إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

امام التغييرات العالمية.. تونس في حاجة لتغيير منوالها الاقتصادي نحو الرقمنة والذكاء الإصطناعي

 

تونس- الصباح

تعالت مؤخرا الدعوات لتغيير المنوال الاقتصادي لتونس ، وآخرها ما كشف عنه وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد ، الذي أقر مؤخرا، بضرورة العمل على تغيير المنوال الاقتصادي لتونس عبر وضع خطة انعاش جديدة للفترة الاقتصادية 2023-2025، مشيرا الى أن هذه الخطة التي سيتم قريبا الإعلان عنها "هي نتيجة عمل تشاركي مع كافة الفاعلين الاقتصاديين".

ويقر العديد من خبراء الاقتصاد اليوم بتخلف النموذج الاقتصادي التونسي والذي مازال يسير بمنوال قديم انطلق العمل به منذ عام 1972، وهو منوال يقوم على دعم المؤسسات الصناعية، ولا يقدم رؤى استراتيجية مستقبلا حول تطوير آليات التصنيع وهو قائم على استقطاب الصناعات التصديرية الأجنبية من خلال قانون 1972 ٬ الامر الذي ادى الى عجز هذه المنظومة عن جلب الصناعات ذات القيمة المضافة العالية ، واقتصارها على نوعيّة متدنية من الصناعات الأوروبيّة الوافدة على تونس فقط لتقليص كلفة الإنتاج بالاعتماد على تدنّي الأجور وتشغيل العمالة التونسية غير المختصّة. 

ومؤخرا قدم المجتمعون في ملتقى "تحويل الصناعة الذكية 4.0 الى فرصة لتونس"، واكبته "الصباح" ، حلولا اقتصادية ، من شأنها ان ترفع نسبة النمو في تونس الى 10 بالمائة ، وتحقيق ايرادات تصل الى أكثر من 2.5 مليار دينار سنويا اضافية، في حال انخرطت مصانع بلادنا خلال الفترة القصيرة القادمة في الثورة الصناعية الرابعة، والتي تعتمد على الادارة المعتمدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والمتوفرة في "الروبوتات" الصناعية الجديدة ، والتي تضاعف الانتاج الوطني 10 مرات ، بما يحقق ايرادات قياسية ويمكن بلادنا من غزو الاسواق الخارجية وتحقيق الانتعاشة المرجوة للاقتصاد الوطني في ظرف وجيز.

ونبه المجتمعون خلال هذا الملتقى ، من صناعيين وخبراء ورجال أعمال وأصحاب مؤسسات كبرى ، الى ضرورة انخراط كافة المؤسسات في الثورة الصناعية الرابعة "industrie 4.0"، خاصة وان بلادنا قطعت أشواط مهمة في مجال الصناعات الثقيلة ومكونات السيارات والصناعات التكنولوجية والالكترونية، بالاضافة الى صناعة الملابس والنسيج والجلود والتي انطلقت مؤخرا في اعتماد التقنيات التكنولوجية للثورة الصناعية الرابعة ، وحققت نتائج باهرة. 

بلادنا متأخرة وقادرة على اللحاق 

واكد جل الخبراء خلال هذا الملتقى، أن "العولمة والرقمنة والصناعة 4.0 لها الأسبقية على الصناعة التقليدية ، وهذا المنوال الاقتصادي الجديد ادى الى مراجعة النماذج الاقتصادية العالمية وحتى الحوكمة العالمية"، وعلى تونس أن تبدأ على وجه السرعة في التحول من خلال مساعدة النظام القديم على التأقلم مع الشركات الجديدة والابتعاد عن الأنظمة القديمة، لافتين الى ان تونس لم تغير نموذجها الاقتصادي والصناعي منذ عام 1972، ونحن في زمن طارئ للتسويق ، أي أننا متخلفون فيما يتعلق بالتنمية الصناعية العالمية. "،

ومن بين المطالب المذكورة ، وجب التركيز على 12 قطاعًا رئيسيًا مثل الصحة والطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي، والعمل على تطوير هذه القطاعات ودعمها خلال السنوات القادمة ، لما لها من دور فعال في الارتقاء بالاقتصاد التونسي ، وأيضا في خلق فرص العمل واستقطاب رؤوس الاموال ، وأيضا القيمة المضافة العالية.

ورغم التذبذب الذي شهدته الصناعة منذ سنة 2011 والسنتين الاخيرتين ، فإن بعض القطاعات الصناعية ، نجحت في الصمود ، الا ان بعض الاجراءات الهيكلية في بعض القطاعات لم تكن ناجحة ، وتسبب في تراجعها محليا واقليميا ، وهي في حاجة الى اعادة الهيكلة لتعود الى الساحة الدولية.

وماتزال الصناعة أحدَ المقوّمات الأساسيّة لأيِّ دولةٍ، ومهما كان قطاع الصناعة صغيراً يسهمُ في تطوّر الدولة ورفع ناتجِها القوميّ واقتصادها ونموّها، وفي تونس على وجهِ التحديد تشكّلُ الصناعة ما نسبته 28 بالمائة من ناتج تونس القوميّ، وتضمُّ الصناعة التونسيّة عدة قطاعاتٍ، من بينها الصناعات المعمليّة، وغير المعمليّة، والمناجم والتنقيب عن النفط، والصناعات الثقيلة، والصناعات التكنولوجية.

تعثر تجربة التصنيع

ويتفق العديد من الخبراء ، ان تجربة التصنيع في تونس، تعثرت بالمنوال التنموي التونسي القائم منذ مطلع السبعينات، والذي تم اعتماده آنذاك، وتم القطع المبكّر جدا مع هذا الخيار واستبداله بسياسة الانفتاح التجاري من خلال اتفاق التبادل الحر بعد انضمام تونس إلى المنظمة العالميّة للتجارة وعقد اتفاقيات شراكةٍ مع الاتحاد الأوروبيّ، الامر الذي رفع من قدرة بلادنا على منافسة المنتجات الخارجيّة، وغزو بعض الاسواق الافريقية والأوروبية والآسيوية.

المدير العام لمؤسسة “إرنست أند يونغ تونس" نور الدين الحاجي ، كشف، مؤخرا، خلال تقييمه لواقع الصناعة التونسية عن سبر آراء جديد أعدته مؤسسته ، أثبت عدم رضاء 88 بالمائة من رؤساء المؤسسات عن السياسات الصناعية المنتهجة ببلادنا مقابل 55 بالمائة ، اعتبروا ان الازمة الصناعية مازالت متواصلة بسبب الاوضاع التي تشهدها بلادنا في السنوات الاخيرة ، مشيرا الى انه رغم هذه المواقف من الصناعيين ، فإنهم مازالوا متشبثون بمواصلة تحسين قدرة انتاجهم ومنافستهم لكبرى الشركات الاجنبية في العالم.

وأضاف الحاجي ، ان الصناعات التكنولوجية التونسية ، سجلت نجاحات مهمة في الاونة الاخيرة ، لافتا الى ان الوضع الصناعي في تونس ، ليس "كارثيا" مثلما يتم الترويج له ، وهناك مؤسسات تونسية صناعية تنافس الشركات الاوروبية، ونجحت في الاستحواذ على بعض الاسواق الافريقية ، داعيا الى ضرورة دعم هذه المؤسسات في الفترة القادمة وتذليل الصعوبات أمامها.

تراجع القدرة التنافسية

وفقد الاقتصاد التونسي في السنوات العشر الاخيرة قدرته التنافسية في أغلب الاسواق العالمية ، وكان معدل النمو في تونس المسجل في العقد الاخير لا يراوح 1.6 بالمائة خلال الفترة 2011-2019 مقابل 4.4 بالمائة بين سنتي 2000 و2010، وفق بيانات حديثة للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية.

وسجل المعهد في تقريره الاخير، تراجع الاستثمارات في البلاد خلال العشرية الاخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتفاقم هذا الوضع مع وصول جائحة كوفيد -19 وتأثيرها على النشاط الاقتصادي محليًا وعالميًا.

وأشارت بيانات المعهد انه من المرجح ان تبلغ الاستثمارات خلال سنتي 2020 و2021 نسبة 13 بالمائة و14 بالمائة، مقابل 24.6 بالمائة في سنة 2010 ، مبرزا ان الاستثمار الأجنبي المباشر، شهد انخفاضًا كبيرا منذ الاطاحة بنظام السابق ليصل إلى معدل متوسط قدره 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4.2 بالمائة بين عامي 2000-2010.

وتشير جميع الإحصائيات ، ان تونس لم تعد قادرة على المنافسة في المجال الصناعي، حيث يشهد هذا القطاع تراجعا كبيرا من سنة إلى أخرى منذ 15 عاما، وحسب الخبراء تفتقر تونس إلى استراتيجية صناعية طموحة، فقد ترك القطاع الخاص يتخبط بمفرده خلال ازمة كورونا ، فيما شهدت قطاعات الصناعات التقليدية، على غرار النسيج وصناعة الجلود والأحذية والصناعية الميكانيكية والالكترونية والصناعات الغذائية، تراجعا هاما نتيجة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.

وتشهد تونس تراجعا حادا في نسبة النمو بسبب تراجع الحركة التجارية مع شريكها الأبرز الاتحاد الأوروبي الذي يشكل لوحده نحو 80 بالمائة من قيمة المبادلات التجارية، الامر الذي عمق من أزمة الميزانية لسنة 2020 بنسبة عجز بلغت 11.4 بالمائة ، وهذا العجز مرشح للإرتفاع في حال فشلت تونس في الحصول على تمويلات خارجية، كما أنه رهين استقرار الدينار أمام العملات الاجنبية.

التفريط في الكفاءات لفائدة الاجانب

ويرى بعض الخبراء ، ان من أحد الأسباب الرئيسية الأخرى المؤدية إلي فشل التجربة الصناعية والتنموية التونسية، هو تفريط تونس لصالح المستثمرين الأجانب والدول الأوروبية عموما في ميزاتها التفاضلية الوحيدة المتمثلة في ثرواتها البشرية العلمية كما فرطت في طاقاتها الانتاجية رخيصة الثمن لصالح الصناعيين الأوروبيين والأجانب.

والمتأمل في المنوال الصناعي لعدة دول صاعدة من بينها تركيا،.يلاحظ انها سعت إلى الحفاظ على كفاءاتها ومهندسيها وطاقاتها الفكرية وباحثيها ومفكريها الاستراتجيين الذين شكلوا الأرضية العلمية الصلبة لنهضتها الصناعية الحديثة، كما حافظت على طاقاتها الإنتاجية البشرية المحلية ذات التكلفة المتدنية لتوظيفها لصالح بناء نسيج صناعي وطني قوي، كما منعت تحويل وجهة ثرواتها البشرية لصالح المنافسة الخارجية ما جعلها تنافس الدول الاقتصادية الكبرى وهي مرشحة لتكون ضمن 10 اقتصاديات العالم في أفق سنة 2023.

وتحتاج تونس اليوم الى العمل على تثبيت كفاءاتها وثرواتها البشرية لتعزيز المنوال التنموي الصناعي للبلاد، والمرور نحو اعتماد التكنولوجيا في صناعاتها وتهيئة البنية التحتية التكنولوجية لمصانعها، ودعم المؤسسات الوطنية عبر اجراءات تمويلية ميسرة ، والتشجيع على استقطاب الاستثمارات التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية ، وأيضا المضي نحو تعميم تقنيات الذكاء الصناعي في مختلف القطاعات لما لها من دور فعال في تنمية كافة القطاعات بما فيها قطاع الخدمات والنقل والصحة والفلاحة.

 

سفيان المهداوي

امام التغييرات العالمية.. تونس في حاجة لتغيير منوالها الاقتصادي نحو الرقمنة والذكاء الإصطناعي

 

تونس- الصباح

تعالت مؤخرا الدعوات لتغيير المنوال الاقتصادي لتونس ، وآخرها ما كشف عنه وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد ، الذي أقر مؤخرا، بضرورة العمل على تغيير المنوال الاقتصادي لتونس عبر وضع خطة انعاش جديدة للفترة الاقتصادية 2023-2025، مشيرا الى أن هذه الخطة التي سيتم قريبا الإعلان عنها "هي نتيجة عمل تشاركي مع كافة الفاعلين الاقتصاديين".

ويقر العديد من خبراء الاقتصاد اليوم بتخلف النموذج الاقتصادي التونسي والذي مازال يسير بمنوال قديم انطلق العمل به منذ عام 1972، وهو منوال يقوم على دعم المؤسسات الصناعية، ولا يقدم رؤى استراتيجية مستقبلا حول تطوير آليات التصنيع وهو قائم على استقطاب الصناعات التصديرية الأجنبية من خلال قانون 1972 ٬ الامر الذي ادى الى عجز هذه المنظومة عن جلب الصناعات ذات القيمة المضافة العالية ، واقتصارها على نوعيّة متدنية من الصناعات الأوروبيّة الوافدة على تونس فقط لتقليص كلفة الإنتاج بالاعتماد على تدنّي الأجور وتشغيل العمالة التونسية غير المختصّة. 

ومؤخرا قدم المجتمعون في ملتقى "تحويل الصناعة الذكية 4.0 الى فرصة لتونس"، واكبته "الصباح" ، حلولا اقتصادية ، من شأنها ان ترفع نسبة النمو في تونس الى 10 بالمائة ، وتحقيق ايرادات تصل الى أكثر من 2.5 مليار دينار سنويا اضافية، في حال انخرطت مصانع بلادنا خلال الفترة القصيرة القادمة في الثورة الصناعية الرابعة، والتي تعتمد على الادارة المعتمدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والمتوفرة في "الروبوتات" الصناعية الجديدة ، والتي تضاعف الانتاج الوطني 10 مرات ، بما يحقق ايرادات قياسية ويمكن بلادنا من غزو الاسواق الخارجية وتحقيق الانتعاشة المرجوة للاقتصاد الوطني في ظرف وجيز.

ونبه المجتمعون خلال هذا الملتقى ، من صناعيين وخبراء ورجال أعمال وأصحاب مؤسسات كبرى ، الى ضرورة انخراط كافة المؤسسات في الثورة الصناعية الرابعة "industrie 4.0"، خاصة وان بلادنا قطعت أشواط مهمة في مجال الصناعات الثقيلة ومكونات السيارات والصناعات التكنولوجية والالكترونية، بالاضافة الى صناعة الملابس والنسيج والجلود والتي انطلقت مؤخرا في اعتماد التقنيات التكنولوجية للثورة الصناعية الرابعة ، وحققت نتائج باهرة. 

بلادنا متأخرة وقادرة على اللحاق 

واكد جل الخبراء خلال هذا الملتقى، أن "العولمة والرقمنة والصناعة 4.0 لها الأسبقية على الصناعة التقليدية ، وهذا المنوال الاقتصادي الجديد ادى الى مراجعة النماذج الاقتصادية العالمية وحتى الحوكمة العالمية"، وعلى تونس أن تبدأ على وجه السرعة في التحول من خلال مساعدة النظام القديم على التأقلم مع الشركات الجديدة والابتعاد عن الأنظمة القديمة، لافتين الى ان تونس لم تغير نموذجها الاقتصادي والصناعي منذ عام 1972، ونحن في زمن طارئ للتسويق ، أي أننا متخلفون فيما يتعلق بالتنمية الصناعية العالمية. "،

ومن بين المطالب المذكورة ، وجب التركيز على 12 قطاعًا رئيسيًا مثل الصحة والطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي، والعمل على تطوير هذه القطاعات ودعمها خلال السنوات القادمة ، لما لها من دور فعال في الارتقاء بالاقتصاد التونسي ، وأيضا في خلق فرص العمل واستقطاب رؤوس الاموال ، وأيضا القيمة المضافة العالية.

ورغم التذبذب الذي شهدته الصناعة منذ سنة 2011 والسنتين الاخيرتين ، فإن بعض القطاعات الصناعية ، نجحت في الصمود ، الا ان بعض الاجراءات الهيكلية في بعض القطاعات لم تكن ناجحة ، وتسبب في تراجعها محليا واقليميا ، وهي في حاجة الى اعادة الهيكلة لتعود الى الساحة الدولية.

وماتزال الصناعة أحدَ المقوّمات الأساسيّة لأيِّ دولةٍ، ومهما كان قطاع الصناعة صغيراً يسهمُ في تطوّر الدولة ورفع ناتجِها القوميّ واقتصادها ونموّها، وفي تونس على وجهِ التحديد تشكّلُ الصناعة ما نسبته 28 بالمائة من ناتج تونس القوميّ، وتضمُّ الصناعة التونسيّة عدة قطاعاتٍ، من بينها الصناعات المعمليّة، وغير المعمليّة، والمناجم والتنقيب عن النفط، والصناعات الثقيلة، والصناعات التكنولوجية.

تعثر تجربة التصنيع

ويتفق العديد من الخبراء ، ان تجربة التصنيع في تونس، تعثرت بالمنوال التنموي التونسي القائم منذ مطلع السبعينات، والذي تم اعتماده آنذاك، وتم القطع المبكّر جدا مع هذا الخيار واستبداله بسياسة الانفتاح التجاري من خلال اتفاق التبادل الحر بعد انضمام تونس إلى المنظمة العالميّة للتجارة وعقد اتفاقيات شراكةٍ مع الاتحاد الأوروبيّ، الامر الذي رفع من قدرة بلادنا على منافسة المنتجات الخارجيّة، وغزو بعض الاسواق الافريقية والأوروبية والآسيوية.

المدير العام لمؤسسة “إرنست أند يونغ تونس" نور الدين الحاجي ، كشف، مؤخرا، خلال تقييمه لواقع الصناعة التونسية عن سبر آراء جديد أعدته مؤسسته ، أثبت عدم رضاء 88 بالمائة من رؤساء المؤسسات عن السياسات الصناعية المنتهجة ببلادنا مقابل 55 بالمائة ، اعتبروا ان الازمة الصناعية مازالت متواصلة بسبب الاوضاع التي تشهدها بلادنا في السنوات الاخيرة ، مشيرا الى انه رغم هذه المواقف من الصناعيين ، فإنهم مازالوا متشبثون بمواصلة تحسين قدرة انتاجهم ومنافستهم لكبرى الشركات الاجنبية في العالم.

وأضاف الحاجي ، ان الصناعات التكنولوجية التونسية ، سجلت نجاحات مهمة في الاونة الاخيرة ، لافتا الى ان الوضع الصناعي في تونس ، ليس "كارثيا" مثلما يتم الترويج له ، وهناك مؤسسات تونسية صناعية تنافس الشركات الاوروبية، ونجحت في الاستحواذ على بعض الاسواق الافريقية ، داعيا الى ضرورة دعم هذه المؤسسات في الفترة القادمة وتذليل الصعوبات أمامها.

تراجع القدرة التنافسية

وفقد الاقتصاد التونسي في السنوات العشر الاخيرة قدرته التنافسية في أغلب الاسواق العالمية ، وكان معدل النمو في تونس المسجل في العقد الاخير لا يراوح 1.6 بالمائة خلال الفترة 2011-2019 مقابل 4.4 بالمائة بين سنتي 2000 و2010، وفق بيانات حديثة للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية.

وسجل المعهد في تقريره الاخير، تراجع الاستثمارات في البلاد خلال العشرية الاخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتفاقم هذا الوضع مع وصول جائحة كوفيد -19 وتأثيرها على النشاط الاقتصادي محليًا وعالميًا.

وأشارت بيانات المعهد انه من المرجح ان تبلغ الاستثمارات خلال سنتي 2020 و2021 نسبة 13 بالمائة و14 بالمائة، مقابل 24.6 بالمائة في سنة 2010 ، مبرزا ان الاستثمار الأجنبي المباشر، شهد انخفاضًا كبيرا منذ الاطاحة بنظام السابق ليصل إلى معدل متوسط قدره 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4.2 بالمائة بين عامي 2000-2010.

وتشير جميع الإحصائيات ، ان تونس لم تعد قادرة على المنافسة في المجال الصناعي، حيث يشهد هذا القطاع تراجعا كبيرا من سنة إلى أخرى منذ 15 عاما، وحسب الخبراء تفتقر تونس إلى استراتيجية صناعية طموحة، فقد ترك القطاع الخاص يتخبط بمفرده خلال ازمة كورونا ، فيما شهدت قطاعات الصناعات التقليدية، على غرار النسيج وصناعة الجلود والأحذية والصناعية الميكانيكية والالكترونية والصناعات الغذائية، تراجعا هاما نتيجة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.

وتشهد تونس تراجعا حادا في نسبة النمو بسبب تراجع الحركة التجارية مع شريكها الأبرز الاتحاد الأوروبي الذي يشكل لوحده نحو 80 بالمائة من قيمة المبادلات التجارية، الامر الذي عمق من أزمة الميزانية لسنة 2020 بنسبة عجز بلغت 11.4 بالمائة ، وهذا العجز مرشح للإرتفاع في حال فشلت تونس في الحصول على تمويلات خارجية، كما أنه رهين استقرار الدينار أمام العملات الاجنبية.

التفريط في الكفاءات لفائدة الاجانب

ويرى بعض الخبراء ، ان من أحد الأسباب الرئيسية الأخرى المؤدية إلي فشل التجربة الصناعية والتنموية التونسية، هو تفريط تونس لصالح المستثمرين الأجانب والدول الأوروبية عموما في ميزاتها التفاضلية الوحيدة المتمثلة في ثرواتها البشرية العلمية كما فرطت في طاقاتها الانتاجية رخيصة الثمن لصالح الصناعيين الأوروبيين والأجانب.

والمتأمل في المنوال الصناعي لعدة دول صاعدة من بينها تركيا،.يلاحظ انها سعت إلى الحفاظ على كفاءاتها ومهندسيها وطاقاتها الفكرية وباحثيها ومفكريها الاستراتجيين الذين شكلوا الأرضية العلمية الصلبة لنهضتها الصناعية الحديثة، كما حافظت على طاقاتها الإنتاجية البشرية المحلية ذات التكلفة المتدنية لتوظيفها لصالح بناء نسيج صناعي وطني قوي، كما منعت تحويل وجهة ثرواتها البشرية لصالح المنافسة الخارجية ما جعلها تنافس الدول الاقتصادية الكبرى وهي مرشحة لتكون ضمن 10 اقتصاديات العالم في أفق سنة 2023.

وتحتاج تونس اليوم الى العمل على تثبيت كفاءاتها وثرواتها البشرية لتعزيز المنوال التنموي الصناعي للبلاد، والمرور نحو اعتماد التكنولوجيا في صناعاتها وتهيئة البنية التحتية التكنولوجية لمصانعها، ودعم المؤسسات الوطنية عبر اجراءات تمويلية ميسرة ، والتشجيع على استقطاب الاستثمارات التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية ، وأيضا المضي نحو تعميم تقنيات الذكاء الصناعي في مختلف القطاعات لما لها من دور فعال في تنمية كافة القطاعات بما فيها قطاع الخدمات والنقل والصحة والفلاحة.

 

سفيان المهداوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews