سجّلت نسبة الدين الخارجي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي تراجعا ملحوظا خلال عام 2024، لتصل إلى 47.5 بالمائة، في مؤشر إيجابي يعكس تحسن قدرة الاقتصاد على إدارة التزاماته الخارجية. ويأتي هذا الانخفاض نتيجة سياسات مالية أكثر انضباطا، إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحسن مؤشرات الأداء الاقتصادي، ما ساهم في تخفيف عبء الدين وتعزيز الاستدامة المالية.
ويُنظر إلى هذا التطور باعتباره عامل دعم لثقة المستثمرين وتصنيف الدولة الائتماني، فضلا عن دوره في إتاحة مساحة أكبر للإنفاق التنموي خلال المرحلة المقبلة.
ويأتي هذا الانخفاض نتيجة حزمة من السياسات المالية والنقدية الهادفة إلى ضبط مستويات الاقتراض الخارجي، إلى جانب تحقيق معدلات نمو إيجابية في الناتج المحلي الإجمالي. كما ساهمت إعادة هيكلة بعض الديون، وتحسن إدارة آجال الاستحقاق، وزيادة كفاءة توجيه التمويل الخارجي نحو مشروعات إنتاجية وتنموية، في خفض العبء النسبي للدين.
ويرى محللون اقتصاديون أن تراجع نسبة الدين الخارجي يعزز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، ويدعم التصنيف الائتماني، بما ينعكس إيجابا على تكلفة الاقتراض مستقبلا. كما يوفر هذا التحسن مساحة مالية أوسع للحكومة لزيادة الإنفاق على القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، دون الضغط على الاستقرار المالي.
وفي المجمل، يشكل وصول نسبة الدين الخارجي إلى 47.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 مؤشرا إيجابيا على تحسن الأداء الاقتصادي، ويؤكد أهمية الاستمرار في السياسات الرامية إلى تحقيق نمو مستدام، وتعزيز الموارد المحلية، والحد من الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي خلال السنوات المقبلة.
وفي هذا الإطار، أورد المحلل المالي والخبير الاقتصادي معز حديدان أن انخفاض الدين الخارجي نتيجة منطقية لاعتماد الدولة أساسا على الاقتراض الداخلي الذي اتجه تدريجيا لتعويض مكانة الدين الخارجي، وهو ما أدى إلى زيادة الدين الداخلي.
مُساهمة البنك المركزي
وذكر مُحدثنا لـ«الصباح»، أنه من بين أبرز الآليات التي لجأت إليها تونس لخفض الدين الخارجي إصدار رقاع خزينة قابلة للتنظير وأيضا مساهمة البنك المركزي الفعالة في إقراض الدولة.
وسجّل قائم رقاع الخزينة ارتفاعا سنويا بنسبة 8.5 % إلى حدود 21 أكتوبر من العام الجاري 2025، وذلك مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفارط 2024، وفق بيانات سابقة للبنك المركزي التونسي.
وأتاح قانون مالية 2026، للبنك المركزي منح الدولة قرضا مُباشرا بقيمة 11 مليار دينار، دون فائدة، وعلى مدى 15 سنة مع فترة إمهال تمتدّ لثلاث سنوات، وهو ما يعني أن البنك المركزي سيواصل سياسة تغطية جزء هام من احتياجات الدولة المالية ونفقاتها.
استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة
يعكس استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة متانة الوضع المالي وقدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية، لا سيما في ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية. ويساهم هذا الاستقرار في تعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني، ودعم استقرار سعر الصرف، وضمان الوفاء بالالتزامات الخارجية، إضافة إلى توفير غطاء آمن لتمويل الواردات الأساسية. كما يُعد مؤشرا على فاعلية السياسات النقدية والمالية المتبعة، وتحسن تدفقات النقد الأجنبي من مصادر مثل الصادرات، والاستثمار، والتحويلات، بما يدعم الاستقرار الاقتصادي على المدى المتوسط.
وفي هذا السياق أكد معز حديدان أن استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة كان من ضمن أبرز الأسباب غير المُباشرة التي أدت إلى انخفاض الدين الخارجي، خاصة وأن الموجودات الصافية من العملة الأجنبية قد حافظت في الفترة الأخيرة على ما يُعادل أكثر من 100 يوم توريد.
وبلغت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية بتاريخ 12 ديسمبر 2025، 24780 مليون دينار، أي ما يُعادل 105 يوم توريد.
وأشار حديدان إلى أن هذا الاستقرار يأتي بدرجة رئيسية بفضل القفزة الكبيرة في تحويلات التونسيين بالخارج ومداخيل السياحة.
وحقّقت بلادنا إلى غاية 20 نوفمبر أرقاما هامة على مستوى تحويلات المُغتربين وعائدات السياحة، حيث صعدت إيرادات القطاع السياحي بنسبة 6.96 % لتبلغ 7.3 مليار دينار، كما ارتفعت تحويلات التونسيين بالخارج بـ6.94 % لتصل إلى 7.7 مليار دينار، مع توقّعات بأن يشهد العام القادم 2026، تسجيل أرقام قياسية جديدة، يُفسّر بالزيادة المُتواترة في أعداد الوافدين على بلادنا من جنسيات مختلفة وبالنسق المُتسارع لتدفقات تحويلات التونسيين بالخارج.
عدم نجاح السياسات السابقة في التعويل المُكثّف على الاقتراض الخارجي
من جهته، أفاد المحلل المالي والأستاذ الجامعي زياد أيوب في تصريح لـ«الصباح» أن تونس منذ سنة 2011، كانت تُعوّل بصفة مُكثّفة على القروض الخارجية إلا أن هذه السياسة أثبتت عدم نجاحها، وأدت إلى ارتفاع نسبة التداين والاقتراب من أزمة مالية حادة في أغلب القطاعات الاقتصادية، بما أن التمويلات التي كانت تتحصّل عليها تونس عبر الاقتراض الخارجي كانت تُوجّه بنسبة كبيرة لخلاص خدمة الدين الخارجي. إلا أنه ومنذ سنة 2023 اتخذت تونس قرارا سياديا يتمثل في الدفاع عن سيادتها المالية عبر التعويل على الذات، وهو ما نتج عنه أن نسبة ضئيلة فقط من هذه التمويلات أصبحت توجه لسداد خدمة الدين الخارجي على عكس العشرية التي تلت الثورة. ومن أولى الإجراءات المُتّخذة في الغرض فك الارتباط بصندوق النقد الدولي وعدم الاقتراض منه مُجدّدا إلى غاية الآن، إذ أن الاتفاق المبدئي الذي تم بين الطرفين على مستوى الخبراء الذي تم التوصّل إليه منذ أكتوبر 2022 قد ظلّ مُعلّقا، وهو الاتفاق الذي كان يقضي بحصول البلاد على قرض التسهيل الممدّد بقيمة 1.9 مليار دولار.
وذكر زياد أيوب أن هذه الإجراءات نجم عنها أيضا تحسن الوضع المالي خاصة من حيث قدرة تونس على خلاص دُيونها الخارجية الذي بدوره انعكس إيجابا على تصنيف تونس الائتماني من قبل وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، إذ رفّعت الوكالة في سبتمبر 2025، تصنيف تونس إلى «B-» مع نظرة مستقبلية مستقرة.
تحسن سعر صرف الدينار التونسي
كما شهد سعر صرف الدينار التونسي تحسنا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، مدعوما بتطور عدد من المؤشرات الاقتصادية والمالية الإيجابية. ويعكس هذا التحسن توازنا أفضل بين العرض والطلب على العملة الأجنبية، إلى جانب استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة وتحسن مداخيل القطاعات المولّدة للنقد الأجنبي، مثل الصادرات والسياحة والتحويلات. كما أسهمت السياسات النقدية الحذرة في دعم قيمة الدينار والحد من الضغوط التضخمية، ما عزز الثقة في العملة الوطنية وانعكس إيجابا على الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأوضح المحلل المالي والأستاذ الجامعي أن تراجع الدين الخارجي من أسبابه تحسن سعر صرف الدينار التونسي على خلفية أن استقرار العملة المحلية أمام العملة الأوروبية «اليورو» لا يزيد من نسبة المديونية، بينما تحقيق الدينار التونسي لمكاسب إزاء العملة الأمريكية «الدولار» أدى إلى تخفيف الضغط على مخزون العملة الصعبة ومكّن من خلق أريحية مالية واستقرار اقتصادي.
ترشيد الاقتراض الخارجي ودفع استقرار أكبر لسعر صرف الدينار التونسي
ساهمت سياسات ترشيد الاقتراض الخارجي في تعزيز التوازنات المالية ودفع مزيد من الاستقرار في سعر صرف الدينار التونسي، من خلال الحد من الضغوط على احتياطي العملة الصعبة وتقليص الحاجة إلى التمويل الخارجي المكثف، وأدى توجيه الاقتراض نحو أولويات مدروسة ومشاريع ذات مردودية اقتصادية، إلى جانب تحسين إدارة الدين، إلى دعم ثقة المتعاملين في السوق وتعزيز استقرار العملة الوطنية. ويُنظر إلى هذا التوجه كأحد العوامل الأساسية التي ساعدت على تقوية موقع الدينار والتخفيف من تقلباته في ظل سياق اقتصادي دولي متقلب.
وأمام هذه الإيجابيات التي خلقها انخفاض الدين الخارجي دعا المُتحدث ذاته إلى مزيد ترشيد الاقتراض الخارجي ودفع استقرار أكبر لسعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وللحيلولة دون التأثيرات السلبية
لتقلّبات أسعار الصرف العالمية، إلى جانب ضرورة استمرار البنك المركزي في سياساته المُتمثلة في التمويل المُباشر للدولة، مع إمكانية أن يكون لمؤسسة الإصدار صلاحيات أكبر على مستوى سعر الصرف في إطار المُرونة المؤطرة.
كما اقترح زياد أيوب التركيز على التشجيع على الإنتاج وتنمية الصادرات وفرض أداءات ومعاليم ديوانية تتعلّق بالسلع المُوردة من الأسواق الخارجية والتي لها مثيل يقع تصنيعه في تونس، وذلك بهدف تحفيز الصناعة الوطنية، وهو ما من شأنه ضمان تعزيز رصيد تونس من العملة الصعبة.
ويعكس تراجع الدين الخارجي ليس قدرة بلادنا على الإيفاء بديونها الخارجية التي وصلت في وقت سابق إلى مُستويات مُرتفعة ونجاحها في إدارة ملف ديونها الخارجية فحسب، بل أيضا إمكانية إتاحة موارد إضافية للاستثمار في المشاريع التنموية وتحسين الخدمات العامة من خلال توفير موارد كان يتم سابقا تخصيصها لسداد جملة من الديون وأقساط القروض التي تحين آجالها في كل مرة، ويمنح الدولة هامشا من التحرّك لفائدة الدورة الاقتصادية ومختلف المؤسسات الاقتصادية بعيدا عن الضغوطات المالية، مما يفتح آفاقا جديدة أمام الاقتصاد الوطني مدفوعة بحلول تمويلية داخلية تخوّل تعزيز النمو ورفع نسق الاستثمار.
درصاف اللموشي
سجّلت نسبة الدين الخارجي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي تراجعا ملحوظا خلال عام 2024، لتصل إلى 47.5 بالمائة، في مؤشر إيجابي يعكس تحسن قدرة الاقتصاد على إدارة التزاماته الخارجية. ويأتي هذا الانخفاض نتيجة سياسات مالية أكثر انضباطا، إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحسن مؤشرات الأداء الاقتصادي، ما ساهم في تخفيف عبء الدين وتعزيز الاستدامة المالية.
ويُنظر إلى هذا التطور باعتباره عامل دعم لثقة المستثمرين وتصنيف الدولة الائتماني، فضلا عن دوره في إتاحة مساحة أكبر للإنفاق التنموي خلال المرحلة المقبلة.
ويأتي هذا الانخفاض نتيجة حزمة من السياسات المالية والنقدية الهادفة إلى ضبط مستويات الاقتراض الخارجي، إلى جانب تحقيق معدلات نمو إيجابية في الناتج المحلي الإجمالي. كما ساهمت إعادة هيكلة بعض الديون، وتحسن إدارة آجال الاستحقاق، وزيادة كفاءة توجيه التمويل الخارجي نحو مشروعات إنتاجية وتنموية، في خفض العبء النسبي للدين.
ويرى محللون اقتصاديون أن تراجع نسبة الدين الخارجي يعزز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، ويدعم التصنيف الائتماني، بما ينعكس إيجابا على تكلفة الاقتراض مستقبلا. كما يوفر هذا التحسن مساحة مالية أوسع للحكومة لزيادة الإنفاق على القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، دون الضغط على الاستقرار المالي.
وفي المجمل، يشكل وصول نسبة الدين الخارجي إلى 47.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 مؤشرا إيجابيا على تحسن الأداء الاقتصادي، ويؤكد أهمية الاستمرار في السياسات الرامية إلى تحقيق نمو مستدام، وتعزيز الموارد المحلية، والحد من الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي خلال السنوات المقبلة.
وفي هذا الإطار، أورد المحلل المالي والخبير الاقتصادي معز حديدان أن انخفاض الدين الخارجي نتيجة منطقية لاعتماد الدولة أساسا على الاقتراض الداخلي الذي اتجه تدريجيا لتعويض مكانة الدين الخارجي، وهو ما أدى إلى زيادة الدين الداخلي.
مُساهمة البنك المركزي
وذكر مُحدثنا لـ«الصباح»، أنه من بين أبرز الآليات التي لجأت إليها تونس لخفض الدين الخارجي إصدار رقاع خزينة قابلة للتنظير وأيضا مساهمة البنك المركزي الفعالة في إقراض الدولة.
وسجّل قائم رقاع الخزينة ارتفاعا سنويا بنسبة 8.5 % إلى حدود 21 أكتوبر من العام الجاري 2025، وذلك مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفارط 2024، وفق بيانات سابقة للبنك المركزي التونسي.
وأتاح قانون مالية 2026، للبنك المركزي منح الدولة قرضا مُباشرا بقيمة 11 مليار دينار، دون فائدة، وعلى مدى 15 سنة مع فترة إمهال تمتدّ لثلاث سنوات، وهو ما يعني أن البنك المركزي سيواصل سياسة تغطية جزء هام من احتياجات الدولة المالية ونفقاتها.
استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة
يعكس استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة متانة الوضع المالي وقدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية، لا سيما في ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية. ويساهم هذا الاستقرار في تعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني، ودعم استقرار سعر الصرف، وضمان الوفاء بالالتزامات الخارجية، إضافة إلى توفير غطاء آمن لتمويل الواردات الأساسية. كما يُعد مؤشرا على فاعلية السياسات النقدية والمالية المتبعة، وتحسن تدفقات النقد الأجنبي من مصادر مثل الصادرات، والاستثمار، والتحويلات، بما يدعم الاستقرار الاقتصادي على المدى المتوسط.
وفي هذا السياق أكد معز حديدان أن استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة كان من ضمن أبرز الأسباب غير المُباشرة التي أدت إلى انخفاض الدين الخارجي، خاصة وأن الموجودات الصافية من العملة الأجنبية قد حافظت في الفترة الأخيرة على ما يُعادل أكثر من 100 يوم توريد.
وبلغت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية بتاريخ 12 ديسمبر 2025، 24780 مليون دينار، أي ما يُعادل 105 يوم توريد.
وأشار حديدان إلى أن هذا الاستقرار يأتي بدرجة رئيسية بفضل القفزة الكبيرة في تحويلات التونسيين بالخارج ومداخيل السياحة.
وحقّقت بلادنا إلى غاية 20 نوفمبر أرقاما هامة على مستوى تحويلات المُغتربين وعائدات السياحة، حيث صعدت إيرادات القطاع السياحي بنسبة 6.96 % لتبلغ 7.3 مليار دينار، كما ارتفعت تحويلات التونسيين بالخارج بـ6.94 % لتصل إلى 7.7 مليار دينار، مع توقّعات بأن يشهد العام القادم 2026، تسجيل أرقام قياسية جديدة، يُفسّر بالزيادة المُتواترة في أعداد الوافدين على بلادنا من جنسيات مختلفة وبالنسق المُتسارع لتدفقات تحويلات التونسيين بالخارج.
عدم نجاح السياسات السابقة في التعويل المُكثّف على الاقتراض الخارجي
من جهته، أفاد المحلل المالي والأستاذ الجامعي زياد أيوب في تصريح لـ«الصباح» أن تونس منذ سنة 2011، كانت تُعوّل بصفة مُكثّفة على القروض الخارجية إلا أن هذه السياسة أثبتت عدم نجاحها، وأدت إلى ارتفاع نسبة التداين والاقتراب من أزمة مالية حادة في أغلب القطاعات الاقتصادية، بما أن التمويلات التي كانت تتحصّل عليها تونس عبر الاقتراض الخارجي كانت تُوجّه بنسبة كبيرة لخلاص خدمة الدين الخارجي. إلا أنه ومنذ سنة 2023 اتخذت تونس قرارا سياديا يتمثل في الدفاع عن سيادتها المالية عبر التعويل على الذات، وهو ما نتج عنه أن نسبة ضئيلة فقط من هذه التمويلات أصبحت توجه لسداد خدمة الدين الخارجي على عكس العشرية التي تلت الثورة. ومن أولى الإجراءات المُتّخذة في الغرض فك الارتباط بصندوق النقد الدولي وعدم الاقتراض منه مُجدّدا إلى غاية الآن، إذ أن الاتفاق المبدئي الذي تم بين الطرفين على مستوى الخبراء الذي تم التوصّل إليه منذ أكتوبر 2022 قد ظلّ مُعلّقا، وهو الاتفاق الذي كان يقضي بحصول البلاد على قرض التسهيل الممدّد بقيمة 1.9 مليار دولار.
وذكر زياد أيوب أن هذه الإجراءات نجم عنها أيضا تحسن الوضع المالي خاصة من حيث قدرة تونس على خلاص دُيونها الخارجية الذي بدوره انعكس إيجابا على تصنيف تونس الائتماني من قبل وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، إذ رفّعت الوكالة في سبتمبر 2025، تصنيف تونس إلى «B-» مع نظرة مستقبلية مستقرة.
تحسن سعر صرف الدينار التونسي
كما شهد سعر صرف الدينار التونسي تحسنا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، مدعوما بتطور عدد من المؤشرات الاقتصادية والمالية الإيجابية. ويعكس هذا التحسن توازنا أفضل بين العرض والطلب على العملة الأجنبية، إلى جانب استقرار مخزون البلاد من العملة الصعبة وتحسن مداخيل القطاعات المولّدة للنقد الأجنبي، مثل الصادرات والسياحة والتحويلات. كما أسهمت السياسات النقدية الحذرة في دعم قيمة الدينار والحد من الضغوط التضخمية، ما عزز الثقة في العملة الوطنية وانعكس إيجابا على الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأوضح المحلل المالي والأستاذ الجامعي أن تراجع الدين الخارجي من أسبابه تحسن سعر صرف الدينار التونسي على خلفية أن استقرار العملة المحلية أمام العملة الأوروبية «اليورو» لا يزيد من نسبة المديونية، بينما تحقيق الدينار التونسي لمكاسب إزاء العملة الأمريكية «الدولار» أدى إلى تخفيف الضغط على مخزون العملة الصعبة ومكّن من خلق أريحية مالية واستقرار اقتصادي.
ترشيد الاقتراض الخارجي ودفع استقرار أكبر لسعر صرف الدينار التونسي
ساهمت سياسات ترشيد الاقتراض الخارجي في تعزيز التوازنات المالية ودفع مزيد من الاستقرار في سعر صرف الدينار التونسي، من خلال الحد من الضغوط على احتياطي العملة الصعبة وتقليص الحاجة إلى التمويل الخارجي المكثف، وأدى توجيه الاقتراض نحو أولويات مدروسة ومشاريع ذات مردودية اقتصادية، إلى جانب تحسين إدارة الدين، إلى دعم ثقة المتعاملين في السوق وتعزيز استقرار العملة الوطنية. ويُنظر إلى هذا التوجه كأحد العوامل الأساسية التي ساعدت على تقوية موقع الدينار والتخفيف من تقلباته في ظل سياق اقتصادي دولي متقلب.
وأمام هذه الإيجابيات التي خلقها انخفاض الدين الخارجي دعا المُتحدث ذاته إلى مزيد ترشيد الاقتراض الخارجي ودفع استقرار أكبر لسعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وللحيلولة دون التأثيرات السلبية
لتقلّبات أسعار الصرف العالمية، إلى جانب ضرورة استمرار البنك المركزي في سياساته المُتمثلة في التمويل المُباشر للدولة، مع إمكانية أن يكون لمؤسسة الإصدار صلاحيات أكبر على مستوى سعر الصرف في إطار المُرونة المؤطرة.
كما اقترح زياد أيوب التركيز على التشجيع على الإنتاج وتنمية الصادرات وفرض أداءات ومعاليم ديوانية تتعلّق بالسلع المُوردة من الأسواق الخارجية والتي لها مثيل يقع تصنيعه في تونس، وذلك بهدف تحفيز الصناعة الوطنية، وهو ما من شأنه ضمان تعزيز رصيد تونس من العملة الصعبة.
ويعكس تراجع الدين الخارجي ليس قدرة بلادنا على الإيفاء بديونها الخارجية التي وصلت في وقت سابق إلى مُستويات مُرتفعة ونجاحها في إدارة ملف ديونها الخارجية فحسب، بل أيضا إمكانية إتاحة موارد إضافية للاستثمار في المشاريع التنموية وتحسين الخدمات العامة من خلال توفير موارد كان يتم سابقا تخصيصها لسداد جملة من الديون وأقساط القروض التي تحين آجالها في كل مرة، ويمنح الدولة هامشا من التحرّك لفائدة الدورة الاقتصادية ومختلف المؤسسات الاقتصادية بعيدا عن الضغوطات المالية، مما يفتح آفاقا جديدة أمام الاقتصاد الوطني مدفوعة بحلول تمويلية داخلية تخوّل تعزيز النمو ورفع نسق الاستثمار.