قدّم اليوم الخميس، مجلس الأعمال التونسي الافريقي العرض الأولي لتقرير دراسة، أعدّها، تحت عنوان "الممرات الطاقية في افريقيا: مفتاح التحول البيئي والتكامل الاقليمي".
وأفاد كاتب الدولة لدى وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة المكلف بملف الانتقال الطاقي وائل شوشان والذي كان من بين المشاركين في هذا اللقاء، الذي نظمه مجلس الأعمال التونسي الافريقي وحضره عدد من السفراء الأفارقة وخبراء في المجال، أنّ "هذه المبادرة تندرج في إطار تفكير استراتيجي أساسي، وهو استغلال الطاقة في بناء بنية تحتية مُتكاملة وفي مجال الطاقة".
وأشار إلى أنّ "تونس تتمتع بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، فضلاً عن إمكانيات بشرية يمكن أن تجعل القارة ليست مجرد مُستودع للواردات، بل مُنتجاً حقيقياً للطاقة والطاقة الصناعية".
وقال: " نعيش اليوم في عالم تُعيد فيه الطاقة رسم ميزان القوى"، مُؤكّدا "أهمية أن تتحدّث أفريقيا بصوت واحد وأن تبني شبكاتها الخاصة لإنتاج وتحويل وتبادل طاقتها لخدمة مصالحها"،..
وأضاف: "هذه هي، في الأساس، فلسفة ممرّات الطاقة.. وتونس تشارك بشكل كامل هذه الرؤية.. لكن هذا التكامل لا يجب أن يتوقف عند هذا الحد إنه أمر تاريخي أيضًا".
ومن جهة أخرى، قال إنّ لتونس خمسة خطوط كهربائية مُشتركة اثنان منها مع ليبيا وهناك حاليًا مباحثات ثلاثية متقدمة لتعزيز هذه الخطوط، مُضيفا: "وهذا يعكس قناعة عميقة أن أمن الطاقة في تونس يهم كل أفريقيا بأسرها.. هذه الروابط هي أول شبكات للممرات الطاقية المستقبلية لتونس.. هذه الممرات الطاقية التي تعرفونها اليوم لا يجب أن يُنظر إليها على أنها مجرد مشاريع تقنية، مثل البنى التحتية.. إنها تحمل طموحًا جيوسياسيًا.. إنها تمهد الطريق للتطور التكنولوجي والقدرة التنافسية الصناعية، تربط الطاقة بالغذاء والمياه، لهذا، فإن النهج المتكامل سيكون في صميم التحديات الكبرى التي تواجه تونس.
واوضح انه بالنسبة لتونس، فإن الأهداف واضحة لتحقيق هذا التكامل، وستنجح أيضًا في تحقيق انتقالها الوطني في مجال الطاقة".
استراتيجية للطاقة سنة 2035
وواصل شوشان بالقول: "لهذا الغرض، وضعنا استراتيجية للطاقة سنة 2035 حددت أهدافًا واضحة جدًا. وهي أهداف طموحة ولكنها تأخذ في الاعتبار إمكاناتنا وقدرتنا على تحقيقها، حددنا هدفًا لتوليد الطاقة الكهربائية يجب أن يصل إلى 35٪ من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 و50٪ بحلول عام 2035. ولكن هناك أهداف أخرى.. لقد تحدثت عن كثافة الطاقة في مختلف الاقتصادات".
وفي هذا الصدد، اضاف: "حددنا أيضًا أهدافًا طموحة جدًا ومرتفعة جدًا لتقليل كثافة الطاقة بنسبة 30٪ بحلول عام 2030 و37٪ بحلول عام 2035 مقارنة بعام 2021، نحن نعمل على تكثيف أو بالأحرى تسريع كهربة الاستخدامات للوصول إلى 30٪ في عام 2035 مقابل 24٪ في عام 2022. لكن هذه الأهداف ليست مجرد أهداف أولية. فهناك العديد من المشاريع الملموسة قيد التطوير".
قريبا.. محطات طاقة شمسية تبدأ الانتاج
وأعلن كاتب الدولة، أن محطات طاقة شمسية، في القيروان بقدرة 100 ميجاوات، وسيدي بوزيد بقدرة 50 ميجاوات، وتوزر بقدرة 50 ميجاوات، ستبدأ الإنتاج الشهر المقبل في ديسمبر 2025، حيث سيكون لهذه المحطات تأثيرا كبيرا على خفض العجز في الطاقة، مُشيرا إلى أنّ المشاريع التي يجري تطويرها هذا العام، والتي ستدخل حيز الإنتاج، سترفع مزيج توليد الكهرباء من 5٪ اليوم إلى 10٪ في عام 2025.
وذكّر أنّ سياسة كفاءة الطاقة قد انطلقت في الثمانينات وقد تم إنشاء الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، قائلا: "لقد نجحنا في خفض الكثافة الاقتصادية بنسبة 14٪ بين عامي 2010 و 2012 و 2024... ".
وأَضاف كاتب الدولة المكلف بملف الانتقال الطاقي: "إن نجاح هذه الطموحات يتطلب جهدًا جماعيًا، كما قلت... لا يمكن لأي دولة افريقية اليوم أن تنجح بمفردها في إنتاج الطاقة.. يجب أن نوحد قوانا ونجمع مواردنا ونحشد الدعم من جهات أخرى... يجب أن تلعب المؤسسات المتعددة الأطراف وشركاء التنمية دوراً هاماً في هذا الصدد.. دوراً أساسياً لتسريع الاستثمارات في البنى التحتية الإقليمية وبنى النقل والتكنولوجيات، وانطلاقاً من هذا المنطلق، تدعو تونس إلى بناء استراتيجية مشتركة للطاقة، تدعمها دولنا ومؤسساتنا وأصدقاؤنا ومواطنونا وزملاؤنا. في المقابل، أود أن أقول إن تونس لا تحتاج إلى من يفتح لها الطريق.. فهي ترسم الآن مسارها الخاص، أو بالأحرى ممراتها الخاصة نحو الطاقة المُستدامة وستقوم تونس بدورها، كفاعل وشريك لأن الطاقة، قبل أن تكون مسألة موارد، هي مسألة إرادة... وإرادتنا اليوم واضحة، وهي جعل الطاقة محركاً لقوة مُتجددة".
افريقيا و التحديات في "المجال الطاقي"
أمّا رئيس مجلس الأعمال التونسي الافريقي أنيس الجزيري، فقد أشار إلى أنّ هذه الدراسة يشتغل عليها المجلس منذ سنتين وتهمّ مجال الطاقة في أفريقيا والممرات الطاقية.
وقال الجزيري إنّ افريقيا اليوم من أهم التحديات التي تشتغل عليها في السنوات القادمة "المجال الطاقي" باعتبار أن عددا من الدول الأفريقية نسبة توفير الكهرباء فيها ضعيف جدا ويتراوح بين 25-30% على أقصى تقدير على عكس ما هو مُسجّل في تونس إذ تصل النسبة إلى 99%، مُشيرا إلى وجود "تحديات كبيرة في افريقيا في الجانب الطاقي".
وفي هذا السياق، قال إنّ "الدراسة التي أعدّها مجلس الأعمال التونسي الافريقي تُمكّن بعض البلدان الأفريقية التي لديها توزيع طاقي أقوى وبعض البلدان الأخرى القريبة منها والأضعف انتاجا وعن طريق الممرات الطاقية من دعم هذه البلدان في المجال الطاقي".
وأكّد أنه دون طاقة في البلدان الأفريقية لا يمكن تحسين وتطوير المجال الصناعي والتغيير المحلي، مُشدّدا: "لكن التحدي الكبير والكبير جدا هو مجال الطاقة والكهرباء".
وفي هذا الإطار، اعتبر أنّ تونس يمكن أن تكون "HUB" طاقي بين افريقيا وأوروبا
وذكّر الجزيري بمشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا المعروف بـ"ألماد" والذي يتكوّن من كابل بحري بطول 220 كلم ذو تيار مُستمر وذو جهد عالي 500 كيلوفولط بقوة 600 ميغاواط ومحطتي تحويل كهربائية، ستساعد على الربط بين شبكتي الكهرباء التونسية والإيطالية وينتظر ان يدخل حيز الاستغلال مع موفى 2028 علما وأنّ كلفته الجملية تناهز حوالي 1 مليار يورو.
الطاقة محرك تحول بيئي وصناعي وسيادي حقيقي للقارة الأفريقية
ومن جهته، قال الوزير السابق والخبير المختص في قضايا الانتقال الطاقي نضال الورفلي في مداخلة له في اللقاء عن طريق برمجية "الزووم"، إنّ هذه الدراسة التي تمّ إعدادها من قبل مجلس الأعمال التونسي الافريقي تُرسّخ قناعة مفادها أنّ الطاقة، ليست مجرد مسألة وصول إلى الكهرباء، بل محرك تحول بيئي وصناعي وسيادي حقيقي للقارة الأفريقية".
واعتبر انّ التحدي الحقيقي الذي نواجهه اليوم إنتاج طاقة نظيفة وتنافسية، وربطها بالتحولات واستخدامها لخلق نشاط اقتصادي، ووظائف، قائلا:"يجب على أفريقيا أولاً تلبية احتياجاتها الزراعية والصناعية والإقليمية والاقتصادية قبل التصدير إلى الخارج إنه إذن تغيير عميق في النموذج.. في هذه الرؤية، تلعب ممرات الطاقة دوراً مركزياً وهي ليست مجرد بنى تحتية، بل عناصر حيوية في قارة مُترابطة ومتضامنة ومُوحّدة". وأشار إلى أنّ إن التكامل الطاقي الأفريقي قيد التنفيذ، وهو يمهد الطريق لتكامل بيئي أوسع نطاقًا.. كما أفاد أنّ هذا التقرير تحدّث عن إشكال في مسألة البنية التحتية، ما يؤكّد أهمية بناء ممرات مترابطة وذكية وإقليمية عبر تحديث الشبكات، وتعزيز التخزين، وربط مراكز الطاقة على المستوى الإقليمي، لجعل كل منطقة حلقة في سوق طاقة قاري كبير.
وشدّد الورفلي على ضرورة أن تتحدث افريقيا بصوت واحد مُبتكر ما يعني تنسيق الأطر التنظيمية، وتجميع التمويلات، والابتكار في النماذج الاقتصادية... بهدف توفير الوصول العادل إلى الطاقة في أفريقيا.
الدراسة تسلط الضوء على التحول البيئي والصناعي
وقدم مستشار السياسات والمنسق العلمي للتقرير منذر خنفير، الوثيقة التي تسلط الضوء على التحول البيئي والصناعي (TEI) باعتباره نموذجًا استراتيجيًا جديدًا للتكامل الأفريقي.
وأفاد أنّ الدراسة اقترحت خارطة طريق طموحة تتمحور حول ثلاثة تحولات نظامية أولها التحول التكنولوجي، لتسريع الابتكار المحلي والإنتاج المحلي للمعدات؛ وثانيا البنية التحتية لبناء ممرات طاقة ذكية ومترابطة؛ وثالثا المؤسسية لتنسيق الأطر التنظيمية وتقاسم التمويل.
كما قال بدوره: "لا تكمن سيادة أفريقيا في مجال الطاقة في الإنتاج فحسب، بل في قدرة دولها على تلبية احتياجاتها المحلية قبل تزويد الأسواق الخارجية".
وفي نفس السياق، قال إنّ "الهدف من الدراسة جعل الممرات الطاقية شريان تنمية افريقيا".
للتذكير استراتيجية الطاقة في تونس لسنة 2035 تعتمد على ثلاثة ركائز رئيسية تتمثل في: تسريع استخدام الطاقات المتجددة، وتحسين النجاعة الطاقية، وتعزيز التكامل الإقليمي. وتهدف هذه الاستراتيجية، التي تم تبنيها في مارس 2023، إلى ضمان إمدادات طاقة آمنة، والتحول نحو الحياد الكربوني بحلول عام 2050، بالإضافة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 46% في قطاع الطاقة. كما تسعى لإنتاج 35% من الكهرباء من مصادر الطاقة المُتجددة بحلول عام 2035، وهو ما يُعادل حوالي 8350 ميجاوات.
عبير الطرابلسي