

على امتداد أكثر من 20 سنة لم تشهد تونس تطبيق حكم إعدام واحد.. فمنذ تنفيذه في سفاح نابل الناصر الدامرجي ظلت الأحكام دون تطبيق وكان الرئيس المخلوع، رغم حملات المطالبين بتطبيق أحكام الإعدام والحملات المضادة للحقوقيين الرافضين ذلك، مصرا على أن لا يرفض طلب عفو واحد بإلغاء حكم الإعدام وتعويضه بالسجن مدى الحياة طالما ظل في الحكم .
وقد كان لهذا الموقف ما يبرره ، فتونس كانت في أمان نسبي ولم يكن يهدد أمنها واستقرارها ما من شأنه أن يكون مدعاة لتنفيذ أحكام بالإعدام باستثناء جرائم فردية استوجبت إصدار أحكام بالإعدام ولم ير رئيس الدولة آنذاك موجبا لتنفيذها تحت ضغط أوروبي متواصل داع لإلغاء عقوبة الإعدام في تونس غير أن الحسابات السياسية انذاك جعلته يرفض تقنين ذلك كي لا يقع تحت سياط المحافظين عموما و"الإسلاميين" خصوصا الذين سيتهمونه بإبطال ما شرّع به الله.
غير أن اليوم غير الأمس فتونس أضحت مهددة في أمنها واستقرارها ومشروعها الحضاري وفي مكاسبها.. تهديدات بلغت حدود السعي لاحتلال جزء من أراضيها على يد من لا يعترفون بالقانون وبالدولة ويحاربون مشروعا حضاريا قام على التنوّع والقبول بالآخر كمكوّن أساسي لمجتمع متماسك ولدولة قوية.. مشروع كانت أولى لبناته تمتيعهم بالعفو التشريعي العام ليتمتعوا بكامل حقوقهم ولينضبطوا كذلك للواجبات التي تفرضها الدولة على مواطنيها وهو ما رفضوه .
إن ما حدث من اعتداءات على امن البلاد العام وعلى رموز سلطتها وعلى أفراد شعبها العزل في بنقردان وفي الشعانبي وفي هنشير التلة وفي اماكن متفرقة اخرى من البلاد فرض وقفة أمنية حازمة وقضاء ناجز يساعد على إماطة اللثام عن خفايا تلك العمليات الإرهابية وعمن يقف وراءها.. قضاء يصدر أحكاما عادلة ومنصفة ومنتصرة للقانون ولعزة الوطن كذلك ..
وقد بدأنا نشهد أحكاما تستجيب لتلك الطلبات بعضها بلغ حدا أقصى بإقرار عقوبة الإعدام.. وفي انتظار ما سيقره الاستئناف والتعقيب من تأييد أو إبطال لتلك الأحكام حري بنا أن نسأل رئيس الجمهورية إن كان سيرفض فيما بعد طلب العفو على المحكومين من الارهابيين بالاعدام أم سيقبله بوصفه السلطة الوحيدة القادرة على منع تنفيذ تلك الأحكام.. موقف من المفروض أن يدلي به الآن لأنه قد يغيّر أشياء كثيرة.
حافظ الغريبي