

أسدل الستار على المؤتمر العاشر لحركة النهضة بعد أن عاش المعنيون بالشأن السياسي من داخل الحركة ومن خارجها على وقعه طيلة الأشهر المنقضية .
وبغض الطرف عن ما حمله الصندوق من وجوه جديدة وما جدده من وجوه قديمة فإن أمران في غاية التأثير على عموم الناس يستحق إيلاؤهما اهتماما خاصا أولهما يتعلق بفصل السياسي عن الدعوي وثانيهما بالشأن الاقتصادي في بلاد على حافة الإفلاس .
فالنهضة - التي عاشت تحت وقع سلسلة من الضغوط الداخلية والخارجية المتواصلة والتي احتدت بعد سقوط حكم الاخوان في مصر وانحسارهم في ليبيا وصمود النظام السوري امام محاولة زعزعته - انتهت الى وضع السفساري فوق "اللباس الشرعي " في محاولة إيهام بأنها توتنست .. محاولة لم تنطل على العديد الذين ما انفكوا يكيلون لها التهم ويربطون ما يحدث للبلاد من شرور بأفعال أتاها النهضاويون او امتدادات لافعالهم السياسية ، وبغض النظر عن مدى صحة التهم من عدمها فإن المؤكد ان النهضة لم تتخلى عن إيديولوجيتها القائمة على الحكم بالدِّين الشيء الذي دفع رئيس الدولة إلى مخاطبة قواعدها في عقر دارهم بان هاتوا برهانكم عن فصل السياسي عن الدعوي .. دعوة لم تتأخر الاستجابة اليها بعد ان قرر المؤتمر فصل العمل السياسي عن العمل الجمعياتي ، قرار يبقى محل متابعة للتأكد من مدى تفعيله على ارض الواقع والحال ان كل أبناء الحركة ومريديها يجمعهم واعز واحد الا وهو الواعز الديني .
في المقابل أولى المؤتمر أهمية خاصة للملف الاقتصادي ، أهمية تفرضها طبيعة المرحلة وتُحرّكها إستراتجية مخفية لمرحلة قادمة تكون فيها النهضة قد تموقعت أكثر في الانتخابات المحلية أمام طبقة سياسية متهرئة وأحزاب فقدت بريقها ، إستراتيجية لا تختلف في شيء عن خطط الإخوان في تركيا الذين حوّلوا البلاد إلى قوة اقتصادية ضاربة خلال سنوات حكمهم وقبلوا في الآن نفسه ولكف الأذى القوى العظمى عنهم وغضها الطرف عن رغبتهم الجامحة في خدمة المدّ الاخواني تنفيذ برامج الحلف الأطلسي الإقليمية في العراق وسوريا..
ولا يخفى على أحد أهمية الدور المحوري التي ستلعبه لاحقا الأقاليم والجهات في إدارة الشأن المحلي وفي إنمائها وفق ما جاء به الدستور الذي كان للنهضة دور رئيسي في صياغته ، كما لا يخفى دور العمل الجهوي بالدول الديمقراطية في فتح أفاق العمل السياسي الوطني ولنا في عديد رؤساء البلديات في أوروبا وفي تركيا مثالا .. لقد اختارت النهضة ومنذ اليوم الأول أن تقدم تصوّرها للشأن الاقتصادي فتحدث رئيسها عن وزارة كبرى للاقتصاد تدير الملفات الموزعة على وزارات عدة وهي بذلك تقدم تصورا لاحقا لما قد تكون عليه تركيبة حكومة قادمة بما يوحي بتعديل او بتغيير شامل قادم يفترض أن يكون مرتبطا بما ستؤول اليه نتائج الانتخابات المحلية .
فالنهضة كما يتضح تعد العدة لمرحلة قادمة محورية في حياتها مرحلة شعارها طلب كف الأذى السياسي الذي ما انفك يلحق بها والدخول الى قلوب الناس من جيبوهم عوضا عن نفوسهم ..نهضة «متتونسة» شكلا لكن ترى ماذا سيخفي السفساري الذي وضعته؟
حافظ الغريبي