

في الوقت الذي ما تزال فيه الأزمة السياسية تراوح مكانها في غياب أي مشاورات جدية وشعور بالمسؤولية ، بعيدا عن التحركات "الاستعراضية" والثرثرة الكلامية ، في مشهد بات "رمالا متحركة" طغت عليه الحسابات والصراعات ، تعمقت الأزمة الاقتصادية واستفحلت أكثر من أي وقت مضى ،مما أدى الى "اغراق" البلاد ، في ظل تراجع الانتاج وتواصل انزلاق الدينار وتضاعف الدّين العمومي ، الذي تجاوز عتبة 75 مليار دينار ، في انهيار غير مسبوق ينبئ بمخاطر شديدة .
وفي ثنايا "مستنقع" التجاذبات والصراعات الحزبية والمزايدات السياسية ، التي تلقي بظلالها على الساحة السياسية ، ما فتئت لعبة شد الحبل ولي الذراع تزداد يوم بعد آخر ، مع تلون المواقف وعمليات "الشقلبة" و"الرقص على الحبال" ، في "معارك" حزبية وصراعات سياسية تستخدم فيها "أعتى" الأسلحة "وأفتكها" ، في جبهات "ساخنة" بطبيعتها وازدادت "اشتعالا" ، بلا مبادئ ولا قيم ولا أخلاق.
ومن البديهي ان يؤدي هذا "التخندق" و"التمترس" الى انسداد سياسي ، عمق الأزمة وزاد في ضبابية المشهد ، باعتبار ان "التموقع الانتهازي " مثل ولا يزال العنوان الرئيسي لهذا "التزحلق" ، فلا غاية أغلب سياسيينا الذين "ينطون" بين الأحزاب والائتلافات والجبهات ، احداث التوازن السياسي المفقود مثلما يدعون، ولا هدفهم ايجاد حلول للأزمات وما أكثرها ، بقدر ما تنصب مختلف حساباتهم على كيفية الوصول أو حتى الاقتراب من السلطة ولو "زحفا" ، في محاولة لتحقيق مصالحهم الحزبية وخدمة مآربهم الشخصية.
لن نعود إلى موضوع "السياحة" تحت قبة قصر باردو مع العودة البرلمانية اليوم ، في مشهد برلماني "متقلب" تبخرت فيه كتل وتأسست أخرى على انقاضها ، لن نتحدث عن مشهد سياسي" بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولا نكهة" ، جعل ثقة التونسي في الأحزاب السياسيين تهتز وتتراجع إلى أدنى مستوياتها ، لن ننتقد هذا الوضع "الموبوء والمأزوم" بطبعه ، الذي انكشفت من خلاله ألاعيب "الراقصين على الحبال" "والناطين" على "الخيوط" ، فلا الحبال المهترئة ستتحمل "نفاقهم" ولا "الخيوط الخفية" ستصمد طويلا أمام "مطامعهم" .
من المؤسف والمؤلم والمحبط ان الكل اليوم "يناور" وينوع من "تكتيكاته" ، ويرفع في نسق "لعبه" ، ليس حبا في هذا الوطن "الجريح" ، وانما من أجل تحقيق "غنائمه" ، في حلبة صراع طغت عليها المصلحية والنرجسية والركوب على الأحداث، وساحة سياسية أصبحت عنوانا بارزا للخيانات و"حروب الدوسيات" ، ولا أحد دون استثناء "بريء" من "الأدران" ،أدران السياسة التي لن يتطهر منها أي طرف مهما فعل ، في ظل النفاق السياسي المبتذل ، الذي استفحل وتغلغل وبات "العملة" الأكثر رواجا .
ووسط هذه التقلبات و"الشقلبات" وصراع الأجنحة وانقلاب المعادلات بعد انتهاء "التوافق"، يبدو ان كل الأطراف مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمراجعة مواقفها واستراتيجياتها ، بعيدا عن المصلحية والحسابات الانتخابية بدءا بأعلى هرم السلطة ، باعتبار ان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي "تكتك" ومازال "يناور" لاعادة ترتيب "خيوطه" ، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد "تمدد" و"استثمر" وتعمد "الصمت المريب" حتى يستفيد أكثر ويخرج "الرابح الأكبر".
ولئن كنا واثقين انه يتحتم اليوم على الائتلاف الحكومي التعاطي مع الأزمة السياسية بمسؤولية ، بما ان "الصراع الندائي" ساهم في اطالتها بل و"تأزيمها" ، وحركة النهضة تعاطت مع مختلف تطوراتها وفق منطق "الربح والخسارة" ، فاننا على نفس الدرجة من الوثوق انه يتوجب على كل الحساسيات الانخراط بايجابية من أجل المصلحة الوطنية ، بعيدا عن أساليب ستغلال "الفجوات" والركوب على الأحداث ، في وطن لم يعد يحتمل "الركوب" ولا الصراعات و"المناورات" .
محمد صالح الربعاوي