إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة لـ"الصباح": التهديدات لن توقفني عن مواصلة ما أقوم به في فلسطين المحتلة

تونس-الصباح

"تشريح للإبادة الجماعية " anatomy of genocide كان ذلك عنوان التقرير الذي قدمته فرانشيسكا البانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف في 30 مارس الماضي والذي أثار في حينه غضب كيان الاحتلال الإسرائيلي ومعه الحليف الأمريكي الذي اتهمها بمعاداة السامية. وبعد أكثر من شهر على صدور التقرير الذي فضح ممارسات الاحتلال وقدم شهادة إضافية على جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف القصف والتجويع والتهجير.

فرانشيسكا البانيز محامية دولية وحقوقية غيطالية رفعت في تقريرها الذي كان حصيلة خمسة أشهر من التحقيقات الميدانية واللقاءات وجمع الشهادات الغطاء عما يجري في غزة من جرائم بلغت حد الإبادة الجماعية. وجاء في التقرير أن إسرائيل دمرت غزة خلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية. كما أكد التقرير "إن عدد القتلى المروع، والضرر الذي لا يمكن جبره ولحق بمن بقوا على قيد الحياة، والتدمير المنهجي لكلّ جانب من الجوانب الضرورية لاستمرار الحياة في غزة، انطلاقًا من المستشفيات وصولًا إلى المدارس، مرورًا بالمنازل والأراضي الصالحة للزراعة، والضرر المروّع الذي لحق بمئات الآلاف من الأطفال والأمهات الحوامل والأمهات الشابات، لا يمكن تفسيره إلا بأنه قرينة ظاهرة على نية تدمير الفلسطينيين كمجموعة بشكل مُمَنهَج." وخلص التقرير الى أنه "بعد تحليل أفعال إسرائيل وأنماط العنف المعتَمَد في هجومها على غزة، التي أجّجها خطاب لاإنساني أطلقه مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، وترجمته تصرفات الجنود في الميدان، خلص التقرير إلى أن إسرائيل قد استوفت عتبة ارتكابها إبادة جماعية حيث  قتلت إسرائيل  منذ 7 أكتوبر أكثر من 32,333 فلسطينيًا من بينهم أكثر من 13,000 طفل. ومن المفترض أنّ جثث أكثر من 12,000 شخص لا تزال تحت الأنقاض، وأنّ 74,694 شخصًا آخرين قد أصيبوا بجروح، والعديد منهم بجروح غيّرت حياتهم. كما دمّرت إسرائيل سبعين في المائة من المناطق السكنية، وتهجّرت ثمانين في المائة من السكان قسرًا. وفقدت آلاف العائلات أحباءها أو أُبيدت بكامل أفرادها. ولم يتمكن العديد من السكان من دفن أقاربهم وتشييعهم واضطروا بدلاً من ذلك إلى ترك جثثهم تتحلل في المنازل والشوارع وتحت الأنقاض. واعتُقل آلاف الفلسطينيين وتعرضوا بشكل منهجي للمعاملة اللاإنسانية والمهينة. وتعرّض مليونا شخص للجوع والتجويع.

كما حذر التقرير من  الدعوات إلى الإبادة العنيفة الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى يتمتعون بسلطة قيادية، والموجهة إلى الجنود في الميدان هي بمثابة دليل دامغ على التشجيع الصريح والعلني على ارتكاب إبادة جماعية.

ومن بين النتائج الرئيسية التي توصل إليها تقرير ألبانيز، أنّ القيادة التنفيذية والعسكرية الإسرائيلية وجنودها شوهوا عمدًا قواعد القانون الدولي الإنساني الأساسية، أي التمييز والتناسب والاحتياطات، في محاولة لإضفاء الطابع الشرعي على عنف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. "الصباح" التقت فرانشيسكا البانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة وهي المحامية الدولية والحقوقية التي أثار تعيينها في حينه غضب كيان الاحتلال بسبب مواقفها وتعليقاتها في 2014 ووصفها خضوع الولايات المتحدة وأوروبا للوبي اليهودي" بسبب "الشعور بالذنب تجاه الهولوكوست. ولاحقتها تبعا لذلك اتهامات بمعاداة السامية. وفيما يلي نص الحديث:

حوار: آسيا العتروس

*210  أيام من القتل الجماعي والإبادة في غزة كيف تتابع البنايز ذلك؟

كنت أتمنى ألا أرى هذا العالم.. نعم صدمتني الكثير من الأشياء في 7 أكتوبر بما في ذلك ما قامت به حماس، ولكن الرد الإسرائيلي صدمني أكثر وصدمني العنف المدعوم من الشعب الإسرائيلي وصدمني أيضا موقف الغرب الذي وبدل أن يعمل على إيقاف ما يجري فانه يواصل دعم الحرب بالتمويل والدعم العسكري والحصانة من المتابعة والملاحقة.. صراحة لا أعرف كيف سنخرج من هذا الوضع. أعرف أن أوروبا ضعيفة ولكن لا أفهم لماذا. أنا مختصة في القانون وأعرف أن ما يحدث خطير وله انعكاساته على الجميع في عالم فيه الكثير من العنصرية والعنف. أما بالنسبة لأمريكا فقد بلغ الأمر هنا بالتنصل نهائيا عن الواقع بين ما يقولون وما يفعلون.. يدعمون حل الدولتين ويستعملون الفيتو لمنع الاعتراف بدولة فلسطينية.. المفروض أيضا أن يكون للجنائية الدولية قرارات لإيقاف الاحتلال ومنع الاستيطان والعنف والتهجير القسري وتجويع الفلسطينيين وحرمانهم من كل أسباب الحياة. نحن في مواجهة خطاب إبادة في غزة قولا وفعلا والأدلة قائمة وثابتة. لقد التقيت مرضى من غزة ما يقولونه مرعب وصادم كما تحدثت مع أطباء كانوا في غزة وهم عاجزون اليوم حتى عن مواصلة حياتهم المهنية بسبب ما رأوه وعاشوه في غزة.

*ماذا بعد التقرير الذي تم تقديمه أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف؟

ما نقوم به كمقررين أمميين عمل تطوعي وقد احتجنا لتقديم التقرير الذي قدمناه أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف نحو خمسة أشهر لتقييم الوضع القانوني الدولي والإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يشمل الضفة والقطاع والقدس ودوري هو التحقيق في هذه المناطق. ما قمنا به بمشاركة فريق كامل من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين والخبراء العسكريين للتعمق في البحث وفي الخطاب العسكري والسياسي الإسرائيلي وفي ما يقوم به الجنود الإسرائيليون ودور الإعلام في إسرائيل الذي كان متواطئا في كل ما يحدث. التقيت أطباء ومحامين وإعلاميين كانوا في غزة وما توصلنا إليه أننا في إطار عملية إبادة جماعية بما فيها من تأثير على المدنيين. إسرائيل أو الحكومة الإسرائيلية لا تنفي هذا العدد الكبير من القتلى ولكنها تسوق المبررات وتعتمد التمويه الإنساني مرة بتحميل حماس المسؤولية واعتبار أنها تستعمل المدنيين دروعا بشرية ومرة بالقول أنها أعطت أوامر للمدنيين بالخروج وأنها حددت مناطق آمنة لهم ولكن الحقيقة أن 42 بالمائة من القنابل المستعملة استهدفت ما يوصف بالمناطق الآمنة ثم أن إسرائيل تقول أنه طلب من المدنيين في غزة أن يغادروا مدنهم ولكن الى أين يذهبون ولا وجود لمكان آمن .

ما يحدث أن هناك محاولة لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ويتجلى ذلك في تصريحات العديد من القادة السياسيين الإسرائيليين الذين وصفوا الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وأنهم يستحقون المعاملة التي يتلقونها لأنهم جميعا مسؤولون عما تفعله حماس، ولولا ذلك لكانوا قد ثاروا ضد حماس. وكذلك ما قاله الرئيس هرتسوغ، وهو إن إسرائيل "سوف تكسر عمودهم الفقري وخلص نفتالي بينيت أنه لا يوجد مدنيون في غزة، وأنه حتى الأطفال هم أهداف مشروعة. كيف يمكن أن يكون ذلك؟ كيف يمكنك تحميل الطفل المسؤولية، ناهيك عن المولود الجديد؟ إن تجريد الإنسان من إنسانيته أمر مرعب. هناك المئات من الباحثين الأكاديميين الذين أدانوا دعوات الإبادة الجماعية السائدة في إسرائيل في هذه المرحلة، وأنا أشاركهم مخاوفهم. وأعداد الأشخاص الذين قتلوا في غزة تؤكد أن مخاوفهم حقيقية. يحدث التجريد من الإنسانية أيضا بالطريقة التي تصور بها وسائل الإعلام الغربية ما يحدث وأعتقد أن ذلك غير مسؤول وغير مهني على الإطلاق. لقد اصطفت الدول الغربية، مع استثناءات قليلة، حول إسرائيل، ودعمت بشكل أساسي ما تفعله إسرائيل كدفاع عن النفس. يقولون إن ما تفعله إسرائيل يجب أن يتماشى مع القانون الدولي، لكنه ليس كذلك..

*تلقيت تهديدات بعد التقرير الذي قدمته في مجلس حقوق الإنسان هل تخشى فرانشيسكا البانيز على حياتها؟

ممكن جدا ولكن التهديدات لن توقفني وسأواصل القيام بما أقوم به ..

*الرأي العام الدولي يتابع هذه التقارير بكثير من الاهتمام خاصة ما حدث في العدل الدولية وفي الأمم المتحدة وفي مجلس حقوق الإنسان ولكن ماذا بعد وما قيمة هذه التقارير إذا لم تساعد ولم تدفع الى إنهاء الحرب وملاحقة الجناة؟

يجب طرح هذا الأمر على أصحاب القرار. مهمتي القيام بهذه التقارير وتقديم التوصيات أعلم أن هناك الكثير من غياب الإرادة السياسية لتنفيذ القانون الدولي. نحن إزاء نظام عالمي غارق في الأنانية يقوم على المعايير المزدوجة. السؤال ما هو البديل. لا أريد الاستسلام. كلما زاد الظلم علينا أن نتحرك وأن نتقدم وألا ننساق الى اليأس. وإذا كان الفلسطينيون تحت القصف يتمسكون بالحياة ويتحدون الحصار والتجويع من اجل الحرية فعلينا أن نتعلم منهم ونكون مثلهم نقاوم بكل ما لدينا .

*كيف تنظر فرانشيسكا البانيز الى تحركات الطلبة في الجامعات الأمريكية والغربية عموما؟

تطور مهم جدا أفهم أن هناك من يحاول الدخول على الخط لعرقلة هذه الاحتجاجات. الطلبة مروعون لتواطؤ حكوماتهم والأنظمة الحاكمة مع إسرائيل ويطلبون قطع العلاقات مع إسرائيل. وفي اعتقادي أن الجماعات يجب أن تكون موقعا للتفكير الحر. هناك الكثير من الطلبة اليهود الذين يشعرون بالخوف بسبب معاداة السامية. ولكني استشعر محاولات لمنع هذه المظاهرات التحركات الطلابية ضد العنصرية العالمية الجديدة في العالم. وما نراه محاولة لأسرلة العالم أيضا. ما نراه نوع من العنصرية الكونية والغرب يسوق لعقلية أنه الأكثر تفوقا وأن هذا يعطيه حق إلغاء الآخر. شخصيا لا أفهم عقلية نظام الغرب إزاء ما يجري في غزة وحتى بالنسبة للعالم العربى. هناك الكثير من الأنانية هناك دول عربية تستفيد مما يحدث في غزة ودول تتجاهل ما يحدث في غزة. وهناك دول قليلة فعلا يمكن اعتبارها بريئة أو غير مسؤولة خاصة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. الحقيقة أننا إزاء عنصرية كونية وهناك إشارات كبيرة على أن النظام العالمي الذي هيمن طوال سبعة عقود بصدد الانهيار وأن هذا الجهاز الكوني بصدد التفكك. طوال ستة أشهر لم يتمكن مجلس الأمن الدولي من التوصل لقرار لإيقاف الحرب رغم عشرات آلاف القتلى وعندما توصل للقرار لم يتم تنفيذه ولم يحدث شيء. العدل الدولية قدمت تقارير مهمة كان يفترض أن تليها تحركات ونتائج ولم يحدث أيضا الجنائية الدولية لا تزال مترددة وغير قادرة على القيام بمهامها وملاحقة الجناة .

*وماذا عن دور الإعلام الغربي في هذه الحرب؟

أعتقد أن الإعلام الغربي لم يتابع ما يجري كما حدث في البوسنة أو رواندا أو كذلك سوريا أو السودان. في فلسطين الإعلام الغربي يستعمل خطابا يلغي الحقيقة ويعتمدون صنصرة الحقائق عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فهمنا أنه لا يمكن الحديث دون أن نتهم بمعاداة السامية الإعلام الغربي سطحي جدا في التعاطي مع غزة والغرب أيضا اعتمد مصطلحات اعتبرها مسلمة كالإرهاب يرفض  مناقشتها والتساؤل بشأنها. الحقيقة أن صحف قليلة جدا تهتم وتتابع ما يجري في غزة. والغرب لا يسأل عما تقوم به إسرائيل في حق الفلسطينيين. عائلات فلسطينية كثيرة فقدت العشرات من أفرادها وأنا اعرف منهم الكثير وعندما تتم دعوتهم في وسائل الإعلام في الغرب يسألونهم إذا كانوا يدينون حماس على ما قامت به في السابع من أكتوبر ولكنهم لا يسألون الإسرائيليين إن كانوا يدينون نتنياهو وحكومته على ما يفعلونه في غزة. هناك من يعتبر أن ما تفعله إسرائيل يعتبر دفاعا مشروعا عن النفس، وهو ليس كذلك. كيف يمكن أن يكون هذا دفاعا عن النفس، وهناك قصف شامل لشعب بأكمله تحت هدف غامض ومبهم للغاية، وهو القضاء على حماس؟

*لماذا تقوم فرانشيسكا البانيز بكل هذا العمل لأجل القضية الفلسطينية؟

هناك ثلاثة أسباب تجعلني أقوم بهذا العمل. أولا، كشخص أنا أرفض الظلم في الحياة وأتوق الى العدل من أجل كل شعوب الأرض ولا أجد سببا واحدا يحرم أطفال فلسطين من أن يعيشوا مثل أطفالي أو كل أطفال العالم لدي حساسية مفرطة إزاء الظلم. ولكني أرى الكثير من الظلم في عالمنا. ثانيا اعرف جيدا تاريخ الشعب الفلسطيني وهو تاريخ مليء بالظلم الغي الاحتلال في أغلب دول العالم وأقرت قوانين بشأن حق الشعوب في  تقرير المصير ولكن لا يزال الاحتلال يمنع الفلسطينيين منذ عقود من هذا الحق. لدي رؤية واضحة وهذا يدفعني للتحرك إزاء ما يجري في غزة. تحملت هذه المهمة ولا يمكنني التخلي عنها أو التراجع. أنا أوروبية وأفخر بذلك وأفخر بالقيم والمبادئ المشتركة التي تعلمتها والتي نريد أن نعيش عليها جميعا. هناك حقيقة قد تغيب عن الأذهان وهي أن الشعوب كلما منعت من النضال من اجل الحرية فإنها ستتجه الى العنف هذا ما يسجله التاريخ .

*هل يمكن أن تتكرر تجربة جنوب إفريقيا في فلسطين؟

جنوب إفريقيا نجحت في وضع حد لنظام عنصري وكان وراء جنوب إفريقيا الاتحاد الإفريقي ودول كثيرة أيضا. اليوم نواجه نظاما شرسا ليس بسبب غطرسة إسرائيل فحسب أو عدم مساءلتها ولكن لان هذا النظام يتغذى من مواقف الغرب المتواطئة ونحن اليوم إزاء منعرج خطير. ما يحدث ثورة يمكن قمعها وسيكون الوضع حينئذ أسوأ ويمكن أن تنجح وسيتغير المشهد. جنوب إفريقيا نجحت وأعادت لنا الأمل ولكننا نعرف مصير الشعوب التي تبقى وحدها في مواجهة الظلم .

أقول دائما نحن كأجنحة الفراشات قد تبدو هشة ولكنها مجتمعة قد تتحول الى إعصار. علينا ألا نتوقف في المطالبة بالعدل وكل المجتمعات تحتاج الى ذلك .

فرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة لـ"الصباح":  التهديدات لن توقفني عن مواصلة ما أقوم به في فلسطين المحتلة

تونس-الصباح

"تشريح للإبادة الجماعية " anatomy of genocide كان ذلك عنوان التقرير الذي قدمته فرانشيسكا البانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف في 30 مارس الماضي والذي أثار في حينه غضب كيان الاحتلال الإسرائيلي ومعه الحليف الأمريكي الذي اتهمها بمعاداة السامية. وبعد أكثر من شهر على صدور التقرير الذي فضح ممارسات الاحتلال وقدم شهادة إضافية على جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف القصف والتجويع والتهجير.

فرانشيسكا البانيز محامية دولية وحقوقية غيطالية رفعت في تقريرها الذي كان حصيلة خمسة أشهر من التحقيقات الميدانية واللقاءات وجمع الشهادات الغطاء عما يجري في غزة من جرائم بلغت حد الإبادة الجماعية. وجاء في التقرير أن إسرائيل دمرت غزة خلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية. كما أكد التقرير "إن عدد القتلى المروع، والضرر الذي لا يمكن جبره ولحق بمن بقوا على قيد الحياة، والتدمير المنهجي لكلّ جانب من الجوانب الضرورية لاستمرار الحياة في غزة، انطلاقًا من المستشفيات وصولًا إلى المدارس، مرورًا بالمنازل والأراضي الصالحة للزراعة، والضرر المروّع الذي لحق بمئات الآلاف من الأطفال والأمهات الحوامل والأمهات الشابات، لا يمكن تفسيره إلا بأنه قرينة ظاهرة على نية تدمير الفلسطينيين كمجموعة بشكل مُمَنهَج." وخلص التقرير الى أنه "بعد تحليل أفعال إسرائيل وأنماط العنف المعتَمَد في هجومها على غزة، التي أجّجها خطاب لاإنساني أطلقه مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، وترجمته تصرفات الجنود في الميدان، خلص التقرير إلى أن إسرائيل قد استوفت عتبة ارتكابها إبادة جماعية حيث  قتلت إسرائيل  منذ 7 أكتوبر أكثر من 32,333 فلسطينيًا من بينهم أكثر من 13,000 طفل. ومن المفترض أنّ جثث أكثر من 12,000 شخص لا تزال تحت الأنقاض، وأنّ 74,694 شخصًا آخرين قد أصيبوا بجروح، والعديد منهم بجروح غيّرت حياتهم. كما دمّرت إسرائيل سبعين في المائة من المناطق السكنية، وتهجّرت ثمانين في المائة من السكان قسرًا. وفقدت آلاف العائلات أحباءها أو أُبيدت بكامل أفرادها. ولم يتمكن العديد من السكان من دفن أقاربهم وتشييعهم واضطروا بدلاً من ذلك إلى ترك جثثهم تتحلل في المنازل والشوارع وتحت الأنقاض. واعتُقل آلاف الفلسطينيين وتعرضوا بشكل منهجي للمعاملة اللاإنسانية والمهينة. وتعرّض مليونا شخص للجوع والتجويع.

كما حذر التقرير من  الدعوات إلى الإبادة العنيفة الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى يتمتعون بسلطة قيادية، والموجهة إلى الجنود في الميدان هي بمثابة دليل دامغ على التشجيع الصريح والعلني على ارتكاب إبادة جماعية.

ومن بين النتائج الرئيسية التي توصل إليها تقرير ألبانيز، أنّ القيادة التنفيذية والعسكرية الإسرائيلية وجنودها شوهوا عمدًا قواعد القانون الدولي الإنساني الأساسية، أي التمييز والتناسب والاحتياطات، في محاولة لإضفاء الطابع الشرعي على عنف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. "الصباح" التقت فرانشيسكا البانيز المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة وهي المحامية الدولية والحقوقية التي أثار تعيينها في حينه غضب كيان الاحتلال بسبب مواقفها وتعليقاتها في 2014 ووصفها خضوع الولايات المتحدة وأوروبا للوبي اليهودي" بسبب "الشعور بالذنب تجاه الهولوكوست. ولاحقتها تبعا لذلك اتهامات بمعاداة السامية. وفيما يلي نص الحديث:

حوار: آسيا العتروس

*210  أيام من القتل الجماعي والإبادة في غزة كيف تتابع البنايز ذلك؟

كنت أتمنى ألا أرى هذا العالم.. نعم صدمتني الكثير من الأشياء في 7 أكتوبر بما في ذلك ما قامت به حماس، ولكن الرد الإسرائيلي صدمني أكثر وصدمني العنف المدعوم من الشعب الإسرائيلي وصدمني أيضا موقف الغرب الذي وبدل أن يعمل على إيقاف ما يجري فانه يواصل دعم الحرب بالتمويل والدعم العسكري والحصانة من المتابعة والملاحقة.. صراحة لا أعرف كيف سنخرج من هذا الوضع. أعرف أن أوروبا ضعيفة ولكن لا أفهم لماذا. أنا مختصة في القانون وأعرف أن ما يحدث خطير وله انعكاساته على الجميع في عالم فيه الكثير من العنصرية والعنف. أما بالنسبة لأمريكا فقد بلغ الأمر هنا بالتنصل نهائيا عن الواقع بين ما يقولون وما يفعلون.. يدعمون حل الدولتين ويستعملون الفيتو لمنع الاعتراف بدولة فلسطينية.. المفروض أيضا أن يكون للجنائية الدولية قرارات لإيقاف الاحتلال ومنع الاستيطان والعنف والتهجير القسري وتجويع الفلسطينيين وحرمانهم من كل أسباب الحياة. نحن في مواجهة خطاب إبادة في غزة قولا وفعلا والأدلة قائمة وثابتة. لقد التقيت مرضى من غزة ما يقولونه مرعب وصادم كما تحدثت مع أطباء كانوا في غزة وهم عاجزون اليوم حتى عن مواصلة حياتهم المهنية بسبب ما رأوه وعاشوه في غزة.

*ماذا بعد التقرير الذي تم تقديمه أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف؟

ما نقوم به كمقررين أمميين عمل تطوعي وقد احتجنا لتقديم التقرير الذي قدمناه أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف نحو خمسة أشهر لتقييم الوضع القانوني الدولي والإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يشمل الضفة والقطاع والقدس ودوري هو التحقيق في هذه المناطق. ما قمنا به بمشاركة فريق كامل من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين والخبراء العسكريين للتعمق في البحث وفي الخطاب العسكري والسياسي الإسرائيلي وفي ما يقوم به الجنود الإسرائيليون ودور الإعلام في إسرائيل الذي كان متواطئا في كل ما يحدث. التقيت أطباء ومحامين وإعلاميين كانوا في غزة وما توصلنا إليه أننا في إطار عملية إبادة جماعية بما فيها من تأثير على المدنيين. إسرائيل أو الحكومة الإسرائيلية لا تنفي هذا العدد الكبير من القتلى ولكنها تسوق المبررات وتعتمد التمويه الإنساني مرة بتحميل حماس المسؤولية واعتبار أنها تستعمل المدنيين دروعا بشرية ومرة بالقول أنها أعطت أوامر للمدنيين بالخروج وأنها حددت مناطق آمنة لهم ولكن الحقيقة أن 42 بالمائة من القنابل المستعملة استهدفت ما يوصف بالمناطق الآمنة ثم أن إسرائيل تقول أنه طلب من المدنيين في غزة أن يغادروا مدنهم ولكن الى أين يذهبون ولا وجود لمكان آمن .

ما يحدث أن هناك محاولة لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ويتجلى ذلك في تصريحات العديد من القادة السياسيين الإسرائيليين الذين وصفوا الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وأنهم يستحقون المعاملة التي يتلقونها لأنهم جميعا مسؤولون عما تفعله حماس، ولولا ذلك لكانوا قد ثاروا ضد حماس. وكذلك ما قاله الرئيس هرتسوغ، وهو إن إسرائيل "سوف تكسر عمودهم الفقري وخلص نفتالي بينيت أنه لا يوجد مدنيون في غزة، وأنه حتى الأطفال هم أهداف مشروعة. كيف يمكن أن يكون ذلك؟ كيف يمكنك تحميل الطفل المسؤولية، ناهيك عن المولود الجديد؟ إن تجريد الإنسان من إنسانيته أمر مرعب. هناك المئات من الباحثين الأكاديميين الذين أدانوا دعوات الإبادة الجماعية السائدة في إسرائيل في هذه المرحلة، وأنا أشاركهم مخاوفهم. وأعداد الأشخاص الذين قتلوا في غزة تؤكد أن مخاوفهم حقيقية. يحدث التجريد من الإنسانية أيضا بالطريقة التي تصور بها وسائل الإعلام الغربية ما يحدث وأعتقد أن ذلك غير مسؤول وغير مهني على الإطلاق. لقد اصطفت الدول الغربية، مع استثناءات قليلة، حول إسرائيل، ودعمت بشكل أساسي ما تفعله إسرائيل كدفاع عن النفس. يقولون إن ما تفعله إسرائيل يجب أن يتماشى مع القانون الدولي، لكنه ليس كذلك..

*تلقيت تهديدات بعد التقرير الذي قدمته في مجلس حقوق الإنسان هل تخشى فرانشيسكا البانيز على حياتها؟

ممكن جدا ولكن التهديدات لن توقفني وسأواصل القيام بما أقوم به ..

*الرأي العام الدولي يتابع هذه التقارير بكثير من الاهتمام خاصة ما حدث في العدل الدولية وفي الأمم المتحدة وفي مجلس حقوق الإنسان ولكن ماذا بعد وما قيمة هذه التقارير إذا لم تساعد ولم تدفع الى إنهاء الحرب وملاحقة الجناة؟

يجب طرح هذا الأمر على أصحاب القرار. مهمتي القيام بهذه التقارير وتقديم التوصيات أعلم أن هناك الكثير من غياب الإرادة السياسية لتنفيذ القانون الدولي. نحن إزاء نظام عالمي غارق في الأنانية يقوم على المعايير المزدوجة. السؤال ما هو البديل. لا أريد الاستسلام. كلما زاد الظلم علينا أن نتحرك وأن نتقدم وألا ننساق الى اليأس. وإذا كان الفلسطينيون تحت القصف يتمسكون بالحياة ويتحدون الحصار والتجويع من اجل الحرية فعلينا أن نتعلم منهم ونكون مثلهم نقاوم بكل ما لدينا .

*كيف تنظر فرانشيسكا البانيز الى تحركات الطلبة في الجامعات الأمريكية والغربية عموما؟

تطور مهم جدا أفهم أن هناك من يحاول الدخول على الخط لعرقلة هذه الاحتجاجات. الطلبة مروعون لتواطؤ حكوماتهم والأنظمة الحاكمة مع إسرائيل ويطلبون قطع العلاقات مع إسرائيل. وفي اعتقادي أن الجماعات يجب أن تكون موقعا للتفكير الحر. هناك الكثير من الطلبة اليهود الذين يشعرون بالخوف بسبب معاداة السامية. ولكني استشعر محاولات لمنع هذه المظاهرات التحركات الطلابية ضد العنصرية العالمية الجديدة في العالم. وما نراه محاولة لأسرلة العالم أيضا. ما نراه نوع من العنصرية الكونية والغرب يسوق لعقلية أنه الأكثر تفوقا وأن هذا يعطيه حق إلغاء الآخر. شخصيا لا أفهم عقلية نظام الغرب إزاء ما يجري في غزة وحتى بالنسبة للعالم العربى. هناك الكثير من الأنانية هناك دول عربية تستفيد مما يحدث في غزة ودول تتجاهل ما يحدث في غزة. وهناك دول قليلة فعلا يمكن اعتبارها بريئة أو غير مسؤولة خاصة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. الحقيقة أننا إزاء عنصرية كونية وهناك إشارات كبيرة على أن النظام العالمي الذي هيمن طوال سبعة عقود بصدد الانهيار وأن هذا الجهاز الكوني بصدد التفكك. طوال ستة أشهر لم يتمكن مجلس الأمن الدولي من التوصل لقرار لإيقاف الحرب رغم عشرات آلاف القتلى وعندما توصل للقرار لم يتم تنفيذه ولم يحدث شيء. العدل الدولية قدمت تقارير مهمة كان يفترض أن تليها تحركات ونتائج ولم يحدث أيضا الجنائية الدولية لا تزال مترددة وغير قادرة على القيام بمهامها وملاحقة الجناة .

*وماذا عن دور الإعلام الغربي في هذه الحرب؟

أعتقد أن الإعلام الغربي لم يتابع ما يجري كما حدث في البوسنة أو رواندا أو كذلك سوريا أو السودان. في فلسطين الإعلام الغربي يستعمل خطابا يلغي الحقيقة ويعتمدون صنصرة الحقائق عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فهمنا أنه لا يمكن الحديث دون أن نتهم بمعاداة السامية الإعلام الغربي سطحي جدا في التعاطي مع غزة والغرب أيضا اعتمد مصطلحات اعتبرها مسلمة كالإرهاب يرفض  مناقشتها والتساؤل بشأنها. الحقيقة أن صحف قليلة جدا تهتم وتتابع ما يجري في غزة. والغرب لا يسأل عما تقوم به إسرائيل في حق الفلسطينيين. عائلات فلسطينية كثيرة فقدت العشرات من أفرادها وأنا اعرف منهم الكثير وعندما تتم دعوتهم في وسائل الإعلام في الغرب يسألونهم إذا كانوا يدينون حماس على ما قامت به في السابع من أكتوبر ولكنهم لا يسألون الإسرائيليين إن كانوا يدينون نتنياهو وحكومته على ما يفعلونه في غزة. هناك من يعتبر أن ما تفعله إسرائيل يعتبر دفاعا مشروعا عن النفس، وهو ليس كذلك. كيف يمكن أن يكون هذا دفاعا عن النفس، وهناك قصف شامل لشعب بأكمله تحت هدف غامض ومبهم للغاية، وهو القضاء على حماس؟

*لماذا تقوم فرانشيسكا البانيز بكل هذا العمل لأجل القضية الفلسطينية؟

هناك ثلاثة أسباب تجعلني أقوم بهذا العمل. أولا، كشخص أنا أرفض الظلم في الحياة وأتوق الى العدل من أجل كل شعوب الأرض ولا أجد سببا واحدا يحرم أطفال فلسطين من أن يعيشوا مثل أطفالي أو كل أطفال العالم لدي حساسية مفرطة إزاء الظلم. ولكني أرى الكثير من الظلم في عالمنا. ثانيا اعرف جيدا تاريخ الشعب الفلسطيني وهو تاريخ مليء بالظلم الغي الاحتلال في أغلب دول العالم وأقرت قوانين بشأن حق الشعوب في  تقرير المصير ولكن لا يزال الاحتلال يمنع الفلسطينيين منذ عقود من هذا الحق. لدي رؤية واضحة وهذا يدفعني للتحرك إزاء ما يجري في غزة. تحملت هذه المهمة ولا يمكنني التخلي عنها أو التراجع. أنا أوروبية وأفخر بذلك وأفخر بالقيم والمبادئ المشتركة التي تعلمتها والتي نريد أن نعيش عليها جميعا. هناك حقيقة قد تغيب عن الأذهان وهي أن الشعوب كلما منعت من النضال من اجل الحرية فإنها ستتجه الى العنف هذا ما يسجله التاريخ .

*هل يمكن أن تتكرر تجربة جنوب إفريقيا في فلسطين؟

جنوب إفريقيا نجحت في وضع حد لنظام عنصري وكان وراء جنوب إفريقيا الاتحاد الإفريقي ودول كثيرة أيضا. اليوم نواجه نظاما شرسا ليس بسبب غطرسة إسرائيل فحسب أو عدم مساءلتها ولكن لان هذا النظام يتغذى من مواقف الغرب المتواطئة ونحن اليوم إزاء منعرج خطير. ما يحدث ثورة يمكن قمعها وسيكون الوضع حينئذ أسوأ ويمكن أن تنجح وسيتغير المشهد. جنوب إفريقيا نجحت وأعادت لنا الأمل ولكننا نعرف مصير الشعوب التي تبقى وحدها في مواجهة الظلم .

أقول دائما نحن كأجنحة الفراشات قد تبدو هشة ولكنها مجتمعة قد تتحول الى إعصار. علينا ألا نتوقف في المطالبة بالعدل وكل المجتمعات تحتاج الى ذلك .

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews