إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سوريا بين تقاطع النفوذ وتوازن المصالح: هل بات الملف السوري ساحة شطرنج دولية؟

يشهد الملف السوري مرحلة جديدة من التحولات والاصطفافات الدولية والإقليمية التي باتت تُشكل صورة معقدة لسوريا في العقد الثاني من الأزمة.

 فمنذ أن دخلت سوريا في حالة فوضى بسبب الحرب الأهلية، أصبح مشهدها السياسي مليئًا بالمتغيرات السريعة والأطراف المتنافسة التي تحاول ترسيخ نفوذها على أرض الواقع.
 اليوم، يبدو أن سوريا تشهد مرحلة "إعادة تشكيل" تنطلق من مفهوم "توازن الاضطرار" أكثر من "التحالفات الثابتة"، حيث يسعى كل طرف إقليمي ودولي إلى فرض قواعد جديدة للعبة، وفي الوقت ذاته، يحاول الجميع تفادي أن تصبح سوريا نقطة اشتعال تضرّ بمصالحهم الاستراتيجية.
اضافت إعادة بناء سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر 2024 بعدًا جديدًا على المشهد، حيث بدأت الإدارة الجديدة سياسة الانفتاح على العالم، والبحث عن طرق جديدة للتعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية التي كانت طرفًا في الصراع.
وفي خطوة مفصلية، يزور الشرع الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع المقبل بعد أن تم رفع العقوبات المفروضة على سوريا مُعلناً بدء مرحلة جديدة من الحوار بين دمشق وواشنطن. ويرى مراقبون أن لقائه بترامب سيفتح بابًا جديدًا من التفاهمات السياسية بعد سنوات من العزلة الدولية.
توازن المصالح الدولية
إن تحوّل سوريا إلى ساحة لتقاطع المصالح الدولية والإقليمية نتاج عوامل عدة جعلت من سوريا محط أنظار القوى الكبرى. فمن جهة، سعت روسيا إلى تثبيت وجودها العسكري والسياسي في البحر الأبيض المتوسط، في حين أرادت إيران تأمين خط إمداداتها العسكرية والاستراتيجية عبر العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان، مما يتيح لها النفوذ في الهلال الشيعي.
 من جهة أخرى، كانت تركيا تسعى لضمان أمني في شمال سوريا، خاصة في مواجهة الأكراد السوريين الذين تصنفهم أنقرة كـ "تهديد" للأمن القومي التركي.
أما الولايات المتحدة، التي كانت حاضرة في شرق سوريا ضمن تحالف ضد داعش، فكان لها دور مزدوج: ضمان استقرار حلفائها في المنطقة من خلال المحافظة على الدعم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي الوقت نفسه محاربة التمدد الإيراني في المنطقة.
 وارتبط هذا التحرك الأمريكي بالتزام حذر نحو إسرائيل وحمايتها، الأمر الذي جعل من الملف السوري جزءًا من معادلة أوسع تشمل التوازنات الإقليمية.
إدارة التوترات بدلًا من مواجهتها
إن فكرة "إدارة النفوذ" في سوريا تبلورت بشكل جلي مع دخول العديد من القوى الدولية والإقليمية في وضع لا يسمح لأي منها بالهيمنة الكاملة على القرار السوري.
 فالتوازنات القائمة في مناطق النفوذ السورية هي في جوهرها مجرد تسوية مؤقتة، تهدف إلى التوافق على توزيع "الكعكة" بما يضمن استمرارية استقرار الدول الكبرى.
التحدي اليوم أمام سوريا يتمثل في كيفية الاستفادة من هذه التوازنات الخارجية لتحقق استقرارًا داخليًا، بينما تواجه انقسامات داخلية مع استمرار التوترات في مناطق متعددة من البلاد.
فروسيا، التي تعزز وجودها في الساحل، تحاول دعم حكومة دمشق في مواجهة أي تحديات قد تأتي من القوى المعارضة.
إيران، بدورها، تسعى لتعزيز دورها في دعم ميليشياتها المنتشرة في الداخل السوري، مما يضمن لها قدرًا من السيطرة على القرار السياسي، في حين تواصل تركيا تأمين حدودها الشمالية من التهديدات الكردية.
تطورات جديدة في الدبلوماسية السورية
بعد سقوط نظام بشار الأسد، تسعى سوريا الجديدة التي يقودها الشرع إلى الانفتاح على العالم، فالزيارات الأخيرة التي قام بها إلى عدد من الدول منها السعودية تشير إلى تغييرات في السياسة الخارجية السورية، وهي خطوة تعتبر تحولًا كبيرًا في استراتيجية دمشق التي كانت تعتمد على الحلفاء التقليديين مثل إيران وروسيا.
ويتوقع مراقبون أن تسهم زيارة الشرع إلى واشنطن في تقديم سوريا كداعم للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل الحاجة إلى إعادة بناء الاقتصاد السوري واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
علاقة الشرع مع ترامب قد تعكس رغبة الإدارة السورية الجديدة في تحسين علاقتها مع الغرب، لكن الصعوبة تكمن في تحقيق التوازن بين التزاماتها تجاه حلفائها التقليديين وبين بناء علاقات جديدة مع القوى الغربية. هل سينجح الشرع في ضمان مصالح سوريا بين المتطلبات الدولية والإقليمية؟
ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون سوريا قادرة على إدارة التوازنات بين هذه القوى المختلفة، أم أنها ستبقى ساحة لصراع المصالح في الشرق الأوسط؟
 

منال العابدي

سوريا بين تقاطع النفوذ وتوازن المصالح: هل بات الملف السوري ساحة شطرنج دولية؟

يشهد الملف السوري مرحلة جديدة من التحولات والاصطفافات الدولية والإقليمية التي باتت تُشكل صورة معقدة لسوريا في العقد الثاني من الأزمة.

 فمنذ أن دخلت سوريا في حالة فوضى بسبب الحرب الأهلية، أصبح مشهدها السياسي مليئًا بالمتغيرات السريعة والأطراف المتنافسة التي تحاول ترسيخ نفوذها على أرض الواقع.
 اليوم، يبدو أن سوريا تشهد مرحلة "إعادة تشكيل" تنطلق من مفهوم "توازن الاضطرار" أكثر من "التحالفات الثابتة"، حيث يسعى كل طرف إقليمي ودولي إلى فرض قواعد جديدة للعبة، وفي الوقت ذاته، يحاول الجميع تفادي أن تصبح سوريا نقطة اشتعال تضرّ بمصالحهم الاستراتيجية.
اضافت إعادة بناء سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر 2024 بعدًا جديدًا على المشهد، حيث بدأت الإدارة الجديدة سياسة الانفتاح على العالم، والبحث عن طرق جديدة للتعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية التي كانت طرفًا في الصراع.
وفي خطوة مفصلية، يزور الشرع الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع المقبل بعد أن تم رفع العقوبات المفروضة على سوريا مُعلناً بدء مرحلة جديدة من الحوار بين دمشق وواشنطن. ويرى مراقبون أن لقائه بترامب سيفتح بابًا جديدًا من التفاهمات السياسية بعد سنوات من العزلة الدولية.
توازن المصالح الدولية
إن تحوّل سوريا إلى ساحة لتقاطع المصالح الدولية والإقليمية نتاج عوامل عدة جعلت من سوريا محط أنظار القوى الكبرى. فمن جهة، سعت روسيا إلى تثبيت وجودها العسكري والسياسي في البحر الأبيض المتوسط، في حين أرادت إيران تأمين خط إمداداتها العسكرية والاستراتيجية عبر العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان، مما يتيح لها النفوذ في الهلال الشيعي.
 من جهة أخرى، كانت تركيا تسعى لضمان أمني في شمال سوريا، خاصة في مواجهة الأكراد السوريين الذين تصنفهم أنقرة كـ "تهديد" للأمن القومي التركي.
أما الولايات المتحدة، التي كانت حاضرة في شرق سوريا ضمن تحالف ضد داعش، فكان لها دور مزدوج: ضمان استقرار حلفائها في المنطقة من خلال المحافظة على الدعم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي الوقت نفسه محاربة التمدد الإيراني في المنطقة.
 وارتبط هذا التحرك الأمريكي بالتزام حذر نحو إسرائيل وحمايتها، الأمر الذي جعل من الملف السوري جزءًا من معادلة أوسع تشمل التوازنات الإقليمية.
إدارة التوترات بدلًا من مواجهتها
إن فكرة "إدارة النفوذ" في سوريا تبلورت بشكل جلي مع دخول العديد من القوى الدولية والإقليمية في وضع لا يسمح لأي منها بالهيمنة الكاملة على القرار السوري.
 فالتوازنات القائمة في مناطق النفوذ السورية هي في جوهرها مجرد تسوية مؤقتة، تهدف إلى التوافق على توزيع "الكعكة" بما يضمن استمرارية استقرار الدول الكبرى.
التحدي اليوم أمام سوريا يتمثل في كيفية الاستفادة من هذه التوازنات الخارجية لتحقق استقرارًا داخليًا، بينما تواجه انقسامات داخلية مع استمرار التوترات في مناطق متعددة من البلاد.
فروسيا، التي تعزز وجودها في الساحل، تحاول دعم حكومة دمشق في مواجهة أي تحديات قد تأتي من القوى المعارضة.
إيران، بدورها، تسعى لتعزيز دورها في دعم ميليشياتها المنتشرة في الداخل السوري، مما يضمن لها قدرًا من السيطرة على القرار السياسي، في حين تواصل تركيا تأمين حدودها الشمالية من التهديدات الكردية.
تطورات جديدة في الدبلوماسية السورية
بعد سقوط نظام بشار الأسد، تسعى سوريا الجديدة التي يقودها الشرع إلى الانفتاح على العالم، فالزيارات الأخيرة التي قام بها إلى عدد من الدول منها السعودية تشير إلى تغييرات في السياسة الخارجية السورية، وهي خطوة تعتبر تحولًا كبيرًا في استراتيجية دمشق التي كانت تعتمد على الحلفاء التقليديين مثل إيران وروسيا.
ويتوقع مراقبون أن تسهم زيارة الشرع إلى واشنطن في تقديم سوريا كداعم للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل الحاجة إلى إعادة بناء الاقتصاد السوري واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
علاقة الشرع مع ترامب قد تعكس رغبة الإدارة السورية الجديدة في تحسين علاقتها مع الغرب، لكن الصعوبة تكمن في تحقيق التوازن بين التزاماتها تجاه حلفائها التقليديين وبين بناء علاقات جديدة مع القوى الغربية. هل سينجح الشرع في ضمان مصالح سوريا بين المتطلبات الدولية والإقليمية؟
ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون سوريا قادرة على إدارة التوازنات بين هذه القوى المختلفة، أم أنها ستبقى ساحة لصراع المصالح في الشرق الأوسط؟
 

منال العابدي