

أي رئيس تريده تونس سؤال قد يكون في غير محله والمقبلون على الترشّح للإنتخابات الرئاسية يعرضون أنفسهم في سوق الإنتخابات بالعشرات بما يجعل الجميع امام اختيارات عدة الى حد أصبح فيه التساؤل مشروعا حول الحاجة الى كل هذا الكم الهائل من المتقدّمين كي نختار من ضمنهم رئيسا وحول دواعي عدم التوافق بما يسهّل الاختيار على الجميع ..فبأي ذهن مشتت ترى سيدخل التونسي الخلوة وأي اسم سيختار من ضمن قائمة تضم العشرات.
منطق الأشياء يقول أن الالتفاف والعودة الى الوراء أسهل بكثير من المضي قدما في هذه المرحلة "الانتقالية" الجديدة القادمة التي ستقطعها تونس في رحلة الألف ميل التي لم تجتز منها الا بعض العشرات من الأمتار والتي نحن في حاجة فيها الى قطع مئات الأميال الأخرى...وأن المخاطر التي تنتظرنا أكثر بكثير من المفاجآت السارة ..وأن احتمالات انعدام التفاهم داخل البرلمان القادم أكثر بكثير من حظوظ التوافق مهما أسفرت عنه الانتخابات من نتائج لا تقبل الطعن ..وأن سيناريوهات عدة واردة على غرار اعتصام القصبة او الرحيل قد تسقط الحكومة القادمة والمجلس النيابي المنتخب بعد أشهر او سنة أو سنتين لنخوض انتخابات أخرى سابقة لأوانها ..وأن التجارب أثبتت أن الاستقرار في مثل هذه الحالة التي تمر بها تونس أمر صعب المنال طالما طغت الحسابات الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية الكبرى لذلك فالمنطق يفترض أن نأخذ بعين الاعتبار ما ترسمه أحلام التونسيين من ملامح لشخص الرئيس القادم .. أحلام تطمح أن يقود تونس رئيس فوق كل الحساسيات والأحزاب، يجمع ولا يفرق ، رئيس يكون ابنا بارا لتونس وأخا للجزائريين ولليبيين وصديقا للقطريين ورفيقا للسعوديين والإماراتيين والمصريين وشريكا لفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وزعيما في نظر بقية الدول.
ففي من تتوفّر هذه المواصفات ومن ترى يقبل بأن يضعها اليوم وليس غدا نصب عينيه قبل الأسماء...؟ قد يكون العديد من العقلاء الذين يفكّرون في غد أفضل لهذا الوطن من أنصار هذا الرأي وقد تتغلّب الحسابات الحزبية الضيّقة على أطراف أخرى فيرون أن الأسماء المدعومة قبل المواصفات المطلوبة. وبين هذا الاختيار وذاك يظل الحسم بيد الأغلبية الصامتة وإلا فقد تكون العديد من حقوق ومكتسبات التونسيين عرضة للضياع وقد نخسر نقاطا هامة في معارك مقاومة الفقر والتهميش والبطالة والإرهاب القادمة وما الى ذلك من الدوافع التي كانت وراء قيام ثورة 14 جانفي 2011 ووراء استشهاد ساسة وجنود وأمنيين.
قد يعسر على البعض الاختيار وقد تعوقهم القدرة على النظر بعمق في كنه الأشياء وقد يشعرون أن الافق قد ضاق وأن لا اختيار الا ما اختاروه لنا ..وقد يعود الى ذهن البعض الايام الصعبة للحوار الوطني وكيف بقدرة قادر تكتشف تونس أن لها عصفور نادر منحت له الفرصة فأثبت كفاءته .. لذلك على التونسيين أن لا يقنطوا فالعصفور النادر متوفر وهو يرمق للجميع من فوق الأغصان في انتظار ان يدعوه السرب الصامت ليغرّد باسمه...فانظروا جيدا حولكم ومن غير المستبعد أن تحمل لكم الايام القادمة مفاجآت
حافظ الغريبي