

منذ ان قطعت تونس مع زمن الاستبداد ودخلت مرحلة وهن الدولة والدوس على هيبتها ما فتئت مظاهر التخلف تتعدد وتتنوع واضعة حجر العثرة وراء حجر العثرة امام استكمال البناء الديمقراطي على أسس سليمة
فبداية من سنة 2011 الى اليوم أضحت عديد جهات البلاد تعيش على وقع هزات اجتماعية - امنية دوافعها بسيطة وانعكاساتها وخيمة ، ولنا في الخلافات التي جدت في قفصة وقبلي وغيرها من الجهات على غرار الشمال الغربي أمثلة حية حيث يبدأ الخلاف لسبب تافه وينتهي بسقوط ضحايا وفرض حظر التجوال
ولئن كان للاحتماء بالعروشية ما يفسره في ظل ضعف السلطة المركزية وعجزها الفادح على فرض القانون وارساء العدل فان ما لا يقبله العقل ان تنتقل الظاهرة من العصبية القبلية الى العصبية المهنية فنجد نقابات تجتمع لحماية فرد خالف او تجاوز القانون وتوقف نشاط قطاع وتعطل مصالح البلاد والعباد وقد بلغ الامر حد اكتساح الظاهرة لقطاعات حساسة على غرار الأمن والقضاء
وموازاة بما يحدث في الخلافات العروشية فان الخلاف في مظاهر العصبية المهنية يبدأ لأسباب تافهة تغيب عند التعاطي معها الرصانة وتلعب العواطف دورا أساسيا في تاجيج النيران لتصبح قضية وطنية يعسر حلها، ولنا في حادثة قابض البريد بتوزر مثالا اذ ما ضر لو تمت احالة المتهم بحالة سراح وأي خطر تراه يشكله لو ظل حرا طليقا وهل ورد في تاريخ القضاء ما يثبت إيداع متهم بذات التهمة الموجهة له السجن ، واي تعليل لما حدث ان لم يكن ان القاضي أفرط في استغلال نفوذه وبالغ في الثأر لهيبته .
ثم وهل من حق أبناء البريد ان يردوا الفعل بتلك الطريقة ويضعوا مصالح المواطنين رهينة بين أيديهم يقايضون بها الحرية لزميلهم ويحرمون عجزا ومسنين من سحب جراياتهم ومن الحصول على اموالهم ليقتاتوا بها ويقتنون أدويتهم الحياتية.. لقد جاوزوا بذاك السلوك حدود الحقوق التي منحتها لهم الديمقراطية الناشئة بنفس القدر الذي يجاوز فيه عديد القضاة وخاصة قضاة التحقيق حق الانسان في التمتع بالحرية طالما ان إبقاءه طليقا لا يشكل خطرا على الآخرين فأصبحت عبارة « وابقاه بحالة سراح « منّة في حين أردها المشرع حقا الى حين ثبوت الادانة .
لقد منحت الديمقراطية للقضاة وللأمن ولمختلف المهن حقوق ما كانوا ليتمتعوا بها منذ سنوات قليلة ومن حقها عليهم ان لا يعبثوا بها بتلك الطريقة وان لا يدوسوها تحت اقدام ما يظنونه انفة وحصانة .. من واجبهم ان لا يجعلوا هذا الشعب المقهور يكره الديمقراطية ويحن للدكتاتورية كي تضع حدا لما يعتقدون جازما انه افراط في استغلال النفوذ واستخدام السلطة .. عليهم ان يعوا ذاك جيدا قبل فوات الاوان لأنهم آنذاك سيكونون الخاسر الأكبر
حافظ الغريبي