إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من المواجهة إلى الحوار.. مسار جديد يلوح في الأفق الأمريكي – الصيني

في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة عالميا، تتجه الأنظار إلى التحركات الأمريكية الأخيرة تجاه الصين، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عزمه زيارة بكين في شهر أفريل، واستعداده لاستضافة نظيره الصيني في زيارة دولة العام المقبل.

بات واضحًا أن واشنطن تبحث عن صيغة مختلفة لإدارة المنافسة مع القوة الآسيوية الصاعدة، صيغة تجمع بين الضغط والانفتاح، وبين الحزم وفتح قنوات الحوار.

ويرى مراقبون أن خطوة ترامب تكشف عن محاولة تكتيكية مدروسة لإعادة تنظيم العلاقة مع القوة الآسيوية دون التخلّي عن منطق التنافس، وهو ما يبدو أن العلاقات بين الدولتين اليوم على مشارف منعطف جديد.

اللقاء التاريخي المرتقب - مع التزام كل طرف بزيارات مستقبلية ـ قد يكون بداية لفصل جديد من التنافس الأمريكي – الصيني.. ليس بمُصالحة كاملة، بل بإدارة التوتر بعناية، واستغلال الفضاءات التي يمكن تحويلها إلى قواسم مشتركة مؤقتة، خاصة وأن واشنطن تعتبر بكين تهديدا جيوستراتيجيا لمكانتها.

الخلافات بين البلدين بدأت في 2018 بفرض الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، وتنافسا على التفوق التكنولوجي، لاسيما في مجالات الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس، بالإضافة إلى التوترات العسكرية في بحر الصين الجنوبي ومسألة تايوان التي تشكل نقطة اشتعال رئيسية.

في هذا المشهد، يبدو أن البيت الأبيض يسعى لفتح قنوات جديدة دون تقديم تنازلات جوهرية، بل عبر استخدام زيارة بكين كورقة تفاوض اقتصادية تسعى لانتزاع شروط تجارية أفضل وفتح أسواق واسعة أمام الشركات الأمريكية وهو ما يعكس إدراكا أمريكيا متزايدا بأن استمرار المواجهة المفتوحة لم يعد خيارًا عمليا، في ظل تشابك المصالح الاقتصادية والتكنولوجية، وتزايد المخاوف من انزلاق التوتر إلى صدام غير محسوب.

ففيما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على سيطرتها في النظام العالمي الليبرالي، تسعى الصين من جهتها، إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بما يخدم مصالحها.

تقارب حذر

يعد الجانب الاقتصادي هو المحرّك الأبرز للانفتاح بين الدولتين، إذ تشعر واشنطن بحاجة إلى تخفيف الضغوط على الشركات الأمريكية وإعادة بعض الاستقرار إلى العلاقات التجارية. لكن أي تقارب لن يكون ممكنا دون التعامل بحذر مع ملف تايوان، الذي يشكّل خطًا أحمر لبكين وورقة استراتيجية لا تريد واشنطن التفريط فيها.

ويرى مراقبون ان الاستعداد لاستضافة الرئيس الصيني في زيارة دولة العام المقبل، يحمل دلالات رمزية ثقيلة، فهو رسالة بأن الإدارة الأمريكية ترغب في إدارة التنافس لا تركه ينفلت، عبر بناء آلية حوار منتظم حول ملفات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمناخ، وهي قضايا تتجاوز قدرة أي قوة على مواجهتها منفردة.

اللقاء الأخير بين ترامب والرئيس الصيني شي جينغ بينغ في أكتوبر الماضي بمدينة بوسان في كوريا الجنوبية، على هامش قمة قمة آيبك جاء ليعطي هذا التحول شكلا أكثر وضوحًا. فقد قدّم الجانبان تنازلات محسوبة: الصين قررت تعليق قيود تصدير مجموعة من المعادن الحيوية، في حين تعهّدت الولايات المتحدة بتخفيف بعض الرسوم الجمركية.

 كما اتفق الطرفان على تعزيز التعاون في ملف مكافحة المخدرات الصناعية، وعلى إعادة تفعيل قنوات الحوار العسكري المجمّدة منذ أشهر. ورغم أن هذه الخطوات لا تُغيّر قواعد اللعبة، إلا أنها تكشف رغبة مشتركة في تهدئة الساحة وإعادة بناء الثقة، ولو بشكل محدود.

منافسة محسوبة

اقتصاديا، يبدو أن واشنطن تدرك أن التصعيد المستمر يرهق الشركات الأمريكية، ويخلق ضبابية تُربك الأسواق العالمية. لذلك تتحرك إدارة ترامب لإعادة ضبط العلاقة، دون المساس بجوهر استراتيجيتها القائمة على منع بكين من التفوق تقنيا أو الهيمنة على سلاسل التوريد العالمية.

بكين من جهتها تنظر إلى الانفتاح الأمريكي كفرصة لتخفيف الضغوط على اقتصادها، دون تقديم تنازلات تمس ملفات سيادية مثل تايوان أو المجال التكنولوجي.

ومع ذلك، يبقى واضحًا أن ما يجري ليس مصالحة بقدر ما هو إدارة ذكية لصراع طويل المدى. فالتنافس البنيوي بين واشنطن وبكين مستمر، لكن النبرة قد تصبح أقل حدة، وأكثر واقعية، مع سعي الطرفين إلى تجنّب مواجهة مباشرة لا يريدها أي منهما.

وما يمكن الجزم به هو أن العام المقبل سيشهد مزيجا من الحوار المشروط والتهدئة الحذرة، في مسار جديد تحاول فيه واشنطن وبكين ضبط إيقاع صراع سيستمر طويلا، وإن بحدّة أقل وصيغ تفاوضية أكثر مرونة.

 

منال العابدي

من المواجهة إلى الحوار.. مسار جديد يلوح في الأفق الأمريكي – الصيني

في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة عالميا، تتجه الأنظار إلى التحركات الأمريكية الأخيرة تجاه الصين، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عزمه زيارة بكين في شهر أفريل، واستعداده لاستضافة نظيره الصيني في زيارة دولة العام المقبل.

بات واضحًا أن واشنطن تبحث عن صيغة مختلفة لإدارة المنافسة مع القوة الآسيوية الصاعدة، صيغة تجمع بين الضغط والانفتاح، وبين الحزم وفتح قنوات الحوار.

ويرى مراقبون أن خطوة ترامب تكشف عن محاولة تكتيكية مدروسة لإعادة تنظيم العلاقة مع القوة الآسيوية دون التخلّي عن منطق التنافس، وهو ما يبدو أن العلاقات بين الدولتين اليوم على مشارف منعطف جديد.

اللقاء التاريخي المرتقب - مع التزام كل طرف بزيارات مستقبلية ـ قد يكون بداية لفصل جديد من التنافس الأمريكي – الصيني.. ليس بمُصالحة كاملة، بل بإدارة التوتر بعناية، واستغلال الفضاءات التي يمكن تحويلها إلى قواسم مشتركة مؤقتة، خاصة وأن واشنطن تعتبر بكين تهديدا جيوستراتيجيا لمكانتها.

الخلافات بين البلدين بدأت في 2018 بفرض الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، وتنافسا على التفوق التكنولوجي، لاسيما في مجالات الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس، بالإضافة إلى التوترات العسكرية في بحر الصين الجنوبي ومسألة تايوان التي تشكل نقطة اشتعال رئيسية.

في هذا المشهد، يبدو أن البيت الأبيض يسعى لفتح قنوات جديدة دون تقديم تنازلات جوهرية، بل عبر استخدام زيارة بكين كورقة تفاوض اقتصادية تسعى لانتزاع شروط تجارية أفضل وفتح أسواق واسعة أمام الشركات الأمريكية وهو ما يعكس إدراكا أمريكيا متزايدا بأن استمرار المواجهة المفتوحة لم يعد خيارًا عمليا، في ظل تشابك المصالح الاقتصادية والتكنولوجية، وتزايد المخاوف من انزلاق التوتر إلى صدام غير محسوب.

ففيما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على سيطرتها في النظام العالمي الليبرالي، تسعى الصين من جهتها، إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بما يخدم مصالحها.

تقارب حذر

يعد الجانب الاقتصادي هو المحرّك الأبرز للانفتاح بين الدولتين، إذ تشعر واشنطن بحاجة إلى تخفيف الضغوط على الشركات الأمريكية وإعادة بعض الاستقرار إلى العلاقات التجارية. لكن أي تقارب لن يكون ممكنا دون التعامل بحذر مع ملف تايوان، الذي يشكّل خطًا أحمر لبكين وورقة استراتيجية لا تريد واشنطن التفريط فيها.

ويرى مراقبون ان الاستعداد لاستضافة الرئيس الصيني في زيارة دولة العام المقبل، يحمل دلالات رمزية ثقيلة، فهو رسالة بأن الإدارة الأمريكية ترغب في إدارة التنافس لا تركه ينفلت، عبر بناء آلية حوار منتظم حول ملفات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمناخ، وهي قضايا تتجاوز قدرة أي قوة على مواجهتها منفردة.

اللقاء الأخير بين ترامب والرئيس الصيني شي جينغ بينغ في أكتوبر الماضي بمدينة بوسان في كوريا الجنوبية، على هامش قمة قمة آيبك جاء ليعطي هذا التحول شكلا أكثر وضوحًا. فقد قدّم الجانبان تنازلات محسوبة: الصين قررت تعليق قيود تصدير مجموعة من المعادن الحيوية، في حين تعهّدت الولايات المتحدة بتخفيف بعض الرسوم الجمركية.

 كما اتفق الطرفان على تعزيز التعاون في ملف مكافحة المخدرات الصناعية، وعلى إعادة تفعيل قنوات الحوار العسكري المجمّدة منذ أشهر. ورغم أن هذه الخطوات لا تُغيّر قواعد اللعبة، إلا أنها تكشف رغبة مشتركة في تهدئة الساحة وإعادة بناء الثقة، ولو بشكل محدود.

منافسة محسوبة

اقتصاديا، يبدو أن واشنطن تدرك أن التصعيد المستمر يرهق الشركات الأمريكية، ويخلق ضبابية تُربك الأسواق العالمية. لذلك تتحرك إدارة ترامب لإعادة ضبط العلاقة، دون المساس بجوهر استراتيجيتها القائمة على منع بكين من التفوق تقنيا أو الهيمنة على سلاسل التوريد العالمية.

بكين من جهتها تنظر إلى الانفتاح الأمريكي كفرصة لتخفيف الضغوط على اقتصادها، دون تقديم تنازلات تمس ملفات سيادية مثل تايوان أو المجال التكنولوجي.

ومع ذلك، يبقى واضحًا أن ما يجري ليس مصالحة بقدر ما هو إدارة ذكية لصراع طويل المدى. فالتنافس البنيوي بين واشنطن وبكين مستمر، لكن النبرة قد تصبح أقل حدة، وأكثر واقعية، مع سعي الطرفين إلى تجنّب مواجهة مباشرة لا يريدها أي منهما.

وما يمكن الجزم به هو أن العام المقبل سيشهد مزيجا من الحوار المشروط والتهدئة الحذرة، في مسار جديد تحاول فيه واشنطن وبكين ضبط إيقاع صراع سيستمر طويلا، وإن بحدّة أقل وصيغ تفاوضية أكثر مرونة.

 

منال العابدي