إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الهبات والقروض فاقت الـ 110 مليار دينار.. أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟

 

 

  • عملية التدقيق الشامل، "الزلزال" الذي سيحدد كل المسؤوليات
  • التمويلات الخارجية أوصلت الدولة إلى مرحلة "التداين المشط" والتشكيك في الإيفاء بتعهداتها
  • نسبة كبيرة من الهبات لا يتم استغلالها وتعود إلى الجهات المانحة
  • التداين الخارجي محاط برقابة شديدة ومتابعة دقيقة بما لا يمكن حصول أي اخلالات فيها
  • ضخ التمويلات الخارجية يمر وجوبا بالبنك المركزي
  • الاخلالات يمكن أن تكون في إطار الصفقات العمومية وليس في التصرف في التمويلات الخارجية
  • التدقيق الشامل مشروع مفعّل منذ 2018 واستراتيجية الدين العمومي ابرز نقاطه
  • ضرورة تفعيل الوكالة التونسية للتصرف في الدين العمومي

 

تونس-الصباح

" لا بد من معرفة مآل القروض التي جاءت من الخارج.. مليارات تم ضخها في تونس ولكن لا أثر لها في الواقع، سيتحمل كل شخص في هذا المجال مسؤوليته"، أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟ راجعوا بعض التصريحات لعدد من الدول التي قدمت لتونس قروضا.... أين ذهبت هذه القروض لأكثر من 10 سنوات؟ "

هذه التصريحات التي ادلى بها رئيس الجمهورية قيس سعيد، منذ شهر تقريبا خلال مجلس وزاري، طالب من خلالها وزيرة المالية سهام بن نمصية بأن تقوم بجرد كامل لكل التمويلات الخارجية التي منحت لتونس خلال العشرية الاخيرة بجميع اصنافها من قروض وهبات، بهدف معرفة كيفية التصرف فيها  ...

فبمجرد إثارة هذا الملف الثقيل الذي تعاقبت عليه حكومات ما بعد الثورة،  اصبح خلال الآونة الأخيرة، من أمهات القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، وتباينت الاراء بين الاوساط التونسية على اختلاف أطيافها من سياسيين وأفراد ومنظمات المجتمع المدني حول هذه التصريحات، بين مثمن لتصريحات سعيد  في علاقة بمشروعه الاصلاحي ومكافحة الفساد، وبين منتقد لها على مستوى تداعياتها السلبية على صورة تونس لدى الخارج والجهات المانحة على وجه الخصوص، والحال ان بلادنا اليوم تعرف صعوبة كبيرة في تعبئة موارد مالية لتمويل ميزانيتها التي تسجل عجزا بـ 9.7 مليار دينار ...

وبعد أن اخذ ملف التدقيق في الهبات والقروض الخارجية التي تم منحها لتونس في السنوات الأخيرة مساره الإداري والمالي من قبل وزارة المالية باعتبارها الجهة التي تم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، لم يعد بالتالي الحديث عن حقيقة حجم هذه التمويلات الخارجية حتى انتهاء مهمة التدقيق الشامل في وقت لاحق، لكن هذا لا يتعارض مع اهمية الوقوف عند طبيعة المفاوضات بين الدولة التونسية والجهات المانحة على اختلاف مشاربها وحقيقة الإجراءات المصاحبة لها على المستوى التقني والقانوني والإداري ...

 "الصباح" اتصلت بالجهات الرسمية المتدخلة في عمليات التمويل الخارجي الممنوح لبلادنا، انطلاقا من وزارتي؛ المالية والاقتصاد والتخطيط، مرورا بتقرير محكمة المحاسبات وصولا بالبنك المركزي،  للوقوف عند طبيعة هذه المفاوضات والإجراءات التي يتم اتباعها منذ سنوات بين الدولة التونسية والجهات المانحة ..

هيئة الرقابة العامة للمالية .. هيكل الرقابة الوحيد في مجال  الدين العمومي

من جهتها، انطلقت وزارة المالية في عملية التدقيق الشامل، الموكولة على عاتقها  بالسرعة القصوى بهدف إتمامها في اقرب الآجال والتي لن تتجاوز في أقصى الحالات الثلاثة أشهر نظرا للصبغة الاستعجالية التي تتنزل فيها، حسب ما افادنا به مراقب عام للمالية صلب هيئة الرقابة العامة للمالية في الوزارة ورئيس جمعية المراقبين العموميين،  فتحي شفرود في تصريحه لـ"الصباح"..

واكد المسؤول في وزارة المالية ان عملية التدقيق الشامل، تعتبر ضرورية،وهي بمثابة الزلزال الذي سيحدد كل المسؤوليات لدى جميع الجهات المتدخلة، كما انها تمثل مطلبا كانت العديد من الهياكل العمومية قد طالبت به في وقت سابق، باعتبار ان المراقبة والتقييم والمتابعة من اهم الاجراءات المصاحبة لكل العمليات التمويلية على اختلاف اصنافها من قروض وهبات وودائع ....

كما بين شفرود ان نتائج التقرير ستوضح كل الملابسات التي تحوم حول التمويلات الخارجية ليتم على ضوئها اتخاذ الاجراءات اللازمة مع اصلاح شامل للمنظومة باكملها، كما ستقف من خلالها كل الاطراف المتدخلة في العملية على درجة الخطورة  والمسؤولية لهذه العمليات التمويلية ...

وبين المسؤول بوزارة المالية ان هيئة الرقابة العامة للمالية في وزارة المالية، هي هيكل الرقابة الوحيد في مجال  الدين العمومي، معتبرا ان كل خلل او سوء في التصرف يكون في العادة موجودا كلما كانت الرقابة ضعيفة وهو ما يؤكد اهمية تقوية هذا الهيكل في المستقبل ليواجه كل الاخلالات...

وحول الإجراءات وطريقة التفاوض المتبعة بين الدولة التونسية والجهات المانحة، اوضح المراقب العام للمالية ان الاقتراض الخارجي موزعا بين قروض موجهة بالاساس الى المشاريع والى التنمية عموما، وبين قروض توجه مباشرة لدعم موارد الميزانية، الى جانب صنف آخر من هذه القروض التي يتم تعبئتها من السوق المالية الدولية ...

وأضاف المسؤول بوزارة المالية أن القروض الموجهة للتنمية لا تتضمن إشكاليات كبيرة باعتبار أن هذه الموارد مخصصة لبرامج مشاريع تنموية تكون عملية متابعتها سهلة، كما أن بعض القروض يقع إسنادها من دولة خارجية إلى تونس في حين تكون نسبة اخرى منها ممنوحة للدولة من البنوك الداخلية، بالإضافة إلى القروض والهبات الممنوحة من قبل البنك الدولي والجهات المالية الدولية.

واعتبر شفرود بالمقابل، أن الاشكال ليس في متابعة مآل صرف القروض خاصة تلك الممنوحة لتمويل المشاريع حيث انها تحت مجهر الجهات الرقابية ، ولا على مستوى الموارد الموجة لدعم الميزانية باعتبارها تحظى بثقة الجهات المانحة في ما يتعلق باستغلالها من قبل الدولة، بل يكمن في سوء التصرف في توجيه هذه الموارد في مسارات اخرى والتي اهمها سد نفقات التاجير ...

وفي ما يتعلق بالهبات الممنوحة لتونس، فقد بين شفرود انه بالمقارنة بالقروض، تمثل نسبة صغيرة وتكمن اهميتها بالاساس في انها تمويلات غير قابلة للاسترجاع، مشيرا الى ان الاشكال في هذا الصنف من التمويلات يتمثل في العادة في عدم استغلالها حتى تتجاوز الاجال المحددة لها والمتفق بشانها بين الدولة التونسية والجهات المانحة...

اما بشان القروض الثنائية التي تتم في اطار التعاون المالي الثنائي بين الدولة التونسية والدول الخارجية او الصناديق التابعة لها، فان هذا الصنف من التمويلات يخضع لتدخل العديد من الاطراف الممولة، وهو ما يجعل عملية متابعتها معقدة لانها تمر باكثر من جهة...حسب ما اوضحه المسؤول بوزارة المالية.

 التمويلات التي تمر عبر التعاون متعدد الاطراف 

 من جهتها، فسرت وزارة الاقتصاد والتخطيط المسار للتمويل الخارجي بانه يتم وفق جملة من الاجراءات من الجانب التونسي كبلد منتفع ومن الجانب الخارجي من المؤسسات المتعددة الاطراف والمؤسسات الثنائية والاقليمية باعتباره الجهة الممولة، على غرار  البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي ووكالات من الولايات المتحدة الأمريكية ووكالات التعاون الفني ومنظمة التعاون والتنمية ...

وتعتبر  شروط التمويل جملة من الاجراءات المصادق عليها من قبل  الهياكل التابعة للجهات التمويلية المتمثلة في مجالس الادارة وتونس لها حصة في راس المال وتتم مناقشة هذه الشروط التي ترمي ان تكون عملية تعبئة الموارد من الجانبين في ظروف شفافة وواضحة..

في ما يخص تونس كبلد منتفع، اوضحت الادارة العامة للتعاون المتعدد الاطراف صلب وزارة الاقتصاد والتخطيط،  التي توجهت اليها "الصباح" ان كل تمويل خارجي بجميع اصنافه من هبات وقروض يخضع لنفس الاجراءات السابقة، وفيما يتعلق بالهبات التي اثارت جدلا بين التونسيين والجهات الدولية والتي في الحجم الاكبر منها مبالغ ممنوحة من الاتحاد الاوروبي فهي تخصص سنويا لدعم ميزانية الدولة مقابل انجاز مجموعة من الاصلاحات في مجالات مختلفة والتي لها علاقة بتحسين مناخ الاستثمار والاصلاحات القطاعية متفق بشانها مع الجانب التونسي  وفق قائمة مشاريع سنوية محددة  بمدة زمنية معينة ولا تتطلب الا المصادقة عليها بامر رئاسي لا غير....

وحول طريقة وصول هذه الموارد لبلادنا، بينت الوزارة ان العملية تنطلق بضخ هذه الموارد بعد فتح حساب لدى البنك المركزي التونسي باعتباره الجهة المخول لها تقديم طلب التمويل وكل برنامج له حساب خاص باسم خاص بالمشروع، ويقوم البنك المركزي بتحويلها للخزينة العامة..

واكدت الوزارة انه وبعد سنة من عملية ضخ التمويلات الخارجية تشرع الهيئة العامة للمراقبة المالية صلب وزارة المالية بالتدقيق المالي. 

 وفي ما يخص الهبات التي لا يتم ضخها الى بلادنا، نجد الهبات التي تاتي في اطار برامج تقنية وبرامج تكوينية والتي في اغلبها ممنوحة من قبل الاتحاد الاوروبي، كما نجد حسب ما اشارت اليه وزارة الاقتصاد والتخطيط طريقة اخرى لانتفاع بلادنا بالهبات دون فتح حساب لدى البنك المركزي وذلك عندما تقرر الجهة المانحة تنفيذ الدعم والبرنامج بمفردها دون تدخل الدولة التونسية وفي جميع الحالات نجد رقابة لكل هذه العمليات ومتابعة دقيقة من الجانبين...

وتسري كل هذه الاجراءات مع التمويلات الخارجية التي تاتي في شكل قروض، والاختلاف ان هذا النوع يتطلب مفاوضات بين الجانبين حول طبيعة المشاريع التي تحتاج تمويلات والشروط المالية المصاحبة لها والتي تضعها وزارة المالية يتم تضمينها في اتفاقية قرض تتم المصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب مما يضفي عليها الشفافية المطلقة لتمر بعد ذلك الجهة المانحة بصرف القرض بضمان الدولة وتخضع في مرحلة موالية الى رقابة داخلية الى جانب رقابة خارجية من قبل الجهات المانحة بصفة دورية كل سنة...

وحول الاخلالات التي تحوم حول هذه التمويلات الخارجية على اختلافها، اكدت الوزارة انه من المستحيل ان نجد في هذه العملية اي نوع من الاخلالات مادامت محاطة برقابة ومتابعة لصيقة وكل المعطيات متاحة للجانبين، خاصة ان كل عملية سحب لهذه الموارد من البنك المركزي تدخل في النظام المعلوماتي لدى الجهات المانحة ولا يمكن اليوم نظرا لدقة العملية ان يكون هناك تجاوزات في هذا الجانب...

بالمقابل اعتبرت الوزارة ان بعض المشاكل وليست باخلالات يمكن ان توجد على مستوى تجاوز الاجال المحددة لصرف التمويلات الخارجية بالنظر الى التعطيلات التي تصاحبها على الصعيد الوطني خاصة في ما يتعلق بالخلافات العقارية والتعويضات الى جانب المشاكل التقنية..

واكدت الوزارة ان كل الجهات الخارجية  المانحة تضخ الاموال في حسابات بنكية مراقبة ودقيقة وتخضع الى اتفاقيات قروض يتم المصادقة عليها بضمان الدولة وتتواصل العملية بصفة دورية كمتابعة دقيقة من قبل الجهات التونسية توضح فيها متابعة سير موارد القرض في جميع مراحله..

كما اكدت الوزارة انه من المستحيل التصرف واستعمال موارد القروض والهبات والاستلاء عليها كما يخيل للراي العام لان العملية تتم وفق نظام مغلق ودقيق بما يستحيل خرقه. 

كما اشارت الوزارة الى ان هناك العديد من الهبات التي تصل بلادنا خارج اطار التعاون الثنائي او متعدد الاطراف والتي تكون فيه وزارة الاقتصاد والتخطيط طرفا فيها وهي الهبات التي تتعلق بتمويل الجمعيات والمنظمات المدنية التي خارجه عن نطاق الوزارات على اختلافها والجهة الوحيدة التي تمر بها هي البنك المركزي دون نسيان التمويلات التي لا تمر اطلاقا بكل هذه الجهات وهي التي يتم منحها في الخارج .. بما يؤكد ان كل الهبات التي تمر بالتعاون الثنائي لا يمكن ان يكون فيها خلل.

حجم القروض والهبات فاق الـ 110 مليار دينار 

وانطلاقا من جميع اصناف هذه التمويلات، سجلت بلادنا تزيدا ملحوظا في حجم الدين العمومي في السنوات الاخيرة ليصل مع موفى شهر اوت المنقضي الى ما يناهز الـ 101.197 مليون دينار بعد أن كانت القيمة في حدود الـ90.240 م. د في نفس الفترة من سنة 2020؛ وتتوزع هذه القيمة  بين قروض خارجية بـ60.192 م.د وقروض داخلية بما يناهز الـ 41.005 م.د ..حسب ما كشفته إحصائيات المالية العمومية  في نشرية "النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة" لشهر اوت 2021

كما توقع العديد من المتدخلين في الشان المالي والاقتصادي ان يتجاوز حجم جميع التمويلات الخارجية من قروض وهبات خلال العشرية الاخيرة حدود الـ112 مليار دينار، من جانبه، حدد الخبير في الشأن الاقتصادي عزالدين سعيدان لـ"الصباح" حجم هذه التمويلات التي تم منحها الى بلادنا منذ سنة 2011 الى اليوم، بما يناهز الـ 110 مليار دينار، معتبرا ان هذا الرقم الضخم أدى إلى وصول الدولة إلى مرحلة التداين المشط بمعنى مرحلة التشكيك في قدرة بلادنا على الإيفاء بتعهداتها ومواصلة تسديد الدين بصفة طبيعية ...

وأكد سعيدان في ذات السياق أن جزءا كبيرا من هذه التمويلات تم توجيهها الى النفقات العمومية الموزعة بين نفقات عامة غير مجدية ونفقات غير عادية، عوض توجيهها في الاستثمار والإصلاحات، وهو ما تسبب في الوضع المتردي الذي آلت إليه البلاد اليوم.

واعتبر سعيدان أن ربع الميزانية العمومية المقدرة بـ 18 مليار خلال سنة 2010 كان مخصصا للباب الثاني المتعلق بالاستثمار العمومي، لكن اليوم في ميزانية 2021 عرف تراجعا ليصل إلى 3 بالمائة فقط، بما يؤكد أن الدولة شبه تخلت عن دورها الأساسي في الاستثمار العمومي ...

وهذا التفسير الذي ذهب إليه سعيدان، يؤكد أن الدولة لا تهتم بالقطاعات التي تدر القيمة المضافة وتخير الاقتراض وهو ما تسبب في إغراقها في التداين والأخطر أن هذه التمويلات الخارجية لا توجه إلى المسارات الحقيقية وتصرف في مسارات مغايرة على غرار التأجير...

وبخصوص التدقيق الشامل الذي طالب به رئيس الجمهورية، فيرى سعيدان أن  الجهات المراقبة قامت بدورها وحان الوقت اليوم أن نعرف حقيقة الاخلالات التي تحوم حول القروض والهبات التي منحت لتونس في السنوات الأخيرة، معتبرا أن كل التصريحات التي أدلى بها قيس سعيد بخصوص التمويلات الخارجية هي عادية ولا تمس من مصداقية الجهات المانحة بل بالعكس يمكن أن يكون لها بعدا ايجابيا لأنها تعكس حرص الدولة على متابعة سير هذه التمويلات...

بالمقابل، أشار سعيدان إلى أن ما يهم الجهات المانحة هو تجنب سوء التصرف في الأموال التي تمنحها للدولة، لان ذلك يؤثر على قدرتها على السداد وهو ما يحدد موقف هذه الجهات من بلادنا في ما يتعلق بمواصلة تمويلها مستقبلا...

وأكد سعيدان على أهمية حسن اختيار الفريق الذي سيتولى عملية التدقيق الشامل على مستوى الكفاءة وان يكون فريقا قويا للقيام بهذا العمل في الوقت اللازم، كما يجب أن يكون هذا الفريق مرتبطا بالإرادة السياسية حتى تصبح النتائج واضحة لدى التونسيين ولدى الجهات المانحة على حد السواء....

جمعيات ومنظمات المجتمع المدني تتفاعل..

تفاعلت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مع ملف القروض والهبات الممنوحة لتونس في السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، من ذلك عاب "مرصد رقابة" ممثلا في رئيسه عماد الدايمي طريقة تصرف الدولة في هذه التمويلات لانها لا تخضع الى استراتيجية واضحة...

واعتبر المرصد ان الرقم الإجمالي للقروض والهبات التي تحصلت عليها تونس منذ 2011 إلى 2020، مهما بعد ان بلغ  90 مليار دينار،  مع توقعات مؤكدة ان تفوق الـ 100 مليار دينار موفى السنة الحالية، هذا وكشف المرصد  أن نسبة القروض المخصصة لتمويل الإقتصاد تجاوزت الـ60 بالمائة من مجموع القروض .

كما بين "مرصد رقابة" أنه قد وقع الالتجاء إلى القروض دون استكمال الدراسات ودون حل الإشكاليات العقارية إضافة إلى تعطل المشاريع بسبب التحركات الإجتماعية وتقصير الوزارات في مد وزارة المالية بأرقام محينة. حسب ما افاد به رئيس المرصد.

التدقيق الشامل مشروع مفعل منذ 2018

في طرح هذا الملف، تعود بنا الذاكرة الى المشروع الاصلاحي الذي انطلقت فيه الدولة منذ 2018، الذي يتعلق بالدين العمومي في العديد من النقاط الاصلاحية الهامة أنذاك والرجوع بالتالي الى متابعة هذا المشروع ومدى نجاعته في المجال...

وتوجهت "الصباح" في هذا الصدد الى ابرز الاطراف الفاعلة في هذا المشروع الاصلاحي، الوزير الاسبق المكلف بالاصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي، الذي اكد انه قد تم وضع  استراتيجية للدين العمومي، تهدف بالاساس الى تغيير نسب التداين في اتجاه تقليص الدين الخارجي منه الذي يستحوذ على 70 بالمائة  والتعويل على الاقتراض الداخلي المحدد بـ 30 بالمائة ..

وبين الراجحي في هذا السياق ان وزارة المالية هي التي تتولى الى حد اليوم متابعة هذه الاستراتيجية تحديدا صلب ادارة الدين العمومي،  معتبرا ان  البرنامج الاصلاحي في مجال الدين العمومي من ابرز الاصلاحات التي وضعتها الدولة للحصول على تمويلات من قبل البنك الدولي، ويشمل على عدد من النقاط بدء باستراتيجية الدين العمومي التي تهدف الى تقليل تكلفة التداين والتعويل على التمويل المتعدد الاطراف وتغيير نسب التداين بين الداخلي والخارجي، فضلا عن مشروع وكالة الخزينة، الذي تم اجهاضه لاسباب داخلية صلب وزارة المالية ولم يمر بالمجلس الوزاري ليبقى حبرا على ورق...

وفي نقاط البرنامج الاصلاحي الذي وضعته الدولة في الدين العمومي ايضا،  فرض اعداد تقرير سنوي حول الدين العمومي في قانون الميزانية العمومية، حسب ما اوضحه الراجحي، مشيرا إلى ان الهدف الاساسي من هذا البرنامج عموما هو تنويع مصادر التمويل والتعويل على الاقتراض الداخلي والتحكم في التداين خاصة الخارجي...

واوضح الراجحي ان كل العمليات التمويلية التي تتم بين الجهات المانحة والدولة التونسية تمر بمجلس النواب ليتم في ما بعد وضع التمويلات الخارجية في حساب بنكي لدى البنك المركزي باسم الدولة التونسية يتم تضمينه في قانون الميزانية العمومية، وفي مرحلة موالية تقوم مصالح الرقابة بمتابعة سير هذه التمويلات ومدى نجاعة التصرف فيها ...

واكد الوزير الاسبق ان الخلل يمكن ان يكون في  اطار الصفقات العمومية ولا يخص التصرف في التمويلات الخارجية وبالتالي فان الامر يتعلق في هذه الحالة بالفساد وهو موضوع مغاير، مبينا انه من المستحيل ان يتم صرف او تهريب التمويلات الخارجية من قبل الافراد مهما كانت مسؤولياتهم...

الاجراءات المطلوبة في التصرف في الدين العمومي

بين مراقب عام للمالية صلب هيئة الرقابة العامة للمالية،  فتحي شفرود ان كل الموارد المالية الممنوحة للدولة التي تشوبها اخلالات هي التي تنعدم فيها المتابعة رغم ان الجهات المانحة تقوم من جهتها بمتابعة سير استغلال هذه الموارد، لكن يبقى الاشكال من الجانب التونسي هو تشتت عملية المتابعة بين العديد من الاطراف المتدخلة  وهو ما يؤدي الى غياب المعلومة الكاملة..

فاليوم، تتعدد الجهات المتدخلة في الدين العمومي وتتوزع بين جميع الوزارات والبنك المركزي  ومحكمة المحاسبات والتي يكون من خلالها مرور المعلومات صعب ومعقد، هذه الوضعية تفرض وجوب تفعيل الوكالة التونسية للتصرف في الدين العمومي، الهيكل الذي يوحد كل هذه الاطراف ويقطع بالتالي مع كل غموض في المعطيات ويسهل عمليات الرقابة والمتابعة في التصرف في الدين العمومي...  حسب ما اكد عليه المسؤول بوزارة المالية..

هذا الهيكل الذي سيجمع بين جميع الهيئات المتمركزة من قبل في عدد من الوزارات وهياكل الدولة، حيث نجد هيئة رقابة المصالح العمومية على مستوى والهيئة العامة للرقابة المالية في وزارة المالية، كذلك نجد هيئة الرقابة العامة لاملاك الدولة في وزارة املاك الدولة، هذه الهيئات التي تشتغل في الواقع نفس المهام، وتجميعها في هيكل واحد من شانه ان يسهل متابعة  كل المعطيات حول الموارد والتمويلات الممنوحة لبلادنا...

كما شدد المسؤول بوزارة المالية على اهمية تفعيل الرقابة الداخلية في جميع هياكل الدولة على مستوى الوزارات لتتحدد كل المسؤوليات، باعتبار ان الهيئة العامة للرقابة المالية صلب وزارة المالية، هي رقابة لاحقة...

وفسر شفرود في هذه النقطة ان سوء التصرف والاستغلال في الدين العمومي يتطلب وجوبا رقابة قبلية تسبق الرقابة اللاحقة لتأتي في ما بعد الرقابة القضائية التي تقوم بها محكمة المحاسبات لتكتمل بذلك العملية الرقابية، مؤكدا على اهمية  تطوير الكفاءات في مجال التصرف في الدين العمومي ...

 

إعداد: وفاء بن محمد

الهبات والقروض فاقت الـ 110  مليار دينار.. أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟

 

 

  • عملية التدقيق الشامل، "الزلزال" الذي سيحدد كل المسؤوليات
  • التمويلات الخارجية أوصلت الدولة إلى مرحلة "التداين المشط" والتشكيك في الإيفاء بتعهداتها
  • نسبة كبيرة من الهبات لا يتم استغلالها وتعود إلى الجهات المانحة
  • التداين الخارجي محاط برقابة شديدة ومتابعة دقيقة بما لا يمكن حصول أي اخلالات فيها
  • ضخ التمويلات الخارجية يمر وجوبا بالبنك المركزي
  • الاخلالات يمكن أن تكون في إطار الصفقات العمومية وليس في التصرف في التمويلات الخارجية
  • التدقيق الشامل مشروع مفعّل منذ 2018 واستراتيجية الدين العمومي ابرز نقاطه
  • ضرورة تفعيل الوكالة التونسية للتصرف في الدين العمومي

 

تونس-الصباح

" لا بد من معرفة مآل القروض التي جاءت من الخارج.. مليارات تم ضخها في تونس ولكن لا أثر لها في الواقع، سيتحمل كل شخص في هذا المجال مسؤوليته"، أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟ راجعوا بعض التصريحات لعدد من الدول التي قدمت لتونس قروضا.... أين ذهبت هذه القروض لأكثر من 10 سنوات؟ "

هذه التصريحات التي ادلى بها رئيس الجمهورية قيس سعيد، منذ شهر تقريبا خلال مجلس وزاري، طالب من خلالها وزيرة المالية سهام بن نمصية بأن تقوم بجرد كامل لكل التمويلات الخارجية التي منحت لتونس خلال العشرية الاخيرة بجميع اصنافها من قروض وهبات، بهدف معرفة كيفية التصرف فيها  ...

فبمجرد إثارة هذا الملف الثقيل الذي تعاقبت عليه حكومات ما بعد الثورة،  اصبح خلال الآونة الأخيرة، من أمهات القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، وتباينت الاراء بين الاوساط التونسية على اختلاف أطيافها من سياسيين وأفراد ومنظمات المجتمع المدني حول هذه التصريحات، بين مثمن لتصريحات سعيد  في علاقة بمشروعه الاصلاحي ومكافحة الفساد، وبين منتقد لها على مستوى تداعياتها السلبية على صورة تونس لدى الخارج والجهات المانحة على وجه الخصوص، والحال ان بلادنا اليوم تعرف صعوبة كبيرة في تعبئة موارد مالية لتمويل ميزانيتها التي تسجل عجزا بـ 9.7 مليار دينار ...

وبعد أن اخذ ملف التدقيق في الهبات والقروض الخارجية التي تم منحها لتونس في السنوات الأخيرة مساره الإداري والمالي من قبل وزارة المالية باعتبارها الجهة التي تم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، لم يعد بالتالي الحديث عن حقيقة حجم هذه التمويلات الخارجية حتى انتهاء مهمة التدقيق الشامل في وقت لاحق، لكن هذا لا يتعارض مع اهمية الوقوف عند طبيعة المفاوضات بين الدولة التونسية والجهات المانحة على اختلاف مشاربها وحقيقة الإجراءات المصاحبة لها على المستوى التقني والقانوني والإداري ...

 "الصباح" اتصلت بالجهات الرسمية المتدخلة في عمليات التمويل الخارجي الممنوح لبلادنا، انطلاقا من وزارتي؛ المالية والاقتصاد والتخطيط، مرورا بتقرير محكمة المحاسبات وصولا بالبنك المركزي،  للوقوف عند طبيعة هذه المفاوضات والإجراءات التي يتم اتباعها منذ سنوات بين الدولة التونسية والجهات المانحة ..

هيئة الرقابة العامة للمالية .. هيكل الرقابة الوحيد في مجال  الدين العمومي

من جهتها، انطلقت وزارة المالية في عملية التدقيق الشامل، الموكولة على عاتقها  بالسرعة القصوى بهدف إتمامها في اقرب الآجال والتي لن تتجاوز في أقصى الحالات الثلاثة أشهر نظرا للصبغة الاستعجالية التي تتنزل فيها، حسب ما افادنا به مراقب عام للمالية صلب هيئة الرقابة العامة للمالية في الوزارة ورئيس جمعية المراقبين العموميين،  فتحي شفرود في تصريحه لـ"الصباح"..

واكد المسؤول في وزارة المالية ان عملية التدقيق الشامل، تعتبر ضرورية،وهي بمثابة الزلزال الذي سيحدد كل المسؤوليات لدى جميع الجهات المتدخلة، كما انها تمثل مطلبا كانت العديد من الهياكل العمومية قد طالبت به في وقت سابق، باعتبار ان المراقبة والتقييم والمتابعة من اهم الاجراءات المصاحبة لكل العمليات التمويلية على اختلاف اصنافها من قروض وهبات وودائع ....

كما بين شفرود ان نتائج التقرير ستوضح كل الملابسات التي تحوم حول التمويلات الخارجية ليتم على ضوئها اتخاذ الاجراءات اللازمة مع اصلاح شامل للمنظومة باكملها، كما ستقف من خلالها كل الاطراف المتدخلة في العملية على درجة الخطورة  والمسؤولية لهذه العمليات التمويلية ...

وبين المسؤول بوزارة المالية ان هيئة الرقابة العامة للمالية في وزارة المالية، هي هيكل الرقابة الوحيد في مجال  الدين العمومي، معتبرا ان كل خلل او سوء في التصرف يكون في العادة موجودا كلما كانت الرقابة ضعيفة وهو ما يؤكد اهمية تقوية هذا الهيكل في المستقبل ليواجه كل الاخلالات...

وحول الإجراءات وطريقة التفاوض المتبعة بين الدولة التونسية والجهات المانحة، اوضح المراقب العام للمالية ان الاقتراض الخارجي موزعا بين قروض موجهة بالاساس الى المشاريع والى التنمية عموما، وبين قروض توجه مباشرة لدعم موارد الميزانية، الى جانب صنف آخر من هذه القروض التي يتم تعبئتها من السوق المالية الدولية ...

وأضاف المسؤول بوزارة المالية أن القروض الموجهة للتنمية لا تتضمن إشكاليات كبيرة باعتبار أن هذه الموارد مخصصة لبرامج مشاريع تنموية تكون عملية متابعتها سهلة، كما أن بعض القروض يقع إسنادها من دولة خارجية إلى تونس في حين تكون نسبة اخرى منها ممنوحة للدولة من البنوك الداخلية، بالإضافة إلى القروض والهبات الممنوحة من قبل البنك الدولي والجهات المالية الدولية.

واعتبر شفرود بالمقابل، أن الاشكال ليس في متابعة مآل صرف القروض خاصة تلك الممنوحة لتمويل المشاريع حيث انها تحت مجهر الجهات الرقابية ، ولا على مستوى الموارد الموجة لدعم الميزانية باعتبارها تحظى بثقة الجهات المانحة في ما يتعلق باستغلالها من قبل الدولة، بل يكمن في سوء التصرف في توجيه هذه الموارد في مسارات اخرى والتي اهمها سد نفقات التاجير ...

وفي ما يتعلق بالهبات الممنوحة لتونس، فقد بين شفرود انه بالمقارنة بالقروض، تمثل نسبة صغيرة وتكمن اهميتها بالاساس في انها تمويلات غير قابلة للاسترجاع، مشيرا الى ان الاشكال في هذا الصنف من التمويلات يتمثل في العادة في عدم استغلالها حتى تتجاوز الاجال المحددة لها والمتفق بشانها بين الدولة التونسية والجهات المانحة...

اما بشان القروض الثنائية التي تتم في اطار التعاون المالي الثنائي بين الدولة التونسية والدول الخارجية او الصناديق التابعة لها، فان هذا الصنف من التمويلات يخضع لتدخل العديد من الاطراف الممولة، وهو ما يجعل عملية متابعتها معقدة لانها تمر باكثر من جهة...حسب ما اوضحه المسؤول بوزارة المالية.

 التمويلات التي تمر عبر التعاون متعدد الاطراف 

 من جهتها، فسرت وزارة الاقتصاد والتخطيط المسار للتمويل الخارجي بانه يتم وفق جملة من الاجراءات من الجانب التونسي كبلد منتفع ومن الجانب الخارجي من المؤسسات المتعددة الاطراف والمؤسسات الثنائية والاقليمية باعتباره الجهة الممولة، على غرار  البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي ووكالات من الولايات المتحدة الأمريكية ووكالات التعاون الفني ومنظمة التعاون والتنمية ...

وتعتبر  شروط التمويل جملة من الاجراءات المصادق عليها من قبل  الهياكل التابعة للجهات التمويلية المتمثلة في مجالس الادارة وتونس لها حصة في راس المال وتتم مناقشة هذه الشروط التي ترمي ان تكون عملية تعبئة الموارد من الجانبين في ظروف شفافة وواضحة..

في ما يخص تونس كبلد منتفع، اوضحت الادارة العامة للتعاون المتعدد الاطراف صلب وزارة الاقتصاد والتخطيط،  التي توجهت اليها "الصباح" ان كل تمويل خارجي بجميع اصنافه من هبات وقروض يخضع لنفس الاجراءات السابقة، وفيما يتعلق بالهبات التي اثارت جدلا بين التونسيين والجهات الدولية والتي في الحجم الاكبر منها مبالغ ممنوحة من الاتحاد الاوروبي فهي تخصص سنويا لدعم ميزانية الدولة مقابل انجاز مجموعة من الاصلاحات في مجالات مختلفة والتي لها علاقة بتحسين مناخ الاستثمار والاصلاحات القطاعية متفق بشانها مع الجانب التونسي  وفق قائمة مشاريع سنوية محددة  بمدة زمنية معينة ولا تتطلب الا المصادقة عليها بامر رئاسي لا غير....

وحول طريقة وصول هذه الموارد لبلادنا، بينت الوزارة ان العملية تنطلق بضخ هذه الموارد بعد فتح حساب لدى البنك المركزي التونسي باعتباره الجهة المخول لها تقديم طلب التمويل وكل برنامج له حساب خاص باسم خاص بالمشروع، ويقوم البنك المركزي بتحويلها للخزينة العامة..

واكدت الوزارة انه وبعد سنة من عملية ضخ التمويلات الخارجية تشرع الهيئة العامة للمراقبة المالية صلب وزارة المالية بالتدقيق المالي. 

 وفي ما يخص الهبات التي لا يتم ضخها الى بلادنا، نجد الهبات التي تاتي في اطار برامج تقنية وبرامج تكوينية والتي في اغلبها ممنوحة من قبل الاتحاد الاوروبي، كما نجد حسب ما اشارت اليه وزارة الاقتصاد والتخطيط طريقة اخرى لانتفاع بلادنا بالهبات دون فتح حساب لدى البنك المركزي وذلك عندما تقرر الجهة المانحة تنفيذ الدعم والبرنامج بمفردها دون تدخل الدولة التونسية وفي جميع الحالات نجد رقابة لكل هذه العمليات ومتابعة دقيقة من الجانبين...

وتسري كل هذه الاجراءات مع التمويلات الخارجية التي تاتي في شكل قروض، والاختلاف ان هذا النوع يتطلب مفاوضات بين الجانبين حول طبيعة المشاريع التي تحتاج تمويلات والشروط المالية المصاحبة لها والتي تضعها وزارة المالية يتم تضمينها في اتفاقية قرض تتم المصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب مما يضفي عليها الشفافية المطلقة لتمر بعد ذلك الجهة المانحة بصرف القرض بضمان الدولة وتخضع في مرحلة موالية الى رقابة داخلية الى جانب رقابة خارجية من قبل الجهات المانحة بصفة دورية كل سنة...

وحول الاخلالات التي تحوم حول هذه التمويلات الخارجية على اختلافها، اكدت الوزارة انه من المستحيل ان نجد في هذه العملية اي نوع من الاخلالات مادامت محاطة برقابة ومتابعة لصيقة وكل المعطيات متاحة للجانبين، خاصة ان كل عملية سحب لهذه الموارد من البنك المركزي تدخل في النظام المعلوماتي لدى الجهات المانحة ولا يمكن اليوم نظرا لدقة العملية ان يكون هناك تجاوزات في هذا الجانب...

بالمقابل اعتبرت الوزارة ان بعض المشاكل وليست باخلالات يمكن ان توجد على مستوى تجاوز الاجال المحددة لصرف التمويلات الخارجية بالنظر الى التعطيلات التي تصاحبها على الصعيد الوطني خاصة في ما يتعلق بالخلافات العقارية والتعويضات الى جانب المشاكل التقنية..

واكدت الوزارة ان كل الجهات الخارجية  المانحة تضخ الاموال في حسابات بنكية مراقبة ودقيقة وتخضع الى اتفاقيات قروض يتم المصادقة عليها بضمان الدولة وتتواصل العملية بصفة دورية كمتابعة دقيقة من قبل الجهات التونسية توضح فيها متابعة سير موارد القرض في جميع مراحله..

كما اكدت الوزارة انه من المستحيل التصرف واستعمال موارد القروض والهبات والاستلاء عليها كما يخيل للراي العام لان العملية تتم وفق نظام مغلق ودقيق بما يستحيل خرقه. 

كما اشارت الوزارة الى ان هناك العديد من الهبات التي تصل بلادنا خارج اطار التعاون الثنائي او متعدد الاطراف والتي تكون فيه وزارة الاقتصاد والتخطيط طرفا فيها وهي الهبات التي تتعلق بتمويل الجمعيات والمنظمات المدنية التي خارجه عن نطاق الوزارات على اختلافها والجهة الوحيدة التي تمر بها هي البنك المركزي دون نسيان التمويلات التي لا تمر اطلاقا بكل هذه الجهات وهي التي يتم منحها في الخارج .. بما يؤكد ان كل الهبات التي تمر بالتعاون الثنائي لا يمكن ان يكون فيها خلل.

حجم القروض والهبات فاق الـ 110 مليار دينار 

وانطلاقا من جميع اصناف هذه التمويلات، سجلت بلادنا تزيدا ملحوظا في حجم الدين العمومي في السنوات الاخيرة ليصل مع موفى شهر اوت المنقضي الى ما يناهز الـ 101.197 مليون دينار بعد أن كانت القيمة في حدود الـ90.240 م. د في نفس الفترة من سنة 2020؛ وتتوزع هذه القيمة  بين قروض خارجية بـ60.192 م.د وقروض داخلية بما يناهز الـ 41.005 م.د ..حسب ما كشفته إحصائيات المالية العمومية  في نشرية "النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة" لشهر اوت 2021

كما توقع العديد من المتدخلين في الشان المالي والاقتصادي ان يتجاوز حجم جميع التمويلات الخارجية من قروض وهبات خلال العشرية الاخيرة حدود الـ112 مليار دينار، من جانبه، حدد الخبير في الشأن الاقتصادي عزالدين سعيدان لـ"الصباح" حجم هذه التمويلات التي تم منحها الى بلادنا منذ سنة 2011 الى اليوم، بما يناهز الـ 110 مليار دينار، معتبرا ان هذا الرقم الضخم أدى إلى وصول الدولة إلى مرحلة التداين المشط بمعنى مرحلة التشكيك في قدرة بلادنا على الإيفاء بتعهداتها ومواصلة تسديد الدين بصفة طبيعية ...

وأكد سعيدان في ذات السياق أن جزءا كبيرا من هذه التمويلات تم توجيهها الى النفقات العمومية الموزعة بين نفقات عامة غير مجدية ونفقات غير عادية، عوض توجيهها في الاستثمار والإصلاحات، وهو ما تسبب في الوضع المتردي الذي آلت إليه البلاد اليوم.

واعتبر سعيدان أن ربع الميزانية العمومية المقدرة بـ 18 مليار خلال سنة 2010 كان مخصصا للباب الثاني المتعلق بالاستثمار العمومي، لكن اليوم في ميزانية 2021 عرف تراجعا ليصل إلى 3 بالمائة فقط، بما يؤكد أن الدولة شبه تخلت عن دورها الأساسي في الاستثمار العمومي ...

وهذا التفسير الذي ذهب إليه سعيدان، يؤكد أن الدولة لا تهتم بالقطاعات التي تدر القيمة المضافة وتخير الاقتراض وهو ما تسبب في إغراقها في التداين والأخطر أن هذه التمويلات الخارجية لا توجه إلى المسارات الحقيقية وتصرف في مسارات مغايرة على غرار التأجير...

وبخصوص التدقيق الشامل الذي طالب به رئيس الجمهورية، فيرى سعيدان أن  الجهات المراقبة قامت بدورها وحان الوقت اليوم أن نعرف حقيقة الاخلالات التي تحوم حول القروض والهبات التي منحت لتونس في السنوات الأخيرة، معتبرا أن كل التصريحات التي أدلى بها قيس سعيد بخصوص التمويلات الخارجية هي عادية ولا تمس من مصداقية الجهات المانحة بل بالعكس يمكن أن يكون لها بعدا ايجابيا لأنها تعكس حرص الدولة على متابعة سير هذه التمويلات...

بالمقابل، أشار سعيدان إلى أن ما يهم الجهات المانحة هو تجنب سوء التصرف في الأموال التي تمنحها للدولة، لان ذلك يؤثر على قدرتها على السداد وهو ما يحدد موقف هذه الجهات من بلادنا في ما يتعلق بمواصلة تمويلها مستقبلا...

وأكد سعيدان على أهمية حسن اختيار الفريق الذي سيتولى عملية التدقيق الشامل على مستوى الكفاءة وان يكون فريقا قويا للقيام بهذا العمل في الوقت اللازم، كما يجب أن يكون هذا الفريق مرتبطا بالإرادة السياسية حتى تصبح النتائج واضحة لدى التونسيين ولدى الجهات المانحة على حد السواء....

جمعيات ومنظمات المجتمع المدني تتفاعل..

تفاعلت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مع ملف القروض والهبات الممنوحة لتونس في السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، من ذلك عاب "مرصد رقابة" ممثلا في رئيسه عماد الدايمي طريقة تصرف الدولة في هذه التمويلات لانها لا تخضع الى استراتيجية واضحة...

واعتبر المرصد ان الرقم الإجمالي للقروض والهبات التي تحصلت عليها تونس منذ 2011 إلى 2020، مهما بعد ان بلغ  90 مليار دينار،  مع توقعات مؤكدة ان تفوق الـ 100 مليار دينار موفى السنة الحالية، هذا وكشف المرصد  أن نسبة القروض المخصصة لتمويل الإقتصاد تجاوزت الـ60 بالمائة من مجموع القروض .

كما بين "مرصد رقابة" أنه قد وقع الالتجاء إلى القروض دون استكمال الدراسات ودون حل الإشكاليات العقارية إضافة إلى تعطل المشاريع بسبب التحركات الإجتماعية وتقصير الوزارات في مد وزارة المالية بأرقام محينة. حسب ما افاد به رئيس المرصد.

التدقيق الشامل مشروع مفعل منذ 2018

في طرح هذا الملف، تعود بنا الذاكرة الى المشروع الاصلاحي الذي انطلقت فيه الدولة منذ 2018، الذي يتعلق بالدين العمومي في العديد من النقاط الاصلاحية الهامة أنذاك والرجوع بالتالي الى متابعة هذا المشروع ومدى نجاعته في المجال...

وتوجهت "الصباح" في هذا الصدد الى ابرز الاطراف الفاعلة في هذا المشروع الاصلاحي، الوزير الاسبق المكلف بالاصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي، الذي اكد انه قد تم وضع  استراتيجية للدين العمومي، تهدف بالاساس الى تغيير نسب التداين في اتجاه تقليص الدين الخارجي منه الذي يستحوذ على 70 بالمائة  والتعويل على الاقتراض الداخلي المحدد بـ 30 بالمائة ..

وبين الراجحي في هذا السياق ان وزارة المالية هي التي تتولى الى حد اليوم متابعة هذه الاستراتيجية تحديدا صلب ادارة الدين العمومي،  معتبرا ان  البرنامج الاصلاحي في مجال الدين العمومي من ابرز الاصلاحات التي وضعتها الدولة للحصول على تمويلات من قبل البنك الدولي، ويشمل على عدد من النقاط بدء باستراتيجية الدين العمومي التي تهدف الى تقليل تكلفة التداين والتعويل على التمويل المتعدد الاطراف وتغيير نسب التداين بين الداخلي والخارجي، فضلا عن مشروع وكالة الخزينة، الذي تم اجهاضه لاسباب داخلية صلب وزارة المالية ولم يمر بالمجلس الوزاري ليبقى حبرا على ورق...

وفي نقاط البرنامج الاصلاحي الذي وضعته الدولة في الدين العمومي ايضا،  فرض اعداد تقرير سنوي حول الدين العمومي في قانون الميزانية العمومية، حسب ما اوضحه الراجحي، مشيرا إلى ان الهدف الاساسي من هذا البرنامج عموما هو تنويع مصادر التمويل والتعويل على الاقتراض الداخلي والتحكم في التداين خاصة الخارجي...

واوضح الراجحي ان كل العمليات التمويلية التي تتم بين الجهات المانحة والدولة التونسية تمر بمجلس النواب ليتم في ما بعد وضع التمويلات الخارجية في حساب بنكي لدى البنك المركزي باسم الدولة التونسية يتم تضمينه في قانون الميزانية العمومية، وفي مرحلة موالية تقوم مصالح الرقابة بمتابعة سير هذه التمويلات ومدى نجاعة التصرف فيها ...

واكد الوزير الاسبق ان الخلل يمكن ان يكون في  اطار الصفقات العمومية ولا يخص التصرف في التمويلات الخارجية وبالتالي فان الامر يتعلق في هذه الحالة بالفساد وهو موضوع مغاير، مبينا انه من المستحيل ان يتم صرف او تهريب التمويلات الخارجية من قبل الافراد مهما كانت مسؤولياتهم...

الاجراءات المطلوبة في التصرف في الدين العمومي

بين مراقب عام للمالية صلب هيئة الرقابة العامة للمالية،  فتحي شفرود ان كل الموارد المالية الممنوحة للدولة التي تشوبها اخلالات هي التي تنعدم فيها المتابعة رغم ان الجهات المانحة تقوم من جهتها بمتابعة سير استغلال هذه الموارد، لكن يبقى الاشكال من الجانب التونسي هو تشتت عملية المتابعة بين العديد من الاطراف المتدخلة  وهو ما يؤدي الى غياب المعلومة الكاملة..

فاليوم، تتعدد الجهات المتدخلة في الدين العمومي وتتوزع بين جميع الوزارات والبنك المركزي  ومحكمة المحاسبات والتي يكون من خلالها مرور المعلومات صعب ومعقد، هذه الوضعية تفرض وجوب تفعيل الوكالة التونسية للتصرف في الدين العمومي، الهيكل الذي يوحد كل هذه الاطراف ويقطع بالتالي مع كل غموض في المعطيات ويسهل عمليات الرقابة والمتابعة في التصرف في الدين العمومي...  حسب ما اكد عليه المسؤول بوزارة المالية..

هذا الهيكل الذي سيجمع بين جميع الهيئات المتمركزة من قبل في عدد من الوزارات وهياكل الدولة، حيث نجد هيئة رقابة المصالح العمومية على مستوى والهيئة العامة للرقابة المالية في وزارة المالية، كذلك نجد هيئة الرقابة العامة لاملاك الدولة في وزارة املاك الدولة، هذه الهيئات التي تشتغل في الواقع نفس المهام، وتجميعها في هيكل واحد من شانه ان يسهل متابعة  كل المعطيات حول الموارد والتمويلات الممنوحة لبلادنا...

كما شدد المسؤول بوزارة المالية على اهمية تفعيل الرقابة الداخلية في جميع هياكل الدولة على مستوى الوزارات لتتحدد كل المسؤوليات، باعتبار ان الهيئة العامة للرقابة المالية صلب وزارة المالية، هي رقابة لاحقة...

وفسر شفرود في هذه النقطة ان سوء التصرف والاستغلال في الدين العمومي يتطلب وجوبا رقابة قبلية تسبق الرقابة اللاحقة لتأتي في ما بعد الرقابة القضائية التي تقوم بها محكمة المحاسبات لتكتمل بذلك العملية الرقابية، مؤكدا على اهمية  تطوير الكفاءات في مجال التصرف في الدين العمومي ...

 

إعداد: وفاء بن محمد

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews