إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بدر الدين قمودي لـ"الصباح": محاربة الاحتكار لن تكون ناجعة ما لم نفكك منظومة الفساد برمتها

  • القضاء على الاحتكار يستوجب مصادرة الأملاك ووسائل النقل وسحب رخص السياقة نهائيا
  • الدولة العميقة لازالت متنفذة في مراكز القرار وتشتغل ليلا نهارا لحماية مصالحها التي توارثتها

قال بدر الدين قمودي القيادي بحركة الشعب، ورئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام، بمجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله، في تصريح خص به "الصباح"، أن مقاومة الاحتكار والتهريب تستوجب القطع مع أسبابه والحد منها قبل مقاومتها والأسباب موجودة، باعتبار أن التوقي من الظاهرة أنجع بكثير من علاجها بعد وجودها.

وعما إذا كانت المقاومة الحقيقية للاحتكار والمضاربة قد تأخرت، اعتبر القمودي انه "للبحث في واقع مقاومة الاحتكار ومدى جديته ثمة مجموعة من النقاط الأساسية وجب الإشارة إليها :

أولا:ضرورة مراجعة المقاربة المعتمدة من طرف أجهزة الدولة لمكافحة الاحتكار والتي تستند بالأساس إلى جانب زجري عفا عليه الزمن(الحجز + الخطايا المالية)..

فأما عن حجز السلع والبضائع على أهميته فلم يكن له أي دور لا في الحد من الظاهرة ولا في انتظامية تزويد السوق "المواطن يستمع يوميا إلى بلاغات الحجز الصادرة عن السلط المختلفة لمواد أساسية كالزيت المدعم والسكر والفارينة والسميد والأرز بكميات تقدر بآلاف الأطنان فهل كان لذلك انعكاس على العرض وهل توفرت بالقدر المطلوب بمجرد إعادة ضخها؟ الجواب طبعا لا "كان من المفروض إعادة النظر في المقاربة الزجرية المعتمدة لأن التاجر الذي يمارس الاحتكار ويستثري بواسطته ويتمكن من جمع مئات الملايين لن يضره لو أجبر ذات مرة على دفع بضعة آلاف من الدنانير باعتماد آلية الصلح مع الإدارة التي تعد أحد أهم أسباب استشراء جرائم الاحتكار والتلاعب بالأسعار خاصة في ظل تولي مسؤولين فاسدين لمهمة تقدير طلبات الإدارة والتي تكون في كثير من الحالات لا تتماشى وحجم الجرم المرتكب حيث يتم التلاعب بعملية تكييف الجريمة الاقتصادية المرتكبة عبر تغيير مضامين محاضر الحجز فتتحول مثلا جريمة الاتجار في مواد مدعمة إلى جريمة الترفيع في الأسعار وشتان بين خطورة الجريمتين...

ثانيا: إن ظاهرة الاحتكار لا يمكن التعاطي معها بأسلوب بعدي ونعالجها باعتماد الأساليب الزجرية... الاحتكار يجب أن يتم التصدي له عبر اعتماد طرق استباقية كاعتماد الرقمنة "طبعا ليست الرقمنة التي تروج لها حاليا وزارة التجارة والتي تستهدف بها ذر الرماد على الأعين" ولكن عدم توفر الإرادة الحقيقية للمضي في هذا الطريق فوت علينا فرصة إرساء نظام تتبع خاصة بالنسبة للمواد الاستهلاكية الحياتية وكان من شأن إرساء نظام رقمي حقيقي أن يمكننا من تتبع مسار قارورة الزيت وعلبة السميد أو السكر أو الأرز انطلاقا من نقطة التعبئة وصولا إلى المستهلك..

ثالثا: ضرورة إعادة النظر في مسالك توزيع الخضر والغلال وذلك بمراجعة دور وكلاء البيع "الهباطة" والذين يمثلون نظريا همزة وصل ما بين الفلاح والتاجر في مقابل عمولة محددة ولكن بالتدقيق في المسألة نجد أنهم في الظاهر هم وكلاء ولكن في الحقيقة هم تجار جملة لهم مستودعات تبريد وشاحنات نقل ويقومون بعمليات الشراء على رؤوس الأشجار "الخضارة" وهذا بإقرارهم الصريح على الرغم من أن القانون يمنع ذلك فما الذي انجر عن ذلك؟

لقد تم خلق مجموعة من الوسطاء الذين يتحكمون في الأسعار على اعتبار أن قاعدة تحديد سعر الخضر والغلال يكون على قاعدة العرض والطلب فكلما توفرت السلع انخفض السعر وكلما شحت التهبت الأسعار... فوكلاء البيع أصبحوا عمليا هم المتحكمون فعليا في الكميات المعروضة للبيع بأسواق الجملة وهم من يختارون تخزينها بعد اقتنائها من الفلاح وترويجها بالمسالك الموازية معتمدين في ذلك على قاعدة "صناعة السعر" أي عرض كميات قليلة فترتفع الأسعار ليتم بعدها اعتماده كقاعدة مرجعية للبيع خارج السوق...

وأكد قمودي انه حان الوقت للعمل على تغيير صفة هؤلاء من وكلاء بيع إلى تجار جملة على الرغم من أنهم ساهموا بقدر كبير في إفشال التجربة الناجحة التي خاضتها في وقت من الأوقات شركة أسواق الجملة ببئر القصعة عبر بناء الرواق عدد 4 والذي خصصته فقط لتجار الجملة ولكن وكلاء البيع تصدوا للتجربة وأجهزوا عليها حتى قبل أن تبدأ".

وفي سياق متصل اعتبر قمودي أن مقاومة الاحتكار تحتم وجود إستراتيجية وطنية في الغرض، وان تبدو غائبة اليوم، فإنها تقوم على العناصر التالية:

أولا : السعي إلى تحقيق أمننا الغذائي، بإعادة النظر في سياستنا الزراعية، وبحسن استغلال مواردنا الطبيعية، والتخطيط لاستغلال أنجع لأراضينا الفلاحية ومواردنا المائية، في اتجاه إعطاء الأولوية للزراعات الغذائية وتحسين مردوديتها، وهذا من شأنه الحد من التوريد، وتوفير حاجياتنا من السوق المحلية.

ثانيا: رقمنة جادة لمسالك التوزيع و مراقبتها بصورة قبلية، الأمر الذي يستوجب  حوكمة  كل من ديوان الحبوب والديوان الوطني للزيت، وجعلهما المسؤول الوحيد على التوريد والتوزيع  وإلغاء نظام التراخيص، المعمول به حاليا في هذه القطاعات، واستبداله بنظام كراس شروط ميسر يسمح بالمنافسة، مع تشديد المراقبة على كل من يشتغل في هذه القطاعات الإستراتيجية.

ثالثا: مراجعة إسناد رخص تجارة المواد الغذائية بالجملة، حيث نلاحظ إسناد هذه الرخص بصورة مكثفة بالمناطق الحدودية، بما يسهل على المهربين أعمالهم.

وشدد قمودي على أن محاربة الاحتكار والتهريب لن تكون ناجعة ما لم نفكك منظومة الفساد برمتها والتي تعبر عنها الدولة العميقة في تونس، متابعا "أنها الدولة العميقة المتمكنة من مفاصل الدولة تقاوم كل نفس إصلاحي يضر بمصالحها، الدولة العميقة لازالت متنفذة في مراكز القرار   وتشتغل ليلا نهارا لحماية مصالحها التي توارثتها على امتداد  عقود

وما لم يتم تفكيكها سيظل الوضع على حاله".

واقصد بالدولة العميقة: مجموعة مراكز النفوذ الاقتصادي والمالي والسياسي التي تسعى جاهدة إلى المحافظة على مصالحها غير المشروعة   متصدية لكل تغيير ايجابي في المجتمع، فالمحتكرون هم أداة طيعة واحد أذرعة الدولة العميقة لهم من يحميهم ويتقاسم معهم المغانم من داخل الإدارة نفسها لذلك وجب الضرب بقوة على هذه الأذرع وتفكيكها.

محمد صالح الربعاوي

بدر الدين قمودي لـ"الصباح": محاربة الاحتكار لن تكون ناجعة ما لم نفكك منظومة الفساد برمتها
  • القضاء على الاحتكار يستوجب مصادرة الأملاك ووسائل النقل وسحب رخص السياقة نهائيا
  • الدولة العميقة لازالت متنفذة في مراكز القرار وتشتغل ليلا نهارا لحماية مصالحها التي توارثتها

قال بدر الدين قمودي القيادي بحركة الشعب، ورئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام، بمجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله، في تصريح خص به "الصباح"، أن مقاومة الاحتكار والتهريب تستوجب القطع مع أسبابه والحد منها قبل مقاومتها والأسباب موجودة، باعتبار أن التوقي من الظاهرة أنجع بكثير من علاجها بعد وجودها.

وعما إذا كانت المقاومة الحقيقية للاحتكار والمضاربة قد تأخرت، اعتبر القمودي انه "للبحث في واقع مقاومة الاحتكار ومدى جديته ثمة مجموعة من النقاط الأساسية وجب الإشارة إليها :

أولا:ضرورة مراجعة المقاربة المعتمدة من طرف أجهزة الدولة لمكافحة الاحتكار والتي تستند بالأساس إلى جانب زجري عفا عليه الزمن(الحجز + الخطايا المالية)..

فأما عن حجز السلع والبضائع على أهميته فلم يكن له أي دور لا في الحد من الظاهرة ولا في انتظامية تزويد السوق "المواطن يستمع يوميا إلى بلاغات الحجز الصادرة عن السلط المختلفة لمواد أساسية كالزيت المدعم والسكر والفارينة والسميد والأرز بكميات تقدر بآلاف الأطنان فهل كان لذلك انعكاس على العرض وهل توفرت بالقدر المطلوب بمجرد إعادة ضخها؟ الجواب طبعا لا "كان من المفروض إعادة النظر في المقاربة الزجرية المعتمدة لأن التاجر الذي يمارس الاحتكار ويستثري بواسطته ويتمكن من جمع مئات الملايين لن يضره لو أجبر ذات مرة على دفع بضعة آلاف من الدنانير باعتماد آلية الصلح مع الإدارة التي تعد أحد أهم أسباب استشراء جرائم الاحتكار والتلاعب بالأسعار خاصة في ظل تولي مسؤولين فاسدين لمهمة تقدير طلبات الإدارة والتي تكون في كثير من الحالات لا تتماشى وحجم الجرم المرتكب حيث يتم التلاعب بعملية تكييف الجريمة الاقتصادية المرتكبة عبر تغيير مضامين محاضر الحجز فتتحول مثلا جريمة الاتجار في مواد مدعمة إلى جريمة الترفيع في الأسعار وشتان بين خطورة الجريمتين...

ثانيا: إن ظاهرة الاحتكار لا يمكن التعاطي معها بأسلوب بعدي ونعالجها باعتماد الأساليب الزجرية... الاحتكار يجب أن يتم التصدي له عبر اعتماد طرق استباقية كاعتماد الرقمنة "طبعا ليست الرقمنة التي تروج لها حاليا وزارة التجارة والتي تستهدف بها ذر الرماد على الأعين" ولكن عدم توفر الإرادة الحقيقية للمضي في هذا الطريق فوت علينا فرصة إرساء نظام تتبع خاصة بالنسبة للمواد الاستهلاكية الحياتية وكان من شأن إرساء نظام رقمي حقيقي أن يمكننا من تتبع مسار قارورة الزيت وعلبة السميد أو السكر أو الأرز انطلاقا من نقطة التعبئة وصولا إلى المستهلك..

ثالثا: ضرورة إعادة النظر في مسالك توزيع الخضر والغلال وذلك بمراجعة دور وكلاء البيع "الهباطة" والذين يمثلون نظريا همزة وصل ما بين الفلاح والتاجر في مقابل عمولة محددة ولكن بالتدقيق في المسألة نجد أنهم في الظاهر هم وكلاء ولكن في الحقيقة هم تجار جملة لهم مستودعات تبريد وشاحنات نقل ويقومون بعمليات الشراء على رؤوس الأشجار "الخضارة" وهذا بإقرارهم الصريح على الرغم من أن القانون يمنع ذلك فما الذي انجر عن ذلك؟

لقد تم خلق مجموعة من الوسطاء الذين يتحكمون في الأسعار على اعتبار أن قاعدة تحديد سعر الخضر والغلال يكون على قاعدة العرض والطلب فكلما توفرت السلع انخفض السعر وكلما شحت التهبت الأسعار... فوكلاء البيع أصبحوا عمليا هم المتحكمون فعليا في الكميات المعروضة للبيع بأسواق الجملة وهم من يختارون تخزينها بعد اقتنائها من الفلاح وترويجها بالمسالك الموازية معتمدين في ذلك على قاعدة "صناعة السعر" أي عرض كميات قليلة فترتفع الأسعار ليتم بعدها اعتماده كقاعدة مرجعية للبيع خارج السوق...

وأكد قمودي انه حان الوقت للعمل على تغيير صفة هؤلاء من وكلاء بيع إلى تجار جملة على الرغم من أنهم ساهموا بقدر كبير في إفشال التجربة الناجحة التي خاضتها في وقت من الأوقات شركة أسواق الجملة ببئر القصعة عبر بناء الرواق عدد 4 والذي خصصته فقط لتجار الجملة ولكن وكلاء البيع تصدوا للتجربة وأجهزوا عليها حتى قبل أن تبدأ".

وفي سياق متصل اعتبر قمودي أن مقاومة الاحتكار تحتم وجود إستراتيجية وطنية في الغرض، وان تبدو غائبة اليوم، فإنها تقوم على العناصر التالية:

أولا : السعي إلى تحقيق أمننا الغذائي، بإعادة النظر في سياستنا الزراعية، وبحسن استغلال مواردنا الطبيعية، والتخطيط لاستغلال أنجع لأراضينا الفلاحية ومواردنا المائية، في اتجاه إعطاء الأولوية للزراعات الغذائية وتحسين مردوديتها، وهذا من شأنه الحد من التوريد، وتوفير حاجياتنا من السوق المحلية.

ثانيا: رقمنة جادة لمسالك التوزيع و مراقبتها بصورة قبلية، الأمر الذي يستوجب  حوكمة  كل من ديوان الحبوب والديوان الوطني للزيت، وجعلهما المسؤول الوحيد على التوريد والتوزيع  وإلغاء نظام التراخيص، المعمول به حاليا في هذه القطاعات، واستبداله بنظام كراس شروط ميسر يسمح بالمنافسة، مع تشديد المراقبة على كل من يشتغل في هذه القطاعات الإستراتيجية.

ثالثا: مراجعة إسناد رخص تجارة المواد الغذائية بالجملة، حيث نلاحظ إسناد هذه الرخص بصورة مكثفة بالمناطق الحدودية، بما يسهل على المهربين أعمالهم.

وشدد قمودي على أن محاربة الاحتكار والتهريب لن تكون ناجعة ما لم نفكك منظومة الفساد برمتها والتي تعبر عنها الدولة العميقة في تونس، متابعا "أنها الدولة العميقة المتمكنة من مفاصل الدولة تقاوم كل نفس إصلاحي يضر بمصالحها، الدولة العميقة لازالت متنفذة في مراكز القرار   وتشتغل ليلا نهارا لحماية مصالحها التي توارثتها على امتداد  عقود

وما لم يتم تفكيكها سيظل الوضع على حاله".

واقصد بالدولة العميقة: مجموعة مراكز النفوذ الاقتصادي والمالي والسياسي التي تسعى جاهدة إلى المحافظة على مصالحها غير المشروعة   متصدية لكل تغيير ايجابي في المجتمع، فالمحتكرون هم أداة طيعة واحد أذرعة الدولة العميقة لهم من يحميهم ويتقاسم معهم المغانم من داخل الإدارة نفسها لذلك وجب الضرب بقوة على هذه الأذرع وتفكيكها.

محمد صالح الربعاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews