

بعد مرور ست سنوات ونيف على ثورة الحرية والكرامة لم يعد من الممكن مصادرة حق الفرد في التعبير عن ما يخالج صدره وما تعج به أفكاره.
تلك هي القاعدة التي يسعى مشروع القانون الأساسي المتعلق بحرية التعبير والصحافة والطباعة والنشر إلى تكريسها بعد أن أمضى خبراء ورجال قانون وحقوقيون أشهرا طويلة في إعداده ويكاد يكون اليوم جاهزا لعرضه على الحكومة.
وقد سعى مشروع القانون ،الى اعتبار ان الحق في حرية التعبير والصحافة،وفي حرية تداول ونشر وتلقي الأخبار والآراء والأفكار مهما كان نوعها مضمون ويمارس وفقا لأحكام الدستور ولبنود العهد الدولي للحقوق الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبقية المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان ومقتضيات القانون الأساسي طبعا.
غير ان المشرّع يرى في الآن نفسه أن تقييد حرية التعبير ممكن، شرط أن تكون الغاية منه تحقيق مصلحة مشروعة تتمثل في احترام حقوق وكرامة الآخرين أو في حفظ النظام العام أو في حماية الدفاع والأمن الوطنيين.
إلا أن واقع الحال يعكس مشهدا مغايرا لأهداف الثورة التي قامت على أساس الحرية والكرامة إذ باسم الحرية تداس كرامة الفرد والمجموعة كل يوم على أياد أناس أسأت استغلال المفاهيم النبيلة فوظفوها للشتم وهتك الأعراض وللكسب غير المشروع مستفيدين من الخلافات السياسية ومن تصفية الحسابات بين الفاعلين الاقتصاديين ليبثوا سمومهم مسمّين أنفسهم مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى عبر مواقع وصحف مأجورة بعثت لهذا الغرض والتدوين منهم براء.
لذلك يسعى المشرّع اليوم إلى أن يكون تقييد حرية التعبير، ان استوجب الامر تقييدا، ضروريا ومتناسبا مع ما يلزم اتخاذه من إجراءات في مجتمع ديمقراطي ودون أن يمثل خطرا على جوهر الحق في حرية التعبير والإعلام ، وبالتوازي تتعالى الأصوات مطالبة بتسليط أشد العقوبات السالبة للحرية وتسليط خطايا مالية ثقيلة وجبر الضرر المعنوي على من يمتهن هتك الأعراض وإتيان أفعال موحشة ضد الأفراد .. وهي أصوات تلاقي رفضا لدى بعض الحقوقيين خصوصا منهم المنتمين للمنظمات الدولية التي تدعو لحماية المدونين وحتى منحهم صفة الصحفي.
في المقابل تدعو أصوات اخرى لضرورة مراعاة طبيعة المرحلة وإصدار تشريعات تأخذ بعين الاعتبار المبادئ السامية لثورة الحرية والكرامة والدستور التونسي وتراعي طبيعة المرحلة التي لم يستقم فيها بعد حال المجتمع ولم تستقر الأوضاع السياسية والاقتصادية ولم ترسخ بعد عقلية المواطنة وحقوق الإنسان ولم يتشبع فيها البعض بالمبادئ السامية للحرية .. تشريعات لفترة انتقالية جديدة حتى يتسنى تجاوز وبسلام فترة الاضطرابات التي قد تدوم سنوات أخرى فيستقيم الحال في اتجاه الطريق القويم .. لكن فِي الانتظار لابد من إحكام ردع المخالفين والسعي إلى تنقية أجواء حرية التعبير منهم.
حافظ الغريبي