

نفس الأسباب تؤدي حتما الى نفس النتائج ..تلك القاعدة العلمية والاجتماعية والسياسية التي لم يستوعبها من تداولوا على الحكم في تونس ،منذ اندلاع الثورة الى يوم الناس هذا ، بالقدر الذي يجنّب البلاد الهزات.
فالبلاد تعيش منذ أيام على وقع احتجاجات تندلع بشكل عشوائي في الظاهر لكن المتأمل فيها يتضح له الخيط الرفيع الذي يربط بينها، ولئن كانت الزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية المعلومة منذ شهر هي السبب الجامع نظريا فان دوافع مختلفة أخرى تعتبر المحرك الرئيسي لها وأهمها تفاقم ظاهرة البطالة والعجز شبه الكلي عن معالجتها ورغم الجهود المبذولة فان النتائج الحاصلة تقرّ بالعجز..بطالة تمثل الأرضية الخصبة لشحن غضب عموم الناس وخاصة الشباب منها ودفع المنحرفين منهم وضعاف النفوس إلى القيام بأعمال التخريب والنهب والسرقة .
والبطالة تعتبر حصان طروادة الذي يمتطيه المنهزمون عبر الصناديق لاختراق حصون الفائزين وزعزعة أمنهم واستقرارهم وإدخال الإرباك عليهم لإضعافهم وإنهاكهم وجرهم نهاية المطاف الى انتخابات سابقة لأوانها ..ومثل هذا السيناريو تكرر كذا مرة وعاشته البلاد في الشمال والجنوب والوسط خصوصا خلال الأشهر الساخنة من كل سنة وبعد إعلان عن نتائج مناظرات لامتصاص وهمي للبطالة عبر مؤسسات البيئة وغيرها من مؤسسات "حلول التخدير".
والأدهى والأمر أن الحكومات المتعاقبة لم تستعض لما حصل لسابقاتها سواء توسّع تحالفها أو ضاق إذ تعجز في كل مرة على تمرير جرعة الإجراءات المؤلمة بدون ردة فعل ..واعتقادنا أن الوهن الأكبر يكمن في ضعف قدراتها الاستباقية على تفسير الأوضاع بالشكل المرجو وعلى القدرة على التحوّط والتوقي من القادم ..فقد كان بإمكان أجهزة المراقبة الاقتصادية ان تنزل بثقلها لردع المخالفين ممن رفّعوا الأسعار دون موجب والتحسيس في الآن نفسه بحقيقة انعكاس الترفيع في الاداءات على المواد المستهلكة .
ومما يزيد الطين بله تلك الصورة التي ترسخت بأذهان عموم الناس عن التحالف السياسي الذي يفترض ان يشدّ أزر الحكومة فإذا به يعيش حالة التشرذم والانهيار الأخلاقي الذي ينفّر المواطنين فيهم ويضعف الحكومة ويقلّ من هيبة الدولة..فمثل هذا المشهد ومثل تلك الأسباب التي تتكرر تؤدي حتما لنفس النتائج التي عاشتها البلاد خلال السنوات المنقضية والتي تنتهي بتراجع الحكومة في قراراتها او تعليق العمل بها وتضعف هيبة الدولة أكثر .
حافظ الغريبي