

عرضت امس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تقريرها السنوي لوسائل الاعلام والذي تضمن فيما تضمن اعمال البحث والتقصي حول الفساد في الانتدابات والصفقات واستغلال النفوذ اضافة للجهود المبذولة من الهيئة لوضع الاطر القانونية لمكافحة الفساد.
ولئن نجحت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في وضع استراتجية واضحة لمحاربة ظاهرة استشرت في بلادنا فان أنماطا اخرى من مكافحة الفساد ظلت مجرد تسمية على ورق من ذلك ملف استرداد الاموال المنهوبة والموجودة بالخارج والذي ظل نائما في الرفوف بعد حلّ اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال الموجودة بالخارج والمكتسبة بصورة غير شرعية لانقضاء أجل صلاحيتها المقدر بأربع سنوات.
فبعد إحالة وثائق اللجنة للمكلف العام بنزاعات الدولة بوصفه الوريث الشرعي للملف حسب ما نص عليه مرسوم تكوينها دخلت مسألة استرداد الأموال المنهوبة والموجودة بالخارج في سبات عميق سيما بعد استقالة المكلف العام بنزاعات الدولة الأسبق القاضي كمال الهذيلي وتلدد الحكومات المتعاقبة في تعيين مكلف عام جديد رغم مرور اشهر طويلة على عزل من تم تعيينه والذي لم يعّمر في المنصب سوى شهرين من الزمن ليتواصل مسلسل الفراغ مجددا منذ مطلع السنة.
فراغ ونوم عميق في التعاطي مع ملف حساس يمكن أن يوفّر للدولة مئات الملايين من الدولارات المخفية في البنوك السويسرية والفرنسية والإماراتية وفي ملاذ ضريبية أخرى والتي بتوفرها تساعد في التخفيف من ضغط التداين ..لقد اختارت الحكومات المتعاقبة التغاضي عن هذا الملف تاركة الأمر للقضاء وبالنظر لنسق الإنابات القضائية الدولية البطيء فان امل الحصول على مبلغ ولو هزيل مما يوجد في الحسابات لن يتحقق إذا ما حصل ذلك فلن يكون إلا بعد سنوات طوال.
وما يؤسف حقا اليوم أن وزير أملاك الدولة الذي يتباهى باسترداد بعض الهكتارات التي انتهى عقد تسويغها ويسوّق لذلك في كل وسائل الاعلام اختار أن يغضّ الطرف عن ما لا يقل عن 500 مليون دولار من الأموال المنهوبة والمتأتية في جلها من عمولات صفقات عمومية تم تحويلها إلى تلك الحسابات دون مراعاة لواقع البلاد ومتطلبات المرحلة ..ثم لم لا يعجّل ببحث سبل صلح قضائي لقطع الطريق أمام استغلال الأطراف الأجنبية لهذا الظرف.
إن المستنتج مما نعاينه اليوم من صمت غريب انتهى ببيع فيلا صخر الماطري بكندا بسعر بخس لعدم تسديد معاليم الزبلة والخروبة لدليل على رغبة السلط التونسية في قبر ملف استرداد الاموال المنهوبة والموجودة بالخارج في مقبرة النسيان والى الأبد دون بذل اي جهد لاسترداد ولو نصيب منها ..والحال على ما هي عليه هل يصحّ الحديث عن فساد من نوع آخر ؟
حافظ الغريبي