

كشفت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية أن السواد الأعظم لمجموع أكثر من 700 موقوف متهم بالتخريب والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة في أحداث الشغب والتخريب الليلية الأخيرة هم من الشباب ..وأن 85.95 بالمائة منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة في حين بلغت نسبة الموقوفين الذين تتراوح أعمارهم بين 31 و 40 سنة 11.71 بالمائة...
بما يعني أن من أحرق العجلات وقطع الطرقات وسلب ونهب واعتدى على المواطنين وقوات الأمن هم أساسا من فئة الشباب الذي من المفترض أن يكون من الشباب المهمّش الذي يعاني الفقر والبطالة والذي انسدت أمامه الأفق فلجأ الى السلب والنهب مغتنما فرصة الاهتزاز السياسي لبث حالة من الرعب والفوضى في البلاد.
إن من حق أي مواطن التساؤل حول الدوافع التي كانت وراء ما حدث والتي يمكن تلخيصها أساسا في توفر أرضية ملائمة مماثلة لما توفر خلال اندلاع ثورة سنة 2011 التي أطاحت بنظام بن علي والتي لم يستوعب ساستنا منها الدروس الكفيلة بعدم تكرار نفس السيناريو ظنا منهم أن انتخابات حرة وشفافة كفيلة وحدها بإكسابهم شرعية البقاء في الحكم إلى حين يعاد حسم الآمر عبر الصناديق.
لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن تغيير كفة الموازين يمكن أن يتم بعيدا عن قبة البرلمان وعن صالونات مقاهي البحيرة وعن قصر قرطاج وان قوة جديدة كامنة أظهرت قدرتها على صنع الحدث بوسائل أخرى غير ادوات التوافق والتحالف ومنطق"الضرب تحت الحزام" ..قوة يبقى التساؤل مشروعا عن الخيوط التي حركتها والغايات من تحريكها ففي الوقت الذي لا يٌستبعد فيه دور الأيادي الخارجية والأطراف السياسية والمال الفاسد ولوبيات الحكم فان القراءة الاجتماعية تنحى الى تفسير مغاير بعد ان طغى منطق الغنيمة على تعاملاتنا الاجتماعية والسياسية.
فالشباب المهمّش لم ولن يقبل بان يكون على الهامش ، وهو الذي يرى ويسمع عن سياسيين كانوا إلى زمن قريب لا يمثلون شيئا أضحوا بين عشية وضحاها يقررون مصائر الشعب ويتمتعون بالمال والجاه ويبسطون نفوذهم على كل شيء ، بل تراه يقتنص الفرصة لبسط نفوذه على كل ما هو في متناول يده حتى وان كان حيّا سكنيا أو طريقا ليفرض فيه قانونه ويكون عليه سيّدا وينال ما يناله السياسيون من غنائم باتت حديث القاصي والداني.
إن منطق الغنيمة الذي طغى والطمع الذي استبدّ والإغراءات التي تعددت أذاب القليل مما تبقى من قيم وأخلاق بما ينبئ بأن الثورة القادمة ستكون ثورة "الغزوات"..
لقد آن الأوان كي تبدأ حملة تنظيف كبرى للساحة السياسية من كل المتشعبطين والوصوليين والذين كذبوا على الشعب أو استهزؤوا به..ذلك أن الخلاص الوحيد لهذا البلد يكمن في مواصلة الحرب على الفساد بلا هوادة ولا انتقائية لتنهي مع منطق الغنيمة وتبقي فقط مع من يريد أن يخدم شعبه.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة الغطاء وآن الأوان ليقول الشرفاء والأغلبية الصامتة بصوت واحد كفى.
حافظ الغريبي