

برزت فجأة خلال الآونة الأخيرة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لتونسيين على متن قوارب هجرة سرية في اتجاه السواحل الايطالية، وعملية التصوير ونشر المقتطفات وتعميمها بذاك الشكل لم تكن قط مألوفة بما يوحي بتفاقم ظاهرة الهجرة السرية خلال المدة الاخيرة
تفاقم تؤكده لغة الارقام ، إذ جاءت إحصائيات وزارة الداخلية المعلن عنها خلال ندوة صحفية لمسؤولي الوزارة الجمعة لتكشف تطورا هاما لنسبة إحباط محاولات اجتياز الحدود خلسة خلال التسعة أشهر الأولى من السنة الجارية بما يفوق الستين بالمائة مقارنة بكامل السنة المنقضية ..وإذا ما اعتبرنا ما يقوله أخصائيو علم الاجتماع ، من أن كل إحباط لعملية "حرقة" تقابله من ثلاثة إلى خمسة عمليات لا يتم التفطن إليها، فان ذلك لا يمكن أن يترجم إلا تطورا ملحوظا للظاهرة.
تطور بلغ حد الإمعان في تحدي السلطة ورموزها من خلال التوجه اليهم بالاسم في ما شوهد من فيديوهات في رسائل باتت مضامينها جلية للعيان ومفادها أن لا أمل في البقاء في تونس وان لا آمل في خلاص جماعي كما اعتقد الجميع زمن الثورة فالخلاص فردي وقد يكون ثمنه حياة الفرد أو القفز في المجهول .
ولئن أراد البعض إبلاغ هذه الرسائل محليا فإن ما على الغرب أن يقرأه جيدا من مضمون تلك الفيديوهات هو أن وضع تونس الاقتصادي ساء بما رفّع من نسق الهجرة السرية وإن مثل هذا تدفق في مثل هذا توقيت لا يشمل الباحثين عن تحقيق أحلام دنياهم فقط بل هناك منهم من تعلقت بهم تهم حق عام وأخرى إرهابية ..وان بلوغهم الأراضي الأوربية يمثّل خطرا حقيقيا على أمن أوربا واستقرارها.
ولعلّ من الواجب التأكيد على ان تونس ،التي تجتاز هذه الايام امتحانا سداسيا آخر عسيرا أمام خبراء صندوق النقد الدولي،مطالبة بمزيد التحكم في الإنفاق واتخاذ إجراءات غير شعبية للتقليص من عجز ميزانية الدولة ..وهي في الآن نفسه مطالبة بأن تفي بتعهداتها إزاء الضفة الغربية من المتوسط وأن تكون الحارس الأمين للمياه المشتركة والتصدي لكل من من يريد اختراقها بغير وجه قانوني ..وهي بين هذا وذاك في أمس الحاجة لدعم أكثر لتجاوز محنتها الاقتصادية بعد أن قبلها الغرب عضوا كامل الحقوق في نادي الدول الديمقراطية .
حافظ الغريبي