السيناريو..

وأشار الفرشيشي إلى أن وزير التربية فتحي السلاوتي تحدث خلال الندوة الصحفية عن الإصلاح التربوي في التعليم الابتدائي ومراجعة برامجه، وقال بالحرف الواحد إنه سيتم بناء الإصلاح على ما تم إنجازه، وكان عليه أن يفسر ماذا يقصد وأن يقدم للتونسيين وخاصة المربين والأولياء بسطة عما تم انجازه إلى حد الآن، وهل خضع هذا المنجز لتقييم علمي؟؟.  وأضاف محدثنا أن الوزير قال أيضا إنه سيتم تركيز أربع لجان لتنفيذ مخرجات الإصلاح في التعليم الابتدائي، ومن بين هذه اللجان هناك لجنة علمية تتكون من خبراء، لكنه لم يقدم أي معلومة عن هؤلاء الخبراء لكي تطمئن القلوب، وشدد رئيس الجمعية على رفضه المطلق لتشريك خبراء أجانب في الإصلاح التربوي وتكرار نفس ما حصل في السابق، وذكر أن المجتمع المدني سيكون دائما وأبدا بالمرصاد لأنه يريد أن يكون الإصلاح تونسيا خالصا، ولأنه لن يقبل أي تدخل خارجي أو إجراءات مسقطة تمليها الأطراف المانحة خاصة عندما يتعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي أو البنك الدولي.. 

وذكر رئيس المرصد التونسي للتعليم أنه تبعا لما أكده وزير التربية  ستكون هناك إلى جانب لجنة الخبراء، لجنة قيادة ولجنة بيداغوجية ولجنة متابعة وتقييم لكنه لم يفسر ما هو المنوال الذي سيتم إتباعه في الإصلاح، فهل سيتم الاستئناس بالإصلاح التربوي المغربي؟ أو بتجربة سنغافورة؟ أو تجربة الأرجنتين؟ أو بتجربة أخرى.. ثم أنه أكد كذلك على أن الإصلاح سيتم وفق منهجية ترتكز على عمل تشاركي متدرج مع الشريك الاجتماعي، وعلى أن الإصلاح سينفذ من قبل مصالح الوزارة في غضون 10 أشهر.. ويرى الفرشيشي أن كلام الوزير يبعث فعلا على الحيرة ويدعو للتساؤل كيف سيتم الإصلاح خلال هذه الفترة القصيرة؟ ثم لماذا كل هذه العجلة؟ ولماذا تم اختيار هذا التوقيت بالذات؟ فالأسرة التربوية حاليا في صراع مع جائحة كورونا وكل همها هو التوقي من العدوى قدر الإمكان وليس الإصلاح التربوي الذي من المفروض أن يطبخ على نار هادئة وأن يتم في ظروف عادية وأن يأخذ حظه من النقاش العام.

مشروع جاهز

وأضاف رئيس الجمعية الوطنية للأولياء والمربين أنه يعتقد أن مشروع الإصلاح التربوي جاهز بصفة مسبقة وموجود لدى وزارة التربية وكل ما في الأمر أنها عقدت لقاء بالحمامات لعرضه على نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل ومن ثمة لتمريره.. 

كما أشار محدثنا إلى أن عملية الإصلاح وفق ما تمت تبيانه خلال الندوة الصحفية لوزارة التربية بالشراكة مع الطرف النقابي، ستعتمد على تحديد ملامح خريج المرحلة الابتدائي، وهذا أمر مفهوم، لكن هناك غموض في علاقة بمسألة تخفيف البرامج،وكذلك في علاقة بالكتب المدرسية الجديدة إذ قال الوزير إن الكتب المدرسية ستستجيب للمعايير الدولية، والسؤال المطروح في هذا السياق هو هل أن الوزارة ستأخذ بعين الاعتبار توصيات الندوة الوطنية حول الكتب المدرسية التي تم فيها تشريك جميع المتدخلين في الشأن التربوي أم أن تلك التوصيات ستبقى حبرا على ورق؟؟ خاصة ما تعلق منها برقمنة جميع الدروس واعتماد اللوحات الالكترونية "طابلات" في التدريس فبهذه الكيفية يكون التعليم تفاعليا وتسهل عملية تحيين المعلومات التي يتم تقديمها للتلميذ خاصة في علاقة بالمواد الاجتماعية والأهم من ذلك أن يقع توفير موارد مالية ضخمة كانت تخصص لتوريد الورق ولطباعة الكتب المدرسية.. فبفضل تلك الموارد يمكن تعصير المدرسة العمومية وتحقيق الأهداف التي ترنو إليها وزارة التربية، فالوزير نفسه قال خلال الندوة الصحفية إن عملية الإصلاح تتطلب توفير التجهيزات الرقمية لكل المدارس بالكميات المطلوبة، ولكن ما قاله أشبه بالحلم في الوقت الراهن لأن المدرسة العمومية اليوم في وضع كارثي بكل المقاييس وهي تفتقر إلى أبسط المرافق من ماء وكهرباء وطاولات وكراسي..

الزمن المدرسي

ويرى رئيس المرصد التونسي للتعليم الراجع بالنظر إلى شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي،أن النقطة الإيجابية الوحيدة التي تم التطرق إليها خلال الندوة الصحفية حول الإجراءات التي تم تبنيها في تقرير مراجعة البرامج وتطويرها في قطاع التعليم الابتدائي، هي تلك المتعلقة بمراجعة الزمن المدرسي وذلك للتخفيف من الضغط النفسي والعصبي المسلط على التلاميذ ومراعاة اختلاف أنساق التعلم ومساحاته الزمنية لدى الأطفال وملاءمة الزمن الفعلي اللازم للبرامج المعدلة.. وأضاف محدثنا أنه قبل مراجعة الزمن المدرسي لا بد من التفكير في كيفية ضمان المصلحة الفضلى للطفل وفي كيفية حمايته من مخاطر الشارع. وفسر أنه حتى لو تم الاقتصار على التدريس حصة واحدة، فإنه لا بد من توفير قاعات يراجع فيها التلاميذ دروسهم ويحتمون بين جدرانها من البرد والحر وخاصة من أفات الشارع، وإضافة إلى قاعات المراجعة لا بد من تمتيع التلاميذ خلال الساعات التي لا يدرسون فيها بالأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية، وهذا الأمر ليس مستحيلا لو يقع تشريك وزارات الشباب والرياضة والثقافة والطفولة في صياغة برنامج واضح لكيفية الاستفادة من المكتبات العمومية التي باتت مهجورة وكذلك من دور الشباب ودور الثقافة..

وتعليقا على ما جاء على لسان وزير التربية بخصوص تحسين ظروف العمل بالمدارس الابتدائيةمن خلال تكريس الاستقلالية الإدارية والمادية لهذه المدارسوتطوير صيغ التمويل وتنويعها في طار ما يسمى بالتمويل البديل، بين مصطفى الفرشيشي أنه يعتقد أن هذا التوجه مفروض على وزارة التربية من طرف الجهات المانحة ولهذا السبب هو مرفوض. وأضاف أن هناك مسألة أخرى تم التطرق إليها خلال الندوة الصحفية وهي تتعلق ببرمجة حلقات لتكوين كل الفاعلين في المجال التربوي بمعدل 30ساعة تكوين مع تنفيل التكوين الإشهادي عند الترقيات، وبين أنه يعتقد أن التكوين بهذه الكيفية مجرد تبديد للمال العام وسيكون مدخلا للمغالطات، وكل من سيجمع أكبر عدد من الشهادات سيفوز بالترقيات المهنية حتى لو كانت مشاركته في الدورات التكوينية مشاركة صورية.. وقال إن المطلوب هو بعث كليات للتربية لأن العنصر الأساسي لإصلاح المنظومة التربوية هو المربي، وطالما لم يقع التركيز على تحسين مهارات المربين وتطوير كفاءاتهم فإن جميع جهود الإصلاح التربوي ستذهب هباء منثورا.. وذكر أنه من المهم جدا بعث كليات للتربية في مختلف الأقاليم وتوخي الصرامة عند ضبط شروط الالتحاق بها، وفسر محدثنا قائلا إنه من المفروض أن هذه الكليات لا تقبل إلاالتلاميذ المتميزين جدا في امتحان الباكالوريا ولكن هذا لا يكفي بل يجب إخضاعهم إلى اختبارات كتابية وشفاهية ونفسية وذلك للتأكد من حبهم لمهن التربية ومن أن لديهم ما يكفي من الوطنية والتربية والأخلاق السوية والجدية والانضباط.. وبعد ضبط شروط الالتحاق بمدارس التربية لا بد من تحديد مدة الدراسة المستوجبة بالنسبة إلى المعلم والأستاذ وإطار الإشراف البيداغوجي ككل ولا بد كذلك من تحديد المواد التي يجب تدريسها ومن اشتراط المؤهلات الواجب توفرها في أساتذة كليات التربية..

ورقة بيضاء

أشار مصطفى الفرشيشي إلى أن وزارة التربية وعدت بأنها ستنفتح على الخبراء لإنجاز برنامج الإصلاح، وبأنها لن تستثني أي فكرة بإمكانها الإسهام في الارتقاء بمردودية التلميذ والمطلوب منها أن تفي بوعودها وأن تنصت إلى المجتمع المدني الذي يعج بالكفاءات وذوي الخبرة وخاصة بالفاعلين الحقيقيين الذين يعرفون هموم القطاع التربوي عن كثب ويدركون نقائص المنظومة التربوية، فهذه المنظومة حسب وصفة مثل البناية الآيلة للسقوط، وبالتالي يجب نسفها وتشييد بناية جديدة وتلافي الحلول الترقيعية التي لا جدوى منها.

وفسر أن إصلاح المنظومة التربوية يجب أن ينطلق من ورقة بيضاء ويجب أن يقوم به خبراء تونسيون لحما ودما، كما يجب إبعاده عن تجاذبات النقابات لأن النقابات خلقت فقط لكي تدافع عن منظوريها وهذا طبيعي وحق مشروع، ولكن من سيدافع عن مصلحة التلميذ الذي هو الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية ومن سيدافع عن الأولياء الذين اكتووا بغلاء المعيشة وارتفاع كلفة تدريس أبنائهم خاصة بعد ضرب المدرسة العمومية بطريقة ممنهجة بهدف دعم القطاع الخاص.

وعن رأيه في مخرجات مشروع الإصلاح التربوي الذي تم إعداده في عهد وزير التربية السابق ناجي جلول بين رئيس المرصد التونسي للتعليم أنه عوضا عن الذهاب إلى إصلاح جديد كان من الأفضل بعد الثورة إدخال بعض التعديلات على القانون التوجيهي للتربية والتعليم لسنة 2002، وهو قانون تم إعداده في عهد وزير التربية الراحل منصر الرويسي، فإصلاح الرويسي حسب وصفه كان جيدا وجديا  لكن للأسف الشديد لم يقع تطبيقه، إذ لم تتجاوز نسبة التطبيق 15 بالمائة وهذه المعلومة قدمها الدكتور في علم التربية كمال الحجام عند الانطلاق في نقاشات الإصلاح التربوي في عهد الوزير ناجي جلول ولهذا السبب انطلق جلول من إصلاح 2002 وكان صائبا لكنه للأسف أقصى المجتمع المدني ولم يشرك سوى نقابات المنظمة الشغيلة والمعهد العربي لحقوق الإنسان وفي النهاية ظل المشروع في الرفوف لأنه بكل بساطة لا يخدم مصالح نقابات القطاع التربوي.. وأضاف الفرشيشي:" للنأي بالإصلاح التربوي عن الصراعات أعتقد أنه من الأفضل لوزارة التربية أن تعجل بسن قانون أساسي خاص بالمربين وذلك حتى يعرف كل مدرس ما هي حقوقه وما هي واجباته فبهذه الكيفية لا يقع التداخل بين المطالب النقابية وبين متطلبات الإصلاح التربوي"..

وخلص رئيس المرصد التونسي للتعليم إلى أن التربية هي شأن عام والإصلاح التربوي مسألة تهم جميع الأسر التونسية، وبالتالي لا بد من التروي وعدم التسرع، فلا يمكن إصلاح التعليم الابتدائي في عشرة أشهر فقط، كما لا بد من تشريك مختلف الوزارات المعنية، وفسر أنه إلى جانب وزارة التربية، لا بد من تشريك وزارة الطفولة ووزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الدينية في جميع مراحل الإصلاح التربوي.

 

سعيدة بوهلال 

رئيس الجمعية الوطنية للأولياء والمربين لـ "الصباح": نرفض الإجراءات المسقطة ونطالب بتشريك المجتمع المدني في الإصلاح التربوي

تونس ـ الصباح

طالب مصطفى الفرشيشي رئيس الجمعية الوطنية للأولياء والمربين ورئيس المرصد التونسي للتعليم وزارة التربية بتشريك المجتمع المدني بصفة فعلية في عملية الإصلاح التربوي، وأضاف في تصريح لـ "الصباح" أن الوزارة أعلنت يوم الأربعاء الماضي خلال ندوة صحفية بالشراكة مع الطرف النقابي عن الإجراءات التي تم تبنيها في تقرير مراجعة البرامج وتطويرها في قطاع التعليم الابتدائي، وهو تقرير تمخض عن أشغال ملتقى، قيل إنه وطني، وانعقد بمدينة الحمامات من الثامن إلى العاشر من الشهر الجاري حول برامج التعليم الابتدائي وسبل تطويرها، ولكن في الحقيقة الوزارة واصلت انتهاج نفس السياسة الإقصائية وتجاهلت المجتمع المدني وبالتالي أكدت مرة أخرى أن التشاركية في نظرها مجرد شعار رنان..

وأضاف أنه سبق لوزارة التربية أن اشتغلت منذ سنوات على مشروع الإصلاح التربوي وذلك بالشراكة مع نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان رغم التحفظات التي أبداها المجتمع المدني على أهداف هذا المعهد ومصادر تمويله، لكن الوزارة لم تكترث للأمر وغيبت طيفا واسعا من الجمعيات والمنظمات الناشطة في المجال التربوي وها هي اليوم تعيد نفس السيناريو..

وأشار الفرشيشي إلى أن وزير التربية فتحي السلاوتي تحدث خلال الندوة الصحفية عن الإصلاح التربوي في التعليم الابتدائي ومراجعة برامجه، وقال بالحرف الواحد إنه سيتم بناء الإصلاح على ما تم إنجازه، وكان عليه أن يفسر ماذا يقصد وأن يقدم للتونسيين وخاصة المربين والأولياء بسطة عما تم انجازه إلى حد الآن، وهل خضع هذا المنجز لتقييم علمي؟؟.  وأضاف محدثنا أن الوزير قال أيضا إنه سيتم تركيز أربع لجان لتنفيذ مخرجات الإصلاح في التعليم الابتدائي، ومن بين هذه اللجان هناك لجنة علمية تتكون من خبراء، لكنه لم يقدم أي معلومة عن هؤلاء الخبراء لكي تطمئن القلوب، وشدد رئيس الجمعية على رفضه المطلق لتشريك خبراء أجانب في الإصلاح التربوي وتكرار نفس ما حصل في السابق، وذكر أن المجتمع المدني سيكون دائما وأبدا بالمرصاد لأنه يريد أن يكون الإصلاح تونسيا خالصا، ولأنه لن يقبل أي تدخل خارجي أو إجراءات مسقطة تمليها الأطراف المانحة خاصة عندما يتعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي أو البنك الدولي.. 

وذكر رئيس المرصد التونسي للتعليم أنه تبعا لما أكده وزير التربية  ستكون هناك إلى جانب لجنة الخبراء، لجنة قيادة ولجنة بيداغوجية ولجنة متابعة وتقييم لكنه لم يفسر ما هو المنوال الذي سيتم إتباعه في الإصلاح، فهل سيتم الاستئناس بالإصلاح التربوي المغربي؟ أو بتجربة سنغافورة؟ أو تجربة الأرجنتين؟ أو بتجربة أخرى.. ثم أنه أكد كذلك على أن الإصلاح سيتم وفق منهجية ترتكز على عمل تشاركي متدرج مع الشريك الاجتماعي، وعلى أن الإصلاح سينفذ من قبل مصالح الوزارة في غضون 10 أشهر.. ويرى الفرشيشي أن كلام الوزير يبعث فعلا على الحيرة ويدعو للتساؤل كيف سيتم الإصلاح خلال هذه الفترة القصيرة؟ ثم لماذا كل هذه العجلة؟ ولماذا تم اختيار هذا التوقيت بالذات؟ فالأسرة التربوية حاليا في صراع مع جائحة كورونا وكل همها هو التوقي من العدوى قدر الإمكان وليس الإصلاح التربوي الذي من المفروض أن يطبخ على نار هادئة وأن يتم في ظروف عادية وأن يأخذ حظه من النقاش العام.

مشروع جاهز

وأضاف رئيس الجمعية الوطنية للأولياء والمربين أنه يعتقد أن مشروع الإصلاح التربوي جاهز بصفة مسبقة وموجود لدى وزارة التربية وكل ما في الأمر أنها عقدت لقاء بالحمامات لعرضه على نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل ومن ثمة لتمريره.. 

كما أشار محدثنا إلى أن عملية الإصلاح وفق ما تمت تبيانه خلال الندوة الصحفية لوزارة التربية بالشراكة مع الطرف النقابي، ستعتمد على تحديد ملامح خريج المرحلة الابتدائي، وهذا أمر مفهوم، لكن هناك غموض في علاقة بمسألة تخفيف البرامج،وكذلك في علاقة بالكتب المدرسية الجديدة إذ قال الوزير إن الكتب المدرسية ستستجيب للمعايير الدولية، والسؤال المطروح في هذا السياق هو هل أن الوزارة ستأخذ بعين الاعتبار توصيات الندوة الوطنية حول الكتب المدرسية التي تم فيها تشريك جميع المتدخلين في الشأن التربوي أم أن تلك التوصيات ستبقى حبرا على ورق؟؟ خاصة ما تعلق منها برقمنة جميع الدروس واعتماد اللوحات الالكترونية "طابلات" في التدريس فبهذه الكيفية يكون التعليم تفاعليا وتسهل عملية تحيين المعلومات التي يتم تقديمها للتلميذ خاصة في علاقة بالمواد الاجتماعية والأهم من ذلك أن يقع توفير موارد مالية ضخمة كانت تخصص لتوريد الورق ولطباعة الكتب المدرسية.. فبفضل تلك الموارد يمكن تعصير المدرسة العمومية وتحقيق الأهداف التي ترنو إليها وزارة التربية، فالوزير نفسه قال خلال الندوة الصحفية إن عملية الإصلاح تتطلب توفير التجهيزات الرقمية لكل المدارس بالكميات المطلوبة، ولكن ما قاله أشبه بالحلم في الوقت الراهن لأن المدرسة العمومية اليوم في وضع كارثي بكل المقاييس وهي تفتقر إلى أبسط المرافق من ماء وكهرباء وطاولات وكراسي..

الزمن المدرسي

ويرى رئيس المرصد التونسي للتعليم الراجع بالنظر إلى شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي،أن النقطة الإيجابية الوحيدة التي تم التطرق إليها خلال الندوة الصحفية حول الإجراءات التي تم تبنيها في تقرير مراجعة البرامج وتطويرها في قطاع التعليم الابتدائي، هي تلك المتعلقة بمراجعة الزمن المدرسي وذلك للتخفيف من الضغط النفسي والعصبي المسلط على التلاميذ ومراعاة اختلاف أنساق التعلم ومساحاته الزمنية لدى الأطفال وملاءمة الزمن الفعلي اللازم للبرامج المعدلة.. وأضاف محدثنا أنه قبل مراجعة الزمن المدرسي لا بد من التفكير في كيفية ضمان المصلحة الفضلى للطفل وفي كيفية حمايته من مخاطر الشارع. وفسر أنه حتى لو تم الاقتصار على التدريس حصة واحدة، فإنه لا بد من توفير قاعات يراجع فيها التلاميذ دروسهم ويحتمون بين جدرانها من البرد والحر وخاصة من أفات الشارع، وإضافة إلى قاعات المراجعة لا بد من تمتيع التلاميذ خلال الساعات التي لا يدرسون فيها بالأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية، وهذا الأمر ليس مستحيلا لو يقع تشريك وزارات الشباب والرياضة والثقافة والطفولة في صياغة برنامج واضح لكيفية الاستفادة من المكتبات العمومية التي باتت مهجورة وكذلك من دور الشباب ودور الثقافة..

وتعليقا على ما جاء على لسان وزير التربية بخصوص تحسين ظروف العمل بالمدارس الابتدائيةمن خلال تكريس الاستقلالية الإدارية والمادية لهذه المدارسوتطوير صيغ التمويل وتنويعها في طار ما يسمى بالتمويل البديل، بين مصطفى الفرشيشي أنه يعتقد أن هذا التوجه مفروض على وزارة التربية من طرف الجهات المانحة ولهذا السبب هو مرفوض. وأضاف أن هناك مسألة أخرى تم التطرق إليها خلال الندوة الصحفية وهي تتعلق ببرمجة حلقات لتكوين كل الفاعلين في المجال التربوي بمعدل 30ساعة تكوين مع تنفيل التكوين الإشهادي عند الترقيات، وبين أنه يعتقد أن التكوين بهذه الكيفية مجرد تبديد للمال العام وسيكون مدخلا للمغالطات، وكل من سيجمع أكبر عدد من الشهادات سيفوز بالترقيات المهنية حتى لو كانت مشاركته في الدورات التكوينية مشاركة صورية.. وقال إن المطلوب هو بعث كليات للتربية لأن العنصر الأساسي لإصلاح المنظومة التربوية هو المربي، وطالما لم يقع التركيز على تحسين مهارات المربين وتطوير كفاءاتهم فإن جميع جهود الإصلاح التربوي ستذهب هباء منثورا.. وذكر أنه من المهم جدا بعث كليات للتربية في مختلف الأقاليم وتوخي الصرامة عند ضبط شروط الالتحاق بها، وفسر محدثنا قائلا إنه من المفروض أن هذه الكليات لا تقبل إلاالتلاميذ المتميزين جدا في امتحان الباكالوريا ولكن هذا لا يكفي بل يجب إخضاعهم إلى اختبارات كتابية وشفاهية ونفسية وذلك للتأكد من حبهم لمهن التربية ومن أن لديهم ما يكفي من الوطنية والتربية والأخلاق السوية والجدية والانضباط.. وبعد ضبط شروط الالتحاق بمدارس التربية لا بد من تحديد مدة الدراسة المستوجبة بالنسبة إلى المعلم والأستاذ وإطار الإشراف البيداغوجي ككل ولا بد كذلك من تحديد المواد التي يجب تدريسها ومن اشتراط المؤهلات الواجب توفرها في أساتذة كليات التربية..

ورقة بيضاء

أشار مصطفى الفرشيشي إلى أن وزارة التربية وعدت بأنها ستنفتح على الخبراء لإنجاز برنامج الإصلاح، وبأنها لن تستثني أي فكرة بإمكانها الإسهام في الارتقاء بمردودية التلميذ والمطلوب منها أن تفي بوعودها وأن تنصت إلى المجتمع المدني الذي يعج بالكفاءات وذوي الخبرة وخاصة بالفاعلين الحقيقيين الذين يعرفون هموم القطاع التربوي عن كثب ويدركون نقائص المنظومة التربوية، فهذه المنظومة حسب وصفة مثل البناية الآيلة للسقوط، وبالتالي يجب نسفها وتشييد بناية جديدة وتلافي الحلول الترقيعية التي لا جدوى منها.

وفسر أن إصلاح المنظومة التربوية يجب أن ينطلق من ورقة بيضاء ويجب أن يقوم به خبراء تونسيون لحما ودما، كما يجب إبعاده عن تجاذبات النقابات لأن النقابات خلقت فقط لكي تدافع عن منظوريها وهذا طبيعي وحق مشروع، ولكن من سيدافع عن مصلحة التلميذ الذي هو الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية ومن سيدافع عن الأولياء الذين اكتووا بغلاء المعيشة وارتفاع كلفة تدريس أبنائهم خاصة بعد ضرب المدرسة العمومية بطريقة ممنهجة بهدف دعم القطاع الخاص.

وعن رأيه في مخرجات مشروع الإصلاح التربوي الذي تم إعداده في عهد وزير التربية السابق ناجي جلول بين رئيس المرصد التونسي للتعليم أنه عوضا عن الذهاب إلى إصلاح جديد كان من الأفضل بعد الثورة إدخال بعض التعديلات على القانون التوجيهي للتربية والتعليم لسنة 2002، وهو قانون تم إعداده في عهد وزير التربية الراحل منصر الرويسي، فإصلاح الرويسي حسب وصفه كان جيدا وجديا  لكن للأسف الشديد لم يقع تطبيقه، إذ لم تتجاوز نسبة التطبيق 15 بالمائة وهذه المعلومة قدمها الدكتور في علم التربية كمال الحجام عند الانطلاق في نقاشات الإصلاح التربوي في عهد الوزير ناجي جلول ولهذا السبب انطلق جلول من إصلاح 2002 وكان صائبا لكنه للأسف أقصى المجتمع المدني ولم يشرك سوى نقابات المنظمة الشغيلة والمعهد العربي لحقوق الإنسان وفي النهاية ظل المشروع في الرفوف لأنه بكل بساطة لا يخدم مصالح نقابات القطاع التربوي.. وأضاف الفرشيشي:" للنأي بالإصلاح التربوي عن الصراعات أعتقد أنه من الأفضل لوزارة التربية أن تعجل بسن قانون أساسي خاص بالمربين وذلك حتى يعرف كل مدرس ما هي حقوقه وما هي واجباته فبهذه الكيفية لا يقع التداخل بين المطالب النقابية وبين متطلبات الإصلاح التربوي"..

وخلص رئيس المرصد التونسي للتعليم إلى أن التربية هي شأن عام والإصلاح التربوي مسألة تهم جميع الأسر التونسية، وبالتالي لا بد من التروي وعدم التسرع، فلا يمكن إصلاح التعليم الابتدائي في عشرة أشهر فقط، كما لا بد من تشريك مختلف الوزارات المعنية، وفسر أنه إلى جانب وزارة التربية، لا بد من تشريك وزارة الطفولة ووزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الدينية في جميع مراحل الإصلاح التربوي.

 

سعيدة بوهلال 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews