إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"

 

 

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

في عام 1973 نشر السياسي والكاتب الفرنسي ألاَنْ بيريفيت، كتابا بعنوان "عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"، وذلك إثر زيارات للصين، لاحظ فيها مكامن النهوض المستقبلية، داعيا في كتابه الغرب إلى ترك الصين نائمة لأنها عندما "تستفيق يرتعد العالم"، كما قال في كتابه.

وهاهي توقعات السياسي تتحقق بعد خمسين سنة حيث أصبحت الصين عام 2023 أول قوة تجارية في العالم وثاني اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وهي ترأس مجموعة دول "البريكس" التي تستعد في المستقبل المنظور لأخذ صولجان الحكم في العالم، الذي سيكون متعدد الأقطاب وأكثر عدلا، وتعود فيه إلى الصدارة، بعيدا عن المركزية الغربية المرضية ، بلدان الحضارات القديمة وهي الصين والهند وروسيا القيصرية ومصر الفرعونية والعربية السعودية موطن الإسلام وإيران الفارسية وإفريقيا الحرة ، وذلك بعد ربع قرن أو نصف قرن على أقصى تقدير من الآن ، حسب توقعات الدراسات الإستشرافية ومراكز البحث في الغرب الأورو أمريكي نفسه.

والى غاية نهاية عام 2023 لازالت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبا تتحكم في الاقتصاد العالمي والإنتاج الصناعي والهيمنة العسكرية . ولكن أصبحت تتبعها منذ عشرية من الزمن كوكبة من البلدان ذات الثقل الاقتصادي والإرث الحضاري المذكورة . وتتوقع الدراسات ومراكز البحث أن تتمكن الصين بداية من عام 2030 من تجاوز الولايات المتحدة واحتلال المكانة الاقتصادية الأولى وافتكاكها من أمريكا التي ظلت تحتلها منذ 1870 كأكبر اقتصاد في العالم.

وتفيد إحصائيات البنك الدولي أن الدخل الإجمالي للاقتصاد العالمي عام 2022 بلغ 104 تريليون دولار لكل الإقتصادات العالمية، تحتل فيه الصدارة كل من أمريكا والصين المرتبة الأولى بأكثر من عشرين تريليون دولار لكل منهما، تليهما بعيدا باقي القوى الأخرى بأقل من خمسة تريليون دولار لكل منها. ويأتي الترتيب كالتالي :

-الولايات المتحدة : 25 تريليون دولار، تليها الصين بـ20 تريليون دولار، تليها اليابان بـ5 تريليون، تليها ألمانيا بـ5 تريليون، تليها بريطانيا بـ4 تريليون، تليها الهند بـ3 تريليون، تليها فرنسا بـ3 تريليون، تليها روسيا بـ2 تريليون، ثم البرازيل بـ2 تريليون، ثم إيران بـ2 تريليون، ثم السعودية بـ1 تريليون، ثم أندونيسيا بـ1 تريليون دولار.

وفي هذا الصراع المحتدم بين كل من الصين وأمريكا تجد أوروبا نفسها في حال التابع الكامل للولايات المتحدة الأمريكية ولا تتمتع بالقوة العسكرية لأمريكا أو روسيا ولا تتمتع أيضا بالقوة الاقتصادية والتجارية للصين، مثلما تدل عليه وقائع الصراعات العسكرية في قلب أوروبا سواء في الأزمة الأوكرانية أو في أزمة غزة في الشرق الأوسط بين إيران والغرب. وتجد أوروبا نفسها في هذه التطورات في حال الرجل المريض الراقد في بروكسال في غرفة الإنعاش، كما كانت الخلافة العثمانية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكانت تتندر بها الصحافة الأوروبية والفرنسية المنتشية بالسيطرة الاستعمارية على ممالك السلطنة العثمانية في البلقان والشام وشمال إفريقيا في الجزائر وتونس .

وأخيرا اضطرت أوروبا إلى الانصياع إلى الأوامر الأمريكية بتقديم الدعم المالي والعسكري الضخم لأوكرانيا لمواجهة روسيا، عوض البحث عن حل سلمي لتلك الأزمة يقي أوروبا مزيد الركود الاقتصادي وشن مزيد من الحروب المدمرة للإقتصاديات الأوروبية ولمستوى عيش سكانها المتضررين من التضخم الذي يلف منطقة اليورو التي أصبحت جحيما تضخميا في الأجور المرتفعة ثلاث مرات عن العملات الوطنية مثل الدينار التونسي، مقابل الأسعار والأكرية المرتفعة ثلاث مرات أيضا، مما جعل متقاعدي أوروبا عاجزين عن العيش في بلدانهم بسبب التضخم وجعلهم يهربون إلى بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط مثل تونس والمغرب لرخص الحياة فيها مقارنة بالسعير الأوروبي.

ولكن رغم هذه الأوضاع السياسية والاجتماعية السيئة في أوروبا، لازالت قياداتها الحاكمة تخبط خبط عشواء، وأغلبها يفتقد الكاريزمات اللازمة على رأس الدول وعلى رأس الهيئات التنفيذية القيادية في الإتحاد الأوروبي، حيث تتأرجح المواقف والسياسيات، كما في حال الرمال المتحركة وسراب الصحاري الذي يحسبونه ماء. ومن شأن ذلك أن يفتح الباب في نظر المراقبين أمام الحركات الشعبوية وقوى أقصى اليمين الشوفيني المتطرف في أوروبا الذي بات يحكم منذ سنوات في عدة دول مثل السويد وايطاليا والنمسا وهولاندا ويستعد لاستلام دفة الحكم المتطرف قريبا في دول أخرى أصبحت مثل "الاجاصة الناضجة للقطاف" كما وصف ذلك المستشار الألماني بيزمارك عام 1878 في مؤتمر برلين الاستعماري وهو يتحدث عن تونس المسكينة ، المتكالب عليها سيطرة بين فرنسا وإيطاليا، معلنا موافقته على ضمها لفرنسا، تعويضا للفرنسيين على فقدهم منطقة "ألزاس لورين" التي احتلتها ألمانيا وقتها وافتكتها من فرنسا بعد حروب دموية طويلة.

وخلال أيامنا هذه ، تكثفت حركات فرنسا الخارجية ضد روسيا القيصرية التي افتكت لها الممالك الفرنسية في إفريقيا بكل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو ، بتصعيد المواجهة الفرنسية مع روسيا في أوكرانيا . ولكن الحيرة وقلة ذات اليد العسكرية والإستراتيجية جعلت الرئيس الفرنسي يطلق النار على أكثر من هدف، حيث عبر في خطاب مطول في جامعة السوربون عن السياسات الأوروبية يوم 25 افريل 2024 عن حسرته وعجزه بالقول إن النتاج القومي الخام لأمريكا تطور بأكثر من ستين بالمائة منذ 1993 (تاريخ سقوط الاتحاد السوفياتي) وحتى 2022، بينما تطور الناتج الداخلي الخام لأوروبا خلال نفس الفترة بثلاثين بالمائة فقط، معبرا عن امتعاضه من قيام الصين والولايات المتحدة بخرق قوانين حرية التجارة العالمية عبر تقديمهما دعما حكوميا كبيرا للشركات الأمريكية والصينية في مواجهة الشركات الأوروبية التي لا تجد الدعم المماثل من حكوماتها أو من اللجنة الأوروبية العاجزة في بروكسال وفي البرلمان الأوروبي ومقره سترازبوغ عاصمة ألزاس لورين المتنازع عنها سابقا. ودعا ماكرون في نفس الخطاب أوروبا إلى مزيد الإنفاق العسكري لمواجهة التهديد الروسي في أوروبا التي قال إن لها "جيوشا ضعيفة وغير قادرة علي صد هجوم روسي محتمل على أوروبا سواء كان تقليديا أو نوويا" مطمئنا بصفة ضمنية تلويحية بأن القوة النووية الفرنسية، وهي الوحيدة في الاتحاد الأوروبي هي "مظلة تعطي الضمان وتردع أي معتد"، كما قال في هذا الخطاب المطول ومتناقض الأهداف لحوالي ساعتين من من "الكلام المرهق حد الإجهاد ومن التخبط الاستراتيجي بين الآني المستعجل والمستقبلي المدروس" كما علقت كبريات الصحف الفرنسية .

" عندما يستفيق الإسلام"

وفي هذا المخاض الدولي والحضاري، نشر المؤرخ المغربي محمد أركون عام 2018 كتابا بالفرنسية يحمل نفس العنوان تقريبا الذي جاء في كتاب السياسي الفرنسي بيريفيت عن الصين وهو " عندما يستفيق الإسلام"، دعا فيه إلى مواصلة الحركة الإصلاحية في الفكر الإسلامي وتحرير الكلمة والمرأة حتى يستفيق العالم الإسلامي ويعود إلى مجده العلمي والفكري الخلاق، عبر نقد الذات وتجاوز العطالة الراهنة.

ويجد اليوم جوابا ذلك السؤال المصيري الذي طرحه المفكر اللبناني شكيب أرسلان عام 1930 في كتابه "لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم"؟. والجواب بديهي وهو تحقيق نهضة علمية وفكرية جديدة للعرب والمسلمين، يكون لهم فيها دور ضمن العالم القادم متعدد الأقطاب لكل حضارة إنسانية المنحى فيه نصيب .

ولكنه يبدو من غير السهل والسريع تبوأ منصب الصدارة في العالم لأية حضارة. فقد أمضى العرب قرنين كاملين في عصر المأمون العباسي لترجمة علوم من سبقهم من اليونان والفرس والروم لتحقيق الازدهار والهيمنة العسكرية والعلمية العربية لأكثر من خمسة قرون. ونفس المدة بقرنين أمضاها الأوروبيون مع فريدريك الثاني في القرن الثاني عشر لترجمة علوم اليونان والعرب، وتسليم مشعل الحضارة إلى حركة النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر المهيمنة إلى اليوم والى حين.

واليوم ومع النسق السريع للتطور البشري مع انفجار وسائل التواصل الاجتماعي والعلمي، مع فتوحات الذكاء الاصطناعي يمكن لمجهود النهوض الذي تطلب في السابق قرنين أن تتحقق في عشرية أو عشريات محدودات من الزمن .

وقد بينت تجربة الصين أن الحضارات السابقة المزدهرة يمكن أن تسترجع مجدها وإشعاعها إذا ما خططت بهدوء وتصميم ، لنهضتها العلمية والفكرية وأمسكت بناصية العلوم، يمكن لها أن تقدم لخير الإنسانية علماء وفلاسفة بحجم الخوارزمي والكندي وابن فرناس وابن سينا وابن رشد والفارابي والزهراوي وغيرهم بالعشرات من هذا المستوى الأكاديمي العالي الذي يشاهد اليوم في جامعات العالم الغربي، ويجد فيه تجسيما حصاد جوائز نوبل السنوية للعلوم.

 

 

 

 

 

"عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"

 

 

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

في عام 1973 نشر السياسي والكاتب الفرنسي ألاَنْ بيريفيت، كتابا بعنوان "عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"، وذلك إثر زيارات للصين، لاحظ فيها مكامن النهوض المستقبلية، داعيا في كتابه الغرب إلى ترك الصين نائمة لأنها عندما "تستفيق يرتعد العالم"، كما قال في كتابه.

وهاهي توقعات السياسي تتحقق بعد خمسين سنة حيث أصبحت الصين عام 2023 أول قوة تجارية في العالم وثاني اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وهي ترأس مجموعة دول "البريكس" التي تستعد في المستقبل المنظور لأخذ صولجان الحكم في العالم، الذي سيكون متعدد الأقطاب وأكثر عدلا، وتعود فيه إلى الصدارة، بعيدا عن المركزية الغربية المرضية ، بلدان الحضارات القديمة وهي الصين والهند وروسيا القيصرية ومصر الفرعونية والعربية السعودية موطن الإسلام وإيران الفارسية وإفريقيا الحرة ، وذلك بعد ربع قرن أو نصف قرن على أقصى تقدير من الآن ، حسب توقعات الدراسات الإستشرافية ومراكز البحث في الغرب الأورو أمريكي نفسه.

والى غاية نهاية عام 2023 لازالت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبا تتحكم في الاقتصاد العالمي والإنتاج الصناعي والهيمنة العسكرية . ولكن أصبحت تتبعها منذ عشرية من الزمن كوكبة من البلدان ذات الثقل الاقتصادي والإرث الحضاري المذكورة . وتتوقع الدراسات ومراكز البحث أن تتمكن الصين بداية من عام 2030 من تجاوز الولايات المتحدة واحتلال المكانة الاقتصادية الأولى وافتكاكها من أمريكا التي ظلت تحتلها منذ 1870 كأكبر اقتصاد في العالم.

وتفيد إحصائيات البنك الدولي أن الدخل الإجمالي للاقتصاد العالمي عام 2022 بلغ 104 تريليون دولار لكل الإقتصادات العالمية، تحتل فيه الصدارة كل من أمريكا والصين المرتبة الأولى بأكثر من عشرين تريليون دولار لكل منهما، تليهما بعيدا باقي القوى الأخرى بأقل من خمسة تريليون دولار لكل منها. ويأتي الترتيب كالتالي :

-الولايات المتحدة : 25 تريليون دولار، تليها الصين بـ20 تريليون دولار، تليها اليابان بـ5 تريليون، تليها ألمانيا بـ5 تريليون، تليها بريطانيا بـ4 تريليون، تليها الهند بـ3 تريليون، تليها فرنسا بـ3 تريليون، تليها روسيا بـ2 تريليون، ثم البرازيل بـ2 تريليون، ثم إيران بـ2 تريليون، ثم السعودية بـ1 تريليون، ثم أندونيسيا بـ1 تريليون دولار.

وفي هذا الصراع المحتدم بين كل من الصين وأمريكا تجد أوروبا نفسها في حال التابع الكامل للولايات المتحدة الأمريكية ولا تتمتع بالقوة العسكرية لأمريكا أو روسيا ولا تتمتع أيضا بالقوة الاقتصادية والتجارية للصين، مثلما تدل عليه وقائع الصراعات العسكرية في قلب أوروبا سواء في الأزمة الأوكرانية أو في أزمة غزة في الشرق الأوسط بين إيران والغرب. وتجد أوروبا نفسها في هذه التطورات في حال الرجل المريض الراقد في بروكسال في غرفة الإنعاش، كما كانت الخلافة العثمانية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكانت تتندر بها الصحافة الأوروبية والفرنسية المنتشية بالسيطرة الاستعمارية على ممالك السلطنة العثمانية في البلقان والشام وشمال إفريقيا في الجزائر وتونس .

وأخيرا اضطرت أوروبا إلى الانصياع إلى الأوامر الأمريكية بتقديم الدعم المالي والعسكري الضخم لأوكرانيا لمواجهة روسيا، عوض البحث عن حل سلمي لتلك الأزمة يقي أوروبا مزيد الركود الاقتصادي وشن مزيد من الحروب المدمرة للإقتصاديات الأوروبية ولمستوى عيش سكانها المتضررين من التضخم الذي يلف منطقة اليورو التي أصبحت جحيما تضخميا في الأجور المرتفعة ثلاث مرات عن العملات الوطنية مثل الدينار التونسي، مقابل الأسعار والأكرية المرتفعة ثلاث مرات أيضا، مما جعل متقاعدي أوروبا عاجزين عن العيش في بلدانهم بسبب التضخم وجعلهم يهربون إلى بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط مثل تونس والمغرب لرخص الحياة فيها مقارنة بالسعير الأوروبي.

ولكن رغم هذه الأوضاع السياسية والاجتماعية السيئة في أوروبا، لازالت قياداتها الحاكمة تخبط خبط عشواء، وأغلبها يفتقد الكاريزمات اللازمة على رأس الدول وعلى رأس الهيئات التنفيذية القيادية في الإتحاد الأوروبي، حيث تتأرجح المواقف والسياسيات، كما في حال الرمال المتحركة وسراب الصحاري الذي يحسبونه ماء. ومن شأن ذلك أن يفتح الباب في نظر المراقبين أمام الحركات الشعبوية وقوى أقصى اليمين الشوفيني المتطرف في أوروبا الذي بات يحكم منذ سنوات في عدة دول مثل السويد وايطاليا والنمسا وهولاندا ويستعد لاستلام دفة الحكم المتطرف قريبا في دول أخرى أصبحت مثل "الاجاصة الناضجة للقطاف" كما وصف ذلك المستشار الألماني بيزمارك عام 1878 في مؤتمر برلين الاستعماري وهو يتحدث عن تونس المسكينة ، المتكالب عليها سيطرة بين فرنسا وإيطاليا، معلنا موافقته على ضمها لفرنسا، تعويضا للفرنسيين على فقدهم منطقة "ألزاس لورين" التي احتلتها ألمانيا وقتها وافتكتها من فرنسا بعد حروب دموية طويلة.

وخلال أيامنا هذه ، تكثفت حركات فرنسا الخارجية ضد روسيا القيصرية التي افتكت لها الممالك الفرنسية في إفريقيا بكل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو ، بتصعيد المواجهة الفرنسية مع روسيا في أوكرانيا . ولكن الحيرة وقلة ذات اليد العسكرية والإستراتيجية جعلت الرئيس الفرنسي يطلق النار على أكثر من هدف، حيث عبر في خطاب مطول في جامعة السوربون عن السياسات الأوروبية يوم 25 افريل 2024 عن حسرته وعجزه بالقول إن النتاج القومي الخام لأمريكا تطور بأكثر من ستين بالمائة منذ 1993 (تاريخ سقوط الاتحاد السوفياتي) وحتى 2022، بينما تطور الناتج الداخلي الخام لأوروبا خلال نفس الفترة بثلاثين بالمائة فقط، معبرا عن امتعاضه من قيام الصين والولايات المتحدة بخرق قوانين حرية التجارة العالمية عبر تقديمهما دعما حكوميا كبيرا للشركات الأمريكية والصينية في مواجهة الشركات الأوروبية التي لا تجد الدعم المماثل من حكوماتها أو من اللجنة الأوروبية العاجزة في بروكسال وفي البرلمان الأوروبي ومقره سترازبوغ عاصمة ألزاس لورين المتنازع عنها سابقا. ودعا ماكرون في نفس الخطاب أوروبا إلى مزيد الإنفاق العسكري لمواجهة التهديد الروسي في أوروبا التي قال إن لها "جيوشا ضعيفة وغير قادرة علي صد هجوم روسي محتمل على أوروبا سواء كان تقليديا أو نوويا" مطمئنا بصفة ضمنية تلويحية بأن القوة النووية الفرنسية، وهي الوحيدة في الاتحاد الأوروبي هي "مظلة تعطي الضمان وتردع أي معتد"، كما قال في هذا الخطاب المطول ومتناقض الأهداف لحوالي ساعتين من من "الكلام المرهق حد الإجهاد ومن التخبط الاستراتيجي بين الآني المستعجل والمستقبلي المدروس" كما علقت كبريات الصحف الفرنسية .

" عندما يستفيق الإسلام"

وفي هذا المخاض الدولي والحضاري، نشر المؤرخ المغربي محمد أركون عام 2018 كتابا بالفرنسية يحمل نفس العنوان تقريبا الذي جاء في كتاب السياسي الفرنسي بيريفيت عن الصين وهو " عندما يستفيق الإسلام"، دعا فيه إلى مواصلة الحركة الإصلاحية في الفكر الإسلامي وتحرير الكلمة والمرأة حتى يستفيق العالم الإسلامي ويعود إلى مجده العلمي والفكري الخلاق، عبر نقد الذات وتجاوز العطالة الراهنة.

ويجد اليوم جوابا ذلك السؤال المصيري الذي طرحه المفكر اللبناني شكيب أرسلان عام 1930 في كتابه "لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم"؟. والجواب بديهي وهو تحقيق نهضة علمية وفكرية جديدة للعرب والمسلمين، يكون لهم فيها دور ضمن العالم القادم متعدد الأقطاب لكل حضارة إنسانية المنحى فيه نصيب .

ولكنه يبدو من غير السهل والسريع تبوأ منصب الصدارة في العالم لأية حضارة. فقد أمضى العرب قرنين كاملين في عصر المأمون العباسي لترجمة علوم من سبقهم من اليونان والفرس والروم لتحقيق الازدهار والهيمنة العسكرية والعلمية العربية لأكثر من خمسة قرون. ونفس المدة بقرنين أمضاها الأوروبيون مع فريدريك الثاني في القرن الثاني عشر لترجمة علوم اليونان والعرب، وتسليم مشعل الحضارة إلى حركة النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر المهيمنة إلى اليوم والى حين.

واليوم ومع النسق السريع للتطور البشري مع انفجار وسائل التواصل الاجتماعي والعلمي، مع فتوحات الذكاء الاصطناعي يمكن لمجهود النهوض الذي تطلب في السابق قرنين أن تتحقق في عشرية أو عشريات محدودات من الزمن .

وقد بينت تجربة الصين أن الحضارات السابقة المزدهرة يمكن أن تسترجع مجدها وإشعاعها إذا ما خططت بهدوء وتصميم ، لنهضتها العلمية والفكرية وأمسكت بناصية العلوم، يمكن لها أن تقدم لخير الإنسانية علماء وفلاسفة بحجم الخوارزمي والكندي وابن فرناس وابن سينا وابن رشد والفارابي والزهراوي وغيرهم بالعشرات من هذا المستوى الأكاديمي العالي الذي يشاهد اليوم في جامعات العالم الغربي، ويجد فيه تجسيما حصاد جوائز نوبل السنوية للعلوم.

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews