أورنيلا سكر كاتبة صحفية متخصصة في الدراسات الاستعمارية والعلاقات الدولية
في اجواء العدوان الاسرائيلي على غزة وانعكساتها وتفاعلاتها دوليا واقليميا، واحتمالات اتساع دائرتها لتشمل لبنان، والخشية من حرب محتملة في لبنان وانعكاسات ذلك على دول الجوار الامر الذي ينذر المنطقة بحرب اقليمية يبشر بسباق نحو التسلح واللعب على حافة الهاوية. كل هذا يدفعنا الى مساءلة ما جدوى هذه الانذارات والمعارك التلفزيونية وسط هذه الزحمة العارمة للحروب في الاقليمي والممتدة من فلسطين الى السودان ولبنان بشكل خاص بعد ان شاهدنا نفس الاحداث والتجارب في مراحل سابقة ولم تأت ثمارها سوى بمزيد من التدمير والهلاك على الامة وافقارها ومحاصرتها حد الرضوخ وتقديم التنازلات وتدمير المؤسسات ومفهوم الدولة لتصبح المنطقة حبيسة الحركات غير النظامية والميليشياوية التي تعزز العنف والارهاب وتزيد الامر تعقيدا وتصعيداً .
فما نشهده اليوم على مستوى حرب عدوان غزة يشرح لبنان كيف أن الغرب مبدع في صناعة العدو وابتكاره وتعظيمه ليبرر لنفسه دور الضحية ويستثمر في الصراعات من أجل احكام سيطرة كاملة وهذا ليس جديدا فلطالما كانت هذه الممارسات معروفة من قبل السياسات الاستعمارية في الشرق الاوسط منذ حرب افغانستان والحرب على الارهاب الى حرب العراق عام 2003 وصولا الى الربيع العربي وما نتج عنها صعود للتيارات الاسلامية المتطرفة والامر يتكرر اليوم وسط اشعال هذه المنطقة بالحروب الاهلية والطائفية والاثنية عبر دعم للميليشيات الارهابية وتعزيز ثقافة الانقسام والاكراهات بأوجه مختلفة لتصبح المنطقة ضعيفة جدا أمام الاطماع الاستعمارية الجديدة والاهداف الجيوستراتيجية من أجل التحكم بالثروات والطاقة والموارد التي تنعم بها هذه الدول سواء غزة او لبنان او السودان.
فلو دققنا ماليا بالوضع السوداني على سبيل المثال يتضح لنا جليا دور الامارات عبر دعمها للفساد والارهاب وتمويل الشباب في عمليات ارهابية وفق تقارير صدرت في الصحافة الغربية عبر محققين غربيين معنيين في منظمة التحقيق للجنة الخبراء والتي افادت بتقاريرها الموثقة في وكالة اسوسشاشن برس ورويترز ومركز كارنجي المعني بمشروع السلام حول حجم الانتهاكات التي يمارسها الدور الاماراتي في السوان عبر سرقة الفحم والذهب وتهريبه الى السودان وحول معتقلات يتم تعذيب المحتجزين فيها واستغلالهم جنسيا فضلا عن دعم شباب الصومال في حروب افريقيا والسودان وتجنيدهم بهدف تحويل القارة السمراء الى موطن للاعمال الميليشاوية والارهابية والدواعش وتجنيدهم في خدمة المشروع الاماراتي الذي وصل به الحجم التجاري بينها وبين اسرائيل مليارات الدولارات بحسب صحيفة بلومبرغ البريطانية فضلا الى توظيف الامارات لقوتها الديبلوماسية ونفوذها المالي في التأثير على مقرات مجلس الامن وذلك، بالضغط على السلطة البريطانية والامريكية لمنع لجنة التحقيق من اصدار أي مذكرة اتهام بحق الامارات الامر الذي يقودنا الى سؤال كبير ، ماذا تريد الامارات من السودان ؟
إن ما يجري اليوم في السودان الهدف منه وضع السودان على قائمة الدولة المستنزفة استخباراتيا كما هو الحال في مصر وليبيا ومحاولة ما يجري الان في لبنان عبر جعل السودان مجردة دولتها العميقة التي كانت تتمتع فيه زمن الرئيس السوداني عمر البشير الذي كان يسيطر فيه على اجهزة الجيش والاستخبارات منعا لاي خروقات امنية وعسكرية قد تزعزع استقرار السودان بهدف بسط سيطرة الاستعمار الغربي والاسرائيلي والاماراتي وتقاسم النفوذ في افريقيا لان السيطرة على السودان يعني امتلاك ثروات ومواد ضخمة وغنية تروي نصف سكان الكرة الارضية من مياه وموارد ثمينة وغيرها واحتلال اكثر من ستة عشر دولة في في الجوار السوداني والسيطرة على مياه النيل واثيوبيا .
أما بالعودة الى لبنان فالامر مشابه جدا فما يشري في السودان مشابه كثيرا للوضع في السودان عبر محاولة تمهيد وتمكين الارضية لاشتعال حرب اهلية عبر تسليح الغرب الاوروبي للجيش اللبناني من أجل مقاتلة حزب الله فيما لو لم يحقق الشروط تحديدها الاسرائيلية بالتراجع الى ما خلف الليطاني الامر الذي سوف يؤدي مأزق كبير عند حزب الله والانقلاب على الداخل اللبناني عبر انقسام مؤسسة الجيش فيما لو فشلت المساعي الديبلوماسية والمفاوضات بشأن وقف استفزازات ومشاغلات حزب الله في الجنوب اللبناني ةما يشكله من تهديد على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة . إن هذه الاجراءات الهدف منها اضعاف المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله والاستفراد في لبنان كما الحال كان في سوريا وليبيا عام 2011.
بالختام، ما يجري في العالم العربي محزن جدا وذلك بفعل، أن التاريخ الاستعماري يعاد إستئنافُهُ وفق نفس المنهجيات لكن بأدوات جديدة، هم أهل المنطقة الذين يتقاتلون ويتناحرون ظنا منهم بأن الانجليزي والامريكي سوف يُنصف معاركهم الوطنية وطموحاتهم التحررية . إن الحالة نفسها التي حدثت مع الملك شريف حسين والامير فيصل، يتكرر لكن بأوجه مختلفة . وباعتقادي المنطقة تتعرض لاستباحة وانكشاف امني وخروقات لا مثيل لها في التاريخ عبر تجنيد المقاتلين الارهابيين من جهة، والقضاء عليهم من جهة اخرى وفق سرديات متناقضة وخبيثة وصراعات داخلية حدودية متمثلة بين السعودية والامارات حول نزاعات حدودية متجددة، مشتعلة ومعارك متزاحمة لا أفق لها سوى معارك تلفزيونية وحروب مكشوفة العناوين والفصول لمن يرغب بقراءتها هدفها تصدير الازمات الداخلية لدى اسرائيل التي تعم بالمظاهرات والانقسامات الداخلية التي تترافق مع سياسات الغرب الاستعماري الذي تم تعرية سردياتها غير الاخلاقية والمتناقضة لحقوق الانسان وحرية تقرير المصير.