ما لا تخطئه العين أنّ القضيّة الفلسطينيّة هيّ أفيون الشعوب العربيّة المقهورة حيث اجتهدت الذاكرة الجماعيّة لتلتقي حول حلم مشوّه يمكّنها من الإفلات من واقعها الموبوء و المبتذل الذي اكتملت فيه عناصر المأساة بين الديكتاتورية و الظلم و الفقر و العجز …
ليتّجه هذا الحلم نحو "قدس مقدًس " يمكّن هذه الكائنات اللًاسويّة و الحالمة من مساحات واهمة يعلنون من خلالها إنسانيتهم و يمكّن تجًار الشأن العام من السياسيين في دول المنطقة من التسلًل لتلك البنية الذهنيّة الهشًة و تخديرها و تحريك شعوب بأسرها بكلمتين سحريتين : "فلسطين عربيّة" و تنتصب تنظيمات و تحكم أنظمة بإسم ذلك الحلم المشوّه و تلك الكلمات المفاتيح لتلتقي تجارة الوهم بتجارة القضيّة في اذهان تلك الكائنات الذليلة المقهورة فتشكّل لوحة سرياليّة لا يبصرها إلاّ الراسخون في الواقعيّة السياسية و المدركون للعناصر الموضوعية التي على أساسها يتحدّد الفعل السياسي: الواقع الموضوعي للتربة المحلّية ، الموازنات السياسيّة الدّوليًة، الظرفيّة التاريخية و السياقات الموضوعيّة ، ورقات الضغط و هامش المناورة …
بعيدا عن الدجل السياسي لا خلاف فوق سطح هذا الكوكب على عدالة القضيّة الفلسطينيّة و لا حدود للمتعاطفين معها و لا خلاف حول الفظاعات التي ارتكبتها الصهونيّة في حقً الفلسطينيين و بالتالي فالمسألة محسومة من الناحيّة المبدئيّة و القانونيّة و الأخلاقيّة أما مهرجانات الخطابة و الحماسة و الشعارات القصووية فتندرج في إطار التذكير الذي "ينفع " الأنظمة و لا ينفع الشعوب سواءا كانوا من المؤمنين أو العلمانيين …
خسر العرب كلّ حروبهم ضدّ الصهيونيّة وحتّى الانتصارات التي تشبه الهزائم لم تحرًك حجرا في الموازنات السياسية في الشرق الأوسط بل انتهت بخلق مسارات سلام ليختنق الفلسطينيون في النهاية بحبال التطبيع التي تطوًقهم من كلّ الجهات و لتفقد القضيّة عمقها الاستراتيجي في مستوى رسمي لنكتفي في النهاية شعوبا و أنظمة بمشاهدة حرب إبادة جماعيّة بأتمّ معنى الكلمة حيث تتساقط أرواح الأطفال كأوراق الخريف و تتطاير أشلائهم الطًاهرة في سماء غزّة في كلّ لحظة و يبتعد الخطاب عمّا يحصل على الأرض و ليس هنالك في هذا السياق أبلغ ممّا قاله درويش " قصب هياكلنا و عروشنا قصب في كلّ مأذنة حاوٍ و مغتصب يدعو لأندلس إن حوصرت حلب" …
لقد عمّقت الأنظمة العربيّة الانقسام الفلسطيني بين حركة فتح و حماس "لغاية أعدًها يعقوب "بالتنسيق مع كلّ اليعقوبيين في المنطقة، هذا الانقسام الذي حصل بعد وفاة عرفات أفقد القضيّة بريقها و أضعفها مهما كان الخيار الذي نتّجه إليه في حين نجحت منظًمة التحرير بكلّ تفصيلاتها المقاومة و المُفاوِضة في إحراج الإسرائيليين و تشتيت خياراتهم و قد سمحت هذه التوليفة بتحريك القضية الفلسطينية في محطّات أكثر حدّة و خطورة من اليوم.
إنّ الانقسام داخل حركة فتح والذي بلغ مداه في صراع أبو مازن و دحلان عمّق حالة الوهن داخل البيت الفلسطيني و سهّل على الإسرائيليين الانفراد بالسلطة الفلسطينية في مرحلة ما قبل 7أكتوبر و اليوم يحاصرون حماس في غزّة و يسوًقونها للعالم كحركة إرهابيّة لا تشبه الفلسطينيين أنفسهم من غير "الحمساويين" تسنده في ذلك آلة إعلاميّة جبّارة و توافقات سياسات استراتيجية.
لا تكفي عفويّة هذه الشعوب العربيّة الساذجة و البسيطة و لا هتافاتها و أدعيتها و تضرًعها للّه لتغيير الموازنات في الشرق الأوسط ملّيمترا واحد ، هذه الشعوب المؤمنة و والتي يمكن أن "تلدغ من جحورها عشرات المرًات "كرّرت نفس ردود الأفعال في كلّ نكبة تعرًض لها الفلسطينيون بشكل يجعلها تستجيب لتعريف الغباء عند أنشتاين "هوً فعل نفس الشيء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة".
إنً هذه الشعوب العاجزة عن تحرير نفسها من الديكتاتوريّات التي تحكمها و التي لم تفكّر يوما في استعادة حرًيتها و كرامتها لا معنى لحراكها و لا لتحرًكها فكيف لهذه الشعوب التي تحدًد يوما مصائرها أن تغيّر مصير القضيّة الفلسطينية و التي تمثّل "شعرة معاوية" لكلّ الموازنات السياسية الدوليّة في الشرق الأوسط.
لقد آن الأوان لتكون القضيّة الفلسطينيّة فلسطينيّة بالفعل و أن تسحب الأيادي العربيّة التي تدعم الانشقاقات داخل الفصائل و تتاجر بدماء الفلسطينيين أمًا "الجامعة المفرًقة للدول العربيّة" التي عصفت بها الصراعات الجيوسياسية فلم يبق لها من دور سوى رسم الابتسامة على هذه الوجوه اليائسة العابسة و إن كان إكرام الموتى أرقى و أكثر إنسانية .
بعيدا عن النفاق العام و "الثرثرة العامّة" إنّ الاصطفاف وراء المقاومة من خلال الهواتف النقّالة و وسائل التواصل الاجتماعي و التلذًذ برفع الشعارات النبيلة لا تتطلّب جهدا خاصّا و لكنً بمجرًد التفكير فيما يحصل للفلسطينيين بالفعل و بوضع أنفسنا موضع ممّن فقدوا أطفالا في عمر الزهور أو اليتامى ممّن فقدوا آباءهم و أمهاتهم … إنّ الجميع يشاهدون بعين مجرّدة من الإنسانية و العمق و هنا نكتفي بهذا القول لأنّ "ذلك كذلك" على حدّ تعبير الجاحظ.
اليوم و في هذه المرحلة بالذات و بالنظر للوضع الإقليمي و الدّولي إذا لم تتحّد الفصائل الفلسطينيّة تحت قبّة منظّمة التحرير و تواجه هذه العاصفة التي أصبحت حرب إبادة جماعية بأتّم معنى الكلمة فإنّنا سنضع بعد فترة لن تطول كثيرا إكليلا من الزهور على القضيّة برمّتها أمّا عن التقسيمات الأخلاقوية الساذجة و التي تختزل حركة فتح العظيمة في آداء بعض قادتها (محمود عبّاس)أو ترغب في استثنائها من أيّ المسارات و كلّ المسارات ، إنّ حركة فتح هيّ بوصلة القضيّة الفلسطينية و هي التي راكمت في صراعها مع الإسرائيليين ما لم يراكمه أيّ فصيل و لتعلم شعوبنا الطّيبة أنّ حركة فتح هيّ من أطلق أولى الرصاصات على العدوّ و أنًها قدّمت و لا تزال قوافل الشهداء … إنّ أخطر ما يحصل هوّ تحييد حركة فتح عن المشهد و تحييد قياداتها التاريخية عن المساهمة في القرار السياسي في هذه المرحلة الدقيقة و الحاسمة .
لكي لا نطيل أكثر و بعد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل و الذي يعتبر الحدث الأخطر على الإطلاق منذ 1948 بما فيها ما يحصل اليوم و هذا التقييم لا علاقة له بقدسية القدس بل برمزيته لأنّ أخطر ما يمكن أن يحدث لقضيّة ما هوّ قتل الرمزيات و ذلك لتداعياته الخطيرة على البنية الذهنيّة و النفسيّة للمعنيين بالقضيّة و لكنّ هذه الشعوب الطّيبة لم تدرك ذلك و لن تدرك .
بقلم: فوزي النوري كاتب ومحلل سياسي
ما لا تخطئه العين أنّ القضيّة الفلسطينيّة هيّ أفيون الشعوب العربيّة المقهورة حيث اجتهدت الذاكرة الجماعيّة لتلتقي حول حلم مشوّه يمكّنها من الإفلات من واقعها الموبوء و المبتذل الذي اكتملت فيه عناصر المأساة بين الديكتاتورية و الظلم و الفقر و العجز …
ليتّجه هذا الحلم نحو "قدس مقدًس " يمكّن هذه الكائنات اللًاسويّة و الحالمة من مساحات واهمة يعلنون من خلالها إنسانيتهم و يمكّن تجًار الشأن العام من السياسيين في دول المنطقة من التسلًل لتلك البنية الذهنيّة الهشًة و تخديرها و تحريك شعوب بأسرها بكلمتين سحريتين : "فلسطين عربيّة" و تنتصب تنظيمات و تحكم أنظمة بإسم ذلك الحلم المشوّه و تلك الكلمات المفاتيح لتلتقي تجارة الوهم بتجارة القضيّة في اذهان تلك الكائنات الذليلة المقهورة فتشكّل لوحة سرياليّة لا يبصرها إلاّ الراسخون في الواقعيّة السياسية و المدركون للعناصر الموضوعية التي على أساسها يتحدّد الفعل السياسي: الواقع الموضوعي للتربة المحلّية ، الموازنات السياسيّة الدّوليًة، الظرفيّة التاريخية و السياقات الموضوعيّة ، ورقات الضغط و هامش المناورة …
بعيدا عن الدجل السياسي لا خلاف فوق سطح هذا الكوكب على عدالة القضيّة الفلسطينيّة و لا حدود للمتعاطفين معها و لا خلاف حول الفظاعات التي ارتكبتها الصهونيّة في حقً الفلسطينيين و بالتالي فالمسألة محسومة من الناحيّة المبدئيّة و القانونيّة و الأخلاقيّة أما مهرجانات الخطابة و الحماسة و الشعارات القصووية فتندرج في إطار التذكير الذي "ينفع " الأنظمة و لا ينفع الشعوب سواءا كانوا من المؤمنين أو العلمانيين …
خسر العرب كلّ حروبهم ضدّ الصهيونيّة وحتّى الانتصارات التي تشبه الهزائم لم تحرًك حجرا في الموازنات السياسية في الشرق الأوسط بل انتهت بخلق مسارات سلام ليختنق الفلسطينيون في النهاية بحبال التطبيع التي تطوًقهم من كلّ الجهات و لتفقد القضيّة عمقها الاستراتيجي في مستوى رسمي لنكتفي في النهاية شعوبا و أنظمة بمشاهدة حرب إبادة جماعيّة بأتمّ معنى الكلمة حيث تتساقط أرواح الأطفال كأوراق الخريف و تتطاير أشلائهم الطًاهرة في سماء غزّة في كلّ لحظة و يبتعد الخطاب عمّا يحصل على الأرض و ليس هنالك في هذا السياق أبلغ ممّا قاله درويش " قصب هياكلنا و عروشنا قصب في كلّ مأذنة حاوٍ و مغتصب يدعو لأندلس إن حوصرت حلب" …
لقد عمّقت الأنظمة العربيّة الانقسام الفلسطيني بين حركة فتح و حماس "لغاية أعدًها يعقوب "بالتنسيق مع كلّ اليعقوبيين في المنطقة، هذا الانقسام الذي حصل بعد وفاة عرفات أفقد القضيّة بريقها و أضعفها مهما كان الخيار الذي نتّجه إليه في حين نجحت منظًمة التحرير بكلّ تفصيلاتها المقاومة و المُفاوِضة في إحراج الإسرائيليين و تشتيت خياراتهم و قد سمحت هذه التوليفة بتحريك القضية الفلسطينية في محطّات أكثر حدّة و خطورة من اليوم.
إنّ الانقسام داخل حركة فتح والذي بلغ مداه في صراع أبو مازن و دحلان عمّق حالة الوهن داخل البيت الفلسطيني و سهّل على الإسرائيليين الانفراد بالسلطة الفلسطينية في مرحلة ما قبل 7أكتوبر و اليوم يحاصرون حماس في غزّة و يسوًقونها للعالم كحركة إرهابيّة لا تشبه الفلسطينيين أنفسهم من غير "الحمساويين" تسنده في ذلك آلة إعلاميّة جبّارة و توافقات سياسات استراتيجية.
لا تكفي عفويّة هذه الشعوب العربيّة الساذجة و البسيطة و لا هتافاتها و أدعيتها و تضرًعها للّه لتغيير الموازنات في الشرق الأوسط ملّيمترا واحد ، هذه الشعوب المؤمنة و والتي يمكن أن "تلدغ من جحورها عشرات المرًات "كرّرت نفس ردود الأفعال في كلّ نكبة تعرًض لها الفلسطينيون بشكل يجعلها تستجيب لتعريف الغباء عند أنشتاين "هوً فعل نفس الشيء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة".
إنً هذه الشعوب العاجزة عن تحرير نفسها من الديكتاتوريّات التي تحكمها و التي لم تفكّر يوما في استعادة حرًيتها و كرامتها لا معنى لحراكها و لا لتحرًكها فكيف لهذه الشعوب التي تحدًد يوما مصائرها أن تغيّر مصير القضيّة الفلسطينية و التي تمثّل "شعرة معاوية" لكلّ الموازنات السياسية الدوليّة في الشرق الأوسط.
لقد آن الأوان لتكون القضيّة الفلسطينيّة فلسطينيّة بالفعل و أن تسحب الأيادي العربيّة التي تدعم الانشقاقات داخل الفصائل و تتاجر بدماء الفلسطينيين أمًا "الجامعة المفرًقة للدول العربيّة" التي عصفت بها الصراعات الجيوسياسية فلم يبق لها من دور سوى رسم الابتسامة على هذه الوجوه اليائسة العابسة و إن كان إكرام الموتى أرقى و أكثر إنسانية .
بعيدا عن النفاق العام و "الثرثرة العامّة" إنّ الاصطفاف وراء المقاومة من خلال الهواتف النقّالة و وسائل التواصل الاجتماعي و التلذًذ برفع الشعارات النبيلة لا تتطلّب جهدا خاصّا و لكنً بمجرًد التفكير فيما يحصل للفلسطينيين بالفعل و بوضع أنفسنا موضع ممّن فقدوا أطفالا في عمر الزهور أو اليتامى ممّن فقدوا آباءهم و أمهاتهم … إنّ الجميع يشاهدون بعين مجرّدة من الإنسانية و العمق و هنا نكتفي بهذا القول لأنّ "ذلك كذلك" على حدّ تعبير الجاحظ.
اليوم و في هذه المرحلة بالذات و بالنظر للوضع الإقليمي و الدّولي إذا لم تتحّد الفصائل الفلسطينيّة تحت قبّة منظّمة التحرير و تواجه هذه العاصفة التي أصبحت حرب إبادة جماعية بأتّم معنى الكلمة فإنّنا سنضع بعد فترة لن تطول كثيرا إكليلا من الزهور على القضيّة برمّتها أمّا عن التقسيمات الأخلاقوية الساذجة و التي تختزل حركة فتح العظيمة في آداء بعض قادتها (محمود عبّاس)أو ترغب في استثنائها من أيّ المسارات و كلّ المسارات ، إنّ حركة فتح هيّ بوصلة القضيّة الفلسطينية و هي التي راكمت في صراعها مع الإسرائيليين ما لم يراكمه أيّ فصيل و لتعلم شعوبنا الطّيبة أنّ حركة فتح هيّ من أطلق أولى الرصاصات على العدوّ و أنًها قدّمت و لا تزال قوافل الشهداء … إنّ أخطر ما يحصل هوّ تحييد حركة فتح عن المشهد و تحييد قياداتها التاريخية عن المساهمة في القرار السياسي في هذه المرحلة الدقيقة و الحاسمة .
لكي لا نطيل أكثر و بعد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل و الذي يعتبر الحدث الأخطر على الإطلاق منذ 1948 بما فيها ما يحصل اليوم و هذا التقييم لا علاقة له بقدسية القدس بل برمزيته لأنّ أخطر ما يمكن أن يحدث لقضيّة ما هوّ قتل الرمزيات و ذلك لتداعياته الخطيرة على البنية الذهنيّة و النفسيّة للمعنيين بالقضيّة و لكنّ هذه الشعوب الطّيبة لم تدرك ذلك و لن تدرك .